تميز ناحية زرباطية التابعة لقضاء بدرة ضمن محافظة واسط بمناخها المعتدل وهي تقع على بعد 13 كم من بدرة وهي اخر مدينة عند الحدود الايرانية وتعتبر منفذ للتبادل التجاري بين العراق وايران.
وتحتوي على اراضي زراعية شاسعة وبساتين النخيل وكانت عامرة بانواع التمور واشجار الفاكهة وكانت تصدر منتوجها الى مختلف المدن العراقية، وسكانها عراقييون من القو...مية الكوردية وكان لهم مواقف يشار لها في دعم الحركة التحررية الكوردية.
وشغل البعض منهم مناصب قيادية في الحزب الديمقراطي الكوردستاني بقيادة الملا مصطفى البارزاني، ولكن بعد توقيع اعلان الحكم الذاتي لمناطق كوردستان بدأ نظام البعث المقبور بالتنصل من الاتفاقية ومطاردة كوادر واعضاء الحزب بعد ما عرفوا كاسماء ومقرات، مما جعل الكثيرين منهم يتركون اماكن سكناهم والتوجه الى مدن كوردستان والبعض ترك البلاد هربا من النظام الدكتاتوري وتم تسفير العوائل الكوردية ومصادرة ممتلكاتهم وذلك قبل حملة التسفير الكبرى التي جرت عند اعلان الحرب مع ايران.
وبعد الحرب تحولت مدينة زرباطية بفعل نيران الحرب الى بقايا مدينة جراء القصف، وتحولها الى ثكنة عسكرية، ونقلا عن شهود عيان عن احراق البساتين وهدم المنازل من قبل فلول النظام السابق فتحولت مدينة زرباطية الى مدينة اشباح خالية من السكان، وعند انتهاء الحرب بقيت زرباطية مهجورة من اهلها وحول اسمها الذي يعني (اناء الذهب) الى مدينة الذهب الاسود وشغلت المنطقة عوائل البدو وبعض عوائل القرى المحيطة بها واستولوا على اراضيها، مستغلين عدم تمكن اهلها من العودة في ظل تلك الظروف، ولكن عند سقوط الصنم دأب اهلها المتمسكين بارضهم بالمطالبات المستمرة باعادة احياءها وقد تمكنوا من اعادة اسمها الاصلي وبتشكيل اول مجلس بلدي فيها في ظروف صعبة للغاية وتشكيل كافة الفروع الادارية واعادة الحياة اليها مرة اخرى، ولكن المشكلة التي تواجهم في عدم توجه المستثمرين اليها هو وجود الالاف من الالغام التي خلفها الحرب، كذلك قيام حكومة ايران بقطع المياه القادمة من اراضيها والتي كانت تروي مساحات شاسعة من الاراضي الزراعية والبساتين.
ورغم مرور تسع سنوات من سقوط النظام المقبور الا ان الحكومة المركزية وحتى مجلس المحافظة لم تقم بواجبها اتجاه هذه المدينة لتعيد للمدينة رونقها وجمالها وتعيد خضرتها لترجع بخيرها الذي كانت معظم مدن العراق، لكن ما استوقفني من اهل هذه المدينة الطيبون، انهم في كل عام يحتفلون باعياد نوروز على بقايا مدينتهم ونخيلها المذبوح واراضي قتلها العطش، وقد دعوني في هذا العام لمشاركتهم فرأيت بعض العوائل وقد فرشت في بقايا باحة منازلهم، وكأنهم في قصور من قصص الف ليلة وليلة، في منازل طينية قد استوت مع الارض، وهم يتحدثون عن ادق التفاصيل في ازقة مدينتهم وكيف كانوا يلعبون هنا ويركضون هناك، كنت اتمنى ان يكون برفقتنا احد اصحاب القرار من الحكومة ليشعر بشوق اهل هذه المدينة العراقية للعودة واحيائها من جديد، ليبادر بتنفيذ مطاليبهم وتطويرها لتكون مدينة زاخرة بخيرها واهلها لتعود بالمنفعة للجميع، بدلا من اطلاق رصاصة الرحمة عليها، فلمصلحة من ترك زرباطية اطلال مدينة وبوسع الدولة فعل الكثير مع ميزانية انفجارية لم يعهدها البلاد، والى متى ستظل هكذا، وليعلم من تحمل مسؤولية البلاد والعباد انه سيأتي يوما ويقال لهم (وقفوهم انهم مسؤولون) ؟
كاتب المقاله: صلاح البدري
على موقع شفق نيوز الإعلامي