أين هن نساء الأنفال المفقودات منذ 33 عاماً؟ (2)
تقول صبرية أحمد سالم إحدى سكان قرية داويان التي كانت مع أطفالها في معسكرات نظام البعث بناحية دبس في محافظة كركوك خلال عملية الأنفال ذات يوم داهم الجنود قريتنا، وبعد الكوارث والمآسي التي مرت أمام أعيننا مثل الأفلام، وجدنا أنفسنا في دبس. لم نستطيع الخروج، فقد كنا محاصرين من قبل الجنود.
لا يزال 22 شخصاً من أهالي قرية داويان مفقوداً السليمانية
كان نظام البعث يستعد لمجزرة الأنفال منذ عام 1986.وتم إجراء إحصائية السابع عشر من شهر تشرين الأول عام 1987 للغرض نفسه، أي من أجل معرفة تعداد سكان المنطقة وإجراء استعداداتهم وفقاً لذلك. بعد تسجيل الأشخاص الذين يعيشون في هذه المناطق في القيود تم اتهامهم بأنهم عملاء لإيران. وفي إطار قرارات علي حسن المجيد الذي سبق أن خدم في كركوك، تم توسيع المنطقة الكردية المعروفة باسم المنطقة المحظورة. حيث قال علي في اجتماع لمحافظي أربيل وكركوك ودهوك والسليمانية في قرى المناطق المحظورة يجب ألا يبقى منزل غير محترق. قرية داويان هي إحدى قرى المنطقة الريفية التي تعرضت للإبادة الجماعية وظلت في حداد منذ سنوات.
بدأت الحياة في قرية داويان مع شروق الشمس
كانت الحياة في قرية داويان تبدأ مع شروق الشمس. ومن يستيقظ بعد شروق الشمس يعتبر نفسه مذنباً أو منبوذ ويشعر بالخجل. لذلك كان كل شخص جاهزاً قبل شروق الشمس ومستعداً للذهاب إلى العمل. كان القرويون يعملون بالمقاولة، وكل يوم دور أحد البيوت في الحصاد. كان القرويون يعملون معاً لذا ينهون عملهم بسرعة. فيبدئون العمل مع شروق الشمس ويعودون إلى القرية معاً عند اشتداد الحر. أبسط حياة كانت موجودة في تلك القرى. وقد تم التخطيط للأنفال من أجل اقتلاع جذور الحياة الطبيعية والانسجام. وخوفاً من عدم النجاح والفوز على الثقافة القديمة للقرى صدر الأمر بحرق القرى ونهبها.
استذكرت صبرية أحمد سالم إحدى سكان قرية داويان الوضع في القرية قبل الأنفال بهذه الكلمات كانت حياتنا بسيطة جداً. ونعيش ونعمل بسعادة، لذلك لم نشعر بصعوبات الحياة. كنا نعمل معاً ونساعد بعضنا البعض. وفجأة وجدنا أنفسنا محاصرين بالغازات الكيماوية والعمليات البرية. لم يعلم أي شخص شيئاً عن الآخر ولم نعرف كيف نجونا وبقينا على قيد الحياة. لطالما بقيت الحياة القروية تلك حلماً في المنفى، لذلك كنا نتوق للعودة ونستذكرها بالدموع دائماً.
لا يزال 22 مواطن من قرية داويان مفقوداً
هكذا تحدثت صبرية سالم عن اللحظات الأولى لعملية الأنفال في صباح ذات يوم جاء الجنود إلى قريتنا. كنا خائفين من عيونهم الغاضبة، هاجمونا بجنون ووحشية. قبضوا علينا نحن العائلة بأكملها وأخذوا كل واحد منا إلى منطقة. اقتادونا إلى سيروان وبقينا فيها ليلتين، ثم إلى قضاء دبس في كركوك، وبقينا في دبس ستة أشهر. كنا محاطين بالجنود ولا نستطيع التنفس، ولم نجد طريقة للخلاص. لم يكن لدينا طعام ولا أواني نأكل فيها، ولا حتى شيء نتغطى به لنقي أنفسنا من البرد. وبسبب الظروف الصعبة مرضنا جميعاً، وعند تدهور حالة بعض المرضى جداً كانوا يُنقلونهم إلى مشفى دبس العسكري. في بعض الأحيان كنا ننظم المرضى للذهاب إلى المشفى من أجل الالتقاء بالناس وطرح الأسئلة ومعرفة ما حدث وحل بأقاربنا. لكنهم لم يكونوا يمنحون الشخص المريض فرصة لرؤية أحد. وحتى الآن لم ترد أي معلومات عن 22 شخصاً مفقوداً من أقاربنا في قرية داويان.
وصفت صبرية سالم عملية التحرر من النظام كالتالي كان يوم ثلاثاء، وكان يوجد تلفاز في سجن الأمير حيث كنا محتجزين، سمعت فتاة تركمانية نبأ صدور العفو وصرخت بصوت عالٍ ونادت قائلةً لقد صدر العفو... لم نتمكن من الصبر والانتظار أكثر من ذلك، وانهالت دموعنا جميعاً من الفرح. وعلى الرغم من أننا لم نكن متأكدين ولا نعرف بالضبط ما هي خططهم التالية بالنسبة لنا، إلا أننا سنخرج من هذا العذاب. فلم يتبقى أي شيء ولم يحدث لنا، لذلك لم نهتم بخططهم المستقبلية بشأننا، مجرد أننا سنخرج كان كافياً بالنسبة لنا. بعد يومين نشر الجنود بُشرى خلاصنا وحريتنا في كل المهاجع. ومع صدور القانون بدأوا بتسجيل أسمائنا وعدنا إلى ديارنا. أصابنا الذهول، نعم المكان هو نفسه لكن لا شيء فيه كما السابق!.. فلم نجد لا بيتاً ولا كرماً ولا ماشية. كانت رائحة النهب والموت تفوح من كل مكان. لم نستطع العيش في أرض الموت تلك، فإعادة بناء الحياة في مثل هذا المكان أمرُ صعب للغاية. أمسكت بيد أطفالي وتوجهت إلى كلار. لا زلت حتى الآن أعيش في كلار. وبقيت تلك السنوات التي قضيناها في قريتنا داويان في أحلامي...
ذكرت صبرية سالم أنه حتى بعد الإفراج عنهم لم تكن الحياة سهلة، فمن ناحية كانوا يبحثون عن أثار المفقودين ومن ناحية أخرى يحاولون بناء حياة جديدة لأطفالهم، وتابعت قائلةً تم الإفراج عنا، ولكن لم نجد مكان نسكن فيه. قمنا بإصلاح بيت مهدم وغطيناه من الداخل بالنايلون كي نستطيع البقاء والسكن فيه. وضمن تلك الظروف الصعبة والقاسية استطعت تأمين آلة خياطة لأخيط الملابس وأتدبر أمور معيشتي أنا وأولادي. كنت الأب والأم والمعيل لأطفالي. وبسبب عدم كفاية الدخل الذي أجنيه من الخياطة لإعالة أطفالي عملت في أحد المخابز أيضاً، بعد ذلك تحسن وضعنا. فبالإضافة إلى الأشياء التي رأيناها والمآسي التي لا تزال أثارها حية في ذاكرتنا، أجبرتنا مصاعب الحياة أيضاً على مكابدة العناء والشقاء. كبر الأطفال الآن، ويتدبرون أمور معيشتهم بأنفسهم.
غداً: خطفوا زوج شهزادة حسين محمد التي كانت في زمن الأنفال عروساً متزوجة حديثاً وحاملاً ولم يعيدوه إليها مرة أخرى.
[1]