الإزديون صانوا اللغة الكوردية من التعريب ودينهم التوحيدي من النسخ وأرض كوردستان من الاحتلال الاستيطاني البغيض
محمد مندلاوي
في يوم السابع عشر من شهر أكتوبر الجاري, استضافه الإعلامي الجريء(حسن معوض) في برنامجه المعروف نقطة نظام, الذي يبث من على القناة الفضائية العربية (السنية بامتياز) أمير الشريحة الإزدية الكوردية في كوردستان والعالم, (تحسين سعيد علي بيگ) الذي تربع على عرش الإمارة منذ عام (1944) بعد وفاة والده الأمير (سعيد بيگ) نجل الأمير (علي بيگ) الذي يحمل اسمه المضيق والشلال المعروف في كوردستان ( گلي علي بيگ). وكان وريث الإمارة (تحسين بيگ) قاصراً عندما رحل والده عن الدنيا, ولم يتجاوز عمره حينه أحد عشر عاماً, بما أنه لم يبلغ سن الرشد, وهو الفهم القانوني لسن النضج حين تقلد الإمارة, فلذا تلقى الدعم والمساندة من جدته (ميان خاتون) التي اتخذت لنفسها دور الوصية على حفيدها و الإمارة لحين بلوغ الأمير اليافع سن الرشد, أو مرحلة البلوغ البيولوجي. وفي عام (1957) توفيت الأميرة (ميان خاتون) وبعدها استقل الأمير (تحسين بيگ) بنفسه في شؤون الإمارة إلى يومنا هذا. رغم بعده وانقطاعه لمرات عديدة و سنوات كثيرة عن وطنه كوردستان, وعن التواصل اليومي مع اتباعه بنات وأبناء الشريحة الإزدية بسبب هجراته المتتالية التي كانت أولها في أواسط السبعينات القرن الماضي إلى (بريطانيا) حيث استقر في عاصمة الضباب (لندن) حتى بداية الثمانينات القرن الماضي عندها عاد إلى الوطن, وما لبث أن استقر بين أبناء جلدته لبرهة حتى شد الرحال مجدداً, وهاجر هذه المرة إلى (ألمانيا الاتحادية) حيث تقيم الجالية الإزدية الكوردية, ومازال الأمير الثمانيني مقيماً هناك حتى ساعة كتابة هذه المقالة. وفي سياق حديثه مع المحاور (حسن معوض) في البرنامج المذكور, قال الأمير: أنه مريض, والدكتور المشرف على علاجه لا يسمح له بالسفر إلى خارج ألمانيا. من يدري, قد لا تسمحه له صحته المتدهورة من العودة إلى الوطن و يقضي آخر أيامه فيها؟. السؤال هنا, أي نوع من المرض يعاني منه الأمير, وهل بسبب المضادات الحيوية التي يأخذها قال ذلك الكلام المرسل على عواهنه, بأن الكورد أصدقاء الإزديين!.
بعد هذه النبذة المختصرة التي قدمناها عن حياة الأمير (تحسين بيگ) دعونا الآن نعود إلى صلب الموضوع الذي نحن بصدده إلا وهو تصريحه اللامسؤول وغير المتوازن عن الانتماء القومي للشريحة الكوردية الإزدية حين أنكر عليهم كورديتهم, وحاول بطريقة سقيمة وبلغة عربية ركيكة وبلكنة كوردية إبعادهم عن إخوانهم, أبناء جلدتهم الكورد واصفاً إياهم بالأصدقاء, وهو خلاف تصريحاته السابقة التي قال فيها بصوت عالي وعلى رؤوس الاشهاد, أنهم كورد أصلاء. جاء الاعتراف بكورديته هذا في لقاء صحفي أجراه معه جريدة التآخي في ألمانيا عام (2008) حين طرح عليه الأستاذ (أديب جلكي) السؤال التالي, عن زيارته إلى الولايات المتحدة الأمريكية. لقد التقيتم ببعض المسؤولين الرسميين - الأمريكيين - هناك, ماذا كان محمور لقائكم؟.
جواب الأمير (تحسين بيگ): نعم صحيح, لقد زرت العاصمة واشنطن والتقيت بمسؤول قسم الأديان في وزارة الخارجية الامريكية. كما التقيت بكل من وكيل وزارة الخارجية و وكيل وزارة الدفاع, وتحاورت مع جميعهم. كانوا دوماً يسألونني: من أنتم؟ فقلت للجميع وبكل وضوح: قوميتنا كوردية وديانتنا إزدية, ديانتنا ديانة مستقلة بذاتها, نطالب بحقوقنا ضمن كوردستان, الخ. وفي نفس اللقاء سأله محاور جريدة التآخي عن زيارته التي قام بها إلى الفاتيكان ولقائه ببابا بنديكت السادس عشر بابا الفاتيكان: هل كانت للبابا معلومات كافية حول الإزديين؟.
أجاب الأمير (تحسين بيگ): كانت معلوماته قليلة حولنا, لكنني شرحت له بعض الشيء, وأوضحت له أماكن سكنى الإزديين,وقلت له أننا مستقرون في الأماكن التي يوجد فيها الكورد المسلمون, لأننا كورد في قوميتنا لكن ديانتنا مستقلة عن ديانات المنطقة. وفي سياق حديثه إلى صحيفة التآخي, قال الأمير: أن لهجتنا الكرمانجية أكبر اللهجات الكوردية. وهي لهجة حوالي سبعين بالمئة من الشعب الكوردي. وما يهمنا أكثر هو أن هذه اللغة - اللهجة الكرمانجية الشمالية بالنسبة لنا نحن الإزديين تعتبر لغتنا القومية والدينية معاً. فجميع نصوصنا الدينية (من قول أو بيت أو قصيدة أو دعاء... الخ) هي بهذه اللغة - اللهجة ومدونة بها, منذ عهد الشيخ عدي بن مسافر الهكاري (توفي رحمه الله سنة 1162م) إلى الآن. وأضاف الأمير: ونؤدي عبادتنا وكل صلواتنا وأدعيتنا بهذه اللغة منذ أن خلقنا الله. واستمر الأمير في سرده للجريدة عن أوضاع الكورد الإزدية قائلاً: منذ تأسيس إمارة شيخان وإلى الآن كانت المخاطبات والمداولات في الإمارة بهذه اللغة, -اللهجة, وقد اندثرت جميع الإمارات الكوردية عدى إمارتنا التي بقيت رمزاً لجميع تلك الإمارات, وذلك بفضل ديننا ولغتنا هذه. لذلك فأن أية محاولة تهدف إلى إلغاء لغتنا الكرمانجية الشمالية ستكون كارثة كبيرة علينا نحن الإزديون, بل ستكون بمثابة نصف جينوسايد علينا. لكن كما أعلم فأن هذه اللهجة هي اللغة الرسمية في محافظتي دهوك ونينوى ( أي المناطق الكوردية منها, الواقعة تحت سلطة الإقليم) منذ 1991 كما هي لغة التعليم في المرحلة الابتدائية. ويستمر الأمير في حديثه: من هنا أقول: باسمي وباسم جميع الإزديين كأمير لهم, أوجه طلبي ودعوتي إلى رئيس الإقليم والحكومة والبرلمان في كوردستان, أن تكون الكرمانجية الشمالية اللغة الرسمية ليس فقط في المناطق التي ذكرتها أعلاه, بل في بقية المناطق الكوردية من محافظة نينوى التي ستعود رسمياً إلى الإقليم بعون الله, وأطالب بأن تكون الدراسة من الروضة إلى الجامعة والدراسات العليا بهذه اللغة - اللهجة. ويؤكد الأمير لجريدة التآخي ويصر قائلاً: رسالتي هي التي ذكرتها آنفاً, بأن الكرمانجية الشمالية, هي لغتنا القومية والدينية معاً, هي لغة الإزديين في مناطق سكناهم بمحافظتي نينوى ودهوك. ومن محافظة الحسكة إلى حلب وعفرين - في غرب كوردستان - ومن ويرانشهر إلى جبل جودي ومنطقة سرحد - في شمال كوردستان - ومن جمهورية أرمينيا إلى جورجيا وكازاخستان. وأخيراً يختم الأمير اللقاء الصحفي بكلام لا يصدر إلا من إنسان قومي كوردي حتى النخاع قائلاً: علاوة على كونها لغة معبد لالش الكبير وبقية الأماكن المقدسة لدينا. فالإزديون يعبدون الله بهذه اللغة ويخاطب بعضهم بعضاً بهذه اللغة, وهذا الدين مع هذه اللغة هما العاملان الأساسيان والحقيقيان وراء بقائنا وحمايتنا من الفناء.
تأكيداً على تصريحه السابق لجريدة التآخي, والذي سبق حديثه الغث الذي أدلى به في برنامج نقطة نظام عن إصالة الكورد الإزدية, أنقل نصاً من كتاب (فتوح البلدان) ل (احمد بن يحيى بن جابر البلاذري) المتوفي في بغداد سنة (892م) أي قبل (1122) سنة يصف فيه (فتح) الموصل على يد العرب المسلمين: ولى عمر بن الخطاب عتبة بن فرقد السلمي الموصل سنة عشرين, فقاتله أهل نينوى فأخذ حصنها وهو الشرقي عنوة, وعبر دجلة فصالحه أهل الحصن الآخر على الجزية. ثم فتح المرج وقراه, وأرض باهذرة وباعذرى والحنانة والمعلة ودامير وجميع معاقل الأكراد. لاحظ عزيزي القارئ أن باعذرى التي تحدث عنها البلاذري قبل أكثر من (1100) سنة كمدينة كوردية إلى اليوم سكنتها من الكورد الإزديين, وهي مسقط رأس الأمير (تحسين بيگ). إن كلام البلاذري يثبت بطريقة لا لبس فيها بأن هؤلاء الإزديون الذين لا زالوا في مدينة باعذري هم أحفاد أولائك الكورد الذين ذكرهم البلاذري في كتابه المشار إليه أعلاه. أدناه صورة لمقاتلين إزديين من القرن التاسع عشر وهم يرتدون زيهم الكوردي التقليدي.
عجبي من هذا الزمان ومن هذا الأمير السقيم الذي كان قبل عقدين يفتخر بأنه لا يجيد اللغة العربية, وأن لغته الأم هي الكوردية, يأتي اليوم ويقفز على صلاحيات المجلس الروحاني الإزدي والذي أقر سابقاً بأن الإزدية شريحة كوردية أصيلة , لكن الأمير دون أن يعود إلى المجلس وبطريقة فردية يغيير الانتماء القومي الكوردي لمئات الالاف من بني البشر الذين لا يجيدون غير اللغة الكوردية. نستسمح الأمير ونطرح عليه سؤالاً إستفهامياً, ياترى, لو لم يكن الإزديون كورداً, من علم الإزديين في جمهوريات أرمينيا وجورجيا وأوكرانيا وروسيا وكازاخستان اللغة الكوردية التي لا يجيدون غيرها؟؟, وهم يبعدون عن كوردستان آلاف الكيلو مترات. كيف يجرؤ الأمير وينتزع من هذه الشريحة الكريمة انتمائها القومي الكوردي الأصيل الذي حافظت عليه على مدى آلاف السنين؟ وهي تفتخر اليوم بين أبناء جلدتها الكورد, بأنها صانت وحافظت على اللغة والدين الكورديين الأصيلين. للأسف الشديد مثل هذا الكلام الارتجالي الذي يصدر من هنا وهناك من بعض أولياء الأمور يدمي القلب ويجرح الفؤاد, ويشجع الشراذم العتاة, مثل ذلك البعثي الهارب من وجه العدالة, المدعو وفيق السامرائي, أن يزعم من على القنوات الفضائية الرخيصة وبصوته النكر كصوت...؟ بأن الإزديين عرب. حقاً إن النبت السيئ لا يمكن أن يعطي ثماراً طيباً, لأنه ترعرعة على الرذيلة, ولا غرابة في ذلك حين نراه يعض اليد الكوردية التي امتدت إليه في أحلك الظروف و أحسنت إليه في أيام المحن وأنقذته من الهلاك المحتم. إن هذا العاق, بدأ هذه الأيام يعرض بضاعته الفاسدة علناً من على القنوات الفضائية الطائفية المقيتة, بعيداً عن الموضوعية وحقائق التاريخ, وأصبح يسطر المدائح والمآثر الكاذبة عن الطائفة الحاكمة في العراق, لكن الحق يجب أن يقال, بما أن سوق الكذب رائجة هذه الأيام في العراق, أنه تفوق بامتياز في مهنته الجديدة (روزخون) على أشهر مداحي الشيعة, لعل القيادات الشيعية الحاكمة في بغداد, تعفوا عنه وتسمح له بالعودة إلى بلد الخيال الهلوسي المزمن, بلد الألف ليلة وليلة, قد ينال شيئاً من الفرهود السائد في البلد على يد الحزب الحاكم حزب البعوة الشيعية.
أخيراً, أتمنى لأخواتي وإخوتي الكورد الإزديون أن تنقشع عن سماء ديارهم التي أخرجوا منها بغير حق هذه السحابة السوداء التي لبدتها, لكي يعودوا على أرضهم الطاهرة كما كانوا معززين مكرمين ويعيشوا تحت ظل قوات البيشمركة الباسلة بأمن وأمان ليؤدوا طقوسهم الدينية التوحيدية على ثرى معبد لالش المقدس, الذي لم تنطفئ ناره الأزلي منذ أن وجد, والذي حافظ على مدى تاريخه المضيء على نقائه وطهارته, كنقاء وطهارة قلوب بناته وأبنائه الغيارى صائنوا اللغة والدين والأرض الكوردية.
أتعلم أم أنت لا تعلم ... بأن جراح الضحايا فم ... فم ليس كالمدعي قولة ... وليس كآخر يسترحم ... يصيح على المدقعين الجياع ... أريقوا دماءكم تطعموا ... ويهتف بالنفر المهطعين ... أهينوا لئامكم تكرموا. (الجواهري)
[1]