كشف المؤرخ المتخصص في التاريخ العثماني الدكتور أحمد عبدالوهاب الشرقاوي، في كتاب له بعنوان مذابح الأرمن ضد الأتراك في الوثائق العثمانية والروسية والأميركية، فضائح وجرائم العصابات الأرمنية ضد المسلمين وخاصة الأتراك، في خطوة تدحض المزاعم الأرمينية.
الكتاب الذي يقدّم معلومات فريدة مخفية حول المجازر التي ارتكبتها العصابات الأرمنية ضد المسلمين في عهد الدولة العثمانية، يعرض فيه الكاتب الموضوع في مقدمة وثلاثة فصول.
ويضم الكتاب الوثائق التي تتناول حقيقة ما جرى بين عامي 1914 - 1922 في الكثير من مناطق الأناضول والقوقاز.
ويحتوي أيضاً على 89 وثيقة عثمانية، وتقريرين عسكريين روسيين، وتقرير لجنة برلمانية تابعة للحكومة الأميركية، حسب تقرير أعدته شبكة الجزيرة.
ويقول الشرقاوي: استطاعت هذه الوثائق إحصاء أكثر من نصف مليون ضحية من المسلمين المدنيين وليس العسكريون وجنود الجيش ولم تتمكن من إحصاء جميع القتلى، إذ إنه حدث الكثير من المذابح وأبيدت قرى بكاملها ولم ينج منها أحد ليروي الحادثة.
وفي الكثير من هذه القرى تم التخلص من الجثث بإلقائها في المجاري المائية والآبار، أو إحراق الجثث، أو هدم البيوت عليها وتركها تحت الأنقاض، أو عمل مقابر جماعية لها، وبالتالي لم يكن من المستطاع حصر وتعيين أعداد هؤلاء الضحايا.
تروي وثيقة تحمل رقم (73) في الفصل الأول؛ شهادة أحد الطلاب الروس في كلية طب موسكو، وممرضة روسية تدعى ناتاليا كاراملي تعمل بالصليب الأحمر الروسي، أن الأرمن كانوا يرتكبون أعمال العنف بشراسة ضد السكان المسلمين وخاصة النساء والأطفال في ضواحي بايبورت وأسبير.
أحد قادة العصابات الأرمنية المسلحة ويدعى أرشاك كان ينسق أنشطته مع قائد أرمني آخر شهير يدعى أنترانيك، وكانا يمارسان ذبح الأطفال خاصة. ومن الجرائم المنسوبة لهما بشهادة الطالب والممرضة، ذبح أطفال كانوا يأوون إلى ملجأ أيتام، كما ذبحوا كل الأسرى الأتراك الذين وقعوا تحت أيديهم. وعندما أُجبرت عصابات الأرمن على التراجع، قاموا باغتصاب السيدات والفتيات المسلمات، واغتالوا أيضا في طريق عودتهم 50 طفلا تركيا.
الحروب الدينية على مدار التاريخ كانت من أشد الحروب دموية، ومع تطور الآلة الحربية وتنوع آلات القتل في القرن العشرين زاد سفك الدماء. القرن العشرون وحده شهد مصرع أكثر من مئة مليون شخص في حروبه وأكثر منهم جرحى ومعاقون ومشردون.
لكن وثائق الحرب العالمية الأولى تؤكد أن ما حدث من الأرمن كان استهدافا للمدنيين بصفة رئيسية وأولى، فحصيلة القتل التي تتحدث عنها الوثائق في هذا المرجع المهم؛ ليس من بينها قتل للعسكريين الترك. بل إن ظهور العسكر كان يعني توقف الذبح في منطقة لتنسحب العصابات الأرمنية لتمارس الذبح والاغتصاب الممنهج في منطقة أخرى.
في نهاية الفصل الأول يعرض الكتاب جدولا يشتمل على أعداد القتلى وأماكن حدوث الجريمة وتاريخها، ثم إجمالي الأعداد المذكورة في الوثائق العثمانية. وقد بلغ إجمالي القتلى المدنيين ما بين 1914 - 1921 أكثر من نصف مليون شخص، وتحديدا 518105 ما بين امرأة وطفل ورجل من الأتراك على يد الميليشيات الأرمنية.
ويتضمن الفصل الثاني وثيقة هي عبارة عن تقرير رسمي من أحد الضباط الروس أثناء قتالهم بمشاركة كتائب المتطوعين الأرمن ضد الأتراك العثمانيين يقول عنها المؤلف: إنه بالرغم من المنافع المتبادلة والمشاركة الإستراتيجية في مقاتلة عدو واحد؛ فإن الضابط المذكور استفزته التصرفات اللاإنسانية والشاذة للأرمن في مواجهة الأهالي من الأتراك العثمانيين المسلمين!
كانت أوائل القرن العشرين قد شهدت تحولات هائلة في روسيا وانتفاضات وثورات أدت في مجملها إلى تغيرات متتالية في الجيش الروسي وبخاصة في علاقة الجنود بالضباط. فقد انهارت لفترة الطاعة المطلقة التي اشتهر بها جنود جيش القياصرة، وأصبح الضباط يخافون من معاقبة الجنود المتمردين حتى لا ينقلب البقية ضدهم.
واستغل الأرمن هذه الأوضاع في تخطي الأوامر التي تقيد حركتهم ضد الأتراك المسلمين في أثناء الحرب (كانت روسيا تغض الطرف عما يرتكبه الأرمن ما دامت في طي الخفاء). وتأتي شهادة الليفتانت كولونيل تواردو خليبوف القائد الروسي تأكيدا لجرائم الأرمن ضد المدنيين الترك.
يقول خليبوف: في سنة 1916 عندما احتل جنودنا الروس مدينة أرضروم، لم يُسمح لأرمني واحد بدخول المدينة أو الدنو من ضواحيها.
ويضيف لكن الحال تبدلت بعد الثورة الروسية، وتم العدول عن هذه الاحتياطات، فانتهز الأرمن الفرصة لمهاجمة أرضروم وضواحيها، وشرعوا يسلبون المنازل وينهبون القرى ويذبحون الأهالي، ولم يجرؤ الأرمن مطلقا خلال الاحتلال الروسي على الإمعان في أعمال القسوة والوحشية علنا، ولكن كانوا يقتلون وينهبون في الخفاء، ولكن لم يحل عام 1917 حتى شرعت الجمعية الثورية الأرمنية -ومعظمها من الجنود- في تفتيش المنازل تفتيشا عاما بدعوى نزع سلاح الأهالي.
تستمر شهادات الضباط الروس الواردة في تقرير خليبوف لتوثق قتل أعداد ضخمة من الأتراك على يد الأرمن بدم بارد دون قتال أو حتى توفر فرصة للدفاع عن النفس أو حمل السلاح.
ينتقل الفصل الثالث إلى تقرير لجنة نايلز وسزرلاند، وهي مفوضة من الكونغرس الأميركي وبتكليف منه أيضا عام 1919 للتحقيق في أوضاع الأقاليم الشرقية للإمبراطورية العثمانية في أعقاب الحرب العالمية الأولى.
وكان الغرض من اللجنة هو تقييم النوع المطلوب من المساعدات التي يمكن تقديمها عن طريق اللجنة الأميركية للإغاثة في الشرق الأدنى. وتألفت اللجنة من الكابتن إيموري نايلز وهو ضابط بالجيش الأميركي، وأستاذ القانون الأميركي آرثر سزرلاند الإبن.
في التقرير يضع المبعوثان الأميركيان مشاهداتهما، ويدونان الملاحظات على ما حدث في المناطق التي مرّوا بها. في المنطقة من بتليس إلى بايزيد مرورا بفان؛ يقول التقرير: إن المنطقة شهدت قتالا بين الروس وحلفائهم الأرمن من جهة وبين الأتراك من جهة، وجرت أعمال النهب والمذابح، وترتب على ذلك دمار شامل في المنطقة، وخاصة مدن ولاية بتليس وولاية فان اللتان دُمر نحو تسعة أعشارها.
سكان تلك المنطقة المنكوبة يتكونون أساسا من المسلمين، ويقول المبعوثان: إنهما علما أن الأضرار والدمار قام به الأرمن، إذ احتل الجيش الروسي المنطقة ثم انسحب منها، وما لبث الأرمن أن قاموا بارتكاب جرائم القتل والاغتصاب والحرق - وعلى حد تعبير التقرير- قاموا بكل الفظائع الرهيبة بحق المسلمين.
استدل واضعو التقرير على صحة الشهادات التي استمعوا لها من الدلائل التي رأوها أن ممتلكات الأرمن وكنائسهم وحتى النقوش التي على المنازل في بتليس وفان لم تُمس أو تصب بسوء في حين أن ممتلكات المسلمين ومنازلهم دمرت تدميرا كاملا.
في منطقة أرضروم الحدودية التي تتكون من سلسلة من السهول التي تحيط بها الجبال ويقطنها الأكراد والأتراك حدثت أيضا أعمال قتل وتدمير كامل للمنازل والمزروعات ونهب الماشية. ويؤكد التقرير على أن الأرمن قاموا قبل انسحابهم من المنطقة بتدمير القرى وعمل مذابح وفظائع أيضا ضد السكان المسلمين.
ويضيف التقرير أن هذه الجرائم الأرمنية -كما يطلق عليها التقرير- ما زالت تجري على الحدود لحظة كتابة الوقائع. كما استدل المبعوثان الأميركيان على صحة الشهادات من أحد الضباط البريطانيين في أرضروم.
وفي النهاية تقرر اللجنة الأميركية؛ أنه بالرغم من أن ذكرهم للفظائع التي ارتكبت ليس له علاقة بمهمتهم الأساسية، لكن ما شاهدوه وسمعوه تغلب عليهم، وتأكدوا أن الحقيقة هي أن الأرمن ذبحوا المسلمين على نطاق واسع وبكثير من القسوة والوحشية. وأن الأرمن مسئولون عن معظم الدمار الذي حدث في القرى والمدن.
كما يؤكد التقرير على حقيقة أن الروس قاموا بالكثير من الفوضى والدمار حال تحالفهم مع الأرمن، لكن عندما انحل الجيش الروسي في 1917 وتركوا الأرمن دون تحكم، قام الأخيرون يذبحون ويقتلون المدنيين المسلمين، وعندما تحطم الجيش الأرمني على يد الجيش التركي تحول كل الجنود النظاميين وغير النظاميين إلى آلة تدمير في ملكيات المسلمين وارتكبوا المجازر، والنتيجة هي تدمير بلاد بأكملها.
فيما يقول المؤرخ الأميركي جستن مكارثي في كتابه المهم الطرد والإبادة مصير المسلمين العثمانيين: هجمات الأرمن على المسلمين لم يأت ذكرها أو تؤخذ في الحسبان إلا فيما ندر، أما هجمات المسلمين على الأرمن فهي فقط التي يهتمون بها ويبرزونها، كان من السهل على المعلقين أن يصوروا المسلمين بوصفهم متوحشين شعروا بين فينة وأخرى بالحاجة إلى قتل المسيحيين، في الحقيقة هاجم الأرمن المسلمين وفي كثير من الأحيان دون استفزاز واضح أو مسوغ مباشر.[1]