=KTML_Bold=العودة للغة الكوردية: حامد بدرخان أنموذجاً=KTML_End=
=KTML_Underline=د.جوان حمي=KTML_End=
(ملاحظة هامة و تعتبر جزءاً لا يتجزأ من متن النص: كان يجب على هذا النص، أن يكون مكتوباً بلغة جدتي؛ لكني، وللأسف الشديد لا أُتْقن هذه اللغة، بما يليق ببهاء جدتي )
في ربيع عمره هرب حامد بدرخان من الأتراك، وعاد الاتراك و احتلوا مدينته شييه/عفرين في ربيعها وأحالوه، مع مدينته شتاء قاحلاً.
المسافة بين ضريح الشاعر حامد بدرخان في بلدته شييه والمتوفى منذ 26سنة، وقصر قائد فصيل العمشات، أبوعمشة من”أيتام”الثورة السورية، حوالي 1كم لكنها عمليا تعادل 1000سنة من الحضارة الانسانية.
في ال5 من عمري كنت أركض وراء خروف صغير، على الطرف الجنوبي لقريتي (طالعا Tal’a) على طريق قرية البدو (نوركي Norkê )، وأُثاغيه بكوردية معتقة، أقرب لحنان أم :
Yemlikê mino…berxkê mino
Berxkê mino….gowrê mino
Gowrê mino…xweşkê mino
Xweşkê mino….yemlikê mino
كانت الراحلة جدتي، قد إبتاعتْ من الحوّاج المتجول جرساً نحاسياً صغيراً مع خرزتين زرقاوتين، لي وله، علقَتْ خرزتي في عنقي، و ركضتُ وراء خروفي المطلق البياض، ظفرتُ به أخيراً، وعلقَتْ جدتي الجرس و الخرزة الزرقاء حول عنق اليملك، درءاً لعين حاسدة لكلينا؛ أنا ويملكي المطلق البياض.
لاحقاً أخذتني جدتي، إلى مدرسة حليمة السعدية، في الحسكة لنرضع من علمها كما رضع نبينا من حليبها، سألني المعلم الراحل شمس الدين ملا ابراهيم، أبوجوان،( لروحه السلام سنوية وفاته الأولى في ال13 من نيسان) ما هو اسمك؟بلغة غريبة عني.لم أفهم مايريد مني فبكيت، همس لي بكوردية حنونة، لكن بعيون ذابلة حزينة: لا تبكي، لكن يجب أن تتعلم هذه اللغة!!!
هنا تدخلت المهيبة جدتي؛ ياأستاذ ، أنا امراة مسنة، ولا أتقن”هذه”العربية كيف تريد لطفل في السادسة من عمره أن يتقنها، أضافت بتقريع؛ أَلا تخاف من الله!!!!!
نعم لقد كان المعلم لا يخاف الرب ،لكنه يخاف أكثر من “الكبل”الرباعي في يد مساعد المخابرات أبو صلاح؛ فالرب غفّار، حليم، رؤوف، ورحيم، لكن المخابرات لا تغفر ولاترحم لمن يعلم أطفال الكورد لغة أمهم،
و هكذا صرت ناقماً على إرغامي على تعلم هذه اللغة؛ برخكي الأبيض ..يملكي الجميل أصبح يسمى خروفاً
بعدها بأربعين عاماً، عندما ذهبت لإحضار ملاكي الجميل، آرامكو الصغير من روضته (Dagîs)في البلدة الوادعة جنوبي السويد: لقد ولد هناك، كان يتحدث السويدية بطلاقة مع أترابه، ولما رآني بدأ يتحدث معي بالكوردية بلثغ أكثر من بهي، طلبتُ منه أن يتحدث معي بالسويدية لتقوية لغتي، قال؛( أن لا، فانغريد معلمته في الروضة أخبرته بواجب التحدث بلغتكم الأصلية mother language، مع أهلكم، حتى لاتفنى لغتكم هذه). هنا تفكرتُ في طفولتنا المعذبة، في الثمانينيات حيث العصا المستطيلة المقطع في يد مدرب التربية العسكرية أو نائب مدير المدرسة و-الذي كان يرتدي بزة عسكرية، ويتحضر دوماً لساعة الصفر لبدء تحرير الجولان من عملاء الكراد!!!!!!-، تقتطع من غضاضة لحوم أيدينا ضريبةً لحديثنا بلغة امهاتنا، لا بل وكانوا يطلبون تزويدهم بأسماء من يتحدثون بالكوردية في الشارع ايضا.
سأترفع عن ذكر أسماء هؤلاء المدرسين، كي لا أولد أحقاداً أخرى في هذا الوطن.
الراحل عمي الحاج حسين، والذي فُجعْتُ برحيله مؤخراً، وفقدتُ داعماً قوياً لي في الطيبة وبياض القلوب، كان من مربي المواشي المحترفين، كان يحب مواشيه جداً، أحياناً عند غفلة راعيه عن القطيع؛ كان يخرج رأسه من النافذة الشمالية لداره بإتجاه طريق قرية(جدالي ciddalê) وبصيحات متكررة غريبة، غير مفهومة لنا يُلْجِم قطيعه عن الغوص في حقول القمح الخضراء، إلا شاة أو اثنتين و يردد ضاحكاً إن هذه الشياه لا تتقن الكوردية بعد، لأنني اشتريتها من (كريڤي) العربي الحاج عيدان من منطقة أبوفاس!!
في إحدى سنوات المَحْل عندما إضطر مكرهاً إلى بيع مواشيه، إشتراها منه(گريڤه) العربي حج عيدان، إلا المريع لم يشتريه كون مريع القطيع الكوردي لا يتقن العربية!!!
حتى المواشي تفهم لغة الام mother language
في الكُنّاش المهيب (رسالة الغفران)للفيلسوف العربي أبي العلاء المعري: والذي حطمت الفصائل الجهادية في سياق الكارثة السورية راس تمثاله في بلدته معرة النعمان/إدلب، ولو عاد بهم التاريخ للوراء، وطالوه لنحروه أيضاً، و أفقدوا التاريخ الإنساني احد الفلاسفة الرائعين يناقش الفيلسوف في مقطع صغير مثيرمن مؤلفه الافتراضي ذاك، قصة إن الرب جل وعلا عندما قرر إنزال العقاب بأبينا آدم وأمنا حواء، بعد أن سوّلَت أمنا لأبينا بتناول التفاحة المقدسة، تفكر ملياً في أقصى العقاب، لا بل وفي أقساه؛
إجلاءهم عن فردوسه، إلى الأرض القاحلة الجرداء، أما في قسمه اللاحق والقاسي جداً إِنْساءهم لغتهم الأصلية mother language لغة أهل الجنة-العربية- وإرغامهم على تعلم و استخدام اللغة السريانية، وهكذا فأقسى العقابات عند الباري عز وجل هي منع لغتك الاصلية وإرغامك على تعلم لغة أخرى، وهنا أضيف لإنْ كان أبونا آدم وزوجه قد أكلوا تفاحة الرب، فيقيناً نحن قد أكلنا تفاحة البعث في صبيحة 8 من آذار1963، فحرمونا وبأقسى درجات العقاب من لغتنا الأصلية.
أثناء مفاوضات تحرير الجزائر مفاوضات (ايفيان)؛ تساهلت فرنسا الديغولية في ملفات؛ الصحراء، الحدود، الموانئ، النفط، القواعد العسكرية، إلا اللغة الفيرنسية فقد أصرت على بقائها لغة أساسية في الجزائر، لأنهم يدركون أهمية اللغة في السيطرة على انتماء الانسان، وكذلك فقداشترطوا هذا الأمرعلى كل مستعمراتهم السابقة تحت لواءالفرانكوفونية. قَبِل بذلك كريم بلقاسم مبتسماً، لإنه وببساطة كان واثقاً بعراقة وعمق الثقافة العربية.
لاحقاً وفي مأثرة أخرى تضاف لتضحيات المليون شهيد، استعاد الثوار الجزائريون خلال فترة وجيزة لغتهم الأم العربية langue maternelle، التي ظلوا ل132سنة محرومين منها، وطوروها؛ لا بل وأصبحوا من دعاة وحماة العروبة وصاروا يضطهدون القومية الامازيغية، وتآمروا على ثورتنا الكوردية باتفاقية شط العرب، انتصارا لعروبة عراق صدام حسين-مع إننا أضفنا للمليون من شهدائهم 285طفلاً في حريق سينما عاموديييي (ذات ال 20ياء) عام 1960 -فدوى لعيون هواري بومدين.
المفكر عبد الفتاح كيليطو:
المفكر المغربي السبعيني تولد1945، الأستاذ الجامعي، الحاصل على عدة جوائز عالمية،. الأستاذ الزائر لعديد من أمهات الجامعات ومراكز الأبحاث العالمية، وصاحب المؤلفات الهائلة في مختلف علوم الفن والأدب والفكر الانساني و”النباش الاعظم، Le grand cueilleur” لكتب تراث الادب العربي، نقدها، تحقيقها، ونشرها باللغة الفرنسية، وبعد 40عام من الأبداع في الكتابة باللغة الفرنسية، و(في جو من الندم الفكري) عاد للكتابة بلغة امه العربية ،لقد تأكد إن (المغاربة لا يقرؤون بالفرنسية، وفي عين الوقت الفرنسيون لن يقرؤا ما كتبه عربي عنهم، وهكذا لقد عدت للغة أمي langue maternelle)
الأمير حامد بدرخان :
لروحه المحلقة في سماء عفرين المحتلة، السلام و السكينة.
لست مؤرخاً لكتابة سيرة ذاتية للراحل، حياته تحتاج لاكثر من باحث تاريخي :
حياة صاخبة، دائمة الترحال، والتجوال :من شييه المحتلة / عفرين، الى قرقخان،اضنة، استنبول، فرنسا، شييه،حلب، دمشق، السلمية، حماة، ادلب ،وأخيرا استقر به المقام في عمق چياي حسي خضر، حيث ينتمي .
كان أقرب لحوّاج جوّال متاجر بالشِّعْرِ، يكتبه كيفما كان، وأنّى كان، و على أي ورق كان و لعل هذا هو السبب في ضياع قسم كبير من كتاباته .
القسم الأعظم من قصائده مكتوب بالعربية، القسم الأقل بلغة آل عثمان، وقسم بالفرنسية خاص بوصف عيون ايلزا زوجة لويس آراغون.بينما نالت اللغة الكوردية بالفونيتيك العفريني الغلة الأصغر من كتاباته.
الكنية البدرخانية منحه إياها الأمير جلادت بدرخان من أمراء إمارة بوطان الكوردية، في منزل الراحل ممدوح سليم، في دمشق تقديرا لقصائده الانسانية، وكورديته وهروبه من توركيا
لاحقاً تسائلت الراحلة الاميرة الكوردية روشن بدرخان في نهاية الثمانينات1989 ؛ (هل حفظ حامد بدرخان الكنية البدرخانية؟هل قدم شيئا كأمير بدرخاني عريق للكورد؟، لقد شُرِّدْنا في سبيل الكورد فنحن الآن في بانياس!!!!)
للاسف حتى رحيلها عام1992 لم يكن حامد قد صان او قدم شيئاً هذه الكنية؛ لكنه عاد بعد سنوات الى كورديته.
التقيته في مشفى حلب الجامعي، وكنت طالبا في السنة الرابعة، كان قد بدأ في الكتابة باللغة الكوردية ،سالته؛ (منذ 40عاما وانت تكتب عن عيون ايلزا بالعربية،الفرنسية و التوركية هل أَعْيُنُ ممرضاتنا الكورديات: روكن،فيدان، كليزار لا تستحق منك قصيدة بلغتهن؟)
جاوبني بندم شديد،مشيرا لقلبه و قرأ لنا:
( Ez lêborînê ji te dixwazim
Ber go min di payiza dilê xwe da tû naskir
Ger min di bûhara xwe di tû naskir ba
Ezê ji tere bilbilik ba ma)
كانت هذه قصيدته( شييه Şiyê )
عاد حامد بدرخان الى لغته الام أخيراً و كتب بالكوردية، ديواني؛ (سرودا جياني sirûda jiyanê)، و(شييه ŞIyê)..
حضر مهرجان الشعر الثاني 1994 و نال جائزة المهرجان و القى من على منبره قصيدته شييه ،و نادرا ماكان يشارك في المحافل و الامسيات، أظنه لم يشارك في امسية شعرية، أو محفل عام ،إلا إنه و كدليل على عودته لكورديته شارك في المهرجان و قرأ نتاجه الكوردي.
توفي في مشفى حلب الجامعي 29نيسان1996، اقيمت له جنازة ضخمة و مهيبة في 2أيار، يومها توقفت كل فعاليات الحياة في كامل جغرافية چياي كورمنج، و كذلك في الأحياء الكوردية من مدينة حلب.
خرجنا في جنازته وبحسب الثقات كانت أضخم جنازة تخرج من مشفى جامعة حلب مع حوالي 300 سيارة من مشفى الجامعة، يومها توقفت كل فعاليات الحياة الاجتماعية في كل الاحياء الكوردية في حلب، و كل جغرافية منطقة كرداغ/عفرين
و وصل الموكب لعفرين مع عدد لا متناه من السيارات، و توجه باتجاه شييه في تزايد لاعداد الآليات المنضمة لموكب التشييع
كانت وصيته غريبة جداً، تليق بغرابة حياته؛
*- أن يوضع في تابوت مكشوف الوجه، ليراه أبناء شعبه، أن يُشْبِع عينيه برؤية وطنه للمرة الأخيرة،
*-أن يدفن في قطعة أرض عائدة له، (حرشا وي hirşa wî) في وادي بين تَلَّيَن، فقد تغسل المياه المنحدرة من قمتي التَلَّيَن تقصيره وآثامه بحق كورديته
*-وبطلب غريب جداً؛ أن يغني الفنان محمود عزيز شاكرابن سري كاني(المحتلة) -حفظه الرب- أغنية :
( welat îro me berdayê lo …bi çola ketin)
لقد تردد محمود عزيز كثيرا في الغناء، وأضاف مستهجناً؛ (كيف أغني على قبر الراحل العزيز، الغناء فرح، ونحن محزونون)،
تدخلت السيدة نازلي خليل و زوجها؛ ( ام فؤاد وأبو فؤاد)مؤكدين صحة وصية الراحل، ومناشدين الفنان بالغناء، احضروا له عودأ أوطمبوراً لكن رفضها، لقد غنى محمود عزيز بدون موسيقى..و انطلق صوته القوى مع نبرة الحزن لقد ردد صدى صوته من چياي حسي خدر، وگه ليه حيرا، وكانيا شييه حتى چياي هواري و په را حشركي، گليه تيرا، آڤا ميدانكي وپارسى خاتون…حيث رددوا معه( نادمون على تركنا الوطن )
لقد غسل جثمانه بأيد كوردية، بصابون غار كوردي، وبتنكات ثلاث من مياه كوردية، دفن في حفرة كوردية، وغطته أمتار ست مكعبة من تراب كوردي، ويقيناً الإمام الكوردي لقنه “بالعربية” أجوبته لملائكة الرب لدى عبوره لبرزخ الخلود؛ (ياحامد، ياابن أمة لله وعبده، اذكر العهد الذي خرجت به من الدنيا….)وواثق أنا، إنً حامدنا أجابه حينها …بكوردية معتقة.
مفارقات من مراسم التشييع:
1- من كثرة ما رُدِدَ يومها(إنه كان يبحث عن قاتل لوركا) سألت رجلا مسناً وشهماً من شييه كان يوزع الماء بسطل معدني كبير مع جمجكة او مغراف صغير :
خالو هل قاتل لوركا من قريتكم؟
Lo xalo,xedêki; hevê lorka kuştî ye ji gundê we ye?
.افاد ببساطة الكوردي، الكوردي الطيب لم يكن قد سمع بلوركا و مقتله؛ أهل قريتي طيبيون جدا،لا يقتلون أحدا قد يكون من قرية مسكة!!!
Wellah Xwarzê gundê me fûqareni, qe meriya nakûjin…di bi ho ji qiçkê miskê bi!!!!
2- كافة كلمات العزاء كانت تردد إنه كان يبكي اطفال كوبا، فيتنام، و نيكاراغوا هنا لم أتمالك نفسي( وأطفال حلبجة وكوردستان أَلَنْ يبكيهم أحد، )
نكزني احد الأصدقاء:
(روني بابا،روني ،إ كه ته به بن Rûnê baba rûnê…ê ki te bibin)
3- اثناء الغداء وكان عدد المعزين هائلاً جداً، تم توزيعهم على بيوت بلدة شييه، بحيث شارك الجميع في إستقبال الضيوف، انا توجهت الى دار أهل أخ أكبر لي وصديق، أمه، أمي، كانت أماً لنا جميعاً وحضرت 5او6أنواع من الأطعمة؛
( صورمه Sorme، دولمهDolme، له به ني Lebenî، فريك أو كوشت Firîk û goşt )، لكنها ظلت تلوم نفسها بفطرة الكورديات، شهامتهن، واقتصاديتهن على التقصير في تحضير طعام أطيب و أشهى لضيوف الأمير حامد بدرخان، والذي بقي 40عاماً لم يلحظ جمال أعين العفرينيات.
وهكذا فقد اكتشفت أنواعاً عدة للغة العربية :
نوع يعزف في قلوبنا قبل آذاننا موسيقى جزلة: إنها لغة جدتي او (جديدتي) كما تلفظ باللهجة البدوية، و نسيت إخباركم باسم جدتي كان اسمها كوجري، ويالبهاء هذا الاسم، نعم لقد كانت: (Gurciya mûşê….koçera homanê)
جدتي السمراء البشرة، الذهبية القلب كحنطة في سنة وافرة الغلال، بلباسها الكوردي الأصيل: (كراس، خفتان،شوحي…كتان،قمچك ولفاحي) -رحمها الرب- تبدع في تلاوتها الخاصة لسورة الاخلاص:
{بصم الله رحمن و رحيم( الله أَحَدْ، السمد، يم يلد، ويولد، ويكن له كفواً أحد)!!!!!ا } هذه هي كل تركتها و معرفتها باللغة العربية النحوية، وتلاوتها للقرأن، كلما صوّبْتُ لها الآية الكريمة؛ بوجود شرك بالله في هذه القراءة، تبتسم بما يليق بخفر الكورديات وكبريائهن:
(الباري يعلم مافي الصدور، والأعمال بُنِيات؟ أضحك ممازحاً”كوچرا هوماني….قحو رنكي نه koçera homanê….qehwe rengî ne”)، و تضيف كذلك؛ (من قَبْلِ ولادتك وأنا أقرأ هذه الآيات، لو كنت مخطئة لقصف الرب عمري منذ زمن بعيد)، لكنها صمتت وصمتت، وحاججتني فقط بدمعة مجهضة في عينيها البنيتين، عندما أخبرتها (إنه في حلبچة قتل 5000 كوردي و لم يقصف الرب عمر أحد!!!!)
أما عندما تتحدث كوچرا هوماني مع جيراننا البدو فهي تبدع في لفظ العربية المحببة لقلوبنا قبل آذاننا:
(چثير هيچدان)،( ما انطيكم الدراهم) (ترى القيعان مي زينة هاذي السنة)، (دربكم على نورك)،(طلينا مي داشرة ) و تتوالى بوقع بدوي، بفونيتيك عربي أصيل ،لم نكن يوما غريبين عن هذا الوقع و اللغة، ولم تكن غريبة عنّا.
كنت ناقماً على إرغامي على تعلم هذه اللغة، ومع ذلك فكرمى ل (جديدتي) ولوالدتي التي أخبرني عنها جدي الملا الأومري إنهاكانت من أفضل بناته ممن زمزمن سورة الرحمن، وأكثرهن حفظاً لرجزيات ابن مالك، فقد تعلمتُ العربية من(ربع ياسين و جزء عم)، لقد أبدعتُ في تعلم قواعد النحو و الصرف، علم العروض، ولإن كانت أمي تزمزم القرآن لعجزها عن تجويده لعلتها المضيقة للنفس، فقد صرتُ مبدعاً في تجويد الكتاب الكريم؛ أحكام الإظهار، الإقلاب، الإدغام، الاخفاء ، أما أحكام المد ودوماً بفطرة الكوردي أخطئ فيهن، كل حركات المد كانت عندي تبدأ وتنتهي عند أربع من الحركات ، سألني مدرس التربية الإسلامية، في المرحلة الثانوية؛ أنت ضليع في التجويد، فما هي علتك مع أحكام المد وتلاوتك، لم تخطى فيها؟ أجبته ربما …ربما لأن كوردستان أربع أوصال، المدرس المسكين غطى فمي بيده(أنت راح تخرب بيتي).
ونوع خاص بالبعث، مشتقاته، وملحقاته من “أيتام”الثورة السورية كان غريبا عنا، وكنا غريبين عنه: تعلمناه بقوة الكبل الرباعي السيء الصيت، عربيتهم هذه؛ بَعَّثَتْ كل أسمائنا البهية، الجميلة؛ فجوان بات جاسماً، وفي أفضل الحالات صار جمالاً او جميلاً، برزان اصبح بدراناً، كاميران أمسى كاملاً، نيروز أضحت فيروزَ،( وهنا فأنا استخدمت من الأفعال الماضية الناقصة، فقط المقللة منها لزمن تحقيق الفعل)، ولم أستعمل الأفعال؛ ما زال، ما فتئ، ما انفكّ، وما برح)، ومن نفذ من هذا و ذاك فقد أسبق اسمه بال التبعيث
ولاحقاً اكتشفت اللغة العربية الثالثة إنها لغة،الجواهري، هادي العلوي، معين بسيسو، محمود درويش، وآخرين كثر…و هذه هي اللغة التي أكتب بها اليوم.
عندما كبرتُ أدركت كم أصبحت متميزاً لقد نهلتُ من ثقافتين: من أهلي الكورد، واللذين أورثوني؛ ألمهم، مآسيهم…وعنادهم، وأخذت من ثقافة إخوتي العرب؛ كل ما يكرهه الطغاة و يقفون عاجزين عن نطقه ؛ لهذا فقد عشقتُ الحرية و الحب ،كما أحببتُ المصدر من الفعلين الماضيين الصحيحين سَلِمَ و عَدلَ ؛أحب العدالة، و أهيم بالسلام.
لقد أمسكنا بالعربية، وأمسكت بنا العربية، صرنا ننطق بها احلامنا الكوردية، يقولها الكاتب الكوردي مروان علي، ابن گرصور والذي يكتب بالعربية ”أنا أحلم بالكردية وأكتب بالعربية”
لماذا أكتب بالعربية؟
التاريخ يكتبه المنتصرون؛ والمهزوم يقلد المنتصر، متقمصاّ شعورا واهياً بالنصر، فقد ارتدى شعبي الثوب الطويل(الكلابية) والعقال العربيين، إثر منع اللباس التقليدي الكوردي أو الباقي منه (كم او كولوز، kum û koloz،شعرا كسرواني ) بقوة الكبل الرباعي ليوسف طحطوح مدير ناحية عاموديييييي(ذات ال20ياء) فقد أمر بضرب كل من يلبس الزي الكوردي في سوق عاموديييييي(ذات ال20ياء)، وكذلك فقد بدأ مثقفونا الكتابة بالعربية مقلدين المنتصر، وتبلور هذا الشعور بعد انتكاسة الثورة الكورية بتآمر من ثوار الجزائر، فأنسبت بعض العشائر الكوردية نفسها للعروبة، و تقدم الكثير من المثقفين الكورد بطلبات انتساب للحزب المنتصر، عوائل كثيرة تقدمت بطلبات لدائرة النفوس: لتغيير الكنية الكوردية، أو إزالة حرف الواو أو الياء (واو و ياء الكوردية)من كنيتهم، وهكذافلم أجد من كتب باللغة العربية قبل الثمانينات،لقد بُدِء بعد الثمانينات..وهذا جزء من الحقيقة
أما كامل الحقيقة فكانت عند الراحل الكبير شيركو بيكس فقد كان مهزوماً و متألماً و باكياً على أرواح شهداء حلبچة عندما كتب(سكالاَيه كى دريشم نووسى بو خوا، شكوى طويلة إلى الرب)، كانت الإجابة من مكتب الرب؛ من السكرتير الرابع للرب، واسمه عبيد كتب هامشاًعلى شكواه-المكتوبة باللغة المهزومة- بلغة المنتصر (ايها الساذج: اكتب شكواك بالعربية، لا أحد هنا يتحدث بالكوردية، ولن نحيلها إلى الرب) ومع ذلك فقد خاطبه بالكوردية.ولم يخاطبه بلغة المنتصر، وألتي بلغ بها العالمية، ببندقية غيفارا الكوردي البيشمركة (مامه ريشا)و شروال الفلاح(مامه حه مه دوك )، و جدائل (لاس و خزال )، و(عضة أمه على معصم يده اليسرى)وأظن أقوى قصائد اليسار العربي، التركي والفارسي، لمّا ترقَ لروعة قصائد الراحل الكبير شيركو بيكس، المكتوبة بالكوردية “المهزومة” في وصف لوركا و نيرودا.
وفي ظل حكم البعث”المنتصر” أبداً على ضفتي دجلة، لم يكتب الكبير شيركوبيكس أبداً بلغة المنتصر، وظل يكتب بلغة المهزومين، وبكوردستانيته”المنهزمة”كما لم يكتب أحدا منا لا بالكوردية ولا بالعربية كتب عن انتفاضة قامشلو في وجه الطغاة عام 2004(ملحمة12 آذار او الثاني عشر من الزلزال)، – والتي لم تتخذ إدارتنا الذاتية الموقرة من ذكرى المجزرة يوم عطلة-، لم أجد لها مرادفاً في أدبنا الكوردي السوري في براعتها اللغوية، و قوة تأريخها لفداحة الفاجعة، إلا رائعة سيداي جكرخوين Şahnama şehîda المخلدة لثورة الشيخ الشهيد سعيدبيران و ال46 من قيادات ثورته، و أيضا المكتوبة باللغة الكوردية، لغة المهزومين.
أنا أعي تماماً إن ما كتبتُه اليوم لن تفهمه لا جدتي كوچري، ولا بنو قومي، لن يطلع عليه راعي أغنام عمي.
لقد صرت أكتب بالعربية؛ وواثق أنا؛ إن إخوتي العرب لا يحتاجونني، لن أضيف جديداً لسيبويه أو الدوؤلي، لن أحدث فرقاً في لغة يتحدث بها 400مليون شخص، ومع ذلك صرتُ أكتب بها مفتوناً لها لامكرهاً بها، و أظل ألقن ولديّ إن هذا حرف ضاد لا ظاء و لا تاء، ضاد لامعة،براقة تليق بسؤدد اللسانيات في اللغة، ومع كل هذا و ذاك سنعود للكوردية-وستستغرق العودة منا الكثير الكثير-المعتقة، بعتاقة دماء الكورد المسفوحة من مهاباد إلى عفرين ، بعتاقة الزيت المقدس في خوابي لالش نوراني و التي من دون هذه العودة للكوردية لن ينولنا إلا( دخان الحرائق ورماد النهايات).
المصدر: اتحاد كتاب كوردستان سوريا[1]