#صباح كنجي#
من الهروب .. الكتاب الثاني من رواية الدكتور #زهدي الداوودي# ضمن ثلاثية بعنوان وادي كفران .. ترصد التطورات السياسية والفكرية في المجتمع العراقي وتؤرخ لحظات أفول الدولة العثمانية قبيل اندلاع الحرب العالمية الأولى ، التي اعقبها انهيار وتفتت الإمبراطورية الإسلامية ، وتحول ولاياتها الى كيانات مستقلة شكلت منها المملكة العراقية ، كدولة حديثة ناشئة شهدت إرهاصات تحول تابعها الداوودي في عمله الإبداعي الضخم وادي كفران الذي تجاوز ال 1000 صفحة ، تحت عناوين ( أول عام .. زمن الهروب .. تحولات ) ، عبر مسارات لشخصيات ترتبط بأواصر علاقة تبدأ بالحسب والنسب والانتماء العشائري في الريف المحيط بمدينة كركوك التي يتشكل فيها المجتمع من خليط يعكس تركيبة منوعة تفرز العديد من الانتماءات الإثنية والقومية والدينية. ناهيك عن الأفكار والعادات والتقاليد المتوارثة المرافقة لحياة الناس في المدن وطبيعة الصراعات بين البشر وما تتطلبه من تضامن ودهاء ومصالح وجشع يتعدى ويتجاوز حدود العلاقات الاجتماعية وصلات القربى وفقاً لرغبات وطموحات تتجاوز القيم الإنسانية المشروعة ، تتجسد بشخصيات تنحدر من وسط أغوات يسعون للتحكم بقوت وحياة الناس وتجارتهم يعقدون صفقات مع رجال الدولة والحكومة في فترات التحول .
صفقات ممرات وقنوات تمتد من اقصى الريف الجميل في البيئة المواجهة للحدود الإيرانية التي يتخللها مجرى نهري يفصل بين السهل والجبل على ضفتيه ومروراً بأحياء كركوك وتنوع سكانها وما فيها من حركة وأجواء لهو وحرية اختيار و تلاقح تتجاوز أطر الدين والممنوعات تؤطر العلاقات الانسانية لشخوص روايته الذين يكافحون ويتصارعون فيما بينهم من أجل الارتقاء بأوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية والفكرية في مرحلة تترافق مع بناء الدولة الجديدة التي يتغلغل تأثيرها في النسيج الاجتماعي مع توسع رقعة مؤسساتها التعليمية والعسكرية والإدارية وشبكة علاقاتها التي وظفت لخدمة الدولة التي بدأت تصيد وتتصيد الناس وتلاحق الطلبة والشبيبة الذين يتعاملون مع المناشير التحريضية ..
كل هذا يؤطره الداوودي في سياق تتبع حركة شخوصه ، تنقل القارئ بين كركوك الموصل بغداد من خلال فصول ممتعة يقدم فيها بأسلوبه الجميل صوراً حقيقية عن أحداث واقعية تعكس الكثير من طبيعة الشخصية العراقية وعشقها للحرية و طموحها للعيش بتواضع وبساطة لا يعكرها الا ذلك النفر الجشع من المتسلطين والانتهازيين الذين يمجدون القسوة ويبيحون الحق لأنفسهم بحرمان الآخرين من حقوقهم الطبيعية .. يزجون الدين .. المقدسات .. في صراعهم لفرض سطوتهم لكنهم ينكشفون على حقيقتهم .. يتعرون امام المجتمع .. اماكن عبادتهم تتحول الى ماخور يمارس فيه الإمام اللواط مع الاطفال الذاهبين لتعلم تقوى الدين فيتلطخ بعاره الجبين ..
في فصل لاحق يقسمُ اللصوص الظرفاء بالقرآن انهم .. لم يسرقوا .. لم تطأ اقدامهم ارض المحل المسروق .. ليكتشف القارئ بعد حين إنّ اللصين الظريفين كانا قد تحسّبا مسبقاً لهذا القسم ، حينما وضعا خطة للسطو على المحل المسروق .. لجأ احدهم لحمل الثاني على ظهره الذي أخذ يلقي المسروقات في كيس كبير دون أن تطال يد اللص الأول تلك المسروقات ..
هكذا اقسم الأول .. انّ يديه لم تطال أو تمس اية مسروقات وكان صادقاً .. في الوقت الذي اقسم الآخر .. أن قدمه لم تطأ ارض المحل ولم يكن كاذباً .. مع هذا يكتشف مدير الناحية الذي كان معلماً وعين مديراً لها بالصدفة بعد زيارة نوري السعيد السرية لمدرسته نهاية الدوام من أجل مهمة تطلبت أن لا يتوجه للقائمقام المتعاطف مع النازية وفضل اللجوء للمدرسة مع حرس واحد برتبة عريف اسفرت عن تحول المعلم لرجل دولة وتعيينه مديراً للناحية ..
هذا المدير الذي لم ينتسب لحزب .. اتهم من قبل مرؤوسيه في القضاء بالشيوعية .. اكتشف وتوثق قبل ان يحال للتقاعد .. أن هؤلاء اللصوص من الكادحين الجوعى فأمر بإعادة التحقيق معهم وإخراجهم من التوقيف ساعياً لتعيينهم في سلك الشرطة ، بعد أنْ كشفوا له أسباب وتفاصيل خطتهم للسطو متسلحين بمكرهم ودهائهم للقسم بالقرآن عندما يتطلب الأمر في حالة كشفهم ..
في ذات المسار الناقد لزيف ونفاق الدين يقدم شخصية الطفل المبروك ولي الذي يتفاخر ويتبارك به المؤمنون ويتباهون بقدراته دون أن يكتشفوا انه من أم أرمنية ليسَ لها علاقة بدينهم لم تكن الا مومساً في ملهى عقدت صفقة زواج بأبيه المتوله بها ، وللتغطية على ماضيها حملت اسماً جديداً ومنحها هوية كردية قبل ان يزج بها في اقصى الريف المنعزل لتدعى روناك وتنجب ابنه ولي الذي سرعان ما شبّ ليغدو مبروكاً اسلامياً قادراً على معالجة وشفاء المرضى والمعاقين يتناقل اخباره بفخر اهالي وادي كفران ..
في زمن الهروب الكثير مما له علاقة بالتاريخ الممتد بين مطلع عام 1913 1955 من احداث سياسية ومظاهرات وتطورات وصراعات رافقت الحرب العالمية الثانية .. وفي الرواية الكثير من التحولات التي طالت الحياة الاجتماعية للكُرد والعرب و التركمان والأرمن وطبيعة علاقتهم بالدولة ، بأسلوب ممتع وشيق للداوودي الذي ابدع فيها ونجح في توظيف اللغة والبيئة و الميثولوجيا الشعبية والفكاهة في نسيجها و ارتقى إلى مصاف الكتاب العالمين .. أنها رواية تضاهي أدب نجيب محفوظ في الأسلوب وتتفوق عليه في المحتوى والمضمون الاجتماعي والفكري .. رواية تعانق روائع الابداع العالمي .. لا يجوز أن تتغافل وزارة الثقافة في العراق مبدعها .. والمطلوب من المؤسسات الثقافية في بغداد والإقليم .. في المقدمة منها الاتحاد العام للكتاب في العراق الانتباه لهذا العمل الروائي المهم والاحتفاء بالمبدع زهدي الداوودي ..
زمن الهروب .. الكتاب الثاني من رواية ثلاثية تحمل اسم (وادي كفران) سبقها الجزء الأول بعنوان (أول عام) وتلاها (التحولات) .. اصدار المؤسسة العربية للدراسات والنشر 1988 في 476 صفحة .. وهي مكملة لأحداث رواية أطول عام ..
الدكتور زهدي الداوودي .. كاتب ومؤرخ مواليد العراق له عدة اعمال في مجال السياسة والأدب والتاريخ منها ..
فهد والحركة الوطنية في العراق مع الدكتور كاظم حبيب .. دراسة تاريخية نقدية تحليلية شاملة .. موضوع على شبكة الانترنيت .. اصدار دار الكنوز الأدبية 2003 . في 512 صفحة
كتب الشعر والقصة والرواية
بدأ بواكير اهتمامه بالأدب والثقافة مع نشوء جماعة كركوك التي اصبح واحدا من كتابها المهمين
عمل في التعليم في جامعة الموصل ومن ثم تونس و لايبزيك
ترجم من الألمانية كتاب (رحلة الى بابل القديمة) لعالمة الآثار الألمانية ايفلين كينكل براندت
يكتب في الحوار المتمدن
ومن الجدير بالذكر ان رسالة دكتوراه قد اعدت من قبل الطالب نوزاد أحمد أسود عن ثلاثية وادي كفران في جامعة السليمانية عام 2012.[1]