#إقليم كوردستان في الخطاب العربي(9)#
#بير رستم#
ما يلاحظ في الفترة الأخيرة تصاعد الأصوات التي تهاجم، ليس فقط القيادة السياسية في إقليم كوردستان (العراق) وإنما الوجود الكوردي ضمن المعادلة السياسية – وأحياناً الجغرافية – العراقية وذلك من خلال الطعن بالمشروع السياسي الذي يتبناه التحالف الكوردستاني مع حلفاءه وشركاءه من التيارات والأحزاب السياسية العراقية الأخرى، بل.. والطعن بالهوية العراقية لهذه القوى السياسية وإتهامها بشتى النعوت والصفات التخوينية العميلية (من العمالة) والعزف على الوتر العروبي والإسلاموي في محاولة لدفع العراق – من جديد لصراعات قومية – بعد أن أنهكتها الصراعات الطائفية والمذهبية.
وكمثال عن هذه (النوعية) من الكتابات التحريضية ضد الكورد وإقليم كوردستان (العراق) نورد ما كتبه أحد النكرات (خضير طاهر) في الموقع الالكتروني المجرثم بجرثومة (عداء الكورد)؛ ألا وهو موقع (كتابات) وتحت عنوان “فوز أوباما جعل موقف الاكراد ضعيفا.. وهذه فرصة لطرد ساستهم من بغداد”، حيث يكتب هذا الدعي وفي مقدمة هذيانه: “احدث فوز اوباما ومجيء الحزب الديمقراطي الى الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية تحولات جذرية كبرى في المشهد السياسي العراقي ربما تؤدي الى حلول الكارثة على الجميع وخصوصا الاحزاب الكردية.. فالحزب الديمقراطي وقف بالضد من قرارات جورج بوش بشأن تحرير العراق من نظام المجرم المقبور صدام حسين، ووعد أوباما اثناء حملته الانتخابية بسحب الجيش الامريكي خلال مدة 16 شهرا، ومع حدوث الازمة الاقتصادية موخرا وحاجة امريكا لصرف المزيد من الاموال على احتياجاتها الداخلية، فأن الجدول الزمني للانسحاب ربما يتم التعجيل به واختصاره، وحتى لو تم التوقيع على الاتفاقية الامنية فأن بأمكان اوباما إلغائها وعدم تنفيذها فهي غير ملزمة له”.
وهكذا ومن العنوان نلاحظ ذلك العداء المزمن والمستفحل لدى هذه الفئة القومجية تجاه الشعب الكوردي؛ ف(الرجل) يحلم بطرد القيادات الكوردية من بغداد معتمداً على الخيال المريض لديه وهذياناته بأن زمن (الضعف) الكوردي بدأ مع فوز باراك أوباما بالرئاسة الأمريكية وكأن الأخير – (أي أوباما) مع حفظ الألقاب – قد فطم على (العداء) للكورد وقضيتهم وليس له من قضايا ومسائل سياسية داخلية وخارجية، إلا (تصفية) الحالة الكوردية في بغداد. وهكذا فإن دلَّت هذه العقلية على شيء فإنما تدلُّ على قصر النظر في التحليل السياسي لدى هؤلاء وإستبدال الأحلام الهذيانية (لهم) بالوقائع والمعطيات السياسية وكذلك لاعتمادهم على موروث ثقافي إستبدادي؛ قائم على فردانية الحاكم المطلقة والحالات الديكتاتورية في العالم العربي كنماذج لها في الحكم. وبالتالي يسقطون (نموذجهم) هذا على واقع مختلف آخر تماماً كالحالة الأمريكية ويتناسون بأن باراك أوباما قد جاء إلى سدة الرئاسة عن طريق إنتخابات ديمقراطية وبأن السياسة الأمريكية لها أجندتها الاستراتيجية والتي ترسم في مراكز القرار ومن خلال الحالة المؤسساتية وليس من خلال سلطة ديكتاتور مستبد ومهما كان هذا أو ذاك الرئيس ذو شخصية كاريزمية كحالة أوباما مؤخراً.
ويضيف هذا البوق القومجي “..وعليه يبدو موقف الاكراد حاليا في منتهى الضعف والارتباك، فهم يعيشون مأزقاً حقيقياً بعد ذهاب ادارة بوش ومجيء اوباما الذي هو غير مستعد للأهتمام بمشاكل العراق وترك مشاكل امريكا الداخلية، ثم ماهي قيمة الاكراد الاقتصادية والسياسية لمصالح أمريكا؟ طبعا الجواب لاشيء ليس لهم قيمة، والديمقراطيون كحزب ليبرالي هم بالضد من توجهات الاحزاب الكردية العشائرية القومية الشوفينية”. وكأن الحزب الجمهوري (حزب جورج بوش) هو حزب “عشائري قومي شوفيني” على حد توصيفه للأحزاب الكوردية والتي كانت مدعومة – حسب زعمه أيضاً – من الحزب السالف الذكر. كذلك فإن الخطاب التعبوي التحريضي للبوق المذكور لا يخلو من حالة الاستهزاء والسخرية والتهكم بالكورد عموماً وليس بالقيادة السياسية الكوردية في بغداد أو في الإقليم وذلك عندما يكتب: “ماهي قيمة الاكراد.. طبعا الجواب لاشيء ليس لهم قيمة”، ذاك من جانب ولن نقف مطولاً عنده، حيث “كل إناءٍ بما فيه ينضح”. ولكن نود أن نقول له وبصوت مسموع لعله يفيق من حالته الهذيانية؛ بأن أمريكا وقوات التحالف لم تأتي للمنطقة لتغادر على (نغمات) هذه الأبواق ومن وراءهم (أشاوستهم من المقاومة العراقية) بأعمالهم الإجرامية ومحاولاتهم إنهاك الجسد العراقي للوصول إلى مستنقعهم الدموي، بل كانت – وما زالت – لهذه القوات الدولية المتحالفة، وعلى رأسها أمريكا وبقواتها التي قاربت مائتي ألف جندي وضابط أمريكي، مهام إستراتيجية ما زالت تعمل عليه ولم يحن وقت مغادرتهم بعد؛ كون المشروع الأمريكي- الدولي ما زال قيد الإنجاز في المنطقة وما الإتفاقية الأمنية إلا حلقة من حلقات تنفيذ ذاك المشروع.
وتأسيساً على حالته الهذيانية تلك ومن خلال خطابه التحريضي التعبوي فإنه يكتب: “وبناءا على هذه المتغيرات السياسية تبدو فرصة العراقيين الشيعة والسنة والتركمان والمسيحين ممتازة جدا لتوحيد صفوفهم، وتوجيه ضربة رجل واحد قاصمة لظهر الاحزاب الكردية – وليس الشعب الكردي – والعمل على طرد الساسة الأكراد من بغداد وتطهير الحكومة والبرلمان منهم واعلان استقلال مدن: اربيل ودهوك والسليمانية واعتراف الحكومة العراقية بأستقلال الدولة الكردية وقطع كافة اشكال الارتباط المالي والسياسي والاداري معها”. لن نعلق كثيراً على هلوساته هذه ولكن فقط نود أن نهمس في إذنه لنقول له بأن “الطعن في الظهر” هي من (خصال وشيم الجبناء والغدارين) وبأن “إستقلال الدولة الكردية” لن يكون من خلال هذه الأبواق وإن سنحت الظروف الإقليمية والدولية فلن تكون بدون المناطق المستقطعة من كوردستان وعلى رأسها مدينة كركوك وأخواتها.
ويضيف هذه النكرة ليقول بكل صفاقة ومتناسياً تاريخ العراق الحديث: “ان الاحزاب الكردية عدو خطير ودائم للدولة العراقية، وبعد سقوط نظام صدام الاجرامي ونيل الاكراد اكثر من حقوقهم ظهر جلياً للعلن حقدهم ضد الشعب العراقي واثبتوا ان مشكلتهم لم تكن سابقا مع الحكومات، وانما كان لديهم احقاد ضد كافة العراقيين، وهم رغم كل الخيرات والمكاسب التي منحها لهم العراق مازلوا يتآمرون على وطننا ليل نهار، ثم ان العراق لايستفيد من الاكراد بأي شيء، فهم يشكلون عبئاً اقتصاديا وسياسيا عليه، ومن الغباء تحمل معيشة خمسة ملايين كردي ليس لديهم اخلاص وولاء للعراق، لقد انكشفت مؤامرات الاكراد واحقادهم ويجب على (كل) عراقي شريف التصدي لهم بكل حزم وقوة وبتر هذا السرطان من جسد بلدنا فلا نريد أعداءا يعيشون معنا ويتمتعون بثرواتنا ويتأمرون علينا”.
وهكذا فهو يعلن حالة العداء والقطيعة مع كل الشعب الكوردي ويدعوا (بقية) المكونات العراقية للتنكيل بالكورد عموماً وليس فقط ضد القيادات السياسية الكوردية في بغداد و(تطهير)ها منهم كما يزعم في بداية الفقرة وذلك عندما يكتب “..وتوجيه ضربة رجل واحد قاصمة لظهر الاحزاب الكردية – وليس الشعب الكردي – والعمل على..” إلى نهاية الجملة ومن ثم – وفي حالة هذيانية جديدة – يستنكف ليعلن العداء لكل الشعب الكوردي وذلك عندما تكشفه عمائه وغله القومي ومن خلال مقولته “..ان العراق لايستفيد من الاكراد بأي شيء، فهم يشكلون عبئاً اقتصاديا وسياسيا عليه، ومن الغباء تحمل معيشة خمسة ملايين كردي..” الخ. وبالتالي ليكشف لنا عن الحالة الذهنية المريضة بعدائه للكورد؛ حيث أن الأحزاب الكوردية لا تضم “خمسة ملايين كردي” وإنما ذاك قوام الشعب الكوردي في إقليم كوردستان (العراق) بكثيرٍ أو قليل.
وهكذا يتأكد لنا بأن هذا (الرجل) مستوطن بحالة عصابية مرضية تجاه الكورد وقضيتهم ويتناسى بأن الشعب الكوردي مكون أساسي في الحالة العراقية وما ناله من حقوق – وليس مكاسب – لا يرتقي إلا مستوى تضحيات هذا الشعب ولا إلى مستوى مطالبه وحقوقه الشرعية والقانونية وفق القوانين والمعايير الدولية ذات الشأن وما دخول التحالف الكوردستاني في الشراكة الوطنية إلا كانت بمبادرة وطنية ومن برلمان إقليم كوردستان ومن قبلها ما شهدتها المعارضة العراقية من تجاذبات وتحالفات توج بالدستور العراقي المستفتى عليه وطنياً والذي يضمن (أي الدستور) حقوق كل المكونات العراقية وليس فقط حقوق الكورد.. و أخيراً لا نود أن نقول لهذه الأبواق: بأنكم “في إنتظار غودو”؛ كونهم وبكل بساطة يعيشون الحالة الغودوتية.
هولير – 2008
[1]