#معاهدة لوزان# التي شكلت تركيا الحديثة لا تزال تنكأ جراح الكرد والأرمن
لوزان (سويسرا) - لا تزال #معاهدة لوزان# التي شكلت تركيا الحديثة تحظى بتقدير البعض، لكنها تمثل في الوقت نفسه مصدرا لخيبة الأمل وتنكأ جراح آخرين من بينهم الكرد والأرمن الذين كانوا يأملون في إقامة مناطق لهم تتمتع بحكم ذاتي وأن تأخذ العدالة مجراها في ما يتعلق بجرائم الحقبة العثمانية.
ووردت بعض هذه الآراء في معرض حمل اسم “حدود” نظمه متحف تاريخ المدينة السويسرية لتسليط الضوء على أهمية المعاهدة التي جرى توقيعها بعد الحرب العالمية الأولى، وذلك بعد مئة عام على توقيعها بين تركيا وقوى متحالفة منها بريطانيا وفرنسا في -24-07- 1923.
وأحيا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذكرى ببيان أصدره العام الماضي، وأشاد فيه ببنودها وقال إن تركيا تراقب بدقة متناهية تنفيذها. وقالت سيفجي كويونجو التي ولدت في قرية كردية وتعمل الآن في لوزان في مقابلة جرى تصويرها في القصر الذي شهد توقيع المعاهدة إنها تجاهلت شعبها.
وشارك نحو ستة آلاف متظاهر كردي في مسيرة جابت أنحاء المدينة السبت ورفعوا فيها أعلاما وشكلوا سلاسل بشرية. وأما بالنسبة لمانوشاك كارنوسيان، التي تقيم في سويسرا وسبق أن فر أجدادها الأرمن في أوائل القرن العشرين مما صارت اليوم تركيا، فإن المعاهدة بمثابة “إبادة جماعية ثانية.
وقصدت كارنوسيان بذلك مذابح 1915 والترحيل القسري للأرمن إبان الإمبراطورية العثمانية، وهو ما تصنفه العشرات من الدول حاليا على أنه إبادة جماعية فيما تنفيه تركيا التي تقول إن الآلاف من كل من الأتراك والأرمن قتلوا في أعمال عنف عرقية. وتابعت “لا يمكنك أن تنسى. عليك أن توضح ما الذي تعنيه (هذه المعاهدة)”، معتبرة أنها “نقطة الانطلاق لإنكار ما حدث” للأرمن.
وقال خيرالدين أوزتكين، وهو عضو في المركز الثقافي الكردستاني، “نريد الإفادة من هذه المئوية لكي نظهر للعالم بأسره أن القضية الكردية لا تزال بلا حل”، مندّدا ب”تداعيات معاهدة لوزان” وعواقبها “المأسوية” التي ما زال الكرد يعانون منها.
والمعاهدة بحسب المركز الثقافي الكردستاني “أقرت توزيع الشعب الكردي على أربع دول هي تركيا والعراق وإيران وسوريا، وهي دول فاشلة ديمقراطيا إلى حد كبير”.
وفي تركيا تخلّت القوى الكبرى عن الكرد “لدولة تركية قومية وعنصرية، ما أدى إلى قرن من المجازر وعمليات التهجير القسري وسياسات القمع والاستيعاب”، بحسب المركز الثقافي الكردستاني.
وقال المتحدث باسم المجلس الديمقراطي الكردي في فرنسا بيريفان فرات إن “الشعب الكردي، على غرار جميع شعوب العالم، يطالب بالحق في العيش بهويته على أرضه”. وأضاف هذه المعاهدة فتحت الباب أمام كل المضايقات وكل المذابح بحق الشعب الكردي. وتابع منتقدونا هم أسوأ الدكتاتوريين في الشرق الأوسط وقد حان الوقت لإلغاء تجريم الحركة الكردية وقبل كل شيء لمراجعة معاهدة لوزان التي لا قيمة لها بالنسبة إلينا. إنها باطلة ولاغية.
ومن بين التداعيات التي نجمت من المعاهدة تبادل قسري للسكان بين تركيا واليونان. وألحق شرق الأناضول بتركيا الحالية في مقابل تخلي الأتراك عن المطالبة بمساحات في سوريا والعراق كانت ضمن أراضي الإمبراطورية العثمانية. وتُرك الأرمن والكرد على الهامش وتم تجاهل طموحاتهم المتعلقة بإنشاء كيان لهم.
وقال كاردو لوكاس لارسن (41 عاما)، المقيم في الدنمارك، نعلم أنه لا يوجد بلد يمكنه مساعدتنا (..) في اتخاذ القرار الصحيح لحل المشكلة الكردية”. وأضاف تظاهرة كهذه تجمع الشعب الكردي وتمنحنا الشعور بالانتماء إلى وطن.
وقال جوناثان كونلين، المؤرخ في مشروع يدرس تداعيات المعاهدة، إنه رغم أنها قوبلت بحفاوة في ذلك الوقت باعتبارها فرصة لتحقيق سلام دائم فإنه ينظر الآن إلى بعض نتائجها على أنها “خطأ فادح” مثل تبادل ترحيل أكثر من 1.5 مليون من اليونانيين والأتراك. وأضاف “أعتقد أنها (المعاهدة) صمدت لأن الجميع غير راضين عنها بنفس القدر”.
تقر أنقرة أن نحو 500 ألف شخص قتلوا في تلك المجازر، إلا أنها تقول إن معظمهم قتل بسبب القتال والمجاعة خلال الحرب العالمية الأولى عندما انتفض الأرمن ضد الحكام العثمانيين، ووقفوا إلى جانب الجنود الروس الغزاة. كما تصر تركيا على الزعم بأن ما وقع من مجازر فظيعة وإبادة جماعية كارثية بحقّ الأرمن في الرابع والعشرين من أبريل 1915، وما تلاها في الأحداث التي وقعت بين عامي 1915 و1917، لم يكن إبادة جماعية، وتصف تلك الأحداث بالمأساة لكلا الطرفين.
ويقدر الأرمن بمليون ونصف مليون عدد الذين قتلوا منهم بشكل منهجي خلال الحرب العالمية الأولى على أيدي قوات الإمبراطورية العثمانية التي كانت حينذاك متحالفة مع ألمانيا وإمبراطورية النمسا - المجر، وهم يحيون ذكرى هذه الحملة في الرابع والعشرين من أبريل من كل عام.
وكانت الهضبة الجبلية العظيمة في شرق الأناضول، وهي في شرق تركيا حاليا، مأهولة لعدة قرون بشكل أساسي من قبل الأرمن المسيحيين الذين تقاسموا المنطقة مع الكرد المسلمين، بحسب دائرة المعارف البريطانية. ىوحكمت المنطقة في العصور القديمة والوسطى سلسلة من الأسر الأرمنية على الرغم من أنها غالبا ما واجهت توغلات من قبل قوى خارجية.
وانتهى الاستقلال السياسي الأرمني إلى حد كبير نتيجة سلسلة من الغزوات والهجرات من قبل الشعوب الناطقة بالتركية بداية من القرن الحادي عشر، وفي القرنين الخامس عشر والسادس عشر تم بسط سيطرة الأتراك تماما على تلك المناطق ودمجها في الإمبراطورية العثمانية الشاسعة.
وتقول دائرة المعارف البريطانية إن المشاعر المعادية للأرمن تحولت إلى أعمال عنف جماعية عدة مرات في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. فعندما رفض الأرمن في منطقة ساسون في عام 1894 دفع ضريبة جائرة قتلت القوات العثمانية الآلاف من الأرمن في المنطقة. وبدأت سلسلة أخرى من عمليات القتل الجماعي في خريف عام 1895 عندما تحول قمع السلطات العثمانية لمظاهرة للأرمن في إسطنبول إلى مذبحة.
وإجمالا، قُتل مئات الآلاف من الأرمن في مذابح بين عامي 1894 و1896، والتي عُرفت فيما بعد بمذابح الحميدية. وقُتل حوالي 20 ألف أرمني آخر في أعمال عنف ومذابح في أضنة في عام 1909.
ومهدت تلك المذابح الطريق للدولة القومية الأكثر تجانسا، والتي أصبحت في النهاية جمهورية تركيا الحالية. وبحلول نهاية الحرب، غاب أثر أكثر من 90 في المئة من الأرمن في الإمبراطورية العثمانية وتم محو العديد من آثار وجودهم السابق، وتم منح منازل وممتلكات الأرمن المهجورة في شرق الأناضول للاجئين المسلمين، وكثيرا ما أُجبر الناجون من النساء والأطفال على التخلي عن هوياتهم الأرمنية واعتناق الإسلام، ومع ذلك، وجد عشرات الآلاف من الأيتام بعض الملاذ في حماية المبشرين الأجانب. وذلك بحسب دائرة المعارف البريطانية.
وكانت للإبادة الجماعية للأرمن أسباب قصيرة وأخرى طويلة الأمد، فعلى الرغم من أن طرد وقتل مئات الآلاف من الأرمن في 1915 – 1916 كانا استجابة فورية لأزمة الحرب العالمية الأولى ولم يكونا نتيجة لخطة طويلة الأمد للقضاء على الشعب الأرمني، إلا أن الأسباب العميقة لذلك تعود إلى الاستياء من النجاحات الاقتصادية والسياسية للأرمن، مما أدى إلى انعكاس التسلسل الهرمي الاجتماعي العثماني التقليدي الذي كان المسلمون متفوقون فيه على غير المسلمين، والشعور المتزايد من جانب قادة تركيا الفتاة والمسلمين العاديين بأن الأرمن عنصر غريب وخطير في داخل المجتمع.
ولعبت بعض القبائل الكردية دورا في مذابح الأرمن كونها كانت أكبر الأقليات المسلمة في تركيا وقتها. إذ استغلتهم السلطات العثمانية للزج بهم في عمليات القتل ضد الأرمن والسريان. ومع ظهور الحركات والأحزاب الكردية في الثمانينات من القرن الماضي مثل حزب العمال الكردستاني المحظور في تركيا، وحزب الشعوب الديمقراطي الموالي للكرد، اعتذرت تلك الأحزاب عما ارتكبه أسلافها بحق الأرمن والآشوريين.
كان الكرد موعودين بقيام دولتهم المستقلة من قبل مصطفى كمال أتاتورك، الذي استغلهم من أجل تأسيس الدولة التركية بعد أن ضعفت وانهارت الإمبراطورية العثمانية. وكانت معاهدة سيفر التي أبرمتها الدولة العثمانية عام 1920، تلزمها بترك الأراضي التي يقطنها الأرمن والكرد، مما كان يسمح لهم بقيام دولتهم منفصلة.
وبعد تأسيس الجمهورية التركية عام 1923، ودعم الغرب لأتاتورك، التفتت تركيا إلى حلفائها الكرد وقمعت انتفاضاتهم وثوراتهم وهجّرتهم من أراضيهم في جنوب شرقي تركيا باتجاه الأناضول في الفترة ما بين 1925 – 1928. واتبع أتاتورك سياسة التتريك، إذ أصدر قانونا عام 1932 ينص على منع الأشخاص الذين يتكلمون لغة غير التركية من إعادة بناء قراهم أو بلداتهم التي يقطنونها.
ومنذ تأسيس الدولة التركية، أي ما يقارب المئة عام، لم يتوقف الكرد عن المطالبة بحقوقهم إلى يومنا هذا، رغم قمع العديد من الانتفاضات واعتقال وقتل الآلاف من الكرد من قبل الحكومات التركية المتعاقبة.
*صحيفةالعرباللندنية.[1]