جوانب من الحياة الاجتماعية الكرديّة في الجزيرة السورية.
صالح هوّاش المسلط.
مركز الفرات للدراسات.
21/07/2018
يعيش الكرد في منطقة الجزيرة السّوريّة، إلى جانب إخوانهم العرب، وسائر المكوّنات الأخرى منذ مئات السنين، وقد تبادلوا التأثير والتأثُّر بالنسبة إلى أساليب المعيشة والعادات والتقاليد، والفولكلور بأشكاله، مما أظهر أثره في الحياة الاجتماعية في المجتمعين الكردي والعربي، وأساليب تعاملهما مع الأنماط والأفكار الجديدة والوافدة. ومن أبرز مظاهر الحياة الاجتماعية الكردية في الجزيرة السورية:
$أولاً– الثقافة والآداب$:
إنّ للكرد لغة وشعرا وأدبا وفنونا عدّة، ولهم ألعابٌ شعبية متنوّعة، نذكر منها: (السي برك، والنه برك، والشطرنج، والدام) ولعبة (الكوك)، القريبة من لعبة الهوكي الشهيرة، كما ومن الألعاب الشهيرة للرجال (جرا قرمي قلاندي) وللأطفال أيضاً ألعابهم الكثيرة (هوكن موكن)، و(سرومان)، ولعبة تشبه (الغميضة) وتسمى جاف كريتينك، ولعبة (كرويك)، و(غاز قروش)، كما أن لهم أغانٍ خاصة بالأطفال، ولهم باع في فنون الأدب والشعر المروي والمدوّن، وهذا يحتاج إلى فصل بحثي خاص، والجدير بالذكر أن الإسلام قد صبغ الثقافة الكردية إلى حدٍّ ما، وكذلك فنون الشعر والآداب المواعظ.
لقد وُجِد عند الشعراء الكرد الشعر الصوفي الذي لا يزال حيّاً، وعظيم التأثير في الزوايا والتكايا، خصوصاً في التكية النقشبندية في (تل معروف) التي تعدّ المرجع الأعلى للمتصوفة على الطريقة النقشبندية للعرب والكرد، كما تنشر هذه الطريقة على يد علم الفكر الصوفي، الشيخ أحمد الخزنوي وأبنائه من بعده، وشيوخ الديرشوية في (رميلان الشيخ) وتنتشر الطريقة القادرية على يد مشايخ عامودا، ولا ننسى أن نذكر التكية الحسينية والشيخ (محمد الموزان) وأولاده الشيخ عفيف وسليم الحسيني، وهما من سكان عامودا، وللملالي الكرد (المشايخ) دور بارز في ميادين العلم والطرق الصوفية.
$ثانياً– الأفراح والمنادب$:
أ– الأفراح: يتخذ الكرد في أعراسهم وحفلاتهم أساليب خاصة بهم في الدبكات وتنظيم الأعراس والدعوة إليها، وقد تكون في شكل تنظيم العرس قريبة مما هو سائد في عُرف المنطقة، خصوصاً في طريقة التنقل بالسيارات والباصات، وهو أمر حديث، حيث لم يكن معهوداً سابقاً؛ لأن المحتفلين كانوا يتخذون الحيوانات في نقل العروس إذا كانت المسافة بيت قريتين أو مدينتين، وكانت عادة (الهوادج) معهودة، إذ تحمل العروس على فرس في هودج مزركش مزين بالنقوش كما توسطت (الحناتير) بين مرحلة استخدام الأفراس والبغال في نقل العروس، وبين مرحلة الاستعانة بأدوات النقل الحديثة كالسيارات، وقد يقيم بعض الأثرياء حفلة تدوم أسبوعاً تنصب خلالها خيمة واسعة كبيرة، يضربون خلالها الدفوف والمزامير، ويتجمّع الناس من كلِّ مكان في القرى المحيطة، وتقام خلالها الكثير من الولائم، وهو أمر كان يباهي به الأثرياء وزعماء العشائر، ومخاتير القرى والوجهاء في المدن.
أما الدبكات فهي شديدة التنوّع، وكثيرة التفانين، تصل إلى خمسين دبكة، أهمّها: الدبكة التقليدية التي تعتمد حركات بسيطة قوامها عدة هزات في الكتف، تليها خفقة وانحناءة يسيرة، تساير أنغام البزق والغناء المصاحب من فنان يتجوّل بشكل دائري في الحلقة الكبيرة التي يعقدها الراقصون، (الكوفند) وهناك رقصات أخرى مشهورة كرقصة (الحصاد) وهي عريقة، ومعقّدة، تبدأ من الحرث والبذار إلى الحصاد والطحن، ثم الخبز، مصاحباً بأغان وموسيقا وإيقاعات منوّعة، ومن الرقصات المشهورة رقصة (ججاني وشيخاني) وتتميز هذه الرقصات برشاقتها وخفّتها، ولكل رقصة أغنية ولحن.
والأغاني أيضاً متنوّعة، تأخذ أشكالاً عدة، وتتجسّد في أنغام راقصة يتميّز بها المغنون الشعبيون، مثل: (خضركي أومري، وأوسي جيسي، وبافي عادل حزني، وغيرهم) وهي في مجملها أغانٍ عاطفية (أفيني) يغلب عليها طابع الخفّة، وبساطة الفكرة، وسرعة الحركة والسجع الخفيف، والقافية الراقصة.
من هذه الأغاني: جاني، شوفي، كفوكي، غزالامن، ليلي جواني، وبشكل يتسم بالكثير من الإطالة، قد تستغرق ساعات تدور –غالباً– حول الملاحم العاطفية أو الصراعات القبليّة الدامية، وهي نوع عريق يصحب بفواصل من الموال الحزين من ذلك: درويشي عبدي، حمدين وشمدين، والملحمة الشهيرة التراثية (زمبيل فروش) وهي مطوّلة تروى بعدة وجوه، وقد تجد شكلاً أخر من الأغاني الوطنية المتميزة.
ب– الأتراح والمنادب: يسيطر الطابع العام في الأتراح على العادات الكردية، حيث لا تجد عند الكرد والعرب فارقاً كبيراً في نصب الخيام وتقديم القرابين، وإقامة الصلوات ومجالس الفاتحة، وزيارة المقابر في أمسيات الجمع، وتقديم النذر، ومساعدة المعزين ودعمهم مادياً، ويتبادل المعزون عبارات العزاء والاتعاظ، وغالباً ما يتحدث أحد الملالي (المشايخ) مستشهداً بأحاديث وآيات وسير الصالحين، ومواطن التذكير، والتبصر، وفي نهاية التعزية، يدعى المشاركون إلى وليمة ضخمة تقدّم خلالها المناسف الضخمة على شكل (ثريد) أو لحم يوضع على مناسف البرغل الذي يشتهر به الكرد.
والجدير بالذكر أنّ التعاضد والتعاون ضمن نطاق الأسرة أو العشيرة، أمر لا بدّ منه لتوفير النفقات الباهظة لهذه الولائم، وما يصاحبها من ضرورات ومستلزمات، وهو ما يتفق فيه العرب والكرد، نظراً للرابطة الروحية المشتركة التي تشدّهم، كما يجدر ذكره التلاقي الروحي في المنادب لأنها تستمد من نبع واحد، هو المنبع الفكري الجامح، لكونهم يتخذون مواعظهم وحكمهم ومثلهم وعاداتهم في هذا من الإسلام.
$ثالثاً– العرس الكردي$:
بعد إجراءات الخطبة، ومع اقتراب موعد العرس تختص الليلة التي قبل ليلة الزفاف بالحنّة، حيث تقوم الفتيات من أهل العريس، وبعض المدعوات بالتوجّه إلى بيت العروس سيراً على الأقدام، وهن يردِّدن الأغاني، ومنها الخاصة ب (الحنّة) وبعد منتصف ساعة من وجودهن في بيت العروس تقوم إحداهنّ بوضع قليل من الحنّة على إصبع العروس، ثم ربطه بقطعة قماشية، ويرجعن بعد ذلك إلى بيت العريس ليتابعن الاحتفال بهذه الليلة إلى منتصف الليل.
وفي اليوم الثاني يبدأ الاستعداد بتحضير الغذاء للمدعوين، وبعد تناول الطعام، يأتي الحلاق في العصر ليزِّين العريس بوجود بعض أصدقاءه الذين يغنّون له الأغاني الخاصة بذلك، ثم يأخذونه إلى الحمام، فيغنون له أغاني خاصة بالحمام، ويعودون مساءاً ليستعدوا للعرس، ولكي يجلبوا العروس من بيت أهلها، ومن العادات أثناء إحضار العروس أن يقف أحد أقربائها (الخال) على الباب فيمنعها من الخروج، حتي يُرضوه بما يطلب من المال أو الهدايا، وعند اقتراب موكب العروس إلى بيت يستعد هذا لاستقبالها، وأثناء دخولها البيت تقوم بكسر جرّة من فخار مليئة بالسكاكر أو النقود أمام قدميها، ثم يمسك بيدها، فيدخلها البيت، ويجلس بجانبها لمدة عشر دقائق تقريباً، يخرج بعد ذلك ليجلس مع أصدقائه من الرجال، ومع المدعوين في مكان خاص بهم، ويستمر الاحتفال والغناء والرقص حتى منتصف الليل، وفي اليوم التالي تكون (الصباحية) حيث يقوم الناس بزيارة العروسين، ويقدِّمون لهم مبلغاً من المال كمساعدة، ويتم ذلك عادة بعد تناول طعام الغذاء.
وللغناء الكردي أشكال عدّة، أهمها:
– غناء المقامات: يغنى هذا النوع في الجلسات الخاصة، حيث يجتمع الناس مساءاً في مضافة المختار، وتتناول هذه المقامات أغاني غرامية على شكل محاورة ما بين شاب وفتاة، أو تتناول أغاني عشائرية قبلية قديمة، وبعضها يأتي على شكل روايات مغنّاة، ومن الذين غنّوا المقامات: دمر علي، وسلو كورو، وأوسي وردة، وعبدلو، ورفعت داري، وعليكو، وإبراهيم بانا قصري، ورشيد علانة.
– أغاني الحصاد: وهي أغانٍ كانت تستعمل أثناء مواسم الحصاد في الصيف، حيث يقف المغني في مقدِّمة الصف، فيغني للحصاد، وهم يردِّدون خلفه، والهدف منه نسيان التعب والمشقة، والحثِّ على استمرار العمل.
– أغاني الأعراس: وهي خاصة بالأعراس، وفي غير ذلك.
– أغاني الفتية والفتيات في الأعياد الدينية: والتي ترددها الفتيات في أعياد الفطر والأضحى، في ساحة القرية صباح العيد.
– أغاني الدبكات: وهي أغنيات فولكلورية خاصة بالدبكات، فدبكة (الشيخاني) مثلاً، لها أغنيات كثيرة، أقدمها أغنية (دليم سلطاني)، أما دبكة (الكوفندي) أو (الهالايا) فلها أغنيات عديدة منها أغنية (والله كوفند رانبا) وللدبكة (الكوجرية) أغنيات منها أغنية (هاي هاي ممو) والرقصة الكرمانجية الشهيرة التي يشترك فيها الطبل والزمر (الزرناي) و(الكمنجة) و(الطنبورة) فلها أيضاً أغنيات عديدة، ومن قارعي الطبل المشهورين ونافخي الزمر: محوورزن، وكذلك عائلة رمو.
$رابعاً– الزي الشَّعبي الكردي$:
أ– لباس المرأة
للنساء زيٌّ خاص، يتميّز بألوانه الزاهية وأشكاله الجميلة، فالمرأة الكردية مشهورة باهتمامها الشديد بمظهرها، والتألق في ملابسها وحليّها وزينتها، ويمكن تصنيف زيّ المرأة الكردية كالتالي:
– غطاء الرأس
– ال (كراس)
– ال (خفتان)
– ال (بيشمالك)
– ال (بن جك)
– غطاء الرأس: يختلف غطاء الرأس عند المرأة الكردية، وهو أمر في غاية الأهمية، باختلاف المناطق وإن اتفقت التقاليد على: المرأة الكبيرة تلفُّ رأسها ب (الشهر) وهو غطاء حريري رقيق ملون على كوفية صوفية جميلة، وغالباً يتألف غطاء الرأس عند المرأة الكردية من هبريتين ملونتين. واحدة تغطي الرأس والأخرى تتدلى على الصدر، ومن الخلف إلى الأسفل. أما المرأة الصغيرة في العمر، فإنها تغطي رأسها إما ب (شهر) حريري دون كوفية، وإما أن تتخذ من الكتان الأبيض المحبوك بالخرز، مصبوغاً بصبغ خفيف من الزرقة أو الأبيض الخالص.
– ال (كراس): هو رداء واسع، يتميز بما يعرف ب (الهوجك) وغالباً ما يكون هذا الرداء من الحرير أو القماش الخفيف الملون.
– ال (خفتان): وهو لباس الجسد، أشبه ما يكون بالزبون العربي، ولكنه يختلف في تطريز أطرافه، وعدم إطلاقه، إذ يُلفّ حول الجسم، ويحاط بزنار يدعى (شوهي أو شوحي) وهو مصنوع باليد، بألوان زاهية مختلفة.
– ال (بشمالك): عبارة عن قطعة من القماش الملوّن، يحكم بخيط إلى الخاصرة، ويتدلى في مقدِّمة الجسم، وهو من مستلزمات المرأة وضرورات لباسها.
– ال (بن جك): وهو لباس داخلي خفيف، يكون غالباً من الكتان المنقط، إضافة إلى (الدلنك) وهو سروال داخلي طويل ينتهي برباط مطاطي في أعلى القدم.
أما بالنسبة للرجال: فيتخذون غطاء الرأس من اللباد الملون يحيط به (شهر) منقط، أو (الشماخ– اليشمر) الذي يلف بلفات أنيقة، ويتكون لباس الجسد من سروال أبيض فضفاض مغلق من الأسفل بزر قميص أبيض بأكمام طويلة، ويتزنَّر بحزام قماش ملون، وسترة أكمامها طويلة ومطرزة، وقد تأثر هذا الزي بالطابع المحلي العربي نتيجة الاحتكاك، فأصبح لباس الرأس يتألف من الكوفية والعقال، ومن الكلابية وهو الثوب أو الجلباب، والجاكيت، أما الصدرية (القميص) فيدعى (يلك) أو ايشلك، والسروال، وهو واسع وعريض، مع زنار ضخم من الشال أو الحرير، ويدعى لباس الرجال ب (الشال أو الشايك) وهو الزي الكردي الأصيل، وغالباً ما يعمد الرجال إلى إطلاق شواربهم، وهو مظهر من مظاهر الرجولة والقوة، وغالباً ما يعمد الرجال إلى وضع الخناجر تحت زنانيرهم، وهي عادة موروثة، ومما يجدر ذكره أنّ الحفاظ على الأزياء أمر معهود عند الكرد، ولكن ذلك لم يمنع الرجال والنساء والفتية والفتيات من تقبّل الزي الأوروبي، كما أن العادات في المآكل والمشارب وسائر جوانب الحياة بدأت تتأثر يوماً بعد يوم بالمعاصرة والحداثة.
$خامساً– (الخطف) كحالة اجتماعية كردية$:
وهناك عادة منتشرة بين الكرد، وهي عادة (الخطف)، وذلك يعود غالبا إلى عدم رضى أهل العروس بالعريس، وبعد ذلك يتم التراضي عن طريق الوجهاء والمصالحات أو القضاء، والسبب الآخر: لتخفيض التكاليف التي تنفق في حفلات الزواج حيث يتفق الشاب والفتاة ويسافران إلى مكان آخر ليعقدا الزواج، ثم يعودان إلى بلدهم، فيقوم أولاد الحلال بالتوسّط لدى أهل العريس للمصالحة، وبالرغم من أنّ هناك عادات مختلفة من منطقة إلى أخرى، إلا أنّ السمة العامة لذلك؛ حفلات الزواج مشهورة وينفق عليها كثيراً، وتستمر الأفراح عدة ليالي قبل العرس وبعده، وتبدأ المباركة في بيت العريس بالهدايا أو ما يسمى ب (النقوط) وهو عبارة عن نقود أو أدوات منزلية إذا كانت ستقيم وحدها، وإذا كانت في بيت أهل زوجها، وهذا دليل على إعانتها في النفقة التي تكفلتها، وأزياء العروس، ولها عدة أشكال منها العربية– الكردية– الآشورية– الشركسية– الشاشان– ولكل عروس من هذه الأقوام زي خاص تتميز كلها بالجمال والأناقة، والمرأة لدينا تتحلّى بالذهب بصورة عامة إلا أن ميدان العمل، قد جردها من هذه المظاهر فأصبحت أنيقة بسيطة في أناقتها، وفتاة اليوم في المدينة تستطيع أن تختار عريسها بنفسها في أغلب الأحيان عن طريق التفاهم وتقام الحفلات المشتركة بين اهل العروس وأهل العريس. وترتدي العروس يوم الزفاف ثوباً أبيضاً جميلاً (الإكليل).
$سادساً– نمط البناء الكردي$:
يتخذ الكرد في الريف أبنيتهم –في الغالب– من اللِبن المصنوع من الطين والتبن، على شكل قوالب تعرَّضُ للشمس لتجفّ، ثم تُطلى الجدران بطبقة ناعمة من الطين الممزوج بالتبن، كما تفرش الأرضية بطبقة طينية، أما السقف فمتخذ من الأعمدة الخشبية قليلة السماكة، تفرش فوقها طبقة ترابية، ثم تغطى بطبقتين من الطين الممزوج بالتبن بعد أن يخمر، وتضاف إليه كمية من الملح لتمنع نمو الأعشاب، وهذا الطراز من البناء تبنته القبائل العربية إلى جانب الخيام كما اتخذت العشائر الكردية المتنقلة والتي تدعى (الكوجر) الخيام في المراعي التي كانت تستقر فيها. [1]