تمام الدليمي
باحث وكاتب
أصبح واضحا للجميع من خلال شاشات التلفاز ووسائل التواصل الاجتماعي والاخبار التي ترد من الداخل التي يرويها الناس وشهود العيان ان هناك فرقا شاسعا بين ماتقوم به قوات الحشد الشعبي وماتقوم به البيشمركة. وهذا الامر ليس بالجديد وانما له تاريخ وجذور وممارسات سابقة كثيرة. وفي هذا المقال سأستعرض بعض اللقطات والاحداث في الماضي والحاضر بعضها يتعلق بممارسات النظام العراقي في بغداد تجاه الكرد والأخر بتعلق بممارسات قوات البيشمركة. حيث تشير التقارير والروايات انه وفي زمن الستينات، قاد الرئيس العراقي الاسبق عبد السلام عارف حملات شعواء على حركة المقاومة الكردية في حينها عندما كان يطلع عليهم اسم العصاة. فأوصى قوات المرتزقة والتي كان يطلع عليها “الجحوش” المرافقة مع القوات العسكرية النظامية لمحاربة البيشمركة في جبال كردستان، مخاطبا أياهم بان “المال والحلال والبيوت لكم والرؤوس لنا” وهذا ان دل على شي فيدل على ان نهج الحكومة المركزية تجاه الكرد كشعب وكأحزاب تسعى خلف حلم الدولة كان ولا زال منهجا عدائيا ومتسلطا. كانت هذه “الجحوش” خليطا من عناصر عشائرية تشمل كردا وعربا من المغرر بهم وكان قصة الحشد الشعبي اليوم تعيد للأذهان قصة الجحوش السابقة.1
ونتيجة لهذا النهج التي استعملته وتستعمله انظمة الحكم المتتالية في بغداد فقد ارتكبت الجحوش المرتزقة في ظل رعاية وادارة وقيادة الجيش والحكومة العراقية اعمالا فاحشة وجرائم شنيعة ترفضه كل الاعراف والاديان، واستمرت جرائم هذه الجحوش الى سنة الانتفاضة الشعبية سنة 1991.
ورغم كل هذه الجرائم التي ارتكبت بحق البيشمركة الا ان البيشمركة حافظت على نهجها في الدفاع عن نفسها وكان لها وسط الشعب الكوردي شهرة وصورة بقيت نظيفة نتيجة لأفعالهم التي كانت تصب على دفع التعدي عليهم والمطالبة بحقوقهم المشروعة. وهنا استشهد ببعض الروايات التي سمعتها من اقاربي ومن معارفي عن جنود عراقيين كانوا في خط المواجهة مع قوات البيشمركة في الثمانينات. منها ان هناك ضباطا في الجيش العراقي كانوا يتشفون بتعذيب الاسرى من البيشمركة وينهبون ممتلكاتهم ويعتدون حتى على نسائهم ويامرون الجنود بفعل ذلك وفي حال خالف الجندي الاوامر فانه يعاقب عقابا شديدا يصل للتعذيب الجسدي او التجويع او السجن. ومنها ايظا انه وفي يوم من الايام جاء خبر طاريئ لاحدى الوحدات العسكرية التابعة للجيش العراقي في منطقة قريبة من السليمانية ان هناك مجموعة من البيشمركة تتمركز قريبا من تلك المنطقة وان على هذه الوحدة مهاجمتهم فورا. وبعد ان اشتبكت الوحدة العسكرية مع قوات البيشمركة فرت الوحدة باتجاه مناطق تواجد وحدات اخرى وتركت بعض جنودها في الموقع مع العدة والموؤن. وعندما وصلت مجموعة البيشمركة لموقع الوحدة وجدوا بعض الجنود فأخبروهم ان القوة العسكرية قد فرت وان عليكم الحق بها وتركوهم يرحلون دون الحق اي اذى بهم. هذا يشير الى ان هناك اخلاق وهناك سبب جعلهم يحاربون لاجله لم يكن سببا للقتل او الانتقام وانما سببا نبيلا لتحقيق احلام شعبهم. على عكس اخلاقيات لا اقول الكل ولكن بعض الضباط والوحدات والجحوش المرتزقة التي تقتل وتنهب وتحرق.
وفي عام 1991 عندما استسلم أكثر من 10،000 جندي عراقي عربي إلى البيشمركة خلال انتفاضة شهر اذار. ومن ضمن هولاء الجنود كانوا مجرمين وقتلة قتلوا أكثر من 182،000 كردي قبل سنوات قليلة فقط. وبقرار من زعيم البيشمركة مسعود برزاني، فقد تم فتح المساجد والكنائس والمدارس لهولاء الجنود وتمت مداواة الجرحى، ثم أعيدوا جميعا إلى أسرهم باحترام وكرامة. بمثل هكذا اخلاقيات وممارسات تحترم الانسان وتحترم القوانين والاعراف والاحكام الدولية والدينية تبنى الشعوب وتقوم الدول وهذا ما كان عليه ولا زال إقليم كردستان 2. ومن المفارقات اللغوية في هذا الإطار ان ماكان يطلع عليهم الجحوش او باللغة الكردية المرتزقة الذين استعملهم النظام العراقي ب ال “جاش” ويعني “الجحش” للفرد والجحوش” للجمع، هم في تشابه عجيب مع مايطلق عليه اليوم جحش وهم جيش الحشد الشعبي. نفس الاسم ونفس الممارسات الهمجية وبنفس سيناريو استعمال النظام في بغداد لهم ضد الكرد والبيشمركة وان اختلف الجحش السابق الذي كان كرديا عن الجحش الحاضر العربي.
وعن الاحداث الاخيرة التي جرت في كركوك وعلى طول خط المناطق المتنازع عليها مع اقليم كردستان فقد ارتكب الحشد الشعبي جرائم قتل وحرق للبيوت وتم إطلاق النار على مئات المنازل الكردية وتدميرها في كركوك، وتوز خورماتو، وشرد 160،000 شخص، وحرق العلم الكردستاني من قبل القوات العراقية وقتل الصحفيين الأكراد كلها صورة مشابه لجرائم داعش. وبالتالي فاخلاقيات الحشد وممارساته ترقى لان تكون جرائم حرب كما أعلنتها الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان في اقليم كردستان حيث قالت “إن “قوات الحشد الشعبي وبعد أحداث 16 تشرين الاول الجاري، نفذت العديد من الجرائم ضد المواطنين في كركوك وقضاء طوزخورماتو”، مشيرة إلى أن “تنفيذ هذه الجرائم جاء بسبب الاختلاف العرقي والقومي والمذهبي”. وأضافت ان “هذه الجرائم نفذت في وقت سجلت قوات الحشد في القائمة السوداء للأمم المتحدة”، مؤكدة ان “قوات الحشد نفذت جرائمها بمساعدة قوات الجيش العراقي وامام أنظارها”.3
وفي المقابل فقد تم إطلاق سراح الجنود العراقيين الذين تم أسرهم في مخمور وتمت مداواة الجرحى وهذا كان واضحا وموثقا بالفديو الذي تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي حيث تم اسر جنود الحشد المهاجمين وعلى لسان المصور من الجنود البيشمركة قال ان مشكلتنا ليست معكم وانما مع من يحكمكم وأننا لا نريد حربا وقتلا وهذه هي اخلاقنا قديما والان.
باختصار هناك فرقا شاسعا بين من يقاتل باجندات خارجية معادية لبلده وشعبه ودينه ويكون مرتزقا مجرما يبيع نفسه مقابل المال او مقابل مايعتقد انهو نصرة للمذهب او طاعة للولي السفيه في طهران وبين من يدافع عن ارضه وشعبه ويتحلى باخلاق الكرام. وهذا المقال هو مقارنة بين الماضي والحاضر وبين قوات المرتزقة الجحوش قديما والجحش ايظا حديثا التي تستعملها وتستخدمها الانظمة التي حكمت بغداد وبين البيشمركة التي تدافع بها كردستان عن ارضها وشعبها.
المصادر:
1 جرجيس كوليزاده. أكتوبر 10 2017. بيشمركة كردستان العراق بين الامس واليوم. الغد برس
2 انو عبدوكا. نوفمبر 11 2017. لا تدفعوا الكرد للتطرف. روداو
3 اخبار العراق الان. أكتوبر 19 2017. انتهاكات الحشد الشعبي في كركوك والطوز تعد جرائم حرب.[1]
13-11-2017