عيد نوروز لدى الكورد يبدو أكثر عمقا وصميمية، بالشكل الذي يكتسب خصوصية إلى الحد الذي باتت هذه المناسبة تشكل جزءاً حيويا من دقائق الحياة الكوردية....
كتبه: طارق كاريزي
مع ان عدد المحتفلين بعيد نوروز سنويا يبلغ حاليا حوالي 400 مليون انسان، يتوزعون على شعوب وأمم شتى في آسيا الوسطى والغربية وشبه القارة الهندية واجزاء من البلقان، لكن عيد نوروز لدى الكورد يبدو أكثر عمقا وصميمية، بالشكل الذي يكتسب خصوصية إلى الحد الذي باتت هذه المناسبة تشكل جزءاً حيويا من دقائق الحياة الكوردية. واذا كان الفرس والاذربيجانيون والطاجيك والبلوش والبشتون وعدد من الشعوب الآرية والاورالية الأخرى في آسيا الوسطى وأعماق هذه القارة، يستقبلون عيد نوروز بطقوس ومراسم احتفالية خاصة تعبر عن الثقافة النوروزية لدى هذه الشعوب والأمم، فالكورد يشاركونهم هذه الطقوس والمراسم ايضا ضمن اجوائها العامة وتوقيتها الزمني، مع الأخذ بنظر الاعتبار بان لكل شعب من هذه الشعوب قصصه وسردياته وأساطيره الخاصة بنوروز، فيها الكثير من المشترك وايضا المختلف بين هذا الشعب وذاك.
عام جديد، حياة جديدة
الكورد شعب الطبيعة بامتياز. مثلما الطبيعة تجدد نفسها كل عام، فالكورد ايضا يجددون مفردات حياتهم كل عام، وهناك تداخل وتوافق صميمي بين الكوردي والطبيعة. علاقة خيوطها ومفرداتها الوئام، بل يصح ان نقول انها علاقة التكامل والانسجام بين الكوردي والطبيعة، تمتد عميقا بجذورها في حقب سحيقة من تأريخ الكورد ونشأتهم.
وربما هذا هو سر تمسك الكوردي بأرضه وعدم مغادرته لكوردستان بعكس أمم اخرى غادرت مواطنها الاصلية واستوطنت مواطن جديدة. ولعل من ابرز تجليات العلاقة الجدلية بين الكوردي والطبيعة هو التمازج العجيب بين التقويم الكوردي والطبيعة (سنحاول تناول هذا الأمر في مقال مقبل ان شاء الله). فرأس السنة الكوردية وأشهر التقويم الكوردي ما هي الا صفحات من تقويم فصول السنة. غرّة شهر نوروز الموافق ليوم 21/آذار حسب التقويم الميلادي، هو رأس السنة الكوردية، ونوروز هو الشهر الأول في التقويم الكوردي. وأستناداً إلى دلالات المصطلح في اللغة الكوردية وعدد آخر من اللغات الهندو ايرانية (الآرية الآسيوية)، فإن نوروز يعني اصطلاحا اليوم الجديد، وهو ضمنا يعبر عن العام الجديد ايضا. فنوروز هو اليوم الاول (الجديد) من العام الجديد. ويبدو أن اسلاف الكورد وبحكم العلاقة الجدلية الحميمية التي كانت تربطهم بالطبيعة، قد عاشوا وتعايشوا مع الطبيعة وراقبوا تقلباتها بدقة حتى استطاعوا معرفة تفاصيل تقلب فصولها وتغيرات صفحات أيامها. وبذلك جاء تحديد اليوم الجديد (نوروز) أستناداً إلى معطيات الطبيعة وما يطرأ عليها من تغيرات في الطقس وتحول في الأبراج وتقلبات في مواقع النجوم، اضافة إلى الترابط الدائري والتوارد التتابعي بين الأرض والطقس وحركة الكواكب، بالشكل الذي يجسد حلقة الحياة في دورتها ودورانها التكاملي.
يوم جديد وعام جديد يستند إلى كم من التقلبات في الطقس والطبيعة ليفتح صفحة جديدة من صفحات الحياة وسرمدية الزمان. ومع ان كوردستان تقع جغرافيا في المنطقة المعتدلة الشمالية، الا ان جبالها تشهد تساقط الكثير من الثلوج في فصل الشتاء، ويصبح بياض الثلج وسقم البرد هما السائدان من حيث اللون والطقس في شتاء كوردستان. عندها تنقطع الطرقات وتغلق المسالك أمام حركة الحياة، ويواجه الكوردي حصار البرد والثلوج بما أختزنه لهذا الغرض من مؤن ومواد غذائية جافة معدة من المنتجات الحيوانية والنباتية إلى جانب انواع الحبوب، وتدخل البلاد في حالة شبه سبات لأن الطبيعة تعلن فصل غضبها. وقد ترجمت الميثولوجيا الكوردية هذا الغضب معتبرة البرد رمزاً لجهنم والعذاب فيها. فالانسان الذي يرتكب المعاصي يدخل جهنم وينال العذاب من سقم البرد وزمهريره، بعكس الميثولوجيا السامية التي تتحدث عن نار جهنم. ومن هنا جاءت النار التي يتم ايقادها في نوروز، كتعبير رمزي عن الانتصار للحياة وكسرا لشوكة عذابات البرد. فالحياة في نوروز تولد من جديد من رحم الطبيعة التي افرغت كل ما لديها من غضب طوال أشهر الشتاء الثلاثة معلنة التراجع امام ضياء نوروز وشعلته الوقادة.
عيد الضمير والأحاسيس
من المتعذر ان تفرض على المجتمع وافراده طقوسا وتقاليدا هو غير مقتنع بها أو غير نابعة من ضميره. فالطقوس والتقاليد لا تترسخ لدى الامم والشعوب، الا اذا ضربت بجذورها في أعماق ضمير وكينونة الافراد وعموم المجتمع. عبّر أجنبي زار كوردستان في نوروز عن دهشته عندما رأى الكورد بأكملهم قد توجهوا إلى ربوع الطبيعة تاركين منازلهم. فالاحتفال بنوروز يرتسم في وجدان كل فرد كوردي تماماً، بغض النظر عن الحالة الاجتماعية أو الاقتصادية أو الطبقية. انه عيد ينبع بقوة من اعماق ضمير الكوردي وهو عيد عفوي تماما.
مثلما أشرنا، فان هناك انسجاماً وتناغماً بين الانسان والطبيعة في كوردستان قلما تجد لهما نظيرا لدى الأمم الأخرى. فالكوردي لابد أن يشترك في مراسم ايقاد نار نوروز كتعبير رمزي عن اندحار جنرال البرد وانتصار إرادة الحياة بعد سبات وتعايش مع زمهرير الشتاء. والنار تحمل دلالات كثيرة، منها كونها رمز لاندلاع الثورة وانتصارها، ومصدرا للنور والكشف والضياء. وبحكم العلاقة الجدلية بين الكوردي والطبيعة، فقد نسج الخيال الكوردي أروع الاساطير والحكايات عنها. ان تجليات الطبيعة في نوروز تتوافق مع أحاسيس الفرح والسرور التي يبديها الكوردي في نوروز. البرد يندحر ومساحات الثلوج تتراجع تاركة أرض كوردستان المعطاء حرة طليقة أمام زحف المروج الخضر وهي تعبر عن السرور وانبعاث الحياة، بمئات وربما آلاف أصناف النباتات البرية والزهور مختلفة الألوان والاشكال. فرح الكوردي وبهرج الطبيعة يلتقيان بل يتعانقان في نوروز في اجواء وطقوس هي في قمة الألق الاحتفالي.
شيء من تقاليد نوروز
هناك دائرة عامة تجتمع فيها مراسم وطقوس احتفالات نوروز. وكل فرد طليق ضمن هذه الدائرة فيما يتعلق بكيفية احتفاله بنوروز. ولهذا العيد خصوصية ونكهة خاصة فهو يوم الانسان والطبيعة في آن واحد. انه عيد الحرية والتحرر في بعده الرمزي والاسطوري المتجسد في السرديات المختلفة لثورة كاوه الحداد، وايضا في بعده الواقعي من حيث انطلاق الانسان من سبات البرد وأسر قيود الشتاء. الطبيعة والانسان مع نوروز يدخلان حالة من الانطلاق والتحرر. فالطبيعة تشهد ثورة لونية، البياض والسواد (الثلوج وأديم الارض وهي جرداء) حسب التسمية الكوردية، يتراجعان لتحل محلهما الخضرة على نحو شامل، بل قوس قزح ألوان المروج بما فيها من طيف ألوان لا تحصى. وبالتزامن مع ثورة الطبيعة او لنقل الانقلاب في الطقس، يعتري جسد الانسان وروحه نشاط يتفجر كالبركان ليحفزه على الحركة والانطلاق. وأول الحركة والانطلاق يبدأ بثلاثية الطقس الرمزي، وهي ارتداء الملابس الجديدة وايقاد النيران والانوار وعقد حلقات الرقص الكوردي (الدبكة). ثم تأتي الانطلاقة الاولى والحقيقية في اليوم الاول من شهر نوروز رأس السنة الكوردية الموافق ليوم 21/آذار حسب التقويم الميلادي، حيث ينطلق الكورد دون استثناء نحو احضان الطبيعة التي تزدان باحلى وازهى حللها، فالاخضرار قد انطلق والينابيع قد انفجرت وعادت الحياة، ويمضي الناس يوما ملؤه المسرات والافراح، يتناولون فيه ما لذ وطاب من الطعام، ويغنون مع الطبيعة ويعقدون حلقات الرقص وتصدح الألحان الشجية من كل حدب وصوب ويرتسم السرور على محيا الجميع، وتتحول وديان وسهول كوردستان وسفوح جبالها إلى واحات غير منقطعة وممتدة من الألوان الزاهية حيث تمتزج فيها ألوان خضرة الربيع وأزهاره وازياء الكورد وهم في غمرة احتفالاتهم بنوروز، خصوصا ازياء النسوة الكورديات اللاتي يبدين الكثير من التفنن في اختيار الألوان وتصاميم الازياء والملابس التي يصعب تعداد اطياف الألوان وتنوع التصاميم فيها.
لمحة تأريخية
يعد نوروز من اقدم الأعياد البشرية التي مازال الناس يحتفلون به. جذور هذا العيد تمتد في أعماق التأريخ، وقد كان شائعا لدى أمم حضارات وادي الرافدين ولدى الفراعنة أيضا. ويعتقد الباحثون بان نوروز لدى الأمم القديمة، وان اختلفت التسمية فيما بينهم، الا إن موعده كان هو نفسه يتطابق مع موعد عيد نوروز الحالي. ولكون الكورد من أقدم الامم في الشرق الاوسط واحفاد اقوام زاكروس وشمال وادي الرافدين من لولويين وكوتيين واورارتو وميتانيين وكاردوخيين (والأخيرين أذاقو جيش الاغريق بقيادة زينفون مر الويل اثناء مروره عبر كوردستان)، هذه الأمم التي امتزجت حضاراتها وثقافاتها مع ثقافة وحضارة القبائل الآرية وخصوصا الميديين (يعتبرهم البعض من المؤرخين أجداد الكورد) الذين أسسوا امبراطويتهم في القرن السابع قبل الميلاد، ظلوا (أي الكورد) محافظين على نوروز وملتزمين به وبتراثه. ولم تستطع الموجات العقائدية التي اجتاحت كوردستان ان تقتلع ثقافة نوروز لدى الشعب الكوردي، بل انها ثقافة اصيلة متأصلة ضاربة بجذورها عميقا في وجدان الكورد، وتتجدد على مر السنين والأزمان.
المصطلح والمفهوم
نظرا لاهمية نوروز وثقافتها لدى الكورد، نرى من الضروري ادامة الكلام حول هذا الموضوع. نوروز، اصطلاحا تعني (اليوم الجديد) نو بفتح النون (او كما تكتب نةو حسب رسم الإملاء الكوردي)، جذر للجديد حيثما ورد في الكلمات والمصطلحات، نومال (اللام مفخّمة وتكتب نةومالَ حسب رسم الاملاء الكوردي) تعني البيت الجديدة (الأسرة حديثة التكوين)، نوبوك (نةوبووك برسم الاملاء الكوردي) العروسة الجديدة، نوجزنة (نةوجةذنة) العيد الأول الذي يلي رحيل فرد من أفراد الأسرة. لن نقلب صفحات القاموس كثيرا، بل نقف عند اليوم الجديد (نوروز) لنقلب وإياكم بعض صفحات سفر هذا العيد العتيد، الذي يعد بحد ذاته تراثا غنيا ومتشعبا، له - مثلما اشرنا- امتدادات أفقية في جغرافيات اوراسيا وأخرى عميقة في غابر الزمان والتاريخ، ويستند لكم كبير من القصص والأساطير والتراث الشفهي والمدون.
جغرافية نوروز
قبل اعوام أقرت الأمم المتحدة نوروز كمناسبة دولية، ومنذ سنين يقدم رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، واحيانا وزير خارجيتها، التهاني للأفراد والشعوب التي تحتفل بنوروز، العديد من الأقوام والشعوب في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، مثلما قلنا، تعتبر نوروز عيداً قومياً (أو وطنياً) لها. وبانتشار جاليات هذه الشعوب باتجاه الشرق والغرب، فقد باتت تقاليد الاحتفال بنوروز تقام في عشرات البلدان بدءاً من كندا وصولاً الى استراليا.
الجذر التاريخي
يتفق اغلب الباحثين المختصين بعالم الأساطير والتاريخ القديم من الذين أنجزوا بحوثاً حول نوروز، بان نوروز هو احد أقدم الأعياد في تاريخ البشرية، د. مولود ابراهيم حسن الأستاذ المختص بالأساطير في جامعة صلاح الدين يشير، الى ان عيد (ديموز) المعروف لدى السومريين هو ذاته عيد نوروز، ويضيف هذا الأكاديمي المختص بان هنالك أجماعاً لدى علماء الآثار والتاريخ بان السومريين قد نزحوا من كوردستان الى جنوب ما بين النهرين، ويستدل للرابط بين (ديموز) و(نوروز) بان الاثنان يقامان في نفس اليوم حسب التقويم الشمسي، ولهما نفس الأبعاد الدلالية من حيث اعتبارهما اليوم الأول من العام الجديد وبداية فصل الربيع. ونظراً لقدم عيد نوروز، فقد دارت حوله الكثير من الأقوال والحكايات والأساطير، منها ما يقول بان نوروز هو يوم بدء الخليقة، يوم هبوط آدم (ع س) الى سطح الأرض. وايضا نظراً لثراء تراث نوروز وتشعباته الميثولوجية وعمقه التاريخي، فقد قامت العديد من الأسر الأمبراطورية بدمج تاريخها مع تراث نوروز، واختطت لها تاريخا خاصاً على هامش هذا التراث، لتضفي لنفوذها هالة قوة.
نوروز الكورد
الفرس والأذربيجانيون والأرمن والبلوج والأفغان والطاجيك والأوزبك والكورد والتركمان والكازاخ، ليسوا الوحيدين من الشعوب المحتفلة بنوروز، بل، مثلما سبق الاشارة اليه، هنالك عدد آخر من الشعوب التي تعتبر هذه المناسبة عيداً (قومياً- وطنياً) لها، ولا مبالغة في الأمر حينما نقول بان الكورد من أكثر الشعوب التصاقاً بنوروز، فمع ان العثمانيين طوال فترة حكمهم للجزء الأعظم من كوردستان، والذي امتد لأكثر من أربعة قرون، قد حاربوا نوروز وتقاليده وذلك لشدة تعلقهم بالدين وتزمتهم تجاه غيره من العقائد، مقاربة مع ذلك فان المسلمين في عصور الراشدين والأمويين والعباسيين لم يعادوا نوروز، بل تقبلوه ولم يبادروا الى منعه لدى المعتقدين به، أقول مع كل هذا (التطرف) العثماني ضد نوروز وكل ما هو خارج أطار الشريعة، الا ان الأمة الكوردية لم تنسى تراث نوروز، فهنالك اعتقاد شعبي راسخ تتجه الكثير من الأبحاث لتأصيله وتعميقه، يقول بان نشأة هذا العيد وتقاليده يعود بأصله الى جغرافية كوردستان، وأقوام زاكروس هي أولى الأقوام التي احتفلت بنوروز وواصلت الاحتفال به حتى عصرنا الحالي.
أسعدتم نوروزا
مع ان نوروز لا يفرض تقاليد ثابتة ومحددة بصرامة وحدية، بل إنها تقاليد مترعة بالمسرة ومليئة بالعنفوان والتفاؤل، فكل محتفل بنوروز له مطلق الحرية في كيفية التعبير عن فرحته وبهجته، والى جانب ذلك، فهنالك تقاليد ثابتة ومشتركة بين أفراد كل شعب او امة من الأمم التي تحتفي بنوروز وتحتفل به، نوروز لدى الكورد يبدو الأكثر حرارة وتألقاً وحماسة وحميمية، وتقاليد الكورد الخاصة بنوروز تتلخص بمفردات أساسية، منها أضرام النيران مساء اليوم الأخير من العام الذي شارف ساعاته الأخيرة، فنوروز هو اليوم الاول والشهر الأول من العام الجديد حسب التقويم الكوردي. ويرتدي الجميع الملابس الزاهية، وفي أيامنا هذه يرتدي الناس (او غالبيتهم العظمى)، الأزياء الشعبية الكوردية، الكل يتبادلون تهاني العيد مع بعضهم البعض. الكل يخرج صبيحة اليوم الأول من العام الجديد الى البراري والمروج حيث يمضي الجميع يومهم بالقرب من الطبيعة، التي تعلن تحررها من سبات برد الشتاء.
نوروز ليس عيداً نخبوياً، وهو ليس عيد السلطات دون غيرها، انه عيد ومناسبة نابعة من ضمير الشعب، وكثيراً ما تتدخل مراسم نوروز مع خيوط السياسة، فان كان الكورد محرومون من الحرية او مستعبدون، تجد ان الحماسة الثورية تتصاعد وتتضاعف لديهم يوم نوروز، فهو في الحقيقة احد اعمدة التكوين القومي والشعبي للامة الكوردية، انه جزء من التراث الروحي والفكر الجماعي (الجمعي) لهذه الامة، ونوروز تراث انساني منفتح على كل من يريد استقبال العام الجديد بمزيد من الامل والامنيات السعيدة.
نوروز والبيئة والتقويم
قرية (جرمو) الكائنة شرق كركوك، والتي يعود تاريخها الى سبعة الاف عام خلت باعتبارها من اولى القرى الزراعية في العالم، ليست المؤشر الوحيد لتاريخ ظهور وتطور التمدن في كوردستان، بل ان التنقيبات الاثرية تظهر ان طلائع الانتقال من مجتمع الصيد الى المجتمع الزراعي والحرفي، بدأت منذ عشرات الاف السنين في كهوف كوردستان الشهيرة (شاندر، هزار ميرد، زرزي) وقد ظل التراث الزراعي متأصلاً لدى المجتمع الذي بزغت بين ظهرانيه الثورة الزراعية.
التراث الشعبي الكوردي، الذي بات -للاسف الشديد- قاب قوسين او ادنى من الضياع النهائي، تراث غني بشكل مدهش، جيلان قبل جيلنا الحالي، كان معمروا كوردستان يمتلكون معرفة واسعة عن البيئة والطقس والفصول والشهور ومواقع واسماء النجوم وحركة الافلاك وتوالي تقلبات الطقس، الاجيال الحالية من الكورد باتت تشكل جزءاً من شرق واسع يتلقى دون ان ينتج او يبدع، حتى بات المجتمع الكوردي يعيش تبعية تفوّق الغير (عالم الغرب المتفوق بالتحديد).
تقول الموسوعة البريطانية، بان احد أباطرة الرومان أجبر حاشيته واتباعه من ذوي الامر والشأن بان يقوموا بتقديم العام مدة شهرين و(20) يوماً، وذلك كي يتسنى له خوض حرب كانت تقف دونها أشهر حرم تمنعه من خوضها، ومن هنا فأن رأس السنة الكوردية يتوافق من حيث اليوم والشهر بداية ونهاية مع التقاويم الشمسية الاخرى، اي ان التقويم الميلادي ايضاً كان يبدأ بيوم نوروز (والذي اصبح موافقاً ليوم 21/آذار، الشهر الثالث حسب التقويم الميلادي الحالي). ولعل كون الشهر الأخير من التقويم الميلادي (كانون الاول) والاول منه (كانون الثاني) دليل ملموس على ما ورد في الموسوعة البريطانية عن الامبراطور الروماني واجباره الفلكيين على تقديم التقويم الميلادي لمدة شهرين وعشرين يوميا.[1]