المقاتلان المسلمان الى تركيا
اتّهم “حزب العمال الكردستاني” #أرمينيا# بتسليم اثنين من مقاتليه إلى السلطات التركية، بعد خطفهما، في صفقة استخبارية، فيما رفضت الحكومة الأرمينية التهم الموجّهة إليها، محذّرة من “فتنة” في العلاقات الأرمينية الكردية. وأدّى خبر التسليم إلى ردود فعل غاضبة من السياسيين والنشطاء الكرد الموالين لنهج “العمال الكردستاني”، والأحزاب والشخصيات الأرمينية المعارضة لسياسات حكومة نيكول باشينيان، متّهمين إياها بخيانة “التاريخ النضالي الأرمني” و”العمل ضد المصالح القومية الأرمينية”.
الكرد: الحكومة الأرمينية اختطفت المقاتلين وسلّمتهما لأنقرة
وأعلنت “قوات الدفاع الشعبي” (HPG)، وهي أحد الأجنحة العسكرية ل”حزب العمال الكردستاني”، تسليم أرمينيا المقاتلين إلى السلطات التركية، مضيفة أن الاستخبارات التركية أرادت أن تظهر هذه الحادثة كإنجاز لها، من أجل رد اعتبارها.
وفي بيان نشرته وكالة الأنباء التابعة ل”حزب العمال الكردستاني”، وتداولته الوكالات الكردية المقرّبة من الحزب تداولاً واسعاً، اتّهمت “قوات الدفاع الشعبي” الحكومة الأرمينية ب”انتهاك القوانين الدولية وقوانين البلاد، عبر اختطاف الاستخبارات الأرمينية المقاتلين وتسليمهما إلى أنقرة”.
وروى زاغروس هوا، المتحدث باسم العلاقات الخارجية في “قوات الدفاع الشعبي” الحادثة قائلاً: “بينما كان رفيقانا يعبران نهر أفاريش في تشرين الثاني (نوفمبر) 2021، ضلا الطريق بسبب الطقس الضبابي ليصلا إلى الحدود مع أرمينيا. وعندما وجدا نفسيهما في مواجهة حرس الحدود الأرميني، لم يخوضا أي اشتباك، معتبرين الأرمن أصدقاء، فدخلا في حوار معهم، لكن تم إلقاء القبض عليهما ونقلهما إلى زنزانة في يريفان”.
وأكمل هوا روايته إلى “النهار العربي” بالقول: “تم رفع دعوى قضائية ضدهما، وتوكيل محام لهما من قبل القضاء الأرميني، وبعد عقد جلستين، حكم عليهما بالسجن مدة 8 سنوات، فدخل الرفيقان في إضراب عن الطعام. وبتدخل من المحامي وبعض قادة الرأي المؤثرين، تمت إحالة القضية على محكمة التمييز التي قررت إلغاء عقوبة ال8 سنوات الصادرة في 23 من شباط/فبراير الماضي والإفراج عن الرفيقين”، و”لكن رغم القرار القضائي لم يتم إطلاق سراح رفيقينا، بل تم اختطافهما إلى مكان مجهول من قبل السلطات بطريقة تشبه القرصنة”.
وكانت وسائل إعلام تركية، على رأسها وكالة أنباء الأناضول الرسمية، قد أعلنت قبل أيام عن إلقاء وكالة الاستخبارات الوطنية التركية (MIT) القبض على المسلحين الكرديين “بعملية حدودية خاصة”، وهو ما دفع “حزب العمال الكردستاني”، على ما يبدو، إلى الكشف عن تسليم السلطات الأرمينية للعنصرين، في محاولة لتبديد الدعاية الإعلامية التركية حول “العملية الاستخبارية الناجحة”، بعد أكثر من سنة من إلقاء سلطات يريفان القبض عليهما.
يريفان تنفي الاتّهامات الكرديّة
بعد انتشار البيان الكردي بأقل من 24 ساعة، نشر “جهاز الأمن الوطني” الأرميني، المؤسسة الأمنية في البلاد، بياناً حول تسليم المقاتلين الكرديين إلى تركيا، نافياً فيه “الأخبار الكاذبة المتداولة التي لا تتوافق مع الواقع، وليس لها أي أساس قانوني”.
واعتبر البيان ما تم تداوله عبر الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي “محاولة لاستهداف الجهاز”، مبيّناً أن “عملية تسليم المدانين في إطار الإجراءات الجنائية يعتبر خارج نطاق صلاحيّاته”.
وبالمثل، أصدرت وزارة العدل الأرمينية بياناً نفت فيه اتّهامات تسليم المقاتلين الكرديين قائلة: “استكمالاً للبيان الصادر عن جهاز الأمن الوطني، نعلم أن وزارة العدل هي المخوّلة تسليم المحكوم عليهم إلى بلادهم لاستكمال مدة عقوبتهم. أما بخصوص ما يتم تداوله عبر الإنترنت حول تسليم أتيلا جيجيك وحسين يلدريم إلى تركيا، فإن مثل هذه الخطوة لم تتم، ولم تتم مناقشة موضوع تسليم أو نقل الأشخاص المذكورين في وزارة العدل أساساً”.
في المقابل، أكد هوا، واقعة التسليم قائلاً: “بحسب المعلومات التي حصلنا عليها، فقد تم التأكيد للسيد كنياز، وهو نائب برلماني من الكوتا الكردية في حزب باشينيان، في لقاءاته مع وزير العدل ومؤسسات الدولة (الأرمينية) المختلفة، وجود الاثنين في أرمينيا وكونهما في حالة صحّية جيّدة، وتقديم الوعود تحت القسم على شرف الدولة بإطلاق سراح الثائرين، ما دعا إلى وثوق المؤسسات والشخصيات الكردية بالحكومة الأرمينية والتكتّم على الموضوع وعدم الحديث عنه في الصحافة أو إعلام الجمهور”.
ونفى هوا وجود أي قناة اتصال مباشرة بين الحركة والحكومة الأرمينية، قائلاً ل”النهار العربي” إن “محامي أصدقائنا كانوا على اتّصال بالقنوات الحكومية، كما أن الشخصيات والمؤسسات الكردية كانت على اتصال بقنوات حكومية معيّنة”.
الكرد والمعارضة الأرمينية ينددون بتسليم المقاتلين
ودان ديوان الرئاسة المشتركة ل”مؤتمر الشعب” (KONGRA-GEL) “تسليم يريفان المقاتلين الكرديين” إلى الدولة التركية، مطالباً في بيان الشعب الأرمني “قبل أي شخص آخر بأن يثور في وجه هذه الخيانة، ومن المهم ألا يصمت أحد إزاء ذلك”.
واتّهم البيان “حكومة باشينيان بإبرام صفقة قذرة مع الحكومة الفاشية لحزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية، ونتيجة لذلك سلّمت اثنين من الثوار الكرد إلى الدولة التركية. هذه ليست خيانة بحق الشعب الكردي فحسب، بل خيانة للشعب الأرميني، هي إهانة كبيرة للشعب الأرمني”.
كما أعرب “اتحاد المنظمات الاجتماعية الكردية العالمية” و”حركة المنظمات الكردية الدولية” و”منظمة ايزيدخان”، عبر بيان مشترك، عن “استيائها من تسليم مقاتلين من قوات الدفاع الشعبي من قبل يريفان إلى الدولة التركية”.
ونددت أحزاب وشخصيات معارضة في أرمينيا بواقعة التسليم، من خلال اللقاءات التلفزيونية والمقابلات الصحافية والبيانات والمنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي.
وفي تصريح إلى “النهار العربي”، اعتبر عضو مكتب القيادة العليا في حزب الطاشناق، خاجاك مكرديجيان، أن “التفاصيل الحقيقية لتسليم المناضلين الكرديين لتركيا غير معروفة”، وسط نفي كل من جهاز الأمن القومي ووزارة العدل الأرمينية واقعة التسليم، مضيفاً: “هناك شيء واضح، وهو أن اثنين من المقاتلين الكرد من أجل الحرية كانا موجودين على أراضي أرمينيا هما حالياً في قبضة تركيا”.
ورأى مكرديجيان أن “أي نوع من الإنكار أو التفسيرات المختلفة لا تنفي مسؤولية السلطات الأرمينية عن تسليم مقاتلين كرديين إلى السلطة الديكتاتورية التركية، في عمل مدان من وجهة نظر المصالح القومية الأرمنية، وحقوق الإنسان، والصداقة الأرمينية-الكردية”.
وقال إن “تسليم مقاتلين يناضلون من أجل حقوق أمّتهم لدولة عدّوة مشتركة، لا يمكن أن يكون له أي مبرر”.
وعن دوافع إقدام الحكومة الأرمينية على اتخاذ خطوة كهذه، يعتقد مكرديجيان أنه “منذ مدة، وعلى شكل أجندة زائفة متعارضة مع المصالح القومية، تجرى حوارات أرمينية – تركية تهدف، وفقاً لسلطات جمهورية أرمينيا، إلى تطبيع العلاقات بين الطرفين من دون شروط مسبقة. لكن هذه التفسيرات المشوّهة لسلطات جمهورية أرمينيا ليست مقنعة لأحد، ومن الواضح جداً أن تركيا لديها مجموعة من الشروط لا شرط واحد فقط، تتعلق بقضية أرتساخ (ناغورني كاراباخ)، والاعتراف الدولي بالإبادة الجماعية وغيرها من القضايا”.
واعتبر مكرديجيان أن “لغة الشروط المسبقة ليست بجديدة على تركيا، ففلسفة علاقاتها الخارجية بأكملها مبنية على شروط مسبقة. في الآونة الأخيرة، كان العالم شاهداً على الشروط المسبقة التي وضعتها أنقرة أمام عضوية كل من فنلندا والسويد لحلف الشمال الأطلسي، والتي تتعلّق بأنشطة المنظمات الكردية”.
ورأى أن “إطاعة السلطات الأرمينية للمطالب التركية عمل مدان. هنا، تجاهلت سلطات جمهورية أرمينيا الحقوق غير القابلة للتصرف للأرمن، وحق تقرير المصير لأرمن أرتساخ، ومع التسليم الأخير، فقد أهملت أيضاً حقوق الشعب الكردي الذي يخوض معركة عادلة ضد العدو، وعلاقات الصداقة الأرمينية الكردية والتعايش السلمي بين الأرمن والكرد في أنحاء مختلفة من العالم”.
في تأييد غير متزامن لما ذهب إليه مكرديجيان، اعتبر هوا أن “حكومة باشينيان خانت بالفعل الشعب الأرمني وقضيته ببيعها كاراباخ. وتسليم رفيقينا هو استمرار لهذه الخيانة”.
التسليم لن يؤثر في الصداقة الكردية-الأرمينيّة
وبحسب هوا، فإن “الكرد والأرمن هما شعب الجغرافيا نفسها وتعرّضا تاريخياً للقمع والمذابح من الدولة التركية، ولهما مصير مشترك. لذلك، لن نسمح لخيانة حكومة باشينيان بالإضرار بالمصير المشترك للشعبين الكردي والأرميني. نحن لا نعتبر أن تسليم حكومة باشينيان رفيقينا إلى النظام التركي الفاشي خيانة للشعب الكردي، بل خيانة كبيرة لتاريخ الشعب الأرميني. نعلم أيضاً أن الممثلين الحقيقيين للشعب الأرميني لن يقبلوا أبداً بمثل هذه الخيانة”.
وأكد هوا أن “الموقف الأرميني الرافض للتسليم انعكس في الإعلام (بوضوح). وهذه الخيانة لن تضر بعلاقاتنا بالشعب الأرميني، بل على العكس ستكون سبباً آخر لكفاحنا المشترك ضد الفاشية”.
القيادي في حزب الطاشناق، الذي يشكّل جزءاً من “تحالف أرمينيا”، المعارضة الأكبر في البلاد، المستحوذ على 29 مقعداً في البرلمان الأرميني من أصل 107 مكرديجيان، أضاف أنه “في ظل السياسة الانهزامية غير المتوازنة والمناهضة للمصالح القومية التي انتهجتها السلطات الأرمينية في السنوات الأخيرة، فإن خطواتها على المستوى الداخلي لم تفاجئنا. كل شيء متوقع من المجموعة الحاكمة التي تمارس مثل هذه السياسة الفاشلة والضارة بمصالح الأمة والوطن وأمنهما واستقرارهما”.
وقال مكرديجيان: “أنا متأكد من أن القيادات الكردية والطبقة المثقفة ستدرك جيداً أن هذه الخطوة لسلطات جمهورية أرمينيا غير مقبولة ومدانة من جمهور عريض من الشعب الأرميني القلق بشأن المشكلات الوطنية. لقد ذاق الشعبان الكردي والأرميني همجية العدو وخلقا أمثلة على التعايش الأخوي في زوايا جغرافية مختلفة”.
كما كشف مكرديجيان عن أن “اتصالاتنا مع النخبة الكردية في اليومين الماضيين، وكما كان متوقعاً، أقنعتنا بأن القادة الكرد ودودون ويفهمون تماماً أنه لا يمكن لوم الشعب الأرميني على خطوة تسليم المناضلين الكرد من أجل الحرية إلى الدولة المعادية، وأن من قام بهذه الخطوة الطائشة هو المجموعة الحاكمة لأرمينيا”.[1]