إعداد/ عبدالرحمن محمد
كأنما رضع كلُّ الشوفينيين من ذات الحليب الفاسد، من صدر أم حاقدة تنكر على غيرها كلّ أسباب الحياة، وتمنع لو استطاعت حتى الهواء عنهم، لكنه الحقّ الذي لا يموت والصوت الذي يظل هادراً واليد التي ترفع شارة النصر الذي يبقى دائماً يردد «لن أموت».
يرحل طاغيةٌ ويموت جلّادٌ، وتبقى أصوات الأحرار وملاحم الأبطال باقية، والشخصية الكرديّة الوطنيّة والسياسيّ المثقف الدكتور عبدالرحمن قاسملو خير شاهد على عظمة المقاومة من جهة وخلود الأبطال، وعلى أنّ للشوفينيّة والعنصريّة والاستبداد وجهٌ واحدٌ وإن تغيّرت التسميات.
ويُعدُّ قاسملو أحد أبرز زعماء الكرد في إيران خلال النصف الثاني من القرن العشرين. فقد عرف عنه ثقافته الواسعة ودماثة الخلق والحنكة السياسيّة، واتزان مواقفه السياسيّة بعيداً عن التطرف والتعصب والمغالاة.
ولد عبد الرحمن قاسملو عام 1930م في «وادي قاسملو» في بلدة رضائية (أورمية حالياً) في شرق كردستان، كان أبوه ملاّكاً ميسور الحال. وبعد أن أنهى دراسته الثانوية بين إيران والعراق انتقل إلى إسطنبول عام 1948م. وهناك التقى بشيخ الصحفيين الكرد موسى عنتر، وكذلك ببعض المتنورين من الطلبة الكرد ثم قرَّر الالتحاق بالجامعات الأوروبيّة.
قام الدكتور قاسملو بتدريس مادة رأس المال والاقتصاد الاشتراكيّ في جامعة براغ، ودرّس اللغة والثقافة والتاريخ الكرديّ في «جامعة السوربون» في باريس حتى عام 1961م ولعب دوراً هاماً في تشكيل اتحاد الشباب الديمقراطيّ في كردستان الذي كان أحد مؤسسات الحزب الديمقراطيّ الكردستانيّ الإيراني.
شغل قاسملو مناصب عدة حتى أصبح الأمين العام للحزب الديمقراطيّ الكردستانيّ الإيرانيّ عام 1973م وكان يدرس مع رفاقه الأوضاع السياسيّة الثقافيّة الاقتصاديّة لإيران ليخلص لنتيجة واستراتيجية مفادها» الديمقراطية لإيران والحكم الذاتيّ لكردستان». وقد وافق الحزب في مؤتمره الثالث على مقترحات الدكتور عبد الرحمن قاسملو وأصبحت استراتيجية الحزب الرسميّة وانتخب في مؤتمر الحزب أميناً عاماً له وأصبح من الشخصيات السياسيّة المهمّة في جميع أنحاء كردستان.
خلال الاضطرابات التي عمت البلاد خلال الثورة الإيرانيّة، شارك قاسملو مع البيشمركة في التمرد ضد شاه إيران عام 1978م. وسيطرت البيشمركه على ثماني مدنٍ وعشرين بلدة في كردستان إيران وبذلك وضع الشعب الكرديّ حجر الأساس لشبه إدارة فيدراليّة.
خذلت الثورة الإسلاميّة الكرد ولم يحصلوا على حقوقهم القوميّة، وانفجرت مواجهات مسلّحة بينهم والقوات الحكوميّة، وكان دور قاسملو فيها قياديّاً، وتمّ إعدام أعداد كبيرة من الكرد الإيرانيين في محاكم خلخالي السيئة الصيت.
عاد قاسملو إلى الخارج وحاول من جديد أن يحصل ولو على جزء من حقوق الكرد من النظام الإيراني عن طريق المفاوضات كونه كان شخصية معروفة باعتدال مواقفه وعدم تشدّدها، وتقبّل أفكاره من قبل جماهير الكرد وبخاصة في إيران، وكذلك أظهر الإيرانيون بعض التقبّل لأفكاره والحلول التي طرحها لحل المسألة الكرديّة في إيران.
تخوّف الإيرانيون من اتساع رقعة الآراء التي أيّدت قاسملوا في مسعاه السلميّ والواقعيّ لحلِّ المعضلة، فأبدت بعض القبول لأفكار قاسملو لحين إيجاد طريقة للقضاء عليه، وفي النهاية أبدت الموافقة على التفاوض معه والنقاش وكانت فيينا على موعد مع اللقاء بين قاسملو واثنين من زملائه ووفد إيرانيّ، لكن الوفد الايرانيّ كان عبارة عن وفد استخباراتيّ خطط لاغتيال قاسملو ورفاقه في فيينا يوم 13/7/1989م. وبقيت الجريمة مقيّدة ضد مجهولين رغم وضوح ومعرفة من قاموا بها، ليتضح فيما بعد أنّ الرئيس الإيرانيّ «محمود أحمدي نجاد» كان من المشرفين على العملية وقتها.
اغتيل قاسملو واغتيلت معه محاولة أخرى من محاولات إيجاد حلّ للكرد في شرق كردستان، دفن د. عبد الرحمن قاسملو في مقبرة العظماء”pere Lachais»» في مدينة باريس في 20 تموز 1989م، لكن القضية الكرديّة لم ولن تموت فمازالت الأمهات الكرديات يلدن ألف قاسملو. [1]