إعداد/ غاندي إسكندر
فقط العظماء من يمتلكون ناصية الخلود، ويتحوّلون بسبب بصمتهم في رحلة النضال إلى أكسير لاستمرارية الحياة الحُرة، ويُختزَل في شخوصهم التاريخ، والجغرافية، ولهم فقط الحق في أن تُنكس من أجلهم الأعلام، وتُقدّم لهم التحية العسكرية، وتُبنى لهم التماثيل، وتختلط الدموع، والزغاريد في يوم ذِكراهم.
وعندما نتحدث عن العظمة وقضية نكران الذات من أجل أن تحيا الشعوب حياة عزيزة نستذكر القائد الشهيد قاضي محمد رئيس جمهورية مهاباد الرئيس لذي تحول إلى أيقونة للحرية وغدت كلماته زادً لكل ثائر يسعى إلى خلق الحياة للشعوب المتطلعة صوب الحرية، ولما لا فمن يناضل في سبيل نصرة شعبه، ويضحي بنفسه لصنع المجد، ويحلق بوطنه إلى المراتب العُليا، ويبث الرعب في نفوس أعدائه حتى، وإن رحلت روحه سيبقى نبراساً، وقنديلاً ينير دروب كل راغب في كسر قيود الاستعباد .
القاضي وجمهورية مهاباد
ولد قاضي محمد عام 1893م. وهو ابن القاضي علي بن قاسم بن ميرزا أحمد، ينحدر من أسرة غنية في مدينة مهاباد شرق كردستان، عرف عنه اهتمامه بأمور العلم، والشريعة، والفقه الإسلامي، وإتقانه إلى جانب اللغة الكردية، اللغة العربية والتركية، والفارسية، والفرنسية إلى جانب إلمامه بالإنكليزية، والروسية، عُيّنَ مسؤولاً ثقافياً في مهاباد عندما اُفتتحت أول مدرسة في المدينة، تأثر القاضي بالأفكار الديمقراطية، والوطنية، وانضم في ثلاثينيات القرن الماضي إلى حزب خويبون، وفي عام 1944انضم إلى جمعية الإحياء الكردي التي مهدت لقيام الحزب الديمقراطي الكردستاني في إيران، وقد كان القاضي من مؤسسيه، وكان برنامج الحزب يتلخص في تحقيق الحرية لإيران، والحكم الذاتي لكردستان داخل الحدود الإيرانية، والإخاء مع الشعب الأذربيجاني وكل المكونات التي تعيش في الإقليم الفارسي، وفي 22/1/1946وسط جموع غفيرة في ساحة جارجرا في مهاباد، وفي أجواء كرنفالية كبيرة أعلن قاضي محمد انقطاع منطقة موكريان عن حكومة طهران فنكسوا علم طهران من المؤسسات، والمدارس، ورفعوا علم كردستان بدلاً منه، وتم الإعلان عن جمهورية مهاباد، وأمام أنظار العالم وسط ساحة جارجرا أعلن القاضي محمد رئيساً لها ولأول مرة في التاريخ الكردي رُفع العلم الكردستاني، وفي أول خطاب للرئيس قاضي محمد تم طرح البرنامج الكفاحي الشامل للجمهورية، وقد عدت اللغة الكردية لغة رسمية للبلاد، وتم فتح المدارس، واُنشِئت الصحافة، والمسرح ،ودخلت المرأة في معترك الحياة الكردستانية، وقامت علاقات تجارية مع دول الجوار، ولاسيما الاتحاد السوفيتي، وحاول القاضي التفاوض مع الحكومة الإيرانية حول علاقة جمهوريته بها بوصفها سلطة حكم ذاتي مرتبطة بالحكومة المركزية لكن الحكومة الإيرانية رفضت طلبه، وفي كانون الأول من عام 1946أرسلت حملة عسكرية بعد انسحاب القوات السوفيتية من إيران، وقد تمكنت من القضاء على جمورية مهاباد واعتقل القاضي، ومن معه من قادة الحزب، والبالغ عددهم 28 عضواً وتمت محاكمة القاضي محاكمة صورية أمام محكمة عسكرية حكمت عليه بالإعدام وقد نفذ الحكم في 31 آذار في ساحة جارجرا فجراً، وهي نفس الساحة التي أعلن فيها الجمهورية .
من وصايا القائد الشهيد
توجّه القائد الشهيد قاضي محمد برسالة إلى أبناء الشعب الكردي قبل أن يُعدم بقوله “يا شعبي المظلوم ها أنا ذا في اللحظات الأخيرة من حياتي أُقدم لكم بعض نصائحي “تعالوا أناشدكم بالله أن لا يبغي بعضكم على بعض …توحدوا تعاضدوا…لا تبيعوا أنفسكم لعدوكم …وإنّ تودد عدوكم لكم محدود، وينتهي حين تتحقق أهدافه …فهو لا يرحمكم أبداً، ومتى وجِدت الفرصة فإنه ينتقم منكم لا محالة ولا يعفوا عنكم اعلموا أنكم لستم بأقل من أي شعب على وجه البسيطة، إنما أنتم في الرجولة، والشهامة، والقوة متقدمون على كثير من الشعوب التي تحررت… فالشعوب التي تخلصت من قبضة المستبدين، هم أمثالكم، وإن تحرركم مرهون فقط بالوحدة، ورفض العمالة للأجنبي ضد شعبنا”
نعم لقد رحل القاضي لكن بقيت كلماته محفوظة في صدور أبنائه من الثوار الذين جسّدوا، ويجسّدون كل يوم ملاحم بطولية في الفداء، وستبقى وصاياه حيّة في ذاكرة الشعب الكردي الذي يسير على هديه حتى تتحقق أهدافه.[1]