موقع/ تاريخ الكرد و حضارة كردستان[1]
(أورارتو) هو اسم يدل على مملكة كردية كانت تقع في باكور كردستان (جنوب شرق البحر الأسود وإلى الجنوب الغربي من بحر قزوين). وسُميت أحياناً «نائيري» في حين سمى الأورارتيون بلادهم «بياينيلي»، كما ورد اسم هذه الدولة الكردية في التناخ على شكل «آرارات».
قامت مملكة أورارتو الكردية إبان القرنين التاسع والسابع قبل الميلاد، بجبال كردستان الشمالية حول بحيرة وان، وكانت عاصمتها مدينة وان الحالية (باكور كردستان).
ضمت المملكة قلعة يتوضع مدخلها بجبل صخري وعلى واجهة مدخلها لوحة صخرية منقوش عليها رسومات سجلت حروبهم مع الآشوريين جيرانهم، وكانوا يصنعون التماثيل المجنحة والمشغولات البرونزية، وقد حكم الآشوريون باكور كردستان أوائل القرن الثالث ق.م – وكانت ثقافة الكرد الأورارتيين متأثرة بشرق وشمال الهلال الخصيب وكما كتبوا بالكتابة المسمارية، والمعابد تشبه المعابد الإغريقية، وهناك اليوم في جبل آرارات الذي وجدت به بقايا سفينة نوح.
يرد أول ذكر لهذه الدولة الكردية في النصوص الآشورية إلى عهد الملك «شولمانو- اشارئد» الأول (1234- 1263 ق.م)، حيث يرد في حولياته أنه حارب ثماني دول أو مدن في بلاد «أوواتري». فلم تكن في هذه المنطقة دولة موحدة في هذه المرحلة، وإنما مجموعة من دويلات المدن. وبلاد أورارتو منطقة جبلية منيعة. وفيها الكثير من المواد الخام وخصوصاً الحديد، ما مكنها من أن تصبح واحدة من القوى الكبرى في عالم الشرق القديم. ولم تختلف طبيعة النظام الذي ساد فيها عما كان سائداً في باقي دول الشرق القديم الأخرى مع الإشارة إلى أن الكرد الأورارتيين طبقوا النظم الإدارية الآشورية في دولتهم. كما أدخلوا النظم العسكرية الآشورية على قواتهم.
نشوء الدولة:
تبدأ النصوص الآشورية مع منتصف القرن التاسع ق.م، بالإشارة إلى وجود دولة أورارتية موحدة، بعاصمتها «أرزاسكون» ويحكمها شخص اسمه «أرامي». وقد هاجم الملك الآشوري «شولمانو- اشارئد» الثالث (858- 824 ق.م) «أورارتوا» في حملته عام 856 ق.م، ونجح في احتلال عاصمتها «أرزاسكون» وتدميرها. ويبدو أن نصره في هذه الحملة لم يكن حاسماً. فقام بحملة ثانية عام 832 ق.م، لم يحقق فيها نجاحاً يذكر.
استغل الكرد الأورارتيون الضعف الذي حل بالدولة الآشورية نتيجة الحرب الأهلية فيها أواخر سني حكم «شولمانو- اشارئد» الثالث، ليعيدوا بناء ما دمرته الحروب مع آشور، ولينطلقوا متوسعين خارج حدودهم.
قوة الدولة:
بدأت بوادر قوة دولة أورارتو الكردية بالظهور في عهد الملك «ساردوري» الأول الذي اتخذ من مدينة «توشبا» في موقع مدينة وان الحالية عاصمة له. وله أيضاً تعود أولى الكتابات الأورارتية (أي الملك سردوري الاول)، وهي كتابة قصيرة مكتوبة باللغة الآشورية عُثر عليها في “توشبا”، وتذكر ألقاب «ساردوري» الأول «الملك العظيم، الملك القوي، الملك المحارب، ملك نايري (ربما أصل الاسم سردار ففي الكردية اسم سردار يعني الزعيم او الوالي وكلمة “سَر- بفتح السين” بالكردية تعني الرأس أو الرئيس) وهي الألقاب نفسها التي حملها الملوك الآشوريون. في عهد خلفاء «ساردوري» الأول، توضحت معالم الدولة الأورارتية، فحكم ابنه «إشبويني» بين عامي 825- 815 ق.م. وأشرك معه ابنه «مينوا» الذي استمر في الحكم إلى نحو عام 780ق.م. وقد وسع «مينوا» حدود الدولة، فوصلت حدودها الجنوبية الشرقية إلى الضفاف الغربية والجنوبية لبحيرة أرومية (باكور كردستان) وامتدت شمالاً بين بحيرة وان ونهر «أراكس».
هاجم مينوا البلاد الواقعة إلى الجنوب من بحيرة أرومية التي شكلت الجناح الشرقي للدولة الآشورية. واتجه بقواته غرباً نحو الشمال السوري حتى بلغ مناطق «كوموخ» و«ميليد». وفرض سيادته شمالاً على أعالي نهري «كورا» و«أراكس» وبحيرة «سيفان». في عام 760ق.م أصبح «ساردوري» الثاني ملكاً واستمر في توجيه الحملات نحو الجبهات التقليدية. فوصلت قواته جنوباً إلى حوض نهر ديالى. ووجه حملتين نحو بلاد الشام كان هدفهما توطيد نفوذه في المناطق التي سبق وخضعت لأورارتو.
نهاية الدولة:
مع بداية حكم «توكولتي- ابيل- إشارا » الثالث (745- 727ق.م) للدولة الآشورية بَدأ التراجع في أحوال أورارتو. ففي عام 743ق.م تمكن «توكولتي- ابيل- إشارا » الثالث من هزيمة قوات «ساردوري» الثاني وحلفائه في سورية، مثل «كوموخ» و«ميليد» و«بيت أغوشي» وغيرهم، وذلك في المعركة التي جرت على أراضي دولة «كوموخ». وفي عام 735ق.م هاجم «توكولتي- ابيل- إشارا» الثالث عمق الأراضي الكردية الأورارتية، ووصل إلى العاصمة «توشبا».
بعد سقوط الدولة الآشورية نحو عام 612 ق.م على يد الكرد الميديين خضعت مملكة أورارتو الكردية لمملكة ميديا (ماد) الكردية التي أبقت على أورارتو دويلة كردية تابعة لها حتى الأعوام 593- 591ق.م حين انصهرت دويلة أورارتو الكردية نهائياً داخل إمبراطورية ميديا (ماد) الكردية. ومنذ نهاية القرن السادس ق.م، بدأت القبائل الأرمنية بالدخول إلى باكور كردستان (بلاد أورارتو)، قادمة من الأناضول لتعطي المنطقة اسم أرمينيا.
سكان أورارتو وأصلهم ولغتهم:
سمت الكتابات الملكية الخليط السكاني من الأحرار لمجتمع بلاد اورارتو «شوريلي». فالمجتمع الأورارتي كباقي المجتمعات ليس متجانساً من الناحية العرقية. فإلى جانب الكرد الأورارتيين الأصليين، قد تواجد في المنطقة الحثيون ومجموعة أخرى من القبائل ذات الأصول القوقازية. وكان للعبيد دور محدود في المجتمع الأورارتي. ومصدرهم الأساسي أسرى الحروب.
اللغة الكردية الأورارتية كانت من اللغات الإلصاقية. مثلها في ذلك مثل اللغة الكردية السومرية واللغة الكردية الحورية (أي الكرد الهوريين حيث أن الكرد الأورارتيين هم اصلاً كانوا من أحفاد الكرد الهوريين الذين أسسوا فيما مضى مملكة ميتان) وبعض اللغات القوقازية اليوم. وقد دوَّن ملوك أورارتو بلغتهم الكردية مجموعة كبيرة من النصوص التي تساعد في كتابة تاريخ هذه الدولة من مختلف النواحي. واستخدم الكرد الأورارتيون الكتابة المسمارية لكتابة هذه النصوص وفي أحيانٍ قليلة لجأوا إلى استخدام الهيروغليفية الحيثية.
ازدهار العمارة والاهتمام بها:
أولى الملوك الكرد الأورارتيين أهمية كبيرة لمسألة بناء المدن والحصون وخاصة في المناطق الحدودية. ومن أهم المدن التي بُنيت في حقبة ازدهار أورارتو مدينة «إيربوني» في المكان الحالي لعاصمة ارمينيا (يريفان)، ومدينة «تيشي بايني» موقع «كارمير بلور» اليوم.
وهذه بنيت في عهد الملك «روسا» الثاني بالقرب من مدينة يريفان الأرمينية. وإلى جانب القلعة الأساسية للمدينة وجدت الأحياء السكنية، وكانت البيوت مؤلفة من غرفتين أو ثلاث غرف. وقد شق ملوك أورارتو الكثير من قنوات جر المياه لاستخدامها في الأعمال الزراعية أو للشرب، وبعض هذه القنوات ما تزال تستخدم حتى اليوم مثل قناة «مينوا». وقد عثر الأثريون على عدد كبير من الأعمال الفنيّة التي حملت في البداية خصائص الفنون الآشورية. ثم بدأت تظهر ملامح مميزة للفنون الكردية الأورارتية، وتنوعت هذه الفنون ما بين النحت واللوحات الجدارية والنقش على المعدن.
878