سهيل الزهاوي
في السابع من اذار، يكون قد انصرمت سبعة وعشرون عاما على انتفاضة اذار المجيدة و التي اندلعت شراراتها في البصرة لتنتقل الى مدن الجنوب والفرات الاوسط وتعم جميع المدن الكردستانية.
فقد قيل الكثير عن الانتفاضة واسبابها والقوة المحركة لها، و فسرها بعض الاحزاب، من وجهة نظر الحزبية الضيقة ، واعتبر البعض ، انها اندلعت بعد اندحار الجيش العراقي في حرب الخليج الثانية ، وان السلطة لم تكن قادرة على التصدي للحركة العفوية للجماهير ومنهم من يرى اخر.
والجدير بالذكر ان ما حدث في ربيع عام 1991 ، لم يكن وليد عوامل طارئة ، وانما نتيجة لظروف وعوامل موضوعية وذاتية . فأن الحكم الشمولي وانتهاجه سياسة ارهابية وما اتبعها من اساليب فاشية لقمع قوى المعارضة، عمّق تلازم ازمات النظام التي اتخذت ابعاد جدية عشية غزو الكويت، في شتى المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية وما ترتب من نتائج الحرب وتحول العامل العربي والدولي الى عامل فاعل في تفجير الانتفاضة .
وفيما يخص العامل الذاتي ، فقد رفع الحزب الشيوعي العراقي شعار اسقاط السلطة الدكتاتورية عن طريق الكفاح المسلح الى جانب القوى المعارضة العراقية والقوى و الاحزاب الكردستانية والتى كانت لها مواقع مسلحة في كردستان، كما تجمّع عدد من الرافضين لاداء الخدمة العسكرية، في ظروف نفوذ لا بأس به للمعارضة العراقية في المناطق الريفية في الجنوب والوسط.
و بالرغم من الضربات الموجعة التى وجهتها الاجهزة القمعية بنطاق واسع ضد منظمات الحزب الشيوعي العراقي منذ انسحابه من الجبهة في عام 1979 وتحوله الى العمل السري، الا انه لم يحد من نشاطه وبقيت صلته الحميمية والمتينة بالجماهير و كان على الدوام يغوص في الابداع من اجل ايجاد احدث الاساليب في سبيل تقوية الصلة مع الجماهير.
وكان لي الشرف ان اكون واحداً من الكوادر الحزبية الناشطة ، الذي انيطت به قيادة العمل في محافظة السليمانية، منذ 27 كانون الثاني من عام 1984 لحين تفجيرانتفاضة اذارالمجيدة عام1991 .
لقد تسنى لي ان اكون شاهدا على الاحداث المثيرة في هذه المدينة الباسلة،وغني عن القول انه لا يمكن النظر الى هذه الانتفاضة بمعزل التحركات الثورية والنشاطات التى سبقتها. حيث ان مدينة السليمانية هي واحدة من المدن الكردستانية التي تصدت ببسالة للحكم الدكتاتوري الفاشي، رافضة الرضوخ، له بكافة اساليب النضال بما فيه المقاومة العسكرية.
لقد خاضت الجماهير الشعبية في كردستان انتفاضتين في بداية الثمانيات 1982 وتجسدت المقاومة الجماهيرية الواسعة على نحو بطولي في مدينة السليمانية في انتفاضة ايار 1984 المجيدة والتى لعبت فيها منظمة حزبنا الشيوعي دورا هاما وبارزا في توجيه الانتفاضة، و تمكنت الجماهير الشعبية السيطرة على الشارع على مدى يومين بعد ان اسكتت نيران العدو من خلال فرق عسكرية شكّلها الحزب لحماية الجماهير منها ؛ فرقة يقودها هوشيار علي دولت (فريدون)،واخرى بقيادة دشتي احمد سلطة ، وفرقة من الرفيق زيور عزيز وكنجة رؤوف زهدي وغيرهم وقامت فرقة مسلحة بقيادة دلير جلال و معه رحمن غريب واخرين تمكنوا من السيطرة على معظم جوامع المدينة لبث بيان ونشر شعارات الحزب التى بثتها اذاعة صوت الشعب العراقي و وزعتها منظمة حزبنا في السليمانية في عشية التحركات الطلابية في المدارس والمعاهد والدورالسكنية والدوائرو المعامل، تتضمن دعوة الجماهير الى المساهمة في الانتفاضة .
وبدأ طلاب الجامعات العراقية من اهالي السليمانية بالتجمع امام السراي في وسط المدينة وانضمت جماهير واسعة اليهم بالتحرك تتقدمهم نساء السليمانية تردد هذه الشعارات وانتقل لهيب الانتفاضة الى بغداد، وبذا تراكمت لدى منظمة حزبنا في السليمانية دروسا بليغة في قدرة الشعب الموحد غير هيابة في تحطيم القيود ، مهما كانت محكمة الصنع .
لم ينقطع نضال ونشاط حزبنا في المجالات الاعلامية وتوزيع البيانات التحريضية في سبيل تحريك الجماهير وخاصة في المدارس والمعاهد و في وقت توجية ضربات عسكرية لازلام النظام من قبل فرق المدن العسكرية المشكلة داخل مدينة السليمانية من قبل منظمتنا لحين اندلاع انتفاضة اذار عام 1991.
فقد عقدت قيادة لجنة الداخل للحزب الشيوعي العراقي التى تضم عدد من رفاق اللجنة المركزية واعضاء لجنة الاقليم والمناطق المتواجدين في المدن الكردستانية وغيرها من المدن العراقية في مدينة اربيل عام ( 1991 ) اجتماعا خاصا بعد غزو الكويت تناولت الوضع السياسي في العراق والمنطقة والعالم وما يترتب من احداث بعد هذا الغزو،لمواجهة الاحتمالات والتطورات والاحداث الخطيرة، وتهيئة اعضاء الحزب ومؤازريه في حالة حدوث اي انفجار،ووضع الخطط الكفيلة لذلك، كما اصدرت لجنة الداخل في بغداد بيانا تدعو فيه الجماهير الشعبية الى الانتفاضة ضد السلطة الدكتاتوري واصدرت توجيهات الى منظمات الحزب في كل المدن العراقية تدعو الى وضع برنامج عمل وفق ظروف كل مدينة.
عقدت اللجنة العليا في السليمانية عددا من الاجتماعا ت لهذا الغرض، فقد وضعت برنامج و خطط على ضوء التوجهات لاي احتمال مرتقب، وقد تمحورت الخطة على ثلاثة محاور اساسية :
اولا : تعزيز الفرق العسكرية والعمل من اجل الحصول على السلاح.
ثانيا : تنشيط العمل الاعلامي ضد السلطة الدكتاتورية.
ثالثا : تنظيم الاتصال بالعناصرالعاملة ضمن جهاز السلطة.
كما تضمنت الخطة كيفية السيطرة على مقرات منظمات حزب البعث ودوائر الدولة والحفاظ على الممتلكات وعدم السماح للعبث به، والعمل للسيطرة على ترسانات الاسلحة والسيارات واستخدامها لغرض توسيع القاعدة الجماهيرية للانتفاضة.
و قد نشطت منظمة حزبنا على المحاور الثلاثة، حيث جرى الاتصال بالعديد من عناصر السلطة داخل الجيش الشعبي والافواج الخفيفة وحصلنا على عدد قليل من الاسلحة قبل الانتفاضة، ومن جانب اخر متابعة تحركات السلطة وخاصة بعد سيطرة الجماهير بقيادة الاحزاب الكردستانية على رانية في 5 اذار 1991. وفي 6 اذار انطلقت الانتفاضة في بازيان.
فقد تسربت الينا بعض المعلومات من خلال مصادرنا الخاصة قبل يومين من الانتفاضة من داخل اجتماع عقد في مبنى المحافظة باشراف محافظ السليمانية لغرض وضع الخطط الكفيلة لمجابهة اي مد جماهيري في السليمانية، وفي الاجتماع طلب المحافظ من الحاضرين التركيز على حماية مديرية الامن العامة في المحافظة، وانه في حالة وجود ضغط كبير على المقرات ودوائر الاجهزة القمعية الاخرى، عليهم انسحاب الجميع الى المديرية.
بعد ان عرفنا نقاط ضعفهم وتخوف السلطة من قوة الجماهير، عدلنا خططنا وفق المعطيات،في ظرف حاولت فيه السلطة نشر الذعر والخوف بين الجماهير من خلال بث الدعايات بان السلطة لن ترحم اية حركة جماهيرية و سوف تضربها بما فيه استخدام السلاح الكيميائي، مما اثار مخاوف عدد من وجهاء المدينة طالبين من حزبنا التدخل لوقف اي تحرك جماهيري، حرصا منهم للمحافظة على المدينة وعدم تدميرها من قبل السلطة. الا ان قيادة المنظمة صممت على السير عل خططها بعد ان عرفنا نقاط ضعف السلطة.
وفي مساء السادس من اذار اي ليلة الانتفاضة قمت بجولة فى داخل مدينة السليمانية مع الرفيق دلير جلال (دلشاد) بسيارة لمعرفة تحركات وخطط السلطة وقوتها ، و توصلنا الى قناعة بان ازلام الاجهزة القمعية تعيش في حالة ذعر، لم يسبق له مثيل وهم في حالة دفاع عن النفس داخل مقراتهم . . كانت المدينة خالية من مفارز السلطة التي كانت الكمائن في العادة. و بعد وصولنا الى الحامية العسكرية في السليمانية وجدنا جندي يقفز من فوق السياج هاربا من الحامية ، اوقفنا سيارتنا وطلب منا ان نوصله وطلبنا منه معلومات عن الحامية ، افادنا بعدد المتواجدين واشارة الى انخفاض الروح المعنوية لدى الجميع بما فيهم الضباط، وان الجميع اقسموا ان يسلموا انفسهم في حالة وجود مجابهة . كما سلم معاون آمر الجيش الشعبي في محافظة السليمانية، برتبة مقدم من اهالي بغداد مع سلاحه وسيارته الشخصية عن طريق احد معارفه وهو عضو حزبنا في نفس الليلة.
في اللحظات الاولى من الصباح الباكر ليوم 7 اذار من عام 1991 ، بعد ان احسّت اجهزة السلطة القمعية بالتحرك الجماهيري وانضمام اكثرية الربايا من الافواج الخفيفة الى الانتفاضة لم يبقى امام افراد الاجهزة القمعية الا اخذ المواقع الدفاعية والبقاء داخل مقراتهم.
هبت الجماهير الشعبية للثأر لكرامتها الجريحة، وخاصة الشبيبة منهم والامهات الثكلى، مع اول تباشير التحرك الجماهيري، توجه كوادر الحزب واعضائه وفق توجيهات مسبقة وبالامكانيات البسيطة ليحتلوا مواقعهم، لتوجيه الضربات الموجعة الى اجهزة السلطة القمعية، دون ان يسألوا عن الهوية السياسية (الحزبية) للمهاجمين، وللعمل من اجل توجيه الحركة الجماهيرية الواسعة التي نشأت اثناء اليوم الاول من الانتفاضة وايجاد الاساليب الملائمة للتعاون مع قواعد احزاب الجبهة الكردستانية .
شهدت المدينة في هذا اليوم حماس عالي من جانب الجماهير الشعبية، فاق توقعاتنا، بحيث اصبح من الصعب السيطرةعلى هذا السيل الجماهيري الهائل.وكان البارزفي هذه المواجهة مشاركة الفئات الكادحة من مختلف الاعمارمن النساء والرجال وحتى الاطفال،ومنهم الهاربين من جحيم الخدمة العسكرية التى تحمل الحقد الدفين تجاه السلطة الدكتاتورية و اجهزتها القمعية.
لقد استطاعت الجماهير المسلحة السيطرة على معسكرات الجيش ومقرات الحزب الحاكم ومديرية و مراكز الشرطة ومبنى المحافظة وجميع الدوائر الأخرى في غضون ساعات قليلة باستثناء مبنى مديرية أمن المحافظة.
فى الساعة السابعة والنصف من صباح 7 آذار 1991 انطلقت مظاهرة من اهالي محلة بختياري رافعة شعارات معادية للسلطة، وقد حاول بعض الاشخاص فرض شعارات حزب معين على المظاهرة الا ان رفاقنا تدخلوا وطلبوا منهم ان تكون الشعارات موحد تحت مظلة الجبهه الكردستانية . . وتوجهت نحو المعهد في بختياري وانزلوا صور صدام واحرقوها ومن ثم توجهوا نحومقرحزب البعث ما يسمى (مقر الانفال) و حاصروه فأطلقوا النارعلى المتظاهرين، وقد طلب عدد من المتظاهرين من البيوت القريبة العائدة الى الافواج الخفيفة السلاح و قد لبوّا الطلب باسلحة خفيفة . . و بدأت الجماهير باطلاق النار على المقر ولكن استمرت مقاومة المتواجدين في المقر بسبب قلة السلاح و العتاد لدى الجماهير.
تجمعت مجموعة من رفاقنا واصدقائنا من النساء والرجال في محلة زركه ته في الساعة الثامنة على رأسهم الرفيقة خرمان محمد واخيها عمر محمد، و قد حصل الاخير على سلاح الكلاشنكوف وكنت متواجدا هناك . . اشعلوا النيران في اطارات السيارات على الشارع العام حيث تجمعت مجموعة كبيرة من الجماهير بضمنهم بعض النشطاء من اليسار وتوجهوا بمظاهرة نحو برج رعاية الشباب، الا ان مسلحين في ربيئة هناك اطلقوا النار على المتظاهرين، فتراجعت المظاهرة نحو الخلف بعد ان جرح عدد منهم مما زاد من حقد الجماهير . . فهاجمت مجموعة مسلحة الربيئة و سيطرت عليها بعد ان سلّم مسلحيها اسلحتهم الى القوة المهاجمة وكان ضمن الاسلحة (دوشكه)،وتوجهت تلك القوة بعد ان وضع افرادها الدوشكة على سيارة بيكاب الى مقرالانفال لتعزيز القوة الموجودة هناك،وبدأت الجماهير باطلاق النار بكثافة على مقر الانفال، بما فيها اطلاق قذائف الاربي جي . . و بعد مقاومة اقتحمها الشباب بضمنهم رفيقنا سوران جمال بعد القى قنبلة يدوية على المقر تمكن من التسلل الى الداخل مع عدد اخر من رفاقنا والجماهير المسلحة بعد وقع عدد من المسلحين جرحى في معركة غير متكافئة وبسبب قلة الخبرة.
لم تتوقف الجماهير المنتفضة عند انتصار واحد، كلما يحصل المنتفضون على قطع اسلحة جديدة يتوجهون الى مركز اخر من اوكار الاجرام ، فتوجه الجمع الغفير بانواع الاسلحة التى غُنمت خلال المعركتين السابقتين الى مقر الجيش الشعبي في حي البكر سابقا، و لم تتمكن القوة المرابطة هناك من المقاومة وفي اقل من نصف ساعة سلّم افرادها انفسهم . . وبذا حصلت الجماهير المنتفضة على كمية كبيرة من الاسلحة.اما مقر ما يسمى بالمنظمات الديمقراطية العفلقية في حي المهندسين، فقد سلمت المقر بدون اطلاق اية رصاصة .
في الساعة الثانية عشر بعد الظهر،سمعت من خلال جهاز(اف ام) الذي كنت احمله ، طلب المحافظ من جميع المقرات التي لم تسيطر عليها الجماهير، و خاصة تلك القريبة من حسيب صالح الالتحاق بمديرية الامن العامة في السليمانية . في هذه اللحظات تحركت من بختياري و توجهت نحو حسيب صالح فوجدت جميع المقرات فارغة .
بعد ذلك وردتني معلومات من توي ملك ان رفاقنا بقيادة الرفيق دلير جلال (دلشاد) ساهموا مع الجماهير المسلحة وسيطرواعلى مقر قيادة الجيش الشعبى في السليمانية ما يسمى (مقرعثمان) كما ساهم رفاقنا في اماكن اخرى في تصفية المقرات ايضا. والجدير بالذكر ان خلية من الحزب الديقراطي الكردستاني طلبوا من الرفيق دلشاد النتنسيق معهم.
وفي اليوم الاول من الانتفاضة تم تصفية كافة اوكار السلطة داخل المدينة وحولها بما فيها المعسكرات، ما عدا مديرية الامن العامة التى تجمعت فيها كافة رؤوس الاجهزة القمعية، وقد طلب مدير الامن من منتسبيه ان يجلبوا عوائلهم الى داخل المبنى حتى يضمن مقاومتهم حتى الرمق الاخير وفعلا تم حجز العوائل مع اطفالهم فى سرداب المديرية. ويقع مبنى مديرية أمن السليمانية الذي يطلق عليه سكان المحافظة أمنه سوركه أي الأمن الأحمر في حي شورش، وهو من الأحياء الذي تسكنه الطبقة المتوسطة، و تحيط به منازل المواطنين، وقد شُيّد المقر على مساحة 16 ألف متر مربع عام 1985 ليصبح أكبر المقرات القمعية في المحافظة. كما تمكن الرفاق : ئالان ممتاز وشورش امين مع اخرين السيطرة على متحف السليمانية و اصبح تحت حمايتهم وحافظوا على ممتلكاته لحين تشكيل سلطة الجبهة الكردستانية.
والجدير بالذكر انه، في صباح 7 اذار شاهدتُ هبوط طائرة هليكوبتر في اطراف المدينة في المنطقة القريبة من بكرجو وبعد دقائق حلقت الهلكوبتر وتركت سماء السليمانية وتوجهت باتجاه كركوك، وفيما بعد علمنا بهروب جعفر البرزنجي رئيس المجلس التنفيدي للحكم الذاتي حيث كان متواجدا في السليمانية
يوم 8 اذار، طُلب من اهالي المنطقة الساكنين حول بناية الامن من خلال المايكروفون، ان يتجهوا الى داخل البناية لان في نيتهم رش المنطقة بالسلاح الكيمياوي كما عبّروا، في محاولة لترويع المنتفضين و كان غرضهم الاساسي هو ابقائهم اسرى لديهم لمنع الهجوم . . الا ان هذه المحاولة باءت بالفشل بفضل يقضة جماهير المنطقة.
في يوم 8 اذار 1991،تجمع الوف المناضلين من جماهيرالسليمانية وهم من اتجاهات سياسية مختلفة وبحوزتهم كل ما امتلكوه من الاسلحة التي غنموها في اليوم الاول من الانتفاضة ، تجمعوا حول مديرية الامن بعد تطويقها من كل الاطراف وبدأوا بضربها بكافة انواع الاسلحة، حيث تجمع فيها عدد كبير من المسؤولين الحكوميين والحزبين من بينهم (المحافظ ، مدير الأمن، مدير الشرطة، أمين سر فرع السليمانية لحزب البعث) . .
أبدى الموجودون في البناية المذكورة مقاومة عنيفة استمرت حوالي 15 ساعة تقريباً، اعتقادا منهم بأن الحكومة لن تتركهم وسوف تنجدهم، إلا أنهم في نهاية المطاف خابت آمالهم و استسلموا لقدرهم المحتوم ، رغم النداءات التي أرسلها المحاصرون في البناية إلى السلطات الحكومية في كركوك وبغداد عبر أجهزة اللاسلكي المتوفرة في داخل البناية، وقبل ان ينتهي النهار سلّموا انفسهم الى الجماهير المسلحة، بعد ان قتل المحافظ ومدير الامن و أمين سر فرع السليمانية للحزب، وبعض المنتسبين من اجهزة القمع الحزبي والامنى . .
و قبل ان يسلموا انفسهم اقتحم عدد من رفاقنا البناية وغنموا الاسلحة و حاولوا الحصول على مفاتيح السجن، لاطلاق سراح المسجونين السياسيين. ومن الرفاق الذين ساهموا في الاقتحام الرفيق ماموستا قادر والشهيد رعد وعماد نوري وجمال والي ودلير جلال و احمد فقيه وغيرهم، كما تمكن الرفيق حمه شوان مع مجموعة اخرى اقتحام مديرية امن مركز السليمانية والسيطرة على كمية كبيرة من الوثائق التي في اثناء نقلها بسيارة الشهيد علي بوسكاني اصطدموا مع مجموعة مسلحة غير معروفة و اشتبكوا معهم و قد جرح في الاشتباك الرفيق ئاسو شيخ علي. كما حصل الرفيق دلير مع مجموعته الثائرة، على كمية من الوثائق تخص حزبنا .
في صباح يوم 8 اذار ايضا، توجهت الى بيت الرفيق دلير حيث كان الدكتور عزالدين مصطفى رسول مختفي عندهم لأن افراد اجهزة الامن كانوا يراقبون داره. كان مريضا وطريح الفراش وكان معه الاخ فاروق ملا مصطفى والسيد شيخ سالار وكنا مقتنعين انه في هذا اليوم سوف تُقتحم اخر قلاع جهاز القمع الصدامي في السليمانية، لذا طلبت من الدكتور ان يتصل بقيادة احزاب الجبهه الكردستانية و يبشرهم بهذه النهاية عن طريق احد الاحزاب الكردستانية الايرانية المعارضة المتواجدة علناً في المحافظة، و ان يطلب ارسال ممثلين منهم لتشكيل الحكومة المحلية، وقد اكد الدكتور في مقال له في كردستان نوي انه ارسل مثل هذه البرقية.
في ذلك اليوم 8 اذار، كان حزبنا الشيوعي العراقي هو اول حزب سياسي يفتتح مقرات له في الاماكن التالية: في مقر قيادة الجيش الشعبي المنحل، وفي الدار المقابل لمقر ما يسمى الانفال لان المقر لم يعد صالحاً للسكن. وكذلك في نادي الضباط في العقاري. وعلق قطعة على كل مقر وتم تنظيم بعض الرفاق البيشمركة لحراسة المقرات .
لقد لعبت النساء دورا كبيرا في تشجيع الشباب على الهجوم على المقرات واقتلاع صور صدام. و علما انه في الايام الاولي من انتصار الانتفاضة وكان الآلاف من اهالي السليمانية مسلحين . . لم تسجل اية حادثة تذكر وكان مرور السيارات اكثر تنظيما رغم وجود فراغ اداري في المدينة.
كانت حصيلة الشهداء الذى قدمه حزبنا الشيوعي في انتفاضة اذار المجيدة في محافظة السليمانية وهم رعد نوري الذي استشهد في الشارع الستيني قرب الالبسة الجاهزة والشهيدان زانا عثمان وئاكو ابراهيم في جبل ازمر والبشمركة سربازحيدر محمد (هورامان) في اطراف حلبجة والشهداء الاخوة الثلاثة زاهر حمه صالح ابو بكر وجمال حمه صالح ابوبكر ورزكار حمه صالح ابو بكر في تحرير مدينة دوكان، كما جرح احد الرفاق في طاسلوجة وجرح رفيقين في ازمر اثناء دفاعهم عن مديىنة السليمانية.
لقد اكدانتصارالانتفاضة وتشكيل السلطة المحلية من قبل احزاب الجبهة الكردستانية بعد ايام قليلة، على وجود نوع واضح من التنظيم في قيادة الانتفاضة، حيث ساهمت كافة الاحزاب بما فيها التيارات اليسارية بقسط يتناسب وحجم تواجده في داخل المدينة بضمنها حزبنا الشيوعي الذي ارسل العديد من كوادره الى داخل المدينة قبيل الانتفاضة للتحضير لها، كما اثبت ان تحقيق الانتصار لا يتم بدون الدور النشيط للجماهير داخل المدن.
و في مقدمة السلبيات التى واجهت الانتفاضة هي عدم وجود تنسيق بين احزاب الجبهة الكردستانية داخل المدينة رغم وجود بعض الصلات بين القواعد، و لوجرى مثل هذا التنسيق وفق خطة مدروسة مسبقا، فانه كان يحول دون وقوع العديد من السلبيات، كان بالامكان المحافظة على ممتلكات الدولة التي هي ممتلكات الشعب، التي راحت سدى . كما كان بامكاننا تنظيم الجنود لتحريكهم ضد السلطة الدكتاتورية في بغداد.
واخيرا اعتذر من جميع الرفاق الذين ساهموا في هذه الملحمة البطولية ولم اذكر اسماءهم.[1]