الكورد في منطقة الباب (الجغرافيا – عدد السكان – الواقع السياسي) 2
علي مسلم
يعيش الكورد في المناطق المحيطة بمدينة حلب ( الباب – اعزاز- السفيرة – جبل سمعان ) في تجمعات قوامها قرى ومزارع متداخلة تمتد من جهة الجنوب الشرقي لمدينة حلب في تجمع قرى تل عرن وتل حاصل والتي تضم أيضاً قرى تل علم و تل بلاط وكبار (منطقة السفيرة ) , وتمتد مناطق تواجدهم نحو الشمال لمسافة تمتد الى نحو أكثر من 50 كم حتى ناحية جوبان بيك ( الراعي ) على الحدود التركية , مروراً بمركز مدينة الباب التي ما زال يعيش فيها بعض العوائل الكردية العريقة مثل عوائل الشرقات وفرحات وبعض العائلات الاخرى , والتي تجاوزت أصولها الكردية مع الزمن نتيجة طغيان وسيادة اللغة العربية كلغة رسمية للدولة , وانقطاع اواصر القربى والتواصل بينهم وبين اقرانهم في الجانب التركي من الحدود , ويمكن ذكر البعض من العوائل في هذا السياق مثل( عائلة خللو وعائلة العابو وعائلة الكرز وعائلة باكير وعثمان ومللوك وعوائل عديدة أخرى ) , وكذلك القرى والتجمعات المحاذية للحدود التركية شرق مدينة الراعي باتجاه جرابلس حيث تجمع قرى شاوا الكردية (5 قرى تشترك في هذا الاسم ) بالإضافة الى قرية باب الحجر والسنكلي والزلف ( قرى مشتركة ) والايوبية والمازجي وبعض العوائل في قرية تل عيشة وجبين وهضبات وعياشة والخليلية وعوائل متناثرة في أغلب القرى التركمانية على الحدود باتجاه منطقة جرابلس , وغرباً باتجاه مدينة أعزاز مروراً ببلدة دوديان ومجموعة القرى التابعة لها مثل قرية الكمالية وين يابان ومريغل والجكة وبغيدين وقره مزرعة وقره كوبري ( مشتركة ) وبعض العوائل في قرية حوار كلس وقرية بريغيته وقرية راعل ودلحة وحرجلة وكفر غان , حيث لا توجد قرية واحدة في تلك المناطق الا وفيها مجموعة من العوائل الكردية المتعايشة في وئام وانسجام مع الآخرين , والى الجنوب من بلدة دوديان نرى القرى التالية شويرين – بحورته – كدريش – قره كوز – تل شعير , أما في الشمال والشمال الغربي من مدينة الباب نرى تجمع قرى بلدة قباسين (باشكوي قبل التعريب ) والتي تضم قرى الكندرلية – عرب ويران – برشاية – بوغاز – ترحين – مصيبين – زمكة وبعض الامتدادات العشائرية في قرى قديران وعولان ( مشتركة ) , يلي ذلك غرباً تجمع قرى سوسنباط والتي تشمل القرى التالية قبة شيح – تل جرجي – شبيران – دولب – مزرعة نعسو الحولي – الحليمية – الحدث , وعلى امتداد ذلك غرباً نرى تجمع قرى شدود والتي تضم نعمان – دوير الهوى – ثلثانة – ثلاثينة – جب العاص – عبلة – الباروزة ( قرية مشتركة سكانها من الكرد والعرب ) ومن الشمال منها تجمع قرى قعركلبين والتي تضم تل بطال شرقي – بليخة – الكعيبة – مزرعة الواش – البرج – الشيخ جراح – مزرعة كيسما .
أما غرباً ( جنوب شرقي مدينة اعزاز) نرى تجمع قرى تل جيجان والتي تضم قرى طعانة – الجوبة – تليل العنب – المشرفة – اكسار – طويس – البيرة ومن الشرق منها تجمع قرى النيربية والتي تضم الى جانب قرية النيربية القرى التالية مزرعة شعالة – الشيخ كيف – تل رحال ( مشتركة ) – الحسامية ( مشتركة )
وأخيراً التجمع الاكبر والتي جرى تسميتها بتجمع قرى قول سروج (بالقرب من سد الشهباء التجميعي على ضفاف نهر قويق شمال مدينة حلب 20 كم ) والتي تضم الى جانب قرية قول سروج الكبيرة القرى التالية ( السموقة – مزرعة السموقة الشمالية – مزرعة السموقة الغربية – تل موسى – الجبيلة – قراج شرقي – قراج غربي – حساجك – الوردية – قرامل (مشتركة )– الغوز – ام حوش ” مشتركة ” – تل مالد – احرص )
كما ان هناك تجمعات كبيرة تابعة لمنطقة جبل سمعان مثل قرية كفر صغير وجزء كبير من قرية المسلمية (مشتركة ) وقرية فافين وقرية بابنس (مشتركة ) وتل شعير وحليصة ( مشتركة ) على محيط مدرسة المشاة ومعسكر التدريب الجامعي , وفي جهة الغرب منها قرى ذات أصول كردية مثل قرية سيفات – باشكوي – حيان – حندرات ( الحي الشمالي ) , وكذلك في جهة الشرق من قرية كفر صغير هناك عائلات كردية عديدة تسكن في قرى الشيخ نجار – الشيخ زيات .
ومن الجدير ذكره أنه جرى تمازج واختلاط بين سكان بعض القرى والتجمعات المتجاورة والمتداخلة في تلك المناطق (خصوصاً بالقرب من مدينة حلب ) , وذلك بسبب تبعات الحروب التاريخية الطويلة والهجرات الكيفية منها والقسرية والتي حدثت عبر التاريخ الغابر , وقد نرى عوائل عديدة كردية تسكن قرية سكانها عرب أو تركمان أو بالعكس من ذلك نرى عوائل عربية أو تركمانية سكنت قرى سكانها أكراد وقد ساهم ذلك الاختلاط القسري في شطب والغاء الخصوصية الكردية عن العديد من العوائل والقرى باعتبارها الطرف الاضعف في المعادلة السياسية بالمقارنة مع العرب والتركمان هذا من جهة , ومن جهة أخرى سيادة العنصر العربي سياسياً على مقدرات البلد وفرض التعليم باللغة العربية الى جانب فرض الهوية السياسية العربية خصوصا في مرحلة البعث الشوفيني , يضاف الى ذلك أن الكورد في بعض المناطق ونتيجة قلة عددهم وعدم وجود جهة سياسية تحميهم أو تمثلهم كانوا مضطرين بحكم الواقع الى حجب اصولهم الكردية لتحاشي المظالم التي كانت ستلحق بهم ( وقد اشار الى هذا الموضوع الكاتب الكردي علي سيدو كوراني في كتابه من عمان الى العمادية حيث أشار الى أن الكرد في بعض المناطق لجأوا الى تغيير لباسهم بغية التخلص من البطش الذي سيلحق بهم من قبل الاتراك سابقاٌ وبعض القبائل العربية لاحقاً واقتصر ذلك على لباس الرجال حيث استبدلوا لباسهم التقليدي بالقمباز والعقال والجمدانة بينما بقيت المرأة الكردية محافظة على طبيعة لباسها التقليدي وسنأتي الى ذكرها لاحقاً في فقرة خاصة , وهذا ما أثر تأثيراً سلبياً بالغاً وأدى الى طمس المعالم القومية الكردية الخاصة في العديد من البلدان والقرى في شمال حلب تحديداً , حيث نرى قرى ومواقع ومآثر تاريخية بمسميات كردية لكن سكانها ينفون الاصول الكردية عنهم لأسباب ربما تكون سياسية أو نتيجة الجهل الارادي , وعلى سبيل المثال لا الحصر هناك قرية اسمها جب البرازية تابعة لمنطقة الباب يدعي سكانها انهم عرب , وكذلك قرية البيرقدار وقرية الكريدية و الكاوكلي والعديد من القرى والمسميات الاخرى التي بقيت كمسميات بالرغم من فرض سياسة التعريب التي طالت اسماء القرى والتجمعات الى جانب منع استخدام اللغة الكردية .
حجب الاصول والنسب ( الجهل الارادي ) :
بعد استحواذ البعث السياسي على مقاليد الحكم في سوريا , عمد كما في باقي المناطق , الى تفضيل العنصر العربي على باقي المكونات من جهة تعينهم في الوظائف وتبوء المناصب في دوائر ومؤسسات الدولة , وكان يتم استبعاد أبناء القومية الكردية بشكل خاص بحجة خطرهم على أمن الدولة وارتباطهم بجهات معادية , في صورة إجراء سياسي منهجي طويل الامد , يحقق من خلال ذلك طمس ما يمكن من معالم خاصة لمجموعات قومية عريقة سكنت المنطقة منذ آلاف السنين وساهمت في بنائها والدفاع عنها , وتحقيق تجانس قومي عروبي زائف في الشمال السوري , وقد نجحت هذه السياسة العنصرية في بعض المواقع والمناطق الكردية خصوصاً في مراكز المدن والتجمعات الكبيرة والمواقع القريبة منها , كما جرى في مدينة حلب , ومراكز مناطق الباب واعزاز , حيث نرى عائلات كردية عريقة قد حجبت اصولها القومية , وباتت تبحث عن ذرائع وحجج بغية التخلص من هذا الارث الثقيل , وذلك لغايات وقتية انانية من أجل الحصول على بعض الوظائف لأبنائها أو بعض المقاعد في البرلمان السوري , وهذا ما تم بالفعل ضمن عائلة كللو وعائلة كنو وعائلة حنو وعائلات أخرى في اعزاز وكذلك بعض العائلات الكردية العريقة في مركز منطقة الباب مثل عوائل عابو وعثمان والكرز وعائلة خللو والنعساني وغيرهم , حيث لم يتوقف الامرعند حد نكرانهم لأصولهم القومية فقط , بل شاركوا في محاربة ذلك عملياً , وتقديم ما أمكن من معلومات عنهم لإلحاق الضرر بهم .
عدد السكان :
في الواقع لا يوجد احصاء سكاني دقيق يتم اعتماده في هذا الجانب حتى الآن , وقد حاول بعض النشطاء من حزب آزادي الكردي في سوريا ( قبل دمجه في الحزب الديموقراطي الكردستاني – سوريا ) ابان مرحلة الثورة عام 2011 بإجراء احصاء سكاني عبر الوسائل المحلية المتاحة , وذلك بالاعتماد على سجلات قيد النفوس المدني في بعض المواقع , والاعتماد على سؤال الوجهاء والهيئات الاختيارية وبناء على ذلك تم تقدير العدد بحوالي 400 الف نسمة , بما في ذلك مئات العوائل التي ما زالت تسكن أطراف مدينة حلب في الشعار والحيدرية وطريق الباب والصاخور ومساكن هنانو والقاطرجي والميسر بالإضافة الى احياء عديدة اخرى وهذا العدد موزع على الشكل التالي :
1- فئة تتكلم اللغة الكردية وتعلن صراحة انتمائها للقومية الكردية وتقدر ب 200 الف نسمة موزعين على الطرف الشمالي من مدينة حلب حتى الحدود التركية .
2- فئة تتكلم باللغة العربية وتعلن انتمائها للقومية الكردية ( بالقرب من سد الشهباء ) وتقدر ب50 الف نسمة .
3- فئة تتكلم اللغة التركية وتعتز بانتمائها للقومية الكردية ( ناحية الراعي وبلدة دوديان ) وتقدر ب 50 الف نسمة .
4- وهناك فئة تجاوزت أصولها ونسيت لغتها الكردية وينكرون الى جانب ذلك أصولهم الكردية بالرغم من وجود قرائن مادية تثبت ذلك وتقدر بحوالي 100 الف نسمة .
النشاط السياسي :
من الواضح أن أبناء هذه المناطق بقوا بعيدين نسبياً عن الاجواء السياسية التي كانت سائدة في المناطق الاخرى من محافظة حلب بسبب العزلة الجغرافية المفروضة عليهم من جهة , وطغيان البيئة العشائرية من جهة أخرى , حيث تم محاربة العلم لفترات ليست ببعيدة , ويذكر في هذا السياق انه خلال خمسينيات القرن الفائت جرى محاولة بناء مدرسة نموذجية في قرية شدود على غرار مدارس تم بنائها في سوسنباط والباروزة ودوديان وقرى أخرى , على اعتبار انها تنطوي على تجمع بشري كبير لكن السيد مالو المسلم الذي كان وجيهاً بارزاً من وجهاء القرية , قام بمنع بناء تلك المدرسة بحجة أن المتعلمين لا يمكن السيطرة عليهم , وهم كفرة وملحدين , وبقي التعليم في تلك الفترات مقتصرأ بشكل كبير على ابناء الأغنياء والميسورين , ناهيك عن أن طابع التعليم كان دينياً ومقتصراً على تعاليم تلاوة القرآن الى جانب تعليم المبادئ الاولية للأبجدية العربية .
ذكر لي بعض المعمرين من أهالي قرية شدود ( الحاج عربو سعيد الحاج احمد ) أنه يتذكر وهو يافع خلال السنوات التي رافقت ثورة الشيخ سعيد بيران عام 1925 أن هناك مطبوعات بسيطة كانت تصلنا من هناك عبر اشخاص من كرد تركيا , وكانت تلك المطبوعات تنقل لنا بعض أخبار الثورة وتدعو الأكراد للانضمام اليها وتقديم المساعدة الممكنة لها , حدث هذا قبل وفاته منذ عدة سنوات , ومع بداية تشكيل جمعية خويبون عام 1927 انظم اليها بعض الشخصيات الكردية من هذه المناطق , أذكر منهم احمد الحاج علي من قرية قبة الشيح (لا أذكر تاريخ انضمامه ) حيث كان على تواصل مباشر مع السيد جلادت بدرخان وكان ينقل أخبارها ونشاطاتها الى العامة عبر شبكة من العلاقة مع الوجهاء من العشائر والمتنورين , وقد عثرت على مجموعة كبيرة من المجلات والجرائد المتعلقة بخوبيون يعود تاريخ اصدار بعضها الى عام 1944 وما قبل باللغة الكردية في مكتبته المتواضعة بمنزله في القرية .
بدايات اليقظة والانفتاح على الاحزاب السياسية :
بعد توقيع اتفاقية الحكم الذاتي بين قيادة الثورة الكردية في كوردستان العراق بقيادة الملا مصطفى البرزاني , وبين الحكومة العراقية بقيادة احمد حسن البكر عام 1970, وانتشار صداها وأخبارها في جميع مناطق التواجد الكردي في سوريا , بادر مجموعة من الشباب الكردي من قرى المناطق المذكورة , بالتعاون مع بعض طلاب المرحلة الثانوية من منطقة كوباني , والذين كانوا يتلقون التعليم سوياً في ثانوية البحتري بمدينة الباب , بادروا لبناء خلايا وهيئات حزبية تابعة للحزب الديموقراطي الكردي في سوريا في أغلب القرى والتجمعات الكردية ( بالأخص في قباسين – نعمان – شدود – تل جرجي – قعركلبين – النيربية – قبة الشيح ) بالرغم من المضايقات والملاحقات الامنية التي رافقت ذلك , وقد انتشر اسم الملا مصطفى البرزاني قائد الثورة الكردية بسرعة بين العامة كسرعة انتشار النار في الهشيم , وقد رافق ذلك حسبما أذكر إقامة العديد من الندوات والمهرجانات الحزبية المحدودة في البيوت والمزارع , واستمر ذلك النشاط بالتزايد والانتشار حتى سنة 1975 وتوقيع الاتفاقية المشؤومة بين شاه ايران المقبور وبين نظام البعث بقيادة احمد حسن البكر , حيث تم عبر ذلك تخلي شاه ايران عن دعم الثورة الكردية بقيادة البرزاني , مقابل تنازل العراق له عن جرز الطمب الصغرى والطمب الكبرى وجزء من الاهواز , وقد انعكس ذلك سلباً على مستقبل العمل السياسي في هذه المناطق نتيجة انقطاع التنظيمات المحلية عن الجسم الحقيقي للحزب , وحصلت الانتكاسة التي أثرت سلباً على الجوانب المعنوية للناس , وانحسر دور الحزب رويداً رويداً نتيجة تقاعس القيادة حتى وصل الى مرحلة التلاشي التام بعد عام 1975 , بالتزامن مع ذلك بدأ ظهور نشاط ملحوظ للحزب الشيوعي السوري ( بكداش ) خلال هذه الفترة خصوصاً في بعض القرى الكردية , مثل قباسين وقبة الشيح وسوسنباط وشدود ونعمان , الى جانب بعض القرى العربية المجاورة بما فيها مركز مدينة الباب , وذلك نتيجة انضمام الحزب الشيوعي للجبهة الوطنية التقدمية والتحالف مع حزب البعث قائد الثورة والمجتمع , ورفع الغطاء السري والملاحقة عنه , وكون الحزب الشيوعي السوري لم يستطع مواكبة الاحداث نتيجة تبنيه للشعارات فوق القومية , وعدم قدرته على حل المسائل الخاصة بتهميش المناطق والتجمعات الكردية وحرمانها من الخدمات العامة , وعدم قدرته على مواجهة حزب البعث وأجهزته الامنية في العديد من القضايا كقضية قرية ترحين , وما جرى من تجاوزات قومية في بلدة قباسين , تقلص دوره سريعاً وخرج من دائرة الفعالية والتأثير , كما يجدر بالذكر أنه كان هناك نشاط واضح لحزب الاتحاد الاشتراكي العربي الناصري والذي نشط ابان مرحلة الوحدة بين مصر وسورية في اواسط خمسينيات القرن الماضي , وقد انضم اليه العديد من الشخصيات الكردية المعروفة مثل محمد حيدر من قرية الغوز وغيره , والذي فاز باسم الحزب المذكور في انتخابات الادارة المحلية , وشغل منصب عضو مجلس محافظة حلب عن أكراد منطقة اعزاز , وقد اصيب الحزب المذكور بنكسة أيضا بعد حدوث الانفصال بين مصر وسورية عام 1961 مما أدى الى تلاشي حاضنته الشعبية في تلك المناطق نهائياً .
دور حزب الاتحاد الشعبي الكردي (آزادي لاحقاً ) :
نتيجة الاقبال الشديد على التعليم وانتساب ابناء تلك المناطق للجامعات والمعاهد العليا في المدن الكبيرة كمدينة حلب ودمشق واللاذقية وحمص , اسوة بالمناطق الاخرى , وانفتاحهم على القوى والاحزاب السياسية الكردية التي كانت تعمل بنشاط بين صفوف الطلبة الكرد من المناطق الاخرى , ولا سيما منطقة عفرين وبعض المناطق في الجزيرة السورية , فقد انخرط رعيل من الشباب إلى صفوف حزب الاتحاد الشعبي الكردي في سوريا مع بداية ثمانينيات القرن الماضي , هذا الحزب الذي كان يستند في نضاله القومي التحرري على بعض النصوص النظرية من الماركسية – اللينينية المتعلقة بالمسألة القومية وربطها جدلياً بالقضايا الوطنية العامة , واسقاط ذلك على الواقع الكردي كحركة تحرر قومية , وهذا ما ميزه كحزب من بين بقية الاحزاب الكردية , وساهم في استقطاب الشباب الواعي والمتنور بشكل ملفت , وتحول الحزب في ظرف سنوات الى ظاهرة سياسية ملفتة للنظر هناك , سيما بعد خوضه لأول تجربة جماهيرية مباشرة حين تقدم الحزب بمرشح لخوض غمار الانتخابات المحلية لمجلس محافظة حلب عن دائرة منطقة الباب الانتخابية في الريف عام 1991 , وفاز بها بنسبة أقلقت الجهات الرسمية الامنية منها والسياسية المتمثلة بالشعبة الحزبية المحلية في مركز المنطقة وفرع حزب البعث في حلب وباقي الجهات الامنية ذات الصلة , هذا وقد لعب ذلك دوراً ايجابياً لافتاً , يضاف الى التزامه بقضايا الجماهير الحياتية , والوقوف إلى جانبها والدفاع عنها , وساهم بشكل فاعل في تنشيط العملية التعليمية , وتشجيع المرأة الكردية للسير نحو مكامن المعرفة والتعليم بثقة , كما أن حزب الاتحاد الشعبي الكردي ساهم بشكل فاعل في نشر التعليم باللغة الكردية بين الشباب والمثقفين , ونشر الثقافة الكردية بين القرويين عبر القيام بندوات ثقافية واجتماعية وسياسية , بالرغم من ظروف الممانعة والملاحقة , كما أنه ساهم عبر نشطائه المحليين في دعوة الجماهير الكردية للاحتفال بالعيد القومي نوروز , وتحول ذلك الى ظاهرة عامة استقطبت الجميع بما فيهم العرب وغيرهم , ومن أبرز نشاطات الحزب في تلك المرحلة القيام بحملة تبرعات واسعة لمساعدة الكرد في كردستان العراق ابان الهجرة المليونية عام 1990 .
دور العيد القومي نوروز في انماء الوعي القومي الكردي :
يحتفل الشعب الكردي في الحادي والعشرين من اذار في كل عام بالعيد القومي الكردي نوروز , وهي مناسبة قومية عزيزة يخرج فيها الكرد الى الطبيعة مع تباشير الربيع , يقضون نهارهم في أحضان الطبيعة مصطحبين معهم ما لذ وطاب من مأكل ومشرب , وقد بدأ الاحتفال بهذا العيد في هذه المناطق بشكل مبدئي مع بداية السبعينيات من القرن الماضي , حيث كان الاحتفال مقتصراً في البداية على اشعال النيران في ليلة يوم ال21 من اذار في الاماكن العالية البعيدة عن اماكن السكن في بعض القرى كتعبير عن الحرية والخلاص , وتحولت خلال ما يقرب العشر سنوات الى ظاهرة شعبية ملفتة للنظر اشترك فيها الجميع , وكان لهذا اليوم وهذه المناسبة الدور المهم في تعريف كرد المنطقة بقضيتهم القومية وذلك من خلال الندوات الجماهيرية التي كان يقوم بها النشطاء المحليين , وكذلك الاجتماعات العامة التي كانت ترافق تلك الاحتفالات , وهذا ما دعت السلطات المحلية إلى محاولة قمعها لاحقاً عبر الشرطة المحلية في بادئ الامر , لكن تلك الاجراءات لم تجدي نفعاً مما أقتضى لاحقاً الاستنجاد بالقوات الامنية وقوات الجيش في حلب , حيث وصل الامر الى اعلان منع التجول في اليوم الذي يسبق يوم العيد , وكانت تلك المناطق تتحول جراء ذلك الى مناطق طوارئ , وتقام الحواجز الامنية على مفارق الطرق وبالقرب من القرى والتجمعات الكبيرة , ولم تكن تلك الاجراءات ذات فائدة بل على العكس كانت تثير القرويين الكرد أكثر وتزيد من اصرارهم , حيث كانوا يعدون لها العدة قبل أيام عديدة , ولطالما كان العديد من الشبان يتعرضون للاعتقال والملاحقة بسبب ذلك , وكانت تحدث مشاجرات عديدة يرافقها عادة اطلاق نار في الهواء دون جدوى .
اللغة :
بالرغم من سياسة التهميش والانكار وفرض الحصار على اللغة الكردية , الا أنها استطاعت الحفاظ على نقائها في غالبية القرى والتجمعات الكردية , وبقي التعامل وفقها في الوسط الشعبي الكردي حتى الان , وقد ساهمت القصص والملاحم الادبية الكردية دوراً متميزاً في تناقلها والحفاظ عليها , بالرغم من تسرب بعض المفردات من اللغة العربية اليها خصوصاً بعد سيادة وانتشار التعليم باللغة العربية , كما أن هناك قرى عديدة بحكم الموقع الجغرافي قد تجاوزت اللغة الكردية خصوصاً الاجيال التي رافقت سطوة البعث على المقدرات في سوريا كما الحال في القرى المحيطة بسد الشهباء مثل قول سروج والسموقة والغوز وتل المضيق , الى جانب استخدام بعض القرى المتاخمة للحدود التركية اللغة التركية بدل اللغة الكردية خصوصاً القرى التابعة لناحية الراعي ودوديان وبعض القرى الحدودية الاخرى .
[1]