وماذا بعد الزلزال؟.. عن الشعب الكردي نكتب
د. علي أبو الخير
الرابح السياسي بعد وقوع الزلزال
بعد الزلزال المروّع الذي ضرب كلاً من تركيا وسوريا، ووقوع آلاف الضحايا وملايين الجرحى والمشردين، حدثت تحوّلات سياسية، في كل من تركيا وسوريا، وربحت الدولتان سياسياً من كارثة الزلزال، وهو من الأمور العجيبة في النطاق السياسي، وليس النطاق الإنساني في كل الأحوال.
ربحت سوريا تعاطف العالم العربي من جديد حكومياً وشعبياً، فبعد أن كان بعض القادة العرب يستنكرون أي دور للرئيس السوري بشار الأسد في مستقبل سوريا، صار أعضاء الوفود يذهبون ويعودون ويرسلون المعونات لسوريا، وأصبح الحديث عن عودة سوريا للجامعة العربية مباحاً، بل ومطلوباً، على المستوى السياسي والمستوى الاقتصادي.
وقد اتصل لأول مرة الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي” هاتفياً بالرئيس السوري، مُعرباً له عن موقف مصر من المأساة الإنسانية بشكلٍ عام، وقد أسهمت مصر في المعونات الضخمة التي أرسلتها لسوريا، وأيضاً في تركيا
وفي تركيا العضو في حلف شمال الأطلنطي، ربحت تركيا عودة العلاقات الاقتصادية مع الدول العربية النفطية، أكثر مما ربحت قبل الزلزال، وأرسلت الدول العربية المعونات الكثيرة للمتضررين من المأساة، وقد وقف الاتحاد الأوروبي موقفاً مثمراً وداعماً لتركيا، بصرف النظر عن قيمة التبرعات، أو مقارنة ما ذهب لسوريا، وما أخذته تركيا.
وعلى المستوى السياسي تقاربت تركيا مع اليونان العدو التاريخي لتركيا، عندما دعمت اليونان بالمساعدات، وهو ما أثنت عليه الحكومة التركية.
والأكثر دفئاً هو عودة العلاقات التركية مع جمهورية مصر العربية، صحيح أن تصافح الرئيسان “عبد الفتاح السيسي” و “رجب طيب أردوغان” أثناء افتتاح كأس العالم لكرة القدم في الدوحة بقطر، بما يعني خفّة العداء الذي كان يُبديه الرئيس التركي لمصر بعد أن أسقط المصريون جماعة الإخوان المسلمين من الحكم عام 2013.
ولكن الزلزال سمح للنفوس أن تعود لطبيعتها، التي يُقال عنها أخوية، وزار وزير الخارجية المصري سامح شكري كلاً من دمشق وأنقرة، بما يؤكد عودة العلاقات، حتى بدون إعلان رسمي.
وعلى المستوى الشخصي، فقد استفاد كل من الرئيسين التركي والسوري من الكارثة، حيث تحسنت فرص نجاح أردوغان في الانتخابات القادمة في أيار المقبل 2023، وكذلك الرئيس السوري سوف يظل رئيساً حتى إشعار آخر.
وماذا عن الكُرد
كل ما كتبناه جيد ومطلوب، ويُسهم في تطور سلمي لشعوب الدول المتجاورة في منطقة الشرق الأوسط كلها، ولكن يبدو أن الشعب الكردي هو المظلوم أولاً وأخراً، فلا أحد تحدّث عنه، ولا أحد طالب تعويضه، رغم أن الكرد في كل من سوريا والعراق وتركيا أسهموا في التبرع وإرسال قوافل المعونات لتخفيف مأساة الزلزال.
ليس ذلك فقط، فبعد الزلزال المدمّر في منطقة الحدود التركية – السورية، قرر حزب العمّال الكردستاني عدم تنفيذ أي عمليات “ما دام أنّ الدولة التركية لا تهاجمنا”، وذلك يوم الجمعة 10 شباط 2023، أي بعد الزلزال بعدة أيام، وقُبيل عدة أيام من الذكرى الرابعة والعشرين لاعتقال الزعيم الكردي “عبد الله أوجلان”، يوم 15 شباط 1999، بما يؤكد أن الكرد، لا يريدون سوى السلام العادل لهم، وللشعوب التي يعيشون داخل حدودها، وأولهم الشعب التركي، كما أننا مُتيقنين أن الحزب لم يقم بالقتل، أو مواجهة القوات التركيّة بالسلاح إلا دفاعاً عن النفس.
على أيّة حال، فقد ساعد الكرد أشقاءهم في تركيا وسوريا، إسهاماً حقيقياً، وليس ذراً للرماد في العيون، ثم تم تعليق أي عملية دفاعية من حزب العمال، وكان يستطيع انتهاز واستغلال الضعف التركي، والهجوم على القوات المسلحة، ولكنه الموقف الإنساني النبيل، من الشعب الكردي وقياداته.
ولم نستعجب عندما نقلت وكالة فرات للأنباء عن القيادي فيه “جميل بايك” قوله “ندعو جميع قواتنا المنخرطة في أعمال عسكرية: “أوقفوا العمليات العسكرية في تركيا، في العواصم والمدن”. وأضاف: “قررنا عدم تنفيذ أي عملية طالما لم تهاجمنا الدولة التركية”.
وقال جميل بايك إن: “تعليق القتال سيستمر إلى أن يخف ألم أبناء شعبنا وتلتئم جروحهم”. وأضاف “تسبب الزلزال بكارثة هائلة… آلاف من أبناء شعبنا تحت الأنقاض… على الجميع حشد كل إمكاناتهم”. وتابع: “بالتأكيد، سيكون موقف الدولة التركية حاسماً في قرارنا، من السابق لأوانه معرفة النتيجة.“
رد الفعل التركي على المبادرة الكرديّة
لم يرد الرئيس التركي على البادرة، ونعطيه العذر، فالرجل مشغول بالكارثة، ولكن أيضاً، كان على المسؤولين في الحكومة، أن يُثمّنوا المبادرة ويرحبوا بها، ومن ثمّ يحدث التواصل، ثم التقارب.
ويرى المحلل للشؤون التركية في مجموعة الأزمات الدولية “بيركاي مانديراجي” حسب موقع https://www.dw.com/ar/ أنه “ما زال من غير الواضح ما إذا كانت حكومة أنقرة ستستفيد من هذا الإعلان للضغط من أجل وقف التصعيد”.
لكنه أضاف أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد يستفيد من خفض للتصعيد العسكري وسط أزمة إنسانية، وأوضح مانديراجي لوكالة “فرانس برس”: “قد يمنح خفض للتصعيد في النزاع مع حزب العمال الكردستاني السلطات التي تعاني من أجل إيجاد الطريقة المناسبة للاستجابة لهذه الأزمة غير المسبوقة، شيئاً أقل لتقلق بشأنه… ومن السابق لأوانه معرفة ما إذا كان الزلزال سيؤدي لاحقاً إلى تحولات جذرية في صراع حزب العمال الكردستاني في تركيا”.
وقال جميل بايك: لأعضاء حزب العمال الكردستاني “على الجميع، لاسيما المؤسسات الديمقراطية، التحرّك للمساعدة في تعافي المنطقة… على الجميع التحرك لانتشال شعبنا من الركام”، وهو موقف مقبول ومتميز، يحتاج لرد فعل حكومي تركي، بعد استيعاب الحكومة الموقف بعد الزلزال، واتضاح الرؤية لتأخذ القرار السياسي المناسب، الذي يشيع السلام في الدولة، وفي الشعوب كلها.
هذا عن كرد تركيا، أما عن كرد سوريا، فقد ساعدوا وأرسلوا المعونات لأشقائهم السوريين في المناطق المتضررة، رغم ما حدث من تأخير وصولها، وكان لهم فضلاً كبيراً في محاربة تنظيم داعش الإرهابي ودحره، وموقفهم يتناغم مع الوطنية السوريّة، مع المطالبة بالحرية لكل أفراد الشعب السوري.
كلمة أخيرة… قتلى الحروب وضحايا الكوارث
رغم بشاعة الزلزال المدمّر، يمكن القول عن الزلازل والبراكين إنها قدر إلهي لا يُردّ، قد يُسهم الإنسان دون وعي في حدوث الكوارث، مثل العبث بالبيئة، فتكون مهيأة لوقوع الكوارث المائية الفيضانية أو الأعاصير أو الزلازل بطبيعة الحال، وما قضية المناخ منا ببعيدة، ولكن أيضاً لا يمكن القول إن الإنسان صنع الزلازل بصورةٍ مباشرة بنفسه.
وفي المقابل نستطيع القول إن هناك كوارث بشرية راح ضحيتها ملايين القتلى والجرحى والمشوهين في الحروب، والحروب أمر من صنع الإنسان، والطغيان من طبيعة الاستبداد، وأسباب الحروب كثيرة، غزو وتوسع، وحروب أهلية ومجالات حيوية، وعدم إعطاء حق تقرير المصير لبعض الشعوب، وقد حدثت تلك الحروب في العالم، وقُتل حوالي خمسين مليون من البشر في الحرب العالمية الثانية، فضلاً عن باقي الحروب، وجميعها من صنع الإنسان، والقتلى فيها أكثر بعشرات المرات من قتلى الزلازل والبراكين والفيضانات، ولا أحد يتعظ.
وهو ما حدث للشعب الكردي، في الماضي والحاضر، في المدن والقرى، فقد قُتل الآلاف من المدنيين الكُرد، وبشكلٍ خاص في الدولة التركية المعاصرة، لا لشيء إلا بسبب مطالبتهم بالحرية وحق تقرير المصير وإقامة استقلال أو حتى حكم ذاتي فيدرالي أو كونفدرالي.
وهم في النهاية، لم يحاربوا إلا دفاعاً عن النفس، الحقيقة التي لابد من ذكرها، أنه لا مفر من الاعتراف بأنه ثمة مظلومية تاريخية كرديّة في العصر الحديث، يختلف المؤرخون والساسة في قراءتها، لكن هذا لا ينفي كونها مظلومية واقعة، إذ أن الاختلاف حول المسؤول عنها وعن تطور واقعها إلى ما وصل إليه لا يغير من حقيقتها ومسؤولية الإنسان.
وتبقى مسؤولية الإنسان عن الحروب أكثر مأساوية عن الكوارث الطبيعية، التي يقع أكثرها أيضاً على عاتق العبث بالبيئة ومُقدّرات الشعوب…
والله غالب على أمره… ولكن أكثر الناس لا يريدون الاعتراف بالحقائق…[1]