#زهدي الداودي#
لا شك أن من يتابع المسألة الكردية، ولا سيما من قبل أولئك اللذين عاصروها منذ ثورة أيلول 1961 التي أشعلها القائد الاسطوري الملا مصطفى البارزاني، يصطدم بجو مكهرب ومخيف تذكرنا بايام قتال الأخوة المشؤومة التي أفرزت أنواع النماذج البشرية التي كانت تتراقص بين الجبهتين المتحاربتين وتجبي من الجانبين كأي سمسار لا يعرف شيئاً عن الوطن والنضال في سبيله.
إن هؤلاء الذين كانوا يتاجرون بأرواح شهداء البيشمركة ويرقصون فوق جثثهم الطاهرة، ويتعاونون مع فاشيي بغداد، قد أصبحوا بعد تقلب الأوضاع مناضلين وكوادر في صفوف الاحزاب الكوردستانية وبدأوا بمحاولات تخريبها من الداخل وإعطائه وجهاً قبيحاً من الخارج. نفس العملية جرت داخل الاحزاب والمنظمات العراقية الاخرى.
وكان أن أدى هذا التصرف إلى إشاعة الروح اللبرالية والفساد ووصل الأمر إلى القادة التاريخيين الذين كانوا يحرصون على إبقاء الثورية في حزبهم الذي تأسس في خضم معارك النضال الثورية التي كان يقودها البارزاني الخالد. وبقيت مسالة الحفاظ على الروح الثورية واجبا أساسيا من واجبات البارزاني الأب الذي كان يتمتع بذكاء فطري يمنحه القابلية لمعرفة عدوه وصديقه. ورغم معرفته بعلاقات القوى سواء على مستوى الوطن أم المنطقة كان يقوم بالاشراف المباشر على عملية تنفيذ الأوامر والتوجيهات الحزبية التي كان البارزاني الآب يؤكد على الابداع والحيوية في تطبيقها.
كان حذراً جدا وجاء هذا الحذر بعد أن خذله عدد من سياسيي الدول الكبرى. ولا تزال هذه اللعبة سارية المفعول من قبل بعض الدول العظمى تجاه قيادة نجله رئيس فدرالية كردستان العراق مسعود البارزاني الذي يعتبر الطالب الاول في مدرسة البارزاني الخالد.
وأخرى مجاورة يراقب ليس كوادر حزبه فحسب، بل وزراءه في الحكومة المركزية اللذين كانوا يدورون معه في خضم مسيرة الكفاح اليومية. وكانت مفردة الثقة المطلقة لا مكان لها في قاموسه. ولذلك كان قد وضع حياته وحياة أولاده وعائلته وعشيرته في خدمة الثورة التي كان يعتبرها بيته وانطلاقا من هذه الموضوعة التي ترفع من شأن المناعة. وتسد الطريق أمام النصابين واللصوص.
هناك مثل حول دور المال وتأثيره على الإنسان جاء فيه:إذا وصل الربح إلى عشرة بالمئة فشىء طبيعي، إذا وصل إلى خمسين بالمئة فالانسان يظل يفكر فقط في الربح أما إذا وصل الربح إلى مئة بالمئة، فان الانسان لا يهمه سوى المال ولا مانع لديه من أجل الوصول إلى المال أن يدوس الجثث ويخون الوطن والعقيدة والأمة
في ضوء هذا المقتطف القصير، نستنتج أن المال يستطيع أن يفسد الانسان، لا بل يحوله إلى غول مفترس، ولكن ماذا يفعل هذا الغول بهذا البيدر من الدولارات. فيما مضى، حين كانت البيشمركه تخوض معركة النضال المسلح ضد الدكتاتورية والاستبداد، تأكل ما ياكله الفلاحون. وكان أفراد القيادة يتوزعون بين أفراد الكتائب ويتبادلون الاحاديث معهم في مختلف أنواع الميادين. وأحيانا ينقطع الطعام بسبب تطويقهم من قبل العدو ويضطرون ان يقاتلوا ببطون جائعة.
أما الآن فنحن في وضع آخر يختلف اختلافا كلياً عن العهود السابقة. لقد حققت الحركة الكردية خلال أربعين عاما ما لم تحققه خلال ألف عام. وهي تملك الآن مختلف أنواع الاسلحة المتطورة. وتمكنت أن تنال رضا الاميركان والاتحاد الاوربي عسكريا ومدنيا في عملية تحرير مناطق واسعة، احتلتها قوات دعش. وأما بالنسبة إلى النظام الفدرالي في كوردستان العراق فهو سائر في طريق التقدم. ويجري العمل من أجل منح صلاحيات أوسع للنظام الفيدرالي. ومن الجدير بالذكر أن قوات البيشمه ركة قد نشرت وحداتها في كركوك. فلولا هذه الحماية المضمونة من قبل البيشمه ركة، لأصبحت كركوك أسوأ من الموصل، إذ أن الاسلحة التي تملكها تشكيلات عصابات دعش هي نفس الاسلحة التي حارب بها صدام حسين وحدات الجيش الايراني. بكلمة أوضح يمكننا أن نقول بأن صدام حسين كان يملك أحسن الاسلحة الألمانية والانكليزية والفرنسية التي أخفاها صدام في مجاهل الصحراء، هذا إلى جانب مليارات الدولارات التي أستولى عليها عزة الدوري وبطانته من البنك المركزي العراقي وهي الآن تحت تصرف رغد.
إنهم في قتالهم المستميت من أجل استلام السلطة يرفعون شعار: عليّ وعلى أعدائي يا رب.
وهناك أحادبث وهمسات تعلو أحياناً فتسمعها، تتكلم عن نية القيادة الكردية في طرح موضوعة الانفصال وتشكيل الدولة الكردستانية الديمقراطية. إنهم في ادعاءاتهم هذه يهدفون إلى بث الرعب في صفوف القوى العاملة التي تعمل من أجل اجتثاث جذور دعش. ومحاولين القاء تبعة سرقة مليارات الدولارات على عاتق القوى التي تعودت على سرقة أموال الشعب. تلك الأموال التي تصرف بسخاء من أجل هدم صروح الحضارة التي انحنى أمامه التاريخ منذ الاف السنين.
دور الاقتصاد في الثورة
كان البرزاني الأب الذي أشعل ثورة أيلول 1961 في القرن الماضي على علم تام بوضع شعبه المشتت وتاريخه النضالي الحافل بالتمردات المحلية الفاشلة منذ سلفه عبد السلام البارزاني. وعرف بطبيعته الفطرية والخبرات المتراكمة من قيادته للحركة الكردية في أربعينات القرن الماضي بالعراق واشتراكه في قيادة وتاسيس جمهورية مهاباد في ايران هذا الشعب الذي تقاسمته أريع دول بشكل بشع لا يمكن أن يتحرر إلا من قبل قيادة حكيمة تقوم بالثورة ليس من أجل نيل الحكم الذاتي فحسب، بل تغيير الحياة الاجتماعية البالية والقضاء على العلاقات الاقطاعية الاستغلالية. وأدرك الملا مصطفى البارزاني أن الوضع الحالي يختلف عن أجواء فترة العهد العثماني. وشاهد في فترة نشوء وأفول جمهورية مهاباد، أن قيام جمهورية صغيرة في أحد الاجزاء الاربعة عملية غير ناجحة تجاة أربع دول قوية. ولا شك أن طراز الحياة المدنية التي عاشها في الاتحاد السوفييتي من خلال دراسته الاكاديمية التي منحته لقب الجنرال، قد لعبت دورا بارزا في تحديد الصفة الايديولوجية للحكم والتي اتخذت اسلوب العلمانية والحكم الديني ضمن قيادة موحدة، نهجاً لها.
ونرى ثمة عامل آخر لعب دوراً حاسماً في تحديد مسار الحركة الثورية الكردية في العراق وهو كيفية تزويد البيشمه ركة بالارزاق والملابس والحاجيات الاخرى، منها مساعدة عوائلهم.
كان البارزاني الأب على علم تام بهذه النقطة الحساسة التي هي بمثابة شريان دم يزود البيشمه ركة بالمال. ورأى البارزاني الأب بحضور أولاده وأقرب المقربين إليه من كاتمي أسراره أو بالاحرى كاتمي أسرار ثورته، أن الثورة لا يمكن أن تندلع بدون توفر الخبز اليومي الذي هو مطلب حياتي ورأى بفطرته أن هذا الخبز يوفره الشعب الكردي المتكون من الفلاحين البسطاء الذين سيتقاسمون خبزهم مع الفلاحين الذين سيؤيدون الثورة بدون قيد أو شرط. هنا، ينبغي أن نعرف مدى أهمية فرز طبقة فلاحية جديدة واخراجها من دائرة علاقاتها البارترياركية واضعة إياها في صفوف الثوار الذين سيجلبون معهم عدائهم التقليدي ضد الاقطاعيين الذين يتكؤون على السلطة في حفاظهم على امتيازاتهم. ومما يحمي هذا الجانب بقوة هو كون عشيرة البارزان تعتبر دينية محظة غير استغلالية. وإلى جانب هذه القوة المضمونة كان البارزاني يؤكد على أتباعه بأن السلاح موجود بيد العدو وما عليه سوى إنتزاعه منه. وباسلوبه الجديد هذا تمكن من تحويل الثورة إلى بيته الذي تنطبق عليه المعادلة الآتية:
الثورة بيت البيشمه ركة
والبيشمه ركة بيت الثورة
اعتمد البارزاني الأب على السرية التامة في تسيير أمور الثورة وكانت الجهة التي يعتمد عليها هم أولاده وأصدقاءه.
نستنتج مما تم ذكره بأن الملا مصطفى البارزاني قد لعب دوراً حاسما في قيادة الحركة الكردية وثورتها وأن هذه الثورة قد استخدمت مفاهيم جديدة مثل:العلمانية والدينية، الديمقراطية، الحكم الذاتي، الفدرالية، الاستقلال الذاتي، حق تقرير المصيرالخ الدولة المدنية...الخ
لعب البارزاني الأب دورا حاسما في تربية أبنائه ولا سيما في استيعاب مفهوم العلمانية، وربطها بمجال الدين وتمكن نجله مسعود أن يلعب دورا كبيراً في تحديث مبادئ الديمقراطية والفدرالية. ولعب ومازال يلعب دوراً كبيرا في تطبيق ونشر مبادئ والده.
أصبحت عائلة البارزان في الفترة الأخيرة هدفا لا رحمة فيه. وتحولت المفاهيم التي يعتز بها البارزاني الاب إلى مجرد خيالات لا مع الحياة المدنية. يبدو أن الجهود التي بذلها قائد الشعب الكردي من اجل استيعاب مفهوم الأمة غير صحيح قال آخر:
إنهم يتفاوضون
وتدخل سيارة ليموزين جديدة ينزل منها ثلاثة رجال، يبدو عايهم انهم جاؤا ليتناول أكلة خفيفه.[1]