تحدث الإعلامي والكاتب الكوردي، أحمد الزاويتي، عن روايته الجديدة المعنونة بهروبٌ نحو القمة، والتي يروي من خلالها أحداث الهجرة المليونية لأبناء إقليم كوردستان في عام 1991، والمآسي التي عاشوها في تلك الفترة.وقال الزاويتي، في مقابلة خاصة مع شبكة رووداو الإعلامية، إن الرواية تتحدث عن قصة حقيقية لإحدى العائلات الكوردية من مدينة دهوك، حيث عانت تلك العائلة كباقي العائلات من قساوة الظروف خلال رحلة الهروب التي استغرقت 10 أيام مشياً على الأقدام وسط طقس الشتاء القاسي والتضاريس الوعرة، لتتوالى الأحداث بعد ذلك ويموت جميع أفراد العائلة باستثناء بطل الرواية (أوميد) <<
تحدث الإعلامي والكاتب الكوردي، أحمد الزاويتي، عن روايته الجديدة المعنونة بهروبٌ نحو القمة، والتي يروي من خلالها أحداث الهجرة المليونية لأبناء إقليم كوردستان في عام 1991، والمآسي التي عاشوها في تلك الفترة.
وقال الزاويتي، في مقابلة خاصة مع شبكة رووداو الإعلامية، إن الرواية تتحدث عن قصة حقيقية لإحدى العائلات الكوردية من مدينة دهوك، حيث عانت تلك العائلة كباقي العائلات من قساوة الظروف خلال رحلة الهروب التي استغرقت 10 أيام مشياً على الأقدام وسط طقس الشتاء القاسي والتضاريس الوعرة، لتتوالى الأحداث بعد ذلك ويموت جميع أفراد العائلة باستثناء بطل الرواية (أوميد).
وفيما يلي نص المقابلة:
رووداو: رواية هروبٌ نحو القمة تتحدث عن الهجرة المليونية لكورد جنوبي كوردستان، وأحداثها كلها واقعية، هلّا حدثتنا عن محتوى هذه الرواية، والمكان الذي وقعت فيه الأحداث، وإلى متى تستمر؟
أحمد الزاويتي: الرواية تتحدث باختصار عن الهجرة المليونية لكورد جنوبي كوردستان في شهر آذار من عام 1991، حيث اضطر الشعب الكوردي آنذاك للهروب، لا سيما أهالي دهوك الذين فروا إلى الحدود التركية، وتحديداً إلى مخيم جلي في المنطقة الحدودية، كما تتحدث الرواية عن قصة حقيقية لإحدى العائلات الكوردية من مدينة دهوك، حيث عانت تلك العائلة كباقي العائلات من قساوة الظروف خلال رحلة الهروب التي استغرقت 10 أيام مشياً على الأقدام وسط طقس الشتاء القاسي، فضلاً عن التضاريس الوعرة وغيرها من مصاعب الطريق، وسابقاً كان الكورد يقولون: لا أصدقاء لنا سوى الجبال، ولكن حتى الجبال تخلت عن الكورد في تلك الظروف القاسية، فالجبال وكل التضاريس هاجمت أولئك الكورد الهاربين باتجاه الحدود التركية آنذاك، والعائلة التي ذكرناها كانت تحاول مقاومة ومواجهة تلك الظروف، ولكن في نهاية المطاف يموت أفرادها، حيث يموت الطفل الرضيع سرهلدان الذي لم يتجاوز عمره 3 أسابيع، حيث ولد في يوم الانتفاضة، لذلك سُمي بسرهلدان، والذي مات في أول أيام الهروب بسبب ظروف الطقس القاسية، ومن هنا تبدأ هذه القصة التراجيدية.
رووداو: لماذا وقع اختيارك على هذه العائلة بالذات، وما الذي لفت انتباهك في هذا السياق؟
الزاويتي: قصة اختياري لهذه العائلة، قصةٌ طريفة، حيث كتبت حجر الأساس فيها من خلال المذكرات الأولية عندما واجهتُ تلك الظروف التي عشتها شخصياً، فكتبت ما رأيت وسمعت، لأنني كنت شاهداً على الحدث، وعندما قررت كتابة قصصٍ كوردية في التسعينيات من القرن المنصرم، كتبت الجزء الأول بعنوان: من ألواح معرض الهزيمة.. الطريق إلى جلي – الجزء الأول، وعندما توجهت إلى أحد الفنانين التشكيليين لعمل ألواح لقصصي، قرأ القصص واستنبط منها ألواحاً تشكيلية بهدف تصميم الغلاف، وقد تأثر بما كتبت، وهو نفسه الذي سرد لي قصة هذه العائلة، ولا أعلم إن كانوا من أقربائه أو معارفه، حيث أخبرني بأنه يعرف عائلةً عاشت تلك الظروف ومات كل أفرادها خلال الطريق باستثناء ربِّ العائلة الذي وصل وحيداً إلى مخيم جلي في نهاية المطاف، وبالتالي أخذتُ الفكرة من ذلك الفنان التشكيلي لكتابي الأول الطريق إلى جلي، كما كتبت هذه القصة باللغة العربية بعنوان: عزف على أوتار الحزن، ومرةً أخرى بعنوان: وتبقى أنت، حيث صورتُ القصة وكأنها ماراثون عالمي ويحقق هذا الرجل المرتبة الأولى، ولكن بأسلوب ساخر، باعتبار أن هذا الذي حقق المرتبة الأولى لا يحصل على هدية أو مكسب أو إنجاز، ولا يكون سعيداً، لأنه فقد كل أفراد عائلته في ذلك الماراثون الصعب، ووصل وحيداً في إلى خط النهاية.
رووداو: بطل الرواية اسمه أوميد أي الأمل باللغة العربية، ما هي علاقة الاسم بهذه القصة الحقيقية؟
الزاويتي: قصة أوميد هي قصة التراجيدية الكوردية التي لا أريد أن أبقي عليها مستمرة، بل أريد أن تكون هناك بارقة أمل في نهاية النفق المظلم، بحيث يكون هناك نور، وأنا أعتبر أوميد ممثلاً لكل الشعب الكوردي في هذه الرواية، وعندما تُعرض هذه الرواية على القارئ العربي، سيقرأ من خلال أوميد قصة التراجيدية الكوردية، ولكن مهما طالت هذه التراجيدية، لا بد أن يكون هناك أمل، وهذا الأمل هو أوميد الذي بقي حياً ولم يمت، وبعد مرور 26 عاماً، وتحديداً في أيامنا هذه، يريد الهروب من المشاكل الحالية التي يواجهها، باتجاه قمة أحد التلال.
رووداو: تبدأ الرواية بأحداث اعتيادية أسفل أحد التلال، وعلى النقيض من ذلك، تنتهي الرواية على قمة التلّ ذاته، ما المغزى من ذلك؟
الزاويتي: كلمة القمة في هذه الرواية تعني الكثير من الأشياء وليس شيئاً محدداً، تعني أنه عندما يريد أوميد الهروب من الظروف الحالية والنكسات التي واجهناها مؤخراً، ولا يريد أن يلتقي بأحد، بل يرغب بأن ينقطع عن الجميع، عن أسرته، أصدقائه، وعمله، فيهرب إلى قمة أحد التلال، لا سيما وأن التلال موجودة في كافة أنحاء كوردستان، فيتوجه إلى تلٍّ كان قد أمضى طفولته هناك، فيأخذه الحنين إليه هرباً من المشاكل الحالية، وفي الطريق إلى تلك القمة، تعود طفولة أوميد.
رووداو: عادةً ما يتم ربط الهروب بالفشل، وكما يقول المثل: الفاشل هو من وقع في القاع ولم يخرج منه، ولكن أوميد عَملَ بالعكس وهرب نحو القمة، كيف تمكنت من إيصال هذه الرسالة؟
الزاويتي: الكثيرون انتقدوني على اختيار كلمة هروب في هذه الرواية لأنهم فهموا الهروب بأنه هزيمة، أما أنا فلا أنظر إلى الهروب كهزيمة، لأن هناك فرقٌ بينهما، فالهروب في كثير من الأحيان يؤدي بك إلى التحرير من حالة سلبية، من عدو، من خوف، من موت، وعندما يشعر أحدنا بأن الموت أصبح قريباً منه، فلا بد أن يهرب، وحتى لو قرأنا التاريخ الكوردي، فسنرى فيه الهروب كثيراً، ولكنه لا يعني الانكسار أو الهزيمة، بل يعني المناورة، وهروبنا بالتحديد، والذي جاء بأعظم انتصار للكورد، هو الهروب الجماعي عام 1991 نحو الحدود التركية وكذلك الإيرانية، فذلك الهروب أيقظ ضمير العالم ودفع مجلس الأمن للاجتماع لأول مرة على القضية الكوردية، ويتفق على قرار إنشاء منطقة آمنة لكورد العراق، ونحن نعيش حتى وقتنا الحالي بفضل ذلك القرار الذي صدر عن مجلس الأمن بفضل ذلك الهروب الهائل، مع عدم إغفال التضحيات الكبيرة التي قدمها الشعب الكوردي آنذاك.
رووداو: هلّا حدثتنا عن قصة الحب التي جمعت بين آشتي وكُلستان، اللذان كانا يحاولان الهروب من عراقٍ كان كله صَدَام و صِدام إلى عالم ليس فيه صَدَام ولا صِدام.. إلى مكانٍ يكون فيه السلام سائداً؟
الزاويتي: هذه القصة بحد ذاتها يمكن أن تتحول إلى رواية أعظم من رواية هروبٌ نحو القمة، فقصة آشتي وكلستان هي قصة زوجين يتعرضان لمآسي الأنفال، فيعدم آشتي أمام عيني كلستان التي تبقى وحيدة، والتي قفزت من عربة عسكرية بعد أن فصلوا الرجال عن النساء، ووجدت نفسها في مواجهة الجبال، وأنا آتي بكلستان إلى قصة الحب الحقيقية قبل زواجها من آشتي، حيث كانت شابة جميلة، وكان جميع شباب الحي يتمنون الاقتران بها، وكيف جاء شاب اسمه باشا وكان يحلم أحلام اليقظة مع كلستان ويعرضها على باقي الشباب الذين يتمنون جميعهم الفوز بكلستان، ولكنها أصبح زوجةً لآشتي، ذلك الشاب الذي أعطى للحب قيمة، وبالتالي وقع في علاقة حب مع كلستان، وبعد ذلك بدأت حياة جديدة، حيث كان آشتي يعيش في المناطق الواقعة تحت سيطرة قوات البيشمركة، إلى أن بدأت حملات الأنفال وأُعدم آشتي وهربت كلستان، وهذه القصة من صميم نسيج الرواية، وهي إحدى القصص المأساوية الكثيرة للشعب الكوردي.
رووداو: الرواية تتضمن دلالات شهر آذار وعيد نوروز، خصوصاً موت سرهلدان (إحدى شخصيات الرواية)، وكذلك شروق الشمس، إلى ماذا يرمز ذلك؟
الزاويتي: الليلة التي مات فيها سرهلدان، كانت طويلة وقاسية للغاية، ولم يكن يعلم أوميد ماذا يفعل لعائلته، فتلك الليلة طالت ولم يكن لها نهاية، وكان أوميد يأمل أن تُشرق الشمس بأقرب وقت، وبدأ يخاطب الليل ويطالبه بالرحيل، ويطلب من الشمس المجيء، على أمل التحرر من تلك الظروف والبدء بالمسير، فشروق الشمس كان يعني انتهاء تلك الحالة المأساوية.
رووداو: الرواية تترك الكثير من الأسئلة بلا أجوبة، من بينها: لماذ لا تنتصر ثوراتنا الكوردية، هل قدرنا أن تكون المعادلات الدولية ضدنا؟، لماذا تكثر الأزمات الكوردية، ولا يتفق الكورد فيما بينهم، أنت ككاتب هذه الرواية كيف تجيب عن هذه الأسئلة؟
الزاويتي: هذه الأسئلة كثيراً ما تطرح في هذه الرواية بين بطل الرواية أوميد، وصديقه آزاد، خاصةً عندما يتحدثون عن فشل ثورة أيلول عام 1975 في مؤامرة الجزائر، وبعد ذلك الخلافات الكوردية الداخلية، وحتى خلال هروب مقاتلي الأحزاب الكوردية داخل عربة واحدة، كانوا يتجادلون ويتهجمون على بعضهم البعض، وكلٌ كان يدعي بأنه هو من قام بالانتفاضة، حتى قامت سيدة عجوز وقالت لهم إنهم ليسوا من قاموا بالانتفاضة، بل من قام بها هو الشعب، وأنهم جاؤوا ليديروا منجز الانتصار وفشلوا في ذلك، ولو نظرنا إلى الثورات الكوردية لرأينا أنها تنجح كثورة، ولكنها تفشل إدارياً، فنحن ننجح في الانتخابات، ولكننا نفشل في العملية الديمقراطية وإدارة السلطة، وهذه بعض الأسئلة التي تتبادر إلى ذهن القارئ، والتي تدور حول الفشل الكوردي بعد كل انتصار، ونأمل بأن نجد إجابات وافية مستقبلاً لدى من يديرون السلطة والمنجز الكوردي، وأتمنى أن أكون قد نجحت في إيصال جزء من التاريخ الكوردي عبر هذه الرواية إلى القارئ العربي.
حوار: كُلستان محمد أمين[1]