البروفيسور جان ماركو يقضي معظم سنوات عمره حياته متنقلاً بين الدول الأسلامية و مدينة كرونوبل الفرنسية، انّ ثقل بحوثه العلمية كله هو عن المجتمعات الأسلامية عموماً و عن سوريا و العراق و ايران و كوردستان على وجه الخصوص، ما جعله امام تعامل عميق من الأعلام و المجال السياسي و استشارته في تلك المسائل، صحيفة لوموند الواسعة الأنتشار فتحت ابوابها أمام البروفيسور جان ماركو وتتعامل مع مواضيعه تعاملاً خاصاً، لقد التقيته كثيراً، وكان آخر اللقاء لي معه في مؤتمر عقد حول دول الخليج، و كان من المقرر الألتقاء به هذه المرة في مدينة كرونوبل الجميلة التي تبعد 600كم من باريس العاصمةن وفعلاً اجتمعنا و جرى بيننا الحوار الآتي:
اجرى معه اللقاء/ عادل باخه وان - باريس
ترجمه الى العربية/ بهاءالدين جلال
كولان: يشهد العالم الآن اكثرمن اي فترة مضت انفجاراً هائلاً، حيث الأنتفاضات و التفككات و نشوء كيانات جديدة، لقد تحولت منطقة الشرق الأوسط الى ساحة للصراعات اشغلت العالم برمته، و هناك لاعبون اقوياء جدد، ومن بينهم الكورد وهم من الشعوب الكبيرة في العالم ليست لديهم دولتهم المستقلة حتى الآن، لقد انتجت البحوث العلمية الفرنسية على مساحات تواجد الكورد( تركيا، العراق، سوريا، ايران) العديد من اطروحات ايجابية و سلبية حول فاعلية الكورد و دورهم و حضورهم، كيف ترون دور الكورد الفاعل في اعادة بناء الشرق الأوسط؟
جان ماركو: لنبدأ اولاً من الدلائل القاطعة بأن القضية الكوردية اصبحت في الوقت الحاضر أحد اسس اعادة بناء الشرق الأوسط، وهذه الدلائل لها مستويات مهمة، الأول هو ان القضية الكوردية مرهونة بشكل مباشر بقوتين كبيرتين في المنطقة وهما ايران و تركيا، في زمن تمر فيه الشرق الأوسط بأزمات كبيرة و مستعصية، وبالأخص بعد 2011، وانّ هاتين الدولتين اثبتت وجودهما كقوتين منظمتين في بناء السياسة بالمنطقة ولايمكن الأجابة عن أي سؤال دون الأستعانة بتركيا أو ايران.
وما يمنح القضية الكوردية من اهتمام كبير يتجلى في ان هاتين الدولتين تؤثران بشكل ملموس في رسم السياسات بالشرق الأوسط، الكورد في تركيا استطاعوا اثبات انفسهم كقوة سياسية و انْ يتحولوا الى جزء من النظام، القصة لاتنهي عند هذا الحد، لأن القوة الكوردية في دولتين اخريين( العراق و سوريا) و اللتين تمران بأزمات كبيرة و عميقة، تظهر هذه القوة اكثر فاعلية من تركيا، ولكن دون قراءة موقع الكورد من منطلق ستراتيجي، ففي العراق و سوريا يلعب الكورد دوراً رئيساً حيث في النهاية يستطيع اتخاذ قرار بشأن كتابة قصة الدولة.
ان حرب الكورد في العراق و سوريا ضد داعش، جعلت اعداء الكورد التأريخيين و معهم الكوردستانيين ومن منطلق الشرعية العالمية، جعلتهم انْ لا يستطيعوا الوقوف امام الكورد أو عدم الرضوخ لهم. و في هذا العالم الجديد يستطيع الكورد وفي آن واحد استدراج الدعم و الأسناد من تركيا و ايران و روسيا و اوروبا و امريكا و اسرائيل ، فالكورد ليست لديهم دولتهم المستقلة، الاّ انهم استدرجوا دول العالم الى اعتاب اربيل.
كولان: ولكن في مثل هذه الظروف و بالرغم من ان الكورد لا يملكون دولة ،الاّ ان الكثير من دول العالم تتوجه الى اقليم كوردستان، كيف ترون ادارة المساحة الكوردية، جزء من الأطروحات الرئيسة تتحدث عن ما يحدث الآن في العالم الجديد حيث بدلاَ من الصدامات الدموية، نجد ان اللاعبين على الساحة الكوردية (حكومة اقليم كوردستان و حزب العمال الكوردستاني) تقومان معاً بأدارة عموم مساحة النفوذ الكوردي، الى أي حد تؤيدون ذلك؟
جان ماركو: انا اقرأ هذه المعلومات بصيغة اخرى، لاشك فيه انَّه هناك ادارة مشتركة للمساحة الكوردية بين حكومة الأقليم و حزب العمال الكوردستاني، السؤال هو هل ان هذه الأدارة المشتركة هي نتيجة مواجهتهما المشتركة في الحرب ضد داعش أم انها تتعلق بعقلية سياسية عميقة تعتقد انّ الكورد سوف يتضرر من دون العمل المشترك و الأدارة المشتركة، قد يكون هذا الموضوع متعلقاً بالأزمة الراهنة، و من جانب آخر فإن هذه الأدارة المشتركة تواجه مشكلة فكرية كبيرة، فمن جهة لدينا حكومة اقليم كوردستان التي تضم احزاباً عدة و تجمعها عملية سياسية و منفتحة على العالم من الجانب الأقتصادي، ومن جهة اخرى لدينا حزب العمال وهو منغلق فكرياً و اقتصادياً، و اعتقد انه كلما نجحت عملية المفاوضات بين الحكومة التركية و حزب العمال كلما نجح احتضان كورد تركيا و انخراطهم في نظام المنطقة.
كولان: هذا التفسير يقودنا الى ان الحوار الذي جرى على هامش مؤتمر ليون حول العلاقات بين تركيا و حكومة الأقليم، اذاَ انتم كيف ترون المصالح التركية داخل هذه المعادلة؟ يقول اوليفر روا: تقوم تركيا من جانبه بانشاء دولة كوردستان المستقلة في العراق و ترى ان مصالحها تكمن في هذه الدولة، كيف تقرأون هذه الشبكة المعقدة في العلاقات بين تركيا و الأقليم؟
جان ماركو: كانت تركيا ترفض كل العلاقات مع اقليم كوردستان أو الأعتراف به، كانت تظن ان الأقليم ليس له اطار دولي و التعامل معه كمؤسسة رسمية، هذا الموقف لم يكن قراراً رسمياً ، بل كان له علاقة مع مستوى الفكر السياسي للدولة. و وفق هذه الأيديولوجية لم تكن ترغب في التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة، في عام 2007 تقوم بتغيير هذا الموقف لتسلك طريقاً آخر، وخاصة بعد ان ادركت انه لم يبق شىء من العراق بأسم دولة الشعب، وفي ذات الوقت كانت تركيا ترغب في تطوير علاقاتها مع جيرانها و الحفاظ على استقرارها و امنها الأقليمي، وفي هذه المرحلة فإن تركيا تقرر بناء ستراتيجيتها للعلاقات من تصفير الأزمات مع جيرانها ومنها اقليم كوردستان العراق، كل هذه الأمور ادت الى ايجاد علاقات اقتصادية قوية بين تركيا و الأقليم، ما قطعت الطريق امام كل السياسيين ليفكروا في مسألة قطع العلاقات بين الجانبين، وفي هذه الظروف نجد ان تعامل تركيا مع اقليم كوردستان بلغ مرحلة متقدمة بالرغم من خشية تركيا من انشاء دولة كوردية في العراق و التي قد تظن انها سوف تكون لها انعكاسات على كوردستان تركيا. ولكن القطار يسير وقد اجتاز هذه المحطة.
كولان: هل تعتقد انّ هذا القطار سوف يصل كوردستان سوريا؟ لقد سمعتم ما طرحته من آراء حول هذه المسألة في مؤتمر ليون، ولكن للأسف لعدم توفر الوقت لم تتحدثوا حول هذه المساحة، يسعدني انْ اعرف رايكم حول هذا الموضوع ، وهل ممكن انشاء حكومة اقليم أخرى في سوريا ضمن تفسيراتكم؟
جان ماركو: فكرة حكومة اقليم كوردستان السورية تعود الى عام 2012، عندما اندلعت الحرب الأهلية في البلد، حيث سحب النظام السوري قواته من المناطق الشمالية و بالأخص من المناطق الكوردية.
هناك اختلاف بين ظروف اقليم كوردستان العراق و كوردستان سوريا ، ففي العراق هناك دستور يعترف بحكومة اقليم كوردستان، كما اتخذت شرعية على الصعيد الدولي، وفي سوريا دكتاتور يخوض حرباَ ضروساَ ضد شعبه، وهناك ملايين من النازحين و اللاجئين. هكذا فكرة بحاجة الى اعتراف اللاعبين المحليين ذوي النفوذ القوية و هم نظام الأسد و داعش و المعارضة السورية و تركيا في خارج البلاد، وفي البداية يجب ابعاد داعش من المعادلة لأنه لا يعترف بهكذا كيان، أما الأطراف الأخرى رغم استحالة الأمر الاّ انّ الكورد في سوريا عليهم مواصلة النضال و المقاومة للوصول الى هذا الهدف.
كولان: حكومة الأقليم في العراق، حكومة الأقليم في سوريا، الخلافة الأسلامية في العراق و سوريا، الحرب الأهلية في اليمن و ليبيا،....، الى اي مدى تقتنعون بهذا الطرح و الذي يتحدث عن انتهاء معاهدة سايكس بيكو؟
جان ماركو: اعتقد انّ هذه الفرضية لاتستحق الأهتمام، تفكك العراق و سوريا و الحرب الأهلية في ليبيا و اليمن هي مجموعة من البيانات تعزز هذه الفرضية، ولكنني اعتقد انّنا لازلنا نعيش في سايكس بيكو، ومن جانب آخر فإن الكيانات التي قد تنشأ الآن إما طائفية و إما عرقية، وهذا يعني اننا سنظل في اطار منطق سايكس بيكو.أي انشاء دولة طائفية أو خلافة اسلامية أو عرقية أو دولة كوردية ولكن دون تفكك سايكس بيكو، وهذه تعمق روح سايكس بيكو اكثر.
كولان: انت واحد من الأساتذة الذي يراقبون الدول الأسلامية، و قد انجزتم نشاطات ميدانية، كيف ترون مستقبل هذه الدول؟ المستبدة، الأرهابية، الديمقراطية؟
جان ماركو: مع اندلاع ثورات عام 2011، شهد العالم العربي تغييرات كبيرة، وهي ثمرة التحولات النوعية و التناقضات المقيتة داخل المجتمعات العربية، لقد واجه العالم العربي مجموعة من الأحداث التي لم يكن مستعداَ لها ولم يتمكن من ترجمتها الى التغييرات السياسية المستدامة، اعتقد انّه من الأفضل ان الدول الأسلامية بحاجة الى نمو اقتصادي قوي و اعادة التوزيع العادل للثروات على المواطنين من اجل الخروج من هذه الأزمات. الأزمة الأخرى في العالم العربي تكمن في التقسيم الحاصل بين الأثنية و الطائفية، وهذه مشكلة تعيق بناء شخصية المواطن و تركيز فكرة المواطنة، ان جر المشكلات الى داخل الأطر الطائفية و اعادة طبعها بصيغة طائفية يشكل أحد المخاطر في تفكيك المجتمعات.
كولان: قبل انهاء حوارنا، اود انْ اعلم رايكم حول مسالة الأستثناء الأسلامي، لقد اثيرت حالياً في الغرب جدالات كثيرة حول هذه المسألة، حيث ان مؤيدي هذا الطرح يرون ان الأسلام دين ليس كباقي الديانات و لايستطيع التأقلم مع العالم الحديث و خصوصياته، و الأسلام لايقبل بالديمقراطية أو العلمانية، انا اعتقد انه وهم بحق الأسلام، فماذا تقولون بصدد ذلك؟
جان ماركو: انا ايضاَ لدي الرأي ذاته، اعتقد ان الأسلامي الأستثنائي له علاقة قوية بالخوف من الاسلام، و الدول الأسلامية كأي دول أخرى تعيش ايضاً حالة الخوف الأسلامي، وان مايحدث في اوروبا و امريكا الشمالية و امريكا اللاتينية هي ذاتها التي تحدث في الدول الأسلامية، كلا فإن الأسلام ليس خارج التأريخ هو في صميم التأريخ كما الديانة المسيحية، وهو يتأثر بالتحولات التأريخية مثلما يصنع التغييرات.[1]