عنوان الكتاب: المشكلة الكردية من سياسات التهجير التركيّة إلى السياسات الإثنيّة الفرنسيّة، وصولاً إلى المشروع الأمريكيّ الصهيونيّ التقسيميّ
اسم الكاتب(ة): د. منير الحمش
مكان الأصدار: سورية - دمشق
مؤسسة النشر: مركزدمشق لألبحاث والدراسات ِمداد
تأريخ الأصدار:2019
كان ولا يزال من أهم أهداف الحرب في سورية وعليها، إضعاف الدولة، وإثارة الفوضى، وتغذية النزعات ما قبل الوطنية (الإثنية والطائفية والمذهبية والعشائرية والعائلية)، وبالتالي منع قيام دولة وطنية ذات سيادة وقوية.
وقد استُخدم المشروع الأمريكي (بأبعاده الصهيونية والأوروبية والخليجية) لتنفيذ استراتيجيته الإمبريالية التي يمكن تلخيصها ب:
•القضاء على الدولة السورية، ككيان ودولة وشعب، أو على الأقل إضعافها في مواجهة متطلبات وأهداف المشروع الأمريكي–الصهيوني.
•إنهاء دور الدولة السورية، كدولة مقاومة، مساندة لحقوق الشعب الفلسطيني، وإلغاء الحقوق السورية في الجولان، والقضاء على سيادتها.
•ويأتي ذلك في إطار سياسة أمريكية–أوروبية–صهيونية، هدفها الثابت والمستمر محاربة القومية العربية، والوقوف في وجه الدول العربية التي ترفع شعاراتها، ومنع قيام اقتصاد قوي وجيش قوي، وشعب موحّدٍ وقويٍّ.
•مواجهة التوسع في نفوذ إيران، والحدّ من وجودها. بل العمل على إنهاء الوجود العسكري لإيران وحزب الله.
•استنزاف روسيا، والحيلولة دون تمددها نحو المياه الدافئة –والهدفان الاخيران يتعلقان بأهداف السياسة الأمريكية الإقليمية والدولية، بخاصّة بعد أن أصبحت إيران قوة يحسب حسابها في المنطقة والعالم، وبعد أن تصاعد الدور الروسي على الصعيد العالمي، وبدأ يأخذ مكانه الطبيعي كقوة عالمية ذات قيمة.
وتمثلت الاستراتيجية الأمريكية، خلال (الأزمة/الحرب) السورية في مسارين:
الأول: العمل على أساس ما صنعته مَن تسمّى (المعارضة المعتدلة) وتزويدها بالدعم السياسي والدبلوماسي غير المسبوق، فضلاً عن الدعم المادي والعسكري.
الثاني: التدخل العسكري المباشر، الذي تدرج من القصف الجويّ إلى التدخل البريّ المباشر بدعم الفصائل الإرهابية (بالمستشارين) العسكريين الأمريكان، وصولاً إلى التزويد المباشر، والتبني العلني لفصيل تم تصنيعه تحت اسم قوات سوريا الديمقراطية المشكّلة أساساً من قوات كردية مدعومة ببعض الأفراد من العشائر العربية، لإعطاء هذه القوات الصفة التي يحتاجها المشروع ولا يمكن أن تخفي أغراضه الحقيقية.
هذا، ومع الدعم الأمريكي الجوي الذي قدم للإرهابيين (بخاصة داعش)، ذلك باستهداف القوات العربية السورية الحكومية، ومع طرح الأكراد لمشروعهم (الفيدرالي) بدأت تنكشف النوايا الحقيقية للمشروع الأمريكي التقسيمي الذي تعمل الولايات المتحدة على تحقيقه شرق سورية، ليكمل المشروع التقسيمي التخريبي الذي بدأته فصائل الإرهاب ويستهدف كامل الأراضي السورية.
هذا، ومع التقدم الذي يحرزه الجيش العربي السوري، مدعوماً بالقوات الرديفة والصديقة، وبالدعم السياسي الذي تقدمه دولٌ عديدة صديقة وحليفة، ومع الهزائم المتلاحقة للتنظيم الإرهابي الأقوى داعش ولفصائل القاعدة الأخرى، فإن المشروع الأمريكي التقسيمي يلاقي العقبات والصعوبات التي يأتي في مقدمتها إصرار الشعب السوري على الوقوف في وجه هذا المشروع والتمسك بوحدة سورية، شعباً وجيشاً وأرضاً. هذا، فضلاً عن استمرار دعم الأصدقاء (لا سيما روسيا وإيران)، سياسياً ودبلوماسياً ومعنوياً. إضافة إلى تقديم العون المادي الذي يساعد على صمود الشعب والجيش.
لكن هل هذا يعني وضع نهاية للمشروع الأمريكي التقسيمي؟!
أبداً، لا تزال قوات سوريا الديمقراطية تعمل شرق الفرات بدعم أمريكي مباشر، وبتوجيهات ورعاية العسكريين الأمريكان، ولا تزال جيوش بعض الدول الأوروبية، بخاصّة فرنسا، تندفق إلى شمال وشرق سورية، ولا يزال الحل السياسي بعيد المنال، نتيجة المواقف الأمريكية والأوروبية والخليجية، ولا يزال سيف الإرهاب مشرعاً في وجه التقدم نحو الأمن والاستقرار.
ومنذ بداية الأحداث (آذار/مارس 2011) بدا واضحاً الدور التركي، في إشعال نار الفتنة، وإشاعة الفوضى والاضطراب تحت أوهام العثمانية الجديدة، وكان واضحاً أيضاً، كيف استخدم هذا الدّور من أجل دعم (المعارضات السورية) وتمرير الإرهابيين والأسلحة إلى الفصائل الإرهابية. وقد تدرج الدور التركي حتى وصل إلى التدخل العسكري الرسميّ المباشر في شمال سورية بحجة مقاومة وإفشال المشروع الكردي المدعوم أمريكياً الذي يهدد أمنها، وكان على الولايات المتحدة أن تجد الوسيلة للتوفيق بين حليفيها، والجمع بين تركيا (الأطلسية) والأكراد بتوجهاتهم الانفصالية، ولا أعتقد أن ذلك سيكون أمراً مستحيلاً، إلا إذا تم على حساب المشروع الكرديّ، وربما هذا سيكون درساً جديداً لهؤلاء.
إننا نشهد، في هذه المرحلة، إرهاصات التحول من نظام القطبية الواحدة إلى نظام آخر، قد يكون متعدّد الأقطاب، وقد تكون الفوضى التي طالما تمناها وعمل لها الأمريكي والصهيوني والإرهابي على حد سواء. وليس دليلاً على ذلك، سوى استمرار حالة الاستعصاء في النظام العالمي بسبب تعنُّت الولايات المتحدة، وحالة الإنكار التي تمر بها الولايات المتحدة، تلك الحالة التي تكرست مع (ترامب) بقرارات وتوجهات طائشة وغير عقلانية، توحي بالإحباط وعدم الثقة بالمستقبل. الأمر الذي انعكس على الفصائل المسلحة، وما تسمّى (المعارضة المعتدلة) بمواقف التعنت والعناد والمضي في مشروع التدمير الممنهج للوطن السوري، والحيلولة دون الوصول إلى الحلّ السياسيّ الذي يضمن العبور من (الأزمة/الحرب) إلى دولة العدالة والتنمية والمشاركة الشعبية، الدولة المدنية التي تكفل ممارسة المواطن السوري لإنسانيته ومواطنيته بإقامة مجتمع العدالة والمساواة والتكافؤ.
في هذه الأجواء تبرز (المشكلة الكرديّة)، كواحدة من المشكلات التي تعترض طريق وحدة الدولة والشعب والأرض. تلك المشكلة التي تستخدمها الولايات المتحدة الآن، لإعاقة المشروع الوطني للدولة والشعب السوري، ولاستمرار حالة الفوضى والاضطراب وعدم الاستقرار، ولزرع الفتن بين صفوف الشعب الواحد، مستغلة (طموحات) ومطامع بعض القيادات الكردية، من جهة وجهل قطاع واسع من الأكراد بحقيقة ما يجري وخطورة ذلك الذي يجري، على سورية بوجه عام، وعلى الأكراد بوجه خاص. وهذه ليست المرة الأولى التي يقع فيها بعض زعماء الأكراد في الفخ، فقد اعتادوا، كما يبدو، أن يكونوا ضحايا لأهداف الآخرين، وأن يبقوا بمثابة (بندقية للإيجار) تحت وهم تحقيق أمانيهم القومية.
لهذا أجد من الضروري، أن نشخص (المشكلة الكردية) كما هي، من حيث النشأة والأهداف والمصير، قبل الحديث عن المشروع الكردي ذاته.[1]