برادوست ميتاني
من المعلوم أن الحضارة القديمة للبشرية في تبلورها الثاني والرئيسي قد ازدهرت من ميزوبوتاميا العليا، أي المنطقة العليا من نهري دجلة والفرات، منذ آلاف السنين، وبالذات من المرکز، حيث توجد سلاسل جبال زاغروس وطوروس التي تشغل قلب کوردستان، ومنها انتشرت نحو السفلی، أي سومر وکذلک نحو سوريا ومصر وأوروبا وآسيا وغذت الحضارة العالمية، وبهذا تکون قد انتشرت من موطن الکرد، کردستان، وذلک قبل أن يشکل الکرد أمة منفصلة عن أبناء عمومتهم -اڵاريين – الذين هاجروا من مناطق جبال زاغروس وطوروس وما تليهما في الجنوب عبر الشرق باتجاه الهند وغيرها، وعبر البحر الأسود إلی أوروبا وأمريکا، هؤلاء الذين يشکلون جميعهم مع الکرد آرومة عرقية واحدة وهي اڵارية.
أصل تسمية الکرد
يرد اسم کرد في کتاب أنابازيس للمؤرخ کزينفون باسم “کوردو” عندما يتحدث عن ڕحلة الألف الشهيرة بعد انتهاء الحروب الميدية وخروج الجنود اليونانيون من سجون الإخمينيين الفرس عام 401 ق م، وکان حينها کزينفون ضابطاً في صفوفهم، يقول: “في طريقنا وصلنا إلی منطقة تسمی جزيرتا کوردو، وکان أهلها شديدو البأس”، ويقصد بها جزيرة بوطان.
لن أخوض هنا في عشرات التسميات – کما يفعل العديد من الباحثين – عن أصل اسم الکرد في اللغات الغريبة، بل سأکتفي بأصل التسمية في اللغة الکردية فقط:
بقناعتي أن اسم “کرد” مشتق من خور، أي الشمس، وقد لحق به حرف الدال (د) عبر التداول مع مرور الزمن فأصبح الاسم “خورد” مثلما يحدث مع بر Bir فأصبح برد أي “أخذ ومع” وبرPir أي الجسر، وأصبح برد Pird وکذلک کور Gur فأصبح کورد Gurd أي الذئب ومر Mir أصبح مرد Mird أي مات، وهکذا إلی آخره، خاصة في اللهجة الکردية الصورانية، وکثيراً ما ينقلب حرف الخاء في اللغة الکردية إلی الکاف، لذا خورد Xurd صارت کورد KURD مثل ميرخانMîrxan وميرکان Mîrkan، وهکذا ثم لسهولة اللفظ استقر اسم کور Kur في مناطق من کردستان علی صيغة کو KU أي الجبل (العلو) لأن کو المأخوذة من خو مخففة من خور Xur التي هي الشمس العالية، فاستمد الکرد اسم الجبل من علو الشمس، لذا فإن العديد من الباحثين – منهم المفکر القائد عبد الله اوجلان – يقولون أن اسم کرد مشتق من کو- تي أي سکان العلو، أي سکان الجبال، لذا ظلت کردستان لفترة طويلة تحمل اسم إقليم الجبال في الدولة الإسلامية.
بهذا التحليل وبانسيابية ديناميکية لغوية وصلنا إلی معنی کردستان الذي هو خورد – ستان أي بلاد أو موطن الشمس Welatê Roj وهذه هي حقيقة وطننا کردستان لما لها علاقة بميثولوجيتنا الکردية ومکانة وقدسية الشمس فيها، وإن تسمية باحثنا التاريخي الأستاذ عبد الله الشکاکي لکتابه مؤخراً في تاريخ الکرد باسم “وطن الشمس” ليس من باب الصدفة. أما من حيث صلتنا وتشبثنا بأرضنا ووطننا فيؤکد التاريخ حقيقة وهي أنه مهما توزع أو تنقل الکرد، فقد کانوا ينتقلون داخل وطنهم کردستان ولم يهاجروا إليه من مناطق أخری، وإنهم ما زالوا يعيشون علی أرضهم، منذ تاريخ البشرية، أي منذ إنسان آرکتوس الذي يرجع وجوده في کردستان إلی أکثر من مليون سنة، والنبي نوح وسفينته التي استوت علی جبل جود (6000) Gotî سنة قبل الميلاد وولده يافث الذي ينحدر منه اڵاريون ومروراً بالکوتيين والهوريين والسومريين والإيلاميين والکاشيين والسوبارتو واللولو والميتانيين والمانيين والکالتيين والميديين وغيرهم من أجداد الکرد القدماء، وما أقامه الکرد من دول ودويلات وحکومات علی أرضهم في کردستان خلال العصور الوسطی أو في فترات ما عانوه فيها من حرمان وغبن واضطهاد علی أرضهم في التاريخ المعاصر، وبل استمراراً في تمسکهم بوطنهم حتی اڵان، فبذلک يکون الکرد قد سبقوا الأمم الاخری في وجودهم في هذه المنطقة، أي في کردستان وميزوبوتاميا (Mezra botan)، وهذا ما أکده العديد من الأرکولوجيين والباحثيين وفي مقدمتهم المفکر العراقي الراحل هادي العلوي والمفکر الکردي القائد عبد الله أوجلان.
أقسام اڵاريين Arî: کانت موزوبوتاميا منبع الشعوب وحضاراتها، وقد انتشرت باتجاه آسيا وأوروبا قبل أن تتشکل القوميات وخاصة في الحقبة الجليدية الأخيرة التي کانت حوالي الألف العشرين قبل الميلاد، کما أنها ظلت هکذا حتی ظهور اڵاريين في الألف الثاني قبل الميلاد وما تلاه في منطقة ميزوبوتاميا الذين أکملوا مسيرة الانتشار عبر شمال بحر الخزر (کاسبين – قزوين) وخليج اللور (العربي أو الفارسي) نحو منطقة القفقاس والهند وروسيا وغيرها، وعبر البحر الاسود نحو أوروبا وأمريکا مع بقاء الکرد في مناطقهم الأصلية في کردستان، لذا يمکن وفق تلک الهجرات تقسيم اڵاريين إلی المجموعات التالية:
1- المجموعة الغربية (هندو أوروبي) وهم: هيتي (حيثي)، إيطالي. فرنسي، يوناني، إسباني، ألماني، هولندي. إنکليزي، أيرلندي، وايلزي، لاتفي، ليتواني، ڕوسي، تشيکي، بولوني، أوکراني، صربي، کرواتي، بلغاري، أرمني، ألباني.
2-المجموعة الشرقية؛ (هندوآري) – وهم ثلاث فئات:
الأولی قديمة: جودي، إيلامي کاشي، هوري sorî، سوباري، لولو (لولوبي) ميتاني، کالتي، مانناي، کاردوخ Kurdox.
الثانية وسطی: سنسکريتي، ميدي، فارسي، هندي.
الثالثة حديثة: الشعب الکردي الحالي، تاليش، بلوش، أفغان، تاجيک، أوستي، باکستاني، سنغالي.
يقول المؤرخ ميجر سون: نحن السکسون أحفاد هؤلاء الکرد الکالتيين، خرجنا من کردستان. وکذلک يقول ويلي ديورانت: إن الجرمانيين (أي الألمان والإنجلو والفرنسييين والإنکليز وغيرهم من الأوربيين) أحفاد الکالتيين Xaltî الذين هاجروا من کردستان، کما إن القيصر الروماني ألقی تسمية بيريتان Bêrîtan علی الإنکليز فسميت دولتهم بريطانيا، ومن المعلوم أن اسم بيريتان هو اسم لقبيلة کردية.
ما سبق وطرحناه کان بحثاً مختصراً عن أصل الأمة الکردية التي تعود جذورها إلی التاريخ الغابر، أي قبل أن تتشکل القومية الکردية وکذلک بعد أن تشکلت وانفصلت عن أخواتها من اڵاريين کالهنديين والباکستانيين والأفغان والفرس والألمان والروس والإنکليز والفرنسيين وغيرهم من اڵاريين، وذلک دليل علی أن الکرد أمة عريقة وأصيلة، تعيش علی أرضها منذ بداية ظهور البشرية، علی أرض ميزوبوتاميا بشقيها العلوي والسفلي، ليس کما سعی إليه المستعمرون البائسون لأهداف سلطوية دنيئة في تشويه ومحو وجود الکرد الحضاري الکبير في المنطقة والعالم.[1]