إعداد/ دجوار أحمد آغا
رُغم أصوله الأرمنية إلا إنه عُرف واشتهر بأغانيه الكردية العريقة مثله كمثل سلفه العملاق كربيت خاجو، إنه الكبير آرام ديكران القامة الشامخة شموخ جبال هايستان وكردستان، الناجي من مذابح العثمانيين، يعود بجذوره إلى قرية اميد في منطقة صاصون حيث كان جده مختاراً لها ولكن بعد الفرمان العثماني بحق الأرمن والشعوب غير التركية الأخرى عام 1915 ومقتل جده التجأ والده (ديكران ساكوي ميليكيان) إلى منطقة فارقين حيث أخفاه أحد الآغوات الكرد وهناك تعرّف على زوجته “والدة آرام” التي بدورها كانت قد التجأت إلى تلك المنطقة هرباً من المجازر والإبادة العرقية التركية بحق الأرمن حيث تزوجا وهربا معاً إلى قامشلو في روج آفا “بن خت” (أي جنوب الخط والمقصود هنا خط القطار القادم من إسطنبول إلى الحجاز والذي أصبح الحدود التي تفصل ما بين باكور كردستان وروج آفا) عام 1928، حيث ولِد آرام فيها سنة 1934.
طفولته وبداياته الفنية
البيئة التي ولِد فيها آرام ديكران كانت مناسبة لولادة فنان عظيم حيث كان والده محباً للفن والغناء وعازفاً جيداً للناي وكان يشجع آرام على العزف والغناء. كما أن والدته مثلها كمثل معظم النساء الأرمنيات والكرديات لديها صوت شجي ونبرة حزينة على ما جرى بحق شعبها من ويلات ومجازر على يد الأتراك وأسلافهم العثمانيين.
يذكر المقربون من الفنان آرام ديكران أن أول عود أُهدي له كان من جانب عمه عندما كان في السادسة من عمره. في سن الخامسة عشرة أصبح آرام عازفاً للعود وبدأ بالمشاركة بالأعراس وتعلم الغناء والتلحين. كان والده من أكثر المشجعين والداعمين له فقد كتب له الكلمات ولحنها وكانت أولى الأغاني التي غناها آرام ثم تعلم العزف على آلة “الجمبش” التي ستصبح رفيقة دربه حتى آخر أيام حياته، والتي استرعت انتباهه واتجه إلى الاهتمام بها وتعلم طريقة عزفها.
أهم مراحل فنه وغنائه
برع ديكران في العزف على الجمبش حيث تفنن فيها وأضاف لها حاملة الورق وكانت ألحانه شجية نابعة من الإحساس الصادق والعميق من القلب، غنى بالكردية وأول ما غنى هي قصائد الشاعر الكبير جكرخوين (1903 1984) . تزوج في سنة 1957 من سيلفا وله منها ثلاثة أولاد (آكوب – سيفان وآيجيمك). انتقل بعدها في عام 1966 إلى جمهورية أرمينيا السوفيتية حيث استقر به المقام في مدينة أبوفيان التي تقع شمال شرق العاصمة يريفان. له أغنية مشهورة يتغنى فيها بجمال أرمينيا ويريفان وأبوفيان حيث يقول : “أتيت أتيت هايستان جميلة جداً أبوفيان جميلة جداً يريفان”.
في يريفان تعرّف على عمالقة الغناء والطرب الأصيل أمثال كربيت خاجو وسوسكا سمو وسيدا شامدين حيث عمل معهم في القسم الكردي من راديو يريفان. غنى لكبار الشعراء الكرد أمثال فقي تيران، جكرخوين، سيداي تيريج، سيداي كلش،… وغيرهم من أشهر أغنياته رائعة جكرخوين “شف جو” أي ذهب الليل حيث غناها بلحن رائع سنة 1965 ومن أغانيه المشهورة (أي ديلبري، سروك آبو، زماني كردي، بلبلُ، نورزه نورز،…. زماني كردي إلخ). صدر له 11 ألبوماً غنائياً بأغاني تجاوزت 120 أغنية له إلى جانب غنائه لأغاني فلكلورية وتراثية كردية وأرمنية وصلت إلى 300 أغنية.
الانتقال إلى أوروبا
سنة 1985 ترك أرمينيا متوجهاً إلى أوروبا بناءً على دعوات كثيرة ومُلحة من جانب الجاليات الكردية والأرمنية هناك على حدٍ سواء حيث شارك بفعالية كبيرة وزرع البسمة والتفاؤل في نفوس الجماهير التي كانت تحتشد في الحفلات والمهرجانات الثقافية التي أقامتها تلك الجاليات في العديد من الدول الأوروبية منها ألمانيا، بلجيكا، فرنسا، السويد، إيطاليا،… وغيرها. وبعد جولات ومسيرات غنائية وفنية رائعة متميزة استمرت لعقد من الزمن، استقر به المقام أخيراً في أثينا العاصمة اليونانية التي بقي فيها حتى آخر أيام حياته.
من أثينا ذهب إلى باطمان في باكور كردستان حيث شارك في إحياء نوروز 2008 ومن ثم في عام 2009 شارك في مهرجان آمد الثقافي الذي نظمته بلدية آمد وخلال هذا المهرجان تم تكريمه وبعد انتهائه قام بزيارة القرى والبلدات التي أقام فيها أجداده في مناطق صاصون وفارقين وآمد.
توقف القلب الكبير عن الخفقان
بعد عودته من آمد تعرّض قلبه الكبير لنوبة أسفرت عن توقفه عن الخفقان في الثامن من آب سنة 2009. لم تسمح السلطات التركية بدفنه في آمد بحجة أنه ليس من مواطني تركيا، وتم دفن جثمانه في بروكسل العاصمة البلجيكية بمراسم تليق بأحد عمالقة الفن والطرب الكردي الأصيل حيث شارك في المراسم إلى جانب العائلة الكثير من الشخصيات العامة الكردية والأرمنية.
إن رفض السلطات التركية لدفن العظيم آرام ديكران في آمد بحسب وصيته إنما ينبع من فكر شوفيني عنصري وغير إنساني حيث تسعى بذلك لقطع الطريق أمام حدوث زيارات في المستقبل للضريح بحيث يصبح مزار وملتقى للشخصيات الكردية والأرمنية والسريانية واليونانية وحتى من مختلف دول العالم التي أحبت فن وغناء آرام ديكران
يقول القائد أوجلان بصدد ظاهرة آرام ديكران في برنامج تلفزيوني سنة 1995: “كنت في زيارة لمنزل أحد رفاقي في سري كانيه وسمعت في ذاك المنزل صوت غنائي، طبعاً لم أكن أعرف لمن هذا الصوت، علمت فيما بعد بأن هذا الصوت هو للمعلم الكبير آرام ديكران، دخل قلبي هذا الصوت وقلت هذا الصوت يجب أن لا يموت”.[1]