$سكان كوردستان القدماء في الالفين الثالث والثاني قبل الميلاد$
لم تكن كوردستان معروفة منذ القدم وحتى اواسط القرن السابع الهجري الثالث عشر الميلادي بهذا الاسم . وانما عرفت باسماء ومسميات عدة أو بالاحرى فان كل جزء منها عرف باسم وذلك من قبل الشعوب والاقوام المجاورة لهم او من الدول التي سيطرت على كوردستان ومن هذه التسميات ((كاردا- قاردا- كورادا- كوردايا- كاردوخي- كورتوخ- كاردوجيا- كوردوئيني- كورديايوس- كوردياي- كاردو- قاردو…)) .
يعد الكورد من الشعوب العريقة في منطقة الشرق الاوسط وهذا الشعب نما وترعرع وتكونت خصائصه القومية في وطنه من خلال تفاعله مع بيئته الطبيعية .
تعددت الآراء والنظريات حول اصل الكورد تبدو بعضها غريبة وبعيدة عن المنطق، فيما اتسمت آراء اخرى بالعلمية في البحث عن اصل الكورد.
فمثلا أورد المسعودي في كتابه (مروج الذهب) بان اصل الكورد من الجن ، كما ربط اصلهم بالعرب فذكر بان الجد الاكبر للكورد هو ربيعة بن نزار بن معد او مضر بن نزار بن معاذ .
ومن الآراء الاخرى حول اصل الكورد تلك التي تربط اصل الكورد باسطورة الحاكم الظالم ضحاك(اژدهاك) والذي اصيب بمرض على كتفيه ولم يكن يهدأ من الالم الا بوضع مخ شاب على كل كتف وهكذا اصبح الشباب ضحايا كما ورد في الاسطورة، فهرب الكثيرون منهم الى الجبال وبمرور الزمن تزوج الهاربون فيما بينهم واصبحوا اجداد الكورد الذين بقوا جبليين وتكييفوا على حياة الزراعة وتربية الحيوانات .
ومن الآراء الأخرى حول اصل الكورد،تلك التي تربط اصل الكورد بالكاردوخيين الذين ذكرهم المؤرخ اليوناني زينفون في كتابه (اناباسيس) .
وثمة رأي آخر أقرب الى الواقع هو أن الكوتيين يشكلون الاصل الاول والاقدم للشعب الكوردي،وهم السكان الاوائل لجبال زاكروس وهم اصحاب حضارة متقدمة قياساً الى المجموعات البشرية الاقدم، ثم انتشروا في كوردستان .
اما المؤرخ الكوردي محمد امين زكي فيقول ان كوردستان هو موطن الاول للسلالة البشرية الثانية وموضع انتشارها الى جهات اخرى بعد حادثة الطوفان، وكان يسكنه في فجر التاريخ شعوب جبال زاكروس ((السوباريون- اللولوبيون- الكوتيون- الكاشيون- الخوريون…)) .
وحسب الدراسات التاريخية تبينكوردستان كان موطن ((السوباريون- اللولوبيون- الكاشيون- الخوريون- الميتانيون- الاورارتيون- الميديون- الكاردوخيون)) وعليه فان اصل الكورد ويرجع الى هذه الشعوب التي سكنت كوردستان خلال الالف الثالث والثاني والاول قبل الميلاد.
$اولا: السوباريون$
وهم من اقدم سكان كوردستان وورد اسمهم بصيغة ((سوبار- سوبير- شوبير- شوبور…)) واطلق على موطن السوباريين اسم بلاد سوبارتو والتي تعني المناطق الشمالية التي تقع خارج بلاد سومر، واستخدم مصطلح بلاد سوبارتو بمعنى اوسع لتشمل جميع المناطق التي عاش فيها الكورد من سوباريين وكوتيين ولولوبيين وخوريين .كما ورد اسم السوباريون لاول مرة في اخبار حاكم مدينة لكش المدعو ((اياناتم)) وفي اخبار فتوحات سرجون الاكدي .
وتتكرراسم السوباريين في النصوص المسمارية لملوك سلالة اور الثالثة (2113- 2006ق.م) وملوك سلالة لارسا (2025- 1763ق.م) وأشار ملك بابل حمورابي (1792- 1750ق.م) الى بلاد سوبارتو، وذلك بعد قضائه على الحلف المكون من عيلام وسوبارتو والكوتيين سنة 1764ق.م .
هاجر الاشوريون في اواخر الالف الثالث ق.م الى جنوب بلاد سوبارتو وتاثروا بحضارة السوباريين من لغة ودين وعبادة الالهة واقتبسوا منهم الطقوس الدينية واسماء بعض المواقع .
غير أن علاقة السوباريين مع الاشوريين لم تكن جيدة فما ان إزداد الاشوريون قوة حتى قاموا بازاحة السوباريين عن المناطق السهلية ودفعوﮪم باتجاه الجبال واستولوا على اراضيهم وحلوا محلهم .
لم يقف السوباريون مكتوفي الايدي إزاء الضغط الآشوري بل كانوا يستغلون فترات الضعف التي مرت بها الدولة الاشورية وشنوا عليها الهجمات، وردّ الاشوريون على تلك الهجمات وذلك من خلال الحملات العسكرية ضد السوباريين وبلاد سوبارتو .
الجدير بالذكر ان اسم السوباريين اصبح مرادفاً لاسم الاشوريين من قبل البابليين، كذلك اصبح مصطلح بلاد سوبارتو مرادفا لمصطلح بلاد اشور، على الرغم ان الاشوريين تجنبوا استخدام هذا الاسم على انفسهم وبلادهم الا نادرا وخاصة في بعض نصوص الفال . باعتبار ان اسم سوبارتو كان يطلق على المنطقة التي يجلب منها العبيد .
$ثانيا:اللولوبيون$
من الاقوام القديمة التي عاشت في كوردستان خلال الالف الثالث ق.م وجاء اسمهم في النصوص المسمارية بصيغة ((لولوبي- لولو- لولومي- لولوبوم))،وكان الموطن الاصلي للولوبيين هي منطقة شهرزور، ثم انتشروا نحو الجنوب وسيطروا على المناطق المحيطة بنهر سيروان وسفوح جبال زاكروس الغربية .
(20)
واسس اللولوبيون خلال الالف الثالث ق.م (في منطقة السليمانية حاليا) مملكة عرفت بمملكة خمازي حيث اشارت احدى الرسائل المسمارية الى وجود علاقات دبلوماسية بين مملكتي خمازي ومملكة ايبلا ( قرب مدينة حلب الحالية) من اجل الوقوف ضد التهديدات الخارجية .
تعرض اللولوبيون عبر مراحل تاريخهم الى هجمات وحملات عسكرية لملوك الدولة الاكدية وملوك سلالة اور الثالثة والملوك الاشوريين، حيث هاجم الملك الاكدي نرام سين (2291- 2255ق.م) منطقة شهرزور وتخليداً لانتصاره فقد ترك مسلة في ممر جبلي قرب قرداغ عرفت بمسلة (دربندي كاور) .
من جهة اخرى اقام الملك اللولوبي(انوبانيني)منحوتة في سربيل زهاب(شرق كوردستان) تخليداً لانتصاره على الاكديين .وبالرغم من العداء بين اللولوبيين والاكديين فقد تأثر اللولوبيين بالديانة والثقافة واللغة الاكدية .
تعرض اللولوبيون لهجمات سلالة اور الثالثة والتي كان الهدف منها نهب وسلب المواد الأولية والثروة الحيوانية الموجودة في مناطق اللولوبيين .كما تعرضوا لهجمات وغزوات الملوك الاشوريين الذين قادوا العديد من الحملات العسكرية باتجاه مناطق اللولوبيين من اجل اخضاعها .
ساهم اللولوبيون في البناء الحضاري وبرزوا في الفنون والصنائع لذا نقل الملوك الاشوريون العديد منهم الى بلاد اشور وعرفوا هناك كبنائين ونحاتين وبنوا في بلاد اشور عددا من الابنية والتماثيل .
$ثالثا: الكوتيون$
من سكان كوردستان عاشوا في مناطق الشمالية الشرقية من كوردستان. وبرز دورهم التاريخي في اواخر الالف الثالث ق.م، بعد انتشارهم في المناطق الممتدة من الزاب الصغير وحتى نﮪر ديالى، وكانت مدينة ارابخا (كركوك حاليا) من اﮪم مراكز انتشارهم .استغل الكوتيون ضعف الدولة الاكدية فهاجموها واستولوا على عاصمتها وحكموا وسط وجنوب بلاد الرافدين نحو 125 سنة (1230-1114ق.م)،وحسب قائمة الجداول الملوك السومرية بلغ عدد ملوك الكوتيين (21) ملكا .
لم يتدخل الكوتيون كثيراً في الشؤون الداخلية للسومريين وسمحوا لهم الاحتفاظ بادارة مدنهم مقابل الاعتراف بالسيادة الكوتية .
انتهى الحكم الكوتي في بلاد الرافدين بعد قيام (اوتوحيكال) احد امراء اوروك(الوركاء) بتوحيد جميع المدن تحت سيطرته وهاجم الكوتيين في وسط بلاد الرافدين وانهى وجودهم السياسي في بلاد اكد ،مما ادى الى انسحاب الكوتيين باتجاه الشمال واستقروا في مركزهم ارابخا. ومما يدل على ذلك وجود اشارات عديدة اليهم في النصوص الملكية الاشورية الذين قاموا بالعديد من الحملات العسكرية على كوردستان من اجل اخضاعها واستغلال سكانها ومواردها وحاولوا الحاقها بالدولة الآشورية خلال العصر الآشوري الحديث(911-612ق.م) إلا انهم لم يستطيعوا تثبيت سيطرتهم عليها واكتفوا بارسال حملات عسكرية متكررة عليها بغية اخضاعها .
وخضع الكوتيون لحكم دولة اورارتو والدولة الميدية (700- 550ق.م) واندمجوا مع سكان كوردستان ولم يرد ذكرهم في الالف الاول قبل الميلاد وﮪو ما يدل على حدوث تمازج بشري وحضاري بين سكان وبالتالي اختفت اسماء الاقوام الكوردية القديمة لتحل كلمة كورد محلها .
فيما يخص الناحية الحضارية للكوتيين فانه وعلى الرغم عما ورد في النصوص السومرية من ان الكوتيين برابرة وغير متحضرين وافاعي الجبال ووقع العديد من الكتاب تحت تاثير تلك النصوص، الا ان تلك الاراء غير علمية وغيرصحيحة، لان الكوتيين هم من السكان بلاد الرافدين وساهموا في بناء الحضارة ومن المرجح ان اللوحة المعروفة بلوحة شيخان هي من اعمال الكوتيين وتدل الكتابات عليها انها ترجع الى الالف الثاني قبل الميلاد اولفترة اقدم على حد قول دياكونوف .كما ان الرأس البرونزي الذي اكتشف في همدان والمعروف ب (بريايمر كاليري) هو رأس احد الملوك الكوتيين .
$رابعا: الخوريون$
تشير الدلائل المتوفرة على ان المهد الاصلي للخوريين هي المنطقة الجبلية التي تمتد ما بين جبال طوروس بالقرب من كركميش والى بحيرة وان، وكان ظهورهم في التاريخ منذ منتصف الالف الثالث ق.م .وورد اسمهم في التوراة بصيغة(الحوريون) .
برز دورهم في احداث الشرق الادنى بشكل عام وكوردستان بشكل خاص في الالف الثاني ق.م ، وقد لعب الخوريون دوراً مهما في نقل المظاهرالحضارية بين مناطق الشرق الادنى القديم،لانهم برزوا في المجال الاقتصادي وكان دورهم التجاري بارز في منطقة الشرق الادنى القديم .
وتعد مدينة نوزي الواقعة جنوب غرب كركوك الحالية من المراكز المهمة للخوريين حيث اسفرت التنقيبات فيها العثور على مئات الرقم الطينية المسمارية وقصر ملكي وبيوت سكنية فضلاً عن العثور على خارطة مرسومة على لوح طيني تظهر عليها الجبال والانهار والمدن واسوارها والطرق الرئيسية .
$خامسا: الكاشيون$
تعد مناطق اوسط جبال زاكروس في المنطقة المعروفة ب لورستان جنوب همدان الموطن الاصلي للكاشيين،وقد برز دورهم في الالف الثاني ق.م عندما سيطروا مدينة بابل، بعد ضعف حكم سلالة بابل الاولى، وتعرضها لهجوم الملك الحيثي مورسيليس الاول سنة 1595ق.م وانسحابه السريع بعد احتلالها.واسس الكاشيون سلالة حاكمة في بابل استمر حكمها اكثر من اربع قرون (1595- 1162ق.م) .
(
اقام الكاشيون علاقات جيدة مع فراعنة مصر اتسمت على الدوام بالود والصداقة وتبادل الهدايا والرسائل بين الجانبين وتوجت بالمصاهرات إذ ارسل الملوك الكاشيون بناتهم الى مصر وتزوجوا من فراعنتها واصبحت ملكات مصر .
اما علاقتهم بالاشوريين فكانت متذبذة فتارة كانت تتحسن وتارة اخرى يدخل الطرفان في الصراع .وبعد انتهاء الدور السياسي للكاشين في بابل بعد غزوها من قبل العيلاميين وانسحابهم الى موطنهم الاصلي في المناطق الجبلية،اتسمت علاقتهم مع الاشوريين بالعدائية حيث قاد الملوك الاشوريين الكثير من الحملات العسكرية على المناطق الجبلية يهدف نهبها وسلبها واخضاعها لسلطتهم .
ساهم الكاشيون في البناء الحضاري واتسم حكمهم في بابل بالسلم والاستقرار والابتعاد عن الحروب والاهتمام بالجانب العمراني، حيث بنوا مدينة جديدة لتكون عاصمة لهم عرفت ب دوركوريكالزو (عقرقوف حاليا الواقعة جنوب غرب بغداد بنحو 23 كم) واقاموا فيها القصور والمعابد والبيوت السكنية والطرق .كما استعمل الكاشيون ما يسمى باحجار الحدود (كودورو) لتثبيت حدود الاملاك والعقارات . كذلك أدخلوا تربية الخيول الى البلاد واستمر النشاط الادبي في العهد الكاشي. كما يعود الى الكاشيين والميتانيين الفضل في جعل اللغة البابلية بخطها المسماري لغة المراسلات الدولية الدبلوماسية بين ملوك الشرق الادنى انذاك .
$سادسا: الميتانيون$
شهدت منطقة الشرق الادنى خلال الالف الثاني ق.م هجرة الاقوام الهندوالاوربية الذين انتشروا في كوردستان وايران واسيا الصغرى واندمجوا مع سكان تلك المناطق وجلبوا معهم مظاهر حضارية ساعدهم على انتقال السيادة اليهم في عدة مناطق، فنشأت دول جديدة منها الدولة الميتانية .وعرفت هذه الدولة بثلاثة اسماء وهي الدولة الميتانية والحورية وخانيكلبات .
امتدت حدود هذه الدولة من بحيرة وان شمالا حتى اواسط بلاد الرافدين جنوبا ومن بحيرة اورمية وجبال زاكروس شرقا الى البحر المتوسط وضمت سوريا ووصل نفوذها الى فلسطين وكانت عاصمتها واشوكاني (بالقرب رأس العين)كوردستانسوريا .
كانت للميتانيين دور كبير في ظهور العلاقات الدبلوماسية بين الدول الشرق الادنى القديم، حيث اقاموا علاقات الود والصداقة مع فراعنة مصر وتبادلوا الرسل والهدايا معهم بل وحدثت مصاهرات بين الجانبين،حيث تزوج الفرعون المصري امنحوتب 1405- 1367ق.م) من الاميرة الميتانية جيلوخيبا ،وتزوج امنحوتب الرابع (أخناتون) (1367-1350ق.م) من الاميرة الميتانية تيدوخيبا(نفرتيتي)ابنة الملك الميتاني تشراتا .
سيطر الدولة الميتانية على بلاد آشور لاكثر من قرن وابدى ملوك الميتانين نوعاً من التسامح معهم، اذ استمرت الدولة الاشورية بنظامها الملكي على الرغم من تبعيتها للميتانيين
تحرر الاشوريون من السيطرة الميتانية واصبحت دولتهم قوية وبدأ العداء بينهم وبين الميتانيين، حيث قام ملوك الاشوريين بالعديد من الحملات العسكرية على الدولة الميتانية، حتى تمكنوا من اسقاطها وانهوا دورهم السياسي بعد حكم دام اكثر من مئتي
ساهم الميتانيون في تطوير العلاقات السياسية بين دول الشرق الادنى القديم فضلاً عن منجزاتهم الحضارية،إذعثر في مدينة نوزي على ختم ورد فيه اسم الملك الميتاني سوسوتار، كما تم العثور في شمال سوريا على عدد من الاختام الميتانية يظهر على احد هذه الاختام محارب ميتاني،فضلا عن رسم الطاؤوس على اختامهم .[1]