=KTML_Bold=من مهد الحضارات إلى العصرانية الديمقراطية 2=KTML_End=
ومن المعاهدات الهرميّة إلى المعاهدات المجتمعية
أحمد بيرهات (كاتب وباحث ورئيس مشترك لمنتدى حلب الثقافي)
=KTML_Bold=لعبة المصالح وردّ الكُرد على المعاهدة=KTML_End=
الأساس هو أنَّ #القضية الكرديّة# تُعتبر في الشرق الأوسط إحدى القضايا الهامة في المنطقة ولها تأثير مباشر على عملية السلام في المنطقة والعالم أيضاً، فقد قُسّم وطنهم في أول اتفاقية بين العثمانيين والصفويين عام 1639 في اتفاقية قصر شيرين التي قسمت كردستان إلى قسمين؛ ومن ثم إلى أربعة أجزاء رسميّاً بعد معاهدة لوزان عام 1923، وتمت محاولة إلغائهم وإبادتهم بكل وحشيّة.
وبموجب ذلك تعتبر معاهدة #لوزان# التقسيم الفعلي لجغرافية كردستان إلى أربعة أجزاء؛ الجنوبي تحت الانتداب البريطاني وأُلحقت الجزء الجنوبي الغربي بسوريا تحت الانتداب الفرنسي وأبقت قسماً تابعاً لإيران والجزء الشمالي تحت السيطرة التركيّة.
لقد فسّر الكرد بنود هذه المعاهدة أنَّها أعطت الضوء الأخضر لتركيا بطمس حقوقهم مع حقوق الشعوب الأخرى أو صهرهم في البوتقة التركيّة دون محاسبة قانونية حقوقية صوناً لمصالح الدول الحلفاء وقد كان الهدف من ذلك سحب تركيا من قبل كل الأطراف (السوفييت والإنكليز والفرنسيين) لطرفهم كما مر معنا وهذا يعني أنَّه بسبب المصالح الإنكليزية والفرنسية تم التضحية بالكرد، وتقسيم وطنهم ضمن حدود دول ذات طابع قومي وشوفيني، ولم يكتفوا بذلك، بل أجمع الكل على محاربة الكُرد وعدم الاعتراف بحقوقهم في العيش على أراضهم بحرية وكرامة.
الأسباب شكَّلت الأرضية للتمردات والانتفاضات والثورات الكردية التي جرى سحقها بوحشية فظيعة وارتكبت مجازر مريعة بحقّ الكرد كمجزرة كليه زيلان عام1930ومجزرة ديرسم عام 1938ومجزرة مرعش عام 1978 ومجزرة حلبجة عام1988 وحملة ومجزرة الأنفال التي استمرت ثلاث سنوات من عام 1986الى عام 1989 ومجزرة روبسكي عام 2011 رغم كل تلك الشنائع والمجازر بحقهم إلا أنَّ المقاومة والثورة الكردية استمرت ومازالت مستمرة.
استخدمت تركيا وسط صمت إقليمي دولي إحدى أهم أسلحة السلطة، وهي العمل على ضرب الشعوب ببعضها البعض، والتوافق فيما بينهم في ذلك وإثارة القضايا المذهبية والطائفية والدينية والقومية لإضعاف مطالب الشعب في العيش الكريم.
=KTML_Bold=الظروف المتشابهة والنتائج المختلفة ما بين اليوم والأمس=KTML_End=
تظهر التموضعات الجديدة والخرائط المرسومة للمنطقة، والصراع الشرس بين الدول المهيمنة أنَّ الفرق الوحيد بين اليوم والأمس هو أنَّ الكرد ليسوا بدون سياسة وفكر كالسابق، فالكرد يمتلكون الآن سياسة وآليات دفاعية، وإدارة واقعية ولا سيما في روج آفا، وهناك انفتاح كبير عليهم من كل أصقاع العالم، وبات لهم دور كبير وواضح في محاربة خطر الإرهاب على العالم.
تسعى الدول المغتصبة لحقوق الكرد بدأب على إحياء لوزان جديدة عبر اتفاقيات جديدة كأضنة 2، وربما أضنة 3، وآستانا، التي انتهت برقمها العشرين بمقررات كشفت حقيقة كل لقاءاتها وهو استهداف تجربة الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا، عبر إجراء المقايضات مع بعضهم البعض ومع الدول المجاورة لعدم حصول الكرد على حقوقهم في روج آفا، وعدم تفاعلهم مع حقوق الكرد في باشور وإيجاد شرخ دائم بينهم، أعداء الكرد من السلطات الحاكمة في هذه البلدان يتفقون فيما بينهم أينما كانوا على الرغم من كل خلافاتهم الأيديولوجية القومية والسلطوية التوسعية المنفعية، على الكرد أن يتعظوا من التاريخ وأن لا يسمحوا بإعادة التاريخ لنفسها بمهزلة.
وما نشهده الآن من احتلال تركيا للأراضي السورية والعراقية ما هو إلا تمهيد لتنفيذها لمشروعها ولانسحابها من لوزان وتغييرها لصالحها من خلال تدخلها في كل الشؤون الداخلية للبلدان في المنطقة لفرض نفسها، يستند في ذلك على دعم ومساندة حركة الإخوان المسلمين في كل المنطقة ابتداءً بسوريا مروراً بالعراق واليمن والسودان وتونس وليبيا وغيرها… كل هذا يشير إلى النية والهدف الحقيقي لكل هذه التدخّلات، وفي أي مكان يحل فيه الجيش التركي نشهد كيف يحل فيه الخراب كما قال فيكتور هيغو ذات يوم في مواجهة هذه السياسة، الكرد مُطالبون برفع وتيرة نضالهم السياسي والدبلوماسي إلى أعلى المستويات وتعريف العالم بقيضتهم العادلة ووضع الرأي العام الأوروبي والعالمي في صورة المصالح الدولية التي تمخضت عنها توقيع هذه المعاهدة الظالمة ومحاولة طمس هوية شعب يتجاوز تعداده الآن الخمسين مليون شخص دون إدارة أو كيان واحد أو كونفدرالي تجمعهم.
فكلما تم دفع التناقضات إلى الأمام، تم اكتساب المرحلة لصالح الشعوب، فالتخلص من إرث الاحتلال التركي ضرورة، ويقع على عاتق كل المناضلين وحركات الشعوب وتجاوز النظم الاستبدادية.
=KTML_Bold=وعندما نتساءل في هذه الحيثية ما هي خيارات الكرد؟=KTML_End=
يمكننا القول أنَّ حلقات سلسلة التاريخ قد أوصلت الكرد إلى قناعة أنَّ باستطاعتهم تثبيت حقوقهم عندما تُقنع الشعوب وتُفهمهم أنَّهم بحاجة إلى معاهدة فيما بينهم (التعايش المشترك) ويقع الدور الكبير في ذلك على حركة الوعي التنويري للمثقفين بالدرجة الأولى وعلى منظمات المجتمع المدني ودعم الحركات التحررية الثورية التي تمتلك خاصية الرد المباشر على من يستهدف الشعب ونضالهم وبحثنا هذا يدخل ضمن هذا السياق، إنَّ أهمية الوعي والإدراك تكمن في الرؤية الصائبة والتشخيص الصحيح بأن هناك قطبان يتصارعان الآن على الشعوب الواعية أن تدرك وتؤمن أنها قوية وتمثل قطب قوي بمفردها في مواجهة قطب قوى السلطة والهيمنة رغم اختلافاتهم المتعددة فقد حصل انفكاك ضمني منذ آلاف السنين أفرزت طبقتين (المجتمعي والسلطوي) على قطب الشعوب أنها تؤمن بأنها تستطيع أن تحاسب كل من يفكر بالاستيلاء على مقدراتها وخيراتها.
وما على الكرد وشعوب المنطقة إلا الاستفادة من التغيرات الجارية والظروف التي تجري في المنطقة والعالم فالحلول تولد من رحم الأزمات وحتماً ستكون حلول مفيدة ناجعة.
=KTML_Bold=حقبة الأسئلة الدائمة=KTML_End=
عندما نتعمق في التفكير قليلاً ونتساءل لماذا تغدو مئوية لوزان بهذه الأهمية، حتماً السؤال يحمل في طياته رؤى واحتمالات كثيرة ونُزيد أنه بات للقضية الكردية أهمية كبيرة في صراعات الشرق الأوسط، بحكم موقعها الجيوثقافي والجيوسياسي والجيواستراتيجي، والتي باتت تتصدر النقاشات في المحافل والأروقة الدولية وتهز عروش بعض الحكام في المنطقة، وباتت تتصدّر الأجندات وبدأت انفكاكها عن الرؤى الماضية والتخلص من تهمة الإرهاب التي تلاحق كل حركة وشخص كردي يطالب بحقوقه، حان وقت استرجاعها من براثن الطغاة.
السؤال الآخر المهم هو:
هل ما يجري في العالم والشرق الأوسط يمهد لعقد معاهدات وتوقيعها بحلة جديدة، وتجاوز هذا التجني على الكرد تاريخياً، وتصحيح مسارها بعد كل هذا التهميش والإنكار بحقهم وحق كل الشعوب المضطهدة.
عند طرح هذه الأسئلة عندما لابد لنا من أن نعود إلى قراءة التاريخ بعمق لنتوصل إلى حقيقة أنَّه لا يمكن التغافل عن حقيقة مساهمة الكرد في بناء النظم والإمبراطوريات والدول وفي تقدم الحضارة البشرية، والسؤال هو هل تساهم الشعوب المجاورة أو المتعاطفين معهم التي أسست دولها، وحكوماتها على حساب الكرد في إيفاء الدين للكرد، وتنتفض على حكامها وتتضامن مع الكرد، وتتخذ شعار العيش مع الكرد أساساً أم من خلال إبرام معاهدة بين الشعوب نفسها عبر منظماتها المدنية وأحزابه وقوى المدنية والثورية والسياسية يقودها مثقفون ثوريون أحرار بعيدون عن نرجسيتهم وأنانيتهم، أي بناء نظامهم الخاص البعيد عن الدولة التي تفرض عقدها الاجتماعي وتؤسس للمجتمعية الحقيقية وتتجاوز النظم السلطوية.
على القوى المشاركة في معاهدة لوزان والجهات الدولية النافذة والمؤثرة الآن “التكفير عن ذنبها” وإنهاء هذه المعاهدة، وتعويض المتضررين منها أفراداً وجماعات فقد بات الكرد يعتبرون تاريخ 24-07-1923 يوم الغدر بحقهم ونسفت ما تم إقراره في مؤتمر السلام في سيفر بباريس التي أعلنت في 10-08-1920 التي اعترفت بحق العيش وفق حق تقرير المصير للكرد والأرمن.
يمكننا أن نقول أنَّه بات من الواجب على الكرد المنظمين، والأحرار والمنظمات الحقوقية العالمية، لعب دورهم والعمل والنضال عبر نشاطات وفعاليات متنوعة ومكثفة لتشكيل لوبي (مجموعات ضغط) للتأثير على الدول المعنية التي ساهمت بتقسيم وحرمان الكرد من وطنهم وحقوقهم وإعادة الحقوق لأصحابها الحقيقيين.
في نهاية مقالي البحثي هذا أحب أن اشير الى نقطة هامة قد أشار إليها عالم علم الاجتماع الحديث المفكر والقائد عبد الله أوجلان في إحدى رؤاه إلى أنه:
“مثلما قدّم الكرد مساهماتهم النفيسة في التاريخ ولعبوا دورهم كمنبع للثورة الزراعية، فإنهم يسعون اليوم وفي نفس المكان لتطوير وتصعيد تجاربهم، وخبراتهم في الديمقراطية الذاتية، وينسجون هوية الشرق الأوسط ضمن جمعية (تركيبة) هيلينية الجديدة والانتقال إلى عصر الحضارة الديمقراطية”.[1]