=KTML_Bold=تلال الحسكة الأثرية.. ضحية جرائم الاحتلال التركي العابرة للحدود=KTML_End=33
الحسكة / محمد حمود
تعدُّ التلال الأثرية في مقاطعة الحسكة ذات غنى حضاري عبر سوياتها المغرقة في القدم، لكن عراقتها لم تشفع لها أمام لصوص الآثار الذين أنتجتهم الفاشية التركية في عموم سوريا منذ بداية الأزمة؛ لنهب هوية الشعوب والمتاجرة بها في الأسواق العالمية بعد عبورها الداخل التركي.
لم يقتصر انعكاس مأساة الأزمة السورية على شمال وشرق سوريا بسقوط خسائر بشرية لتوالي المجموعات المرتزقة ذات التوجهات المختلفة، وآخرها مرتزقة الاحتلال التركي على احتلال المنطقة، وموجات التهجير القسري في أعقاب احتلال دولة #الاحتلال التركي# لمناطق عديدة ك#عفرين# ، وجرابلس، والباب، وسري كانيه، وكري سبي، بل طالت الحرب الآثار أيضا.
إن كانت المدن والمصانع، والبنى التحتية، من الخسائر التي يمكن تعويضها مستقبلاً في حال توفر التمويل والإرادة اللازمين، فإن تدمير إرث المنطقة الحضاري والتاريخي، بآثارها، أو نهبها، ونقلها إلى الداخل التركي ومنه إلى بقية العالم، يعدُّ من أكثر ويلات الحرب مأساة، وأصعبها تعويضاً إن لم يكن مستحيلاً أصلاً.
مقاطعة الحسكة في شمال وشرق سوريا؛ إحدى أهم المناطق التي تحوي أكثر من 1000 موقع أثري، أغلبها يعود للألف الثالثة قبل الميلاد، وهناك مواقع تصل إلى الألف العاشرة قبل الميلاد، وقد طالتها أيادي اللصوص الذين يعملون وفق أجندات دولهم التي تشغلهم، وعلى رأسها دولة الاحتلال التركي.
التلال الأثرية في مقاطعة الحسكة ذات عراقة تاريخية
في السياق؛ أكد الباحث والأكاديمي في علم الآثار؛ عدنان بري، أن “الآثار الموجودة في المقاطعة تدل على عراقة تاريخ هذه الجغرافية، وغناها الحضاري والتاريخي، والسويات الأثرية المكتشفة في المقاطعة أغلبها تعود إلى ما قبل التاريخ، وأغلب السويات المعروفة عالميا موجودة في هذه المنطقة”.
وأشار بري إلى أن أهمية هذه المواقع تنبع من كونها هوية للأمم، وأن الحفاظ عليها ودراستها حفاظ على الهوية: “دراسة هذه الآثار يجعلنا نتعرف على الحضارات القديمة، وتاريخ الأمم، وهوياتها وعلاقاتها البينية ومساهماتها في تطوير الحضارة الإنسانية، كما تمدنا هذه المواقع بالمساهمة الفعالة في إحياء تواريخ أمم وحضارات قديمة مجهولة، والتجارب الإنسانية صغيرة كانت أم كبيرة، والحصول على معلومات عن الإنسان وتطوره عبر العصور”.
وأضاف عدنان بري أن “هذه المواقع تطلعنا على التطور الثقافي والفكري للإنسان، ومساره الحضاري انطلاقا من المخلفات والبقايا الأثرية، وتجعلنا نعرف أساليب الحياة وطرق المعيشة للمجتمعات وبداية الصناعات والتقنيات ومراحل تطورها والمحافظة على التراث الثقافي الملموس وغير الملموس للأمم والشعوب”.
ونوه عدنان بري إلى أن التراث الأثري هو أساس السياحة الثقافية في العالم في عصرنا الحاضر، وبالتالي بتنميتها تتم تنمية المجتمعات المحلية في المناطق والأقاليم وتطوير الاقتصاد المحلي.
السويات الأثرية في الحسكة توفر معلومات تاريخية شاملة
وحول السويات الأثرية الموجودة في مواقع مقاطعة الحسكة الأثرية وغناها؛ قال عدنان بري: “تتوفر كل المعلومات الشاملة في هذه المواقع بالرغم من أن المواقع المنقبة قليلة، قياساً للعدد الكلي الكثيف الموجود في مقاطعة الحسكة، فتعداد المواقع يزيد على 1000 موقع، إلا أن المواقع التي تم التنقيب فيها لا تتجاوز 30 موقعاً”.
وحول تأثير الحرب في سوريا على الآثار في المقاطعة؛ فأكد بري أنها: “نالت نصيبها من الدمار والتخريب، والتجريف، والنهب، والسرقات، حيث تم نهب العديد من المواقع الأثرية، كما حصل في موقعي (تل عجاجة، وتل طابان)، وقد كان لمجمل المواقع نصيب وافر من التعديات”.
أما عن نسب التخريب، والدمار الذي طال هذه المواقع؛ فقال الباحث بري: إنها “تتراوح بين موقع وآخر، فمثلا نسبة التخريب في موقع تل عجاجة كانت تقارب 40 بالمائة، فيما لم تتجاوز في موقع طابان 20 بالمائة، كما طال التخريب مواقع أخرى بنسب منخفضة لا تتجاوز أربعة بالمائة”.
تركيا لعبت دورا سلبيا عبر عملية الإتجار بالآثار
وفيما يتعلق بالدور الذي لعبته الفاشية التركية في هذا المضمار؛ أكد عدنان بري، أن “الدول المجاورة وعلى رأسها تركيا كانت تلعب دورا سلبيا؛ لأن الحدود كانت مفتوحة في فترة معينة، حيث تم الإتجار بهذه الآثار في الأسواق الخارجية، وأمام الجميع الذين يعلمون أن هذه الآثار تمثل هوية، وتاريخ البلدان، التي سرقت منها”.
وأضاف: “هذه العملية تعدُّ جريمة حرب من خلال الإتجار بالآثار عبر الحدود، وقد تعلمنا عبر التاريخ أن أي دولة مستعمرة لشعب ما، فإنها تستهدف في بادئ الأمر هوية، وتاريخ، وثقافة هذا الشعب، وفي هذا الإطار جاءت عمليات التخريب، التي تعرضت لها المواقع الأثرية في مقاطعة الحسكة، وعموم شمال وشرق سوريا”.
عملية حفظ التراث مسؤولية ملقاة على كاهل الجميع
كما تطرق الباحث عدنان بري إلى آليات الحفاظ على الآثار: “تعدُّ عملية حفظ التراث مسؤولية ملقاة على كاهل الجميع، والكل معني بحماية المواقع الأثرية، التي تمثل هذا التراث”، مشددا على أن حماية الآثار هي حماية للهوية الحضارية للأمم، ولما عاشه الإنسان من تطور ثقافي، وفكري في العصور القديمة، و”المحافظة على التلال الأثرية من أي تعديات يمثل الحفاظ على كنز لا يمكن تقديره بثمن”.
وفيما يتعلق بطرق بث الوعي بأهمية الآثار بين المواطنين؛ فأشار الباحث، والأكاديمي في علم الآثار؛ عدنان بري، إلى أن روح الحفاظ على الآثار تتأتى من عشق الإنسان لهذه المواقع الأثرية، وهذا التراث المادي عامة، وذلك يتطلب تعاضد العديد من الفعاليات عبر المجتمع المحلي؛ وأبرز آليات تحقيق هذا الهدف تتمثل ب “نشر بروشورات تدعو للحفاظ على الآثار والاعتناء بها، وعدم السماح بالتعدي عليها، والقيام بأنشطة ثقافية تعرّف المواطنين بتاريخهم الأثري، وخطورة التلاعب بهويتهم التراثية، إضافة لتنظيم جلسات مكثفة في كل المناطق حول الارتقاء بثقافة الحفاظ على المواقع الأثرية”.[1]