#صباح كنجي#
الزرادشتية من الديانات التي ما زالت تحظي باهتمام الباحثين والعلماء والمختصين بتاريخ الأديان والمعتقدات.. وبالرغم من اهمية ما كتب عنها.. الا انها ما زالت بحاجة للمزيد من الدراسات والتوضيحات لإزاحة الكثير من المفاهيم الخاطئة التي نسبت اليها.. بسبب الجهل او عدم المعرفة ونقص المعلومة.. أو عمداً ولأسباب مختلفة من الذين حرفوا الحقائق المتعلقة بالدين والطقوس الزرادشتية بغية التشويه والاساءة المقصودة ..
في لقاء مع الباحث الزرادشتي هازان كارساسي الذي يشغل عضوية المجلس الزرادشتي الاعلى حضره عدد من المهتمين بحقوق الانسان في جلسة مخصصة للحديث عن الزرادشتية .. اثمرت عن هذا المختصر المفيد.. ارتأينا أن نثبته في هذه الاسطر ليكون عوناً للباحثين المعتمدين على المعلومات الدقيقة من مصادرها ومنابعها ..
لتكون حلقة فاصلة بين حقائق التاريخ المغيبة والزيف والتشوهات والمغالطات التي تعرضت لها الديانة الزرادشتية في اكثر من حقبة من حقب الزمن الذي ترافق معه الظلم والاستعباد الديني للبشر الى يومنا هذا ..
بدأ الباحث هازان .. بالحديث عن الديانة.. وأكد ان الاسم الزرادشتية قد اطلق عليهم من قبل الكتاب العرب ويعتقد ان اول من استخدمه هو مصطفى احمد وهم يسمون انفسهم (النورانيين).. وهي ديانة تشكل المعرفة والفلسفة الاساس لبنيتها الفكرية و الميثولوجية..
وتواجد اتباعها بين عدة اقوام وشعوب من الهند وافغانستان وباكستان وايران والعراق والجزيرة العربية وكردستان .. والآن في عدة بلدان اوربية .. وشملت وتزامنت تاريخياً مع عدة امبراطوريات منها الاشورية و الميدية والساسانية والاسلامية .. وكانت تسمى في حدود سنة 700 ق . م بالأكليلية .. وعدد اتباعها الآن يتجاوز المليونين زرادشتي بينهم اكثر من (80 ) الف زرادشتي في المانيا ..
تنسب التسمية الى زرادشت.. وهي التسمية التي اطلقها مصطفى احمد على ( زورا استرا ) وهو الاسم الصحيح ومعناها النجم اللامع ..او النجم المضيء ..والد زرادشت اسبيدمان.. الذي هو لقب للإله سين أي القمر..
ولد زرادشت في زرباطية التي ما زال سكانها الحاليون يتحدثون لغة هجينة تجمع بين الآرامية والكردية وفيها مفردات فارسية وعربية .. لهذا نرى ان عدة شعوب تنسب زرادشت اليها وتمنحه ادلة وصفات تقترب من بنيتها ومفاهيمها الدينية والميثولوجية.. وتحاول صبغه بصبغتها الاثنية .. والمتفق عليه ان ولادته في بلاد ما بين النهرين .. الانتريا العراق والزرادشتيون يؤكدون ولادته في زرباتية زرباطية ..
ويؤكد هذا ايضا ما ورد في كتاب حياتي مع زرادشت الذي كتب بعد 700 سنة من ولادته وظهوره حيث ورد فيه .. انه ولد في بنسفون ويعتقد ان التسمية زرباتيه لاحقاً منسوبه له أي لزرادشت الذي تبنى تعاليم الكتاب المقدس الافستا المنسوبة ل اهورا مزدا الذي اوحى له للتبشير بها وهو مضمون اسرار الزرادشية التي اوحيت اليه خلال سبعة ايام .. يأتي بعدها وفاته ومن ثم صعوده للسماء بعد منتصف الليل على حيوان ال ( فاهوما ) المجنح الذي يشبه الجمل .. وانه التقى هناك في السماء باهورا مزدا..
تستند الزرادشتية لثلاثة اركان تؤسس لبنيتها الميثولوجية هي :
الفكر الحق
القول الحق
العمل الحق
وهي ديانة توحيدية تعتمد مفهوم الحكمة العظيمة التي هي جوهر آهورا مازدا.. لهذا نراهم يقدسون الحق والصدق والعمل وتتمحور طقوس ديانتهم حول هذه المفاهيم.. ولا تقبل الميثولوجيا الدينية الخلط بين النور والظلام .. كما صورها الكثير من الكتاب الذين كتبوا عن الزرادشتية ولم يتعمقوا في معرفة مفاهيمها ..
حيث تعود الثنائية الروحية وفقا للديانة الزرادشتية الى محورين روحيين احدهما مظلم والآخر مشع وهي ثنائية ارضية دنيوية وليست إلهية .. لهذا فإن اهورا مزدا وفقاً لهذه الرؤية .. غير قادر على التحكم بالبشر .. ودوره ينحصر في السعي لموازنتهم وتعليمهم فهو لا يتحكم بهم.. بهذا يكون الكون والبشر خاضعين لقوة غير خارقة .. ف اهورا مزدا لا يمتلك قوة خارقة .. وبهذا الشكل يصبح الانسان مخيراً وليس مسيراً ..
اما بالنسبة للطقوس والمقدسات في الزرادشية فيمكن التأكيد ان بعضها يعود لديانات سابقة لها وتتشكل من اربعة عناصر مقدسة هي (الماء .. الهواء .. التراب .. النار ) .. ويدخل القمر سين والشمس في عدادها.. ويتميز تقديس النار فيها بشكل جلي .. لكنه لا يصل الى حالة العبادة كما كتب الكثير العديد من الكتاب عن هذا بشكل خاطئ..
تتمحور في الزرادشتية قوتان متصارعتان احداهما دنيا بسبعة رذائل والاخرى عليا بسبعة فضائل وحسنات .. تجتمع لتدخل مع الاولى وتعاضدها.. النفاق .. الخديعة.. الجبن .. البخل .. ازهاق الارواح.. السرقة .. الزنة .. وهي من المحرمات وممنوعة في الدين الزرادشتي ..
لهذا لا تعتمد الزرادشتية مبدأ الثواب والعقاب .. والانسان وفقا لتصوراتها عن حالة الموت والانبعاث يعتبر جسد فاني وروح خالدة .. لذلك لا يجري دفن الميت ويجري وضع رفاته في مكان مرتفع .. لتصعد روحه الى ( البازاخ ) في السماء وتدخل بجسد آخر في دورة جديدة لها.. من خلال تناسخ الارواح والانتقال من جسد لآخر .. وهو ما يسمى لدى الايزيدية بكراس كهورن أي تبديل القميص او اللباس ..
والآفيستا تحتوي على الطقوس والتقاليد وما له علاقة بالديانة السابقة للزرادشتية وتتشكل من 72 فصلا كل فصل يختص بموضوع منها عدة فصول عن حياة الانسان مدونة جميعها باللغة الآفستية التي تشكل الآرامية نسبة 40% منها و البلهوية بنسبة 40% ايضا والباقية 20% كردية وعربية .. لهذا يمكن القول ان لغة اهل زرباطية الحالية هي اقرب الى لغة الآفيستا الزرادشتية في ذلك العصر.. وهي لغة لها خصوصياتها تجمع ما بين عدة لغات ولا يمكن تنسيبها الى لغة محددة للآن..
وهناك 5 كتب اخرى هي البشتة تشرح المعتقدات والشرائع .. اما الشيتات ففيها تفاصيل لشرح الطقوس والممارسات الدينية وهي غير ملزمة يمكن اعتبارها توضيحات وتوجيهات .. ويمارس طقس النار الهوما خمسة مرات في الحياة وهو غير ملزم بالرغم من ان طقوس الديانة الزرادشتية تبيح اشعال النيران الزرادشتية على مدى العمر وتحددها بالأقل الممكن منها وهي ايقاد خمسة نيران..
وعند ايقادها لا يجوز لمسها كي لا تتلوث ويمكن التبرك بها ... ومن الطقوس المقدسة المهمة في الزرادشتية التي يصاحبها اشعال النيران ايضا هي زرع الاشجار ويحدد لكل زرادشتي زراعة (71) شجرة في فترة حياته .. وهذا يتوافق مع تقديس الطبيعة.. وعندما يرتكب الزرادشتي خطأ أو خطيئة عليه ان يلجأ لزرع المزيد من شتلات الاشجار تنفيذاً للوصايا .. كما ورد في نص وصية .. ( اذهب الى الجبل واغرس ) ..
وعن الصوم الكبير والصوم الصغير يمكن التأكيد.. ان الصوم الصغير مدته 70 يوماً ويبدأ من 25-1 لغاية 5 نيسان تقريباً وفيه يتجنب الزرادشتي الاكل الحيواني من لحم ومشتقاته وهو فترة تكاثر الحيوانات وولاداتها ويجري خلاله منع قتل أي حيوان ..
اما الصوم الكبير فيمتد مع الزرادشتي ويترافق معه طوال حياته.. حيثما امتد به العمر .. ويعتبر صوم العقل و الضمير .. ويشترك مع المفاهيم المندائية في المضمون والمحتوى الاخلاقي باعتباره صوماً فضيلا يعتمد القيم ..
اما الصلوات فهي خمسة يؤديها الزرادشتي بعد الوضوء.. الذي اخذ منها الاسلام الكثير .. وفيها يجري غسل الايدي والارجل ومسح الاذنين .. واوقاتها هي .. الصلاة الاولى عند الرابعة فجراً.. الثانية بين 11- الواحدة ظهراً.. الثالثة في العصر بين 2,5 3,5 .. الرابعة بين الساعة 7 9 تعتبر صلاة المغرب .. الأخيرة بين 11 الواحدة بعد منتصف الليل.. تسمى صلاة ( ايشي يانا ) .. أي صلاة العشاء ..
أما التعميد الذي يترافق معه شد الوسط بخيط او شريط احمر فيرتبط بالعناصر الاربعة المقدسة لهذا يكون منسجماً معها و مرادفاً لمكوناتها الاربعة.. حيث يعمد الطفل بالرماد كمكون للنار بعدها بالتراب كمكون للأرض ومن ثم الماء .. وبعد عجن المكون وتكوين خليط منه ليدهن به جسد المتعمد اربعة مرات .. ومع ذلك لا يعتبر الطفل المعمد حتى هذه اللحظة زرادشتي الانتساب .. علما ان هذه الطقوس للتعميد لا يجري الالتزام الحرفي بها ولا تعتبر من صلب تعاليم زرادشت ووصاياه ..
وعند بلوغ الطفل ال 15 عاماً يسأل ان كان يرغب ان يصبح زرادشتي الانتماء.. وإذا رفض او امتنع يمنح 5 سنين اخرى .. وعند قبوله بها.. يجري ربطه بحبل ويشد من قبل الام والاب والكاهن ويُجرْ ليسحب 21 مرة .. ومع كل شدة يلقن بوصية.. بعدها يجري فتح المشد ويعلن عن اعتناقه وقبوله لشروط الديانة الزرادشتية ..
بهذه الصيغة وفي هذا العمر يكون الانتماء والانتساب للدين بقرار شخصي حُرْ .. مخير غير جبر يعتمد على :
1 العمر المناسب من 15 عام وهو الحد الادنى ..
2 ان يكون المنتمي فرداً عاقلا قادراً على اتخاذ القرار بنفسه..
3 ان لا يكون مجبراً ومدفوعا من اية جهة بما فيها ابوية ..
4 ان لا يكون له علاقة بالأديان الاخرى.. الا اذا تجاوز ال 21 من عمره وابدى رغبته في اعتناق الزرادشتية وتكون حينها مراسيم القبول مشفوعة بحضور اربعة اشخاص من ذكرين و انثتان داخل المعبد ويتلو فيها الشهادة بإقراره انه عبد الاله ..
والزرادشتية تؤمن بوجود الارواح الخيرة والشريرة .. والوصايا متقاربة و متشابهة مع ما جاء في التوراة.. يعتقد ان اليهودية اخذتها من الزرادشتية.. كذلك توجد مشتركات بين المسيحية والاسلام والزرادشتية .. منها التوجه نحو الشرق اثناء الوضوء .. وقد اخذ الاسلام الكثير من المفاهيم والتعاليم الزرادشتية منها تعدد الزوجات الى حد الرابعة في الزرادشتية .. والتي تم الغاؤها قبل 400 سنة من قبل المجلس الاعلى للزرادشية حيث كان يحق للزرادشتي اخذ اربعة نساء .. ومن المؤكد ان سلمان الفارسي كان زرادشتياً واعتنق المسيحية قبل ان ينخرط في الاسلام ..
هناك 17 وصية من زرادشت الى ابنه الانسان .. اما الآفيستا فهي.. اربعة اجزاء تعتبر كلام اهورا مزدا.. والكاتا كلام منقول الى الناس ويعتبر حديث مقدس .. تم حرق كتب الزرادشتية عدة مرات ابتداء من عصر الاسكندر لأول مرة.. واخذ معه الكاهن فاهرمان .. الثانية في العهد الاخميني .. الثالثة كما سماها المحاضر في عهد الاحتلال الاسلامي .. حيث جرى حرق كل الكتب الزرادشتية واعدم الكهنة الزرادشتيون ومنعوا لأكثر من 1400 سنة من الاشهار عن هويتهم الدينية وممارسة طقوسهم وعاداتهم ..
علما انها الديانة الوحيدة التي انصفت المرأة حيث اصبحت رئيسة للمجلس الروحاني الاعلى عدة مرات منها.. باني او باني شهربان سنة 131 قبل الميلاد .. وعموما للمرأة حقوقاً واسعة في الديانة الزرادشتية .. وما زالت مغارة ماء جك جك ابنة كوساشب في مدينة يزد تسمى باسمها والاسطورة تقول انها كانت في المدائن وذهبت الى عمق الصحراء ونسج عليها العنكبوت ساتراً من خيوطه ..الخ ومازال مكانها مقدساً ويجري التبرك بزيارته في مدينة يزد من قبل الايرانيين ..
اما الختان فهو محرم وقد فرض عليهم بالإكراه في زمن الخليفة هشام بن عبدالملك الذي حاول تشكيل مجلس روحاني زرادشتي في العراق ليتمكن من السيطرة والالتفاف عليهم وجلب مجموعة من الكهنة الخاضعين له لكي يديروا شؤونهم وفقا لإرادته .. وقد ابطلت اجراءات الختان في الزرادشتية من جديد واعتبرت تلك القرارات المفروضة عليهم لختان الذكور ملغية ..
النار المقدسة في الميثولوجيا الزرادشتية تمد بجذورها بصلة الى شجرة السدر.. بشرط ان يكون عمر الشجرة بين 5- 15 سنة وتجري عملية نقل الحطب بمراسيم خاصة تسمى بال (جه قل تو) كما هو الحال عند الايزيدية ..
اما ماني فيعتبر منشق عن الزرادشتية .. وقد اثر الساسانيون كثيراً على الزرادشتية .. وتتداخل شخصية بير خدر المهمة في الزرادشتية مع الديانة الايزيدية التي انحدر منها.. وهو بير من الطبقات الخمسة المشكلة للزرادشتية التي هي .. مور .. بير .. سير ..موك وهناك ايضا بير شاليان ويعتقد بوجود ضريح زرادشت في جبل هبة سلطان .. وعموماً المشتركات مع المثرائية والكاكائية والايزيدية والعلوية والمندائية الصابئة كثيرة ومتنوعة.. تشمل الطقوس والعادات والملابس الدينية وبعض المرادفات اللغوية والتسميات ..
وعندما يأتي الايزيدي مثلا يقال له هوشاري من عهد زرادشت وتشترك الزرادشتية مع الايزيدية في وجود الزيق ويسمى عندهم (خاورنا ) وكذلك في التوبرك البراة ويسمى (جك جك) ..[1]