أين هنَّ نساء الأنفال المفقودات منذ 33 عاماً؟ (4)
قالت عطية حسين محمود التي فرت مع أطفالها من القوافل قبل وصولهم إلى معسكرات الموت كنت حاملاً ولدي ثلاثة أطفال صغار أيضاً، ذهب زوجي لإحضار بعض الأشياء ولم يعد إلينا مرة أخرى. شعرت بالخوف وهربت مع أطفالي من القافلة
'من بين أربعة أطفال لم يتبق لي سوى ابن واحد'
السليمانية . ومن بين أربعة أطفال لم يبقى لي سوى ابن واحد فقط. لقد عملت بجد من أجل رعاية ابني وتعليمه.
بدأت هجمات حملات الأنفال الأولى بالأسلحة الكيماوية والغارات الجوية والمداهمات البرية. تم جمع الأشخاص الناجين من الهجمات الكيماوية والغارات الجوية ونقلهم إلى مخيمات ليلان وشاربجر وتوبزافا وتاقتات. ومن هناك تم نقلهم بالشاحنات إلى أماكن مجهولة ولم يتم الحصول على معلومات عنهم مرة أخرى. كما بينت النساء الناجيات بطريقة ما من قوافل الموت تلك، أن عشرات الأشخاص قُتلوا رمياً بالرصاص ودُفنوا في مقابر جماعية. وتقول عطية حسين محمود إحدى تلك النساء اللواتي هربنَّ من القافلة والتي كانت حاملاً في ذلك الوقت ونجت من الأنفال مع ابن واحد فقط، إنها مازالت منتظرة ولم تفقد الأمل أبداً.
وصفت عطية حسين محمود تلك اللحظات التي أصبحت كوابيساً تراها دائماً كالتالي كانت الطائرات تلقي علينا قنابل الغازات السامة كل يوم في عام 1987. ففي الليل نختبأ في الكهوف، ونعود نهاراً إلى منازلنا. كان هذا جلُ ما نقوم به طوال تلك السنة. لم يبقى هناك شيء لم يجربوه علينا. وعندما وجدوا أنهم لم يتمكنوا من القضاء علينا بالقصف والغارات الجوية، بدأوا بالعمليات البرية هذه المرة. وفي عام 1988 داهمت القوات البعثية المنازل وأخرجونا منها بالقوة. لم يتركوا أحد، فأخذوا من اعتقلوه معهم وأخرجوا البقية. حاصرنا الجنود واقتادونا بعيداً...
ذهب والد أطفالي ولم يعد أبداً
أشارت عطية محمود إلى أن الجنود لم يسمحوا لهم بأخذ شيء معهم عندما أخرجوهم من منازلهم وأضافت قائلةً أخرجونا من منازلنا، صرخوا وهددونا كثيراً لدرجة أننا لم نأخذ معنا أي شيء. لا طعام ولا شراب ولا حتى ثياب الأطفال. عندما أخرجونا من المنازل قاموا بتجميعنا في قافلة كبيرة واقتادونا بعيداً. عاد زوجي إلى المنزل لإحضار بعض الأشياء للأطفال ثم يرجع للالتحاق بنا. لقد ذهب ولم يعد مرة أخرى... وبحسب من رآه عندما ذهب زوجي وآخرون لإحضار بعض الأشياء من منازلهم، تم اعتقالهم أثناء العودة من قبل الجنود. غير ذلك لم نعرف عنه أي شيء. وفي ذلك الوقت فُقد العديد من أقاربنا وحتى الآن لا توجد معلومات عنهم. ولأننا لم نرى حتى رُفاتهم مازلنا ننتظر عودتهم، ويمكن أن يظهروا يوماً ما في مكانٍ ما. فنحن أيضاً هربنا من القافلة الكبيرة واختبأنا. كنت خائفة من أولئك الجنود، لذا هربنا بطريقة ما وذهبنا بعيداً واختبأنا.
لم يتبقى لي سوى ابن واحد من أربعة أطفال
هكذا تحدثت عطية محمود التي كانت حاملاً في ذلك الوقت واختبأت مع أطفالها خوفاً من الوقوع في أيدي الجنود مرة أخرى عن الصعوبات التي عانتها في ذلك الوقت وقالت كنت امرأة حامل ولدي ثلاثة أطفال وهاربة من الجنود وأسيرة في تلك البراري. لا أعرف إلى أين أنا ذاهبة، ومن أجل إنقاذ حياة أطفالي همتُ في الصحراء، إلى أن وصلنا إلى مكان وسكنا في أحد المباني وبدأت البحث عن فرصة للعمل. كنت أعمل حتى المساء لأتمكن من إطعام أطفالي. من بين أربعة أطفال لم يتبقى لي سوى ابن واحد. أخذ الوقت يمر سريعاً في تلك الظروف الصعبة. كبر ابني وكان لا بد لي من أرساله للدراسة. لم يكن لدينا أي أحد، لذا توجب عليَ أن أفعل أي شيء من أجل تعليمه. لم يكن لدينا هوية، ولم يقبل أحد ابني في المدرسة، كما لو أننا غير موجودين، لم يكن لدينا لا اسم ولا هوية. قمت بتسجيله بصعوبة، واشتريت له الكتب من أجري وأرسلته للدراسة.
بقيت مرآة ذكرى من زوجي
ذكرت عطية حسين محمود إنه لم يتبقى من ذكرى زوجها سوى مرآة وتابعت سأتحدث عن تلك الأيام والأشياء التي رأيتها بعيني إلى أن أموت وأدفن في القبر مثل أولئك الذين قُتلوا... لم أفقد الأمل بعودة زوجي وأقاربي، أقول دائماً لربما يأتي أحدهم حاملاً لي بُشرى وجودهم على قيد الحياة. لم يتبقى سوى مرآة ذكرى زوجي. وأنا انتظرهم منذ 33 عاماً، ولن أصدق أنهم ماتوا حتى أرى رفاتهم. أقول لنفسي ربما يكون محتجزاً في بلد ما وقد يعود يوماً. أفكر فيهم طوال الوقت وأحياناً أغني أناشيد عنهم. ما زلت أعيش في الأيام التي سبقت الأنفال. أنا باقية لأعود إلى تلك الأيام.
غداً: صبرية أحمد كريم التي نجت مع طفليها من بين قوافل الموت في الأنفال.
[1]