الصراع الدامي..
نزيف دموي وخراب لا حدود له ذلك الذي يطبع الصراع الذي لايبدو ان ثمة نهاية قريبة له بين حكومة اردوغان وجيشه وبين كرد تركيا وخاصة ضد عناصر بي كا كا او #حزب العمال الكردستاني# التركي.
لا يكاد يمر يوم الا وتحمل وسائل الاعلام الرسمية التركية خبر ما يسمى تحييد عناصر بي كاكا ، لكن التحييد مستمر وطوابير الموت لا تنقطع.
تتداخل حيثيات هذا الصراع وتتشعب ما بين نزعة شعبوية قومية طبعت العقل الجمعي التركي زمنا طويلا منذ الدولة العثمانية وصعودا الى تأسيس الدولة التركية الحديثة ووصولا الى اردوغان الذي يريد تمثل هذا كله مجتمعا ولهذا صارت قضية صراعه مع المسلحين الكرد حربا لا هوادة فيها.
الرئيس التركي ما انفك يطرز خطاباته بنزعة ثأرية ضد من يسميهم عناصر ارهابية وتخريبية تريد تدمير تركيا وبذلك أجج في الشعب التركي غريزة عدوانية ما انفكت تتفاقم وتزداد احتقانا.
خسر الشعب التركي خسارات باهضة منذ اشتعال هذا الصراع الدامي الذي اشتعل في العام 1984 حيث تشير الاحصاءات الى خسائر بشرية من تتراوح بين 40 الف إلى 50 ألف قتيل من عناصر الجيش التركي، إضافة إلى نحو 10 آلاف قتيل من عناصر الشرطة التركية، إضافة إلى سقوط بين 10و 15 الف قتيل من المدنيين، في حين بلغ عدد قتلى حزب العمال الكردستاني نحو 15 ألف مسلح.
اما على صعيد الخسائر المادية فقد بلغت جملة الخسائر المباشرة في مجال البنى التحتية نحو 200 مليار دولار أمريكي وبحسب التقديرات التقليدية المتعلقة بخسائر النزاعات؛ فإن حجم الخسائر غير المباشرة يعادل في معظم الأحوال 3 أضعاف حجم الخسائر المباشرة.
يزيد عدد كرد تركيا، على 16 مليون نسمة، أي 20% من سكان البلاد، والمحافظات ذات الغالبيّة الكرديّة، تقع في شرق وجنوب شرق تركيا ويطلق عليها الكرد اسم كردستان تركيا، او كردستان الشماليّة، اعتماداً على ان اتفاقيّة سايكس – بيكو، قسّمت كردستان الى أربعة أجزاء.
المحافظات التركيّة ذات الغالبيّة الكرديّة هي: أرزنجان، أرضروم، قارص، ملاطية، تونجَلي،ألازغ ، جَولك (بينغول)، موش، آغري، باطمان آدييَمان، ديار بكر ، سيرت، بدليس، وان، أورفا، عنتاب، مرعش، ماردين، جولامريك، (هكّاري)، شرناخ.
كما يوجد عدد كبير من الكرد في محافظات سيواس، أنقرة، قونية كايسري، أزمير، ميرسين، اسكندرون. في حين يقدّر عدد القاطنين في اسطنبول من الكرد بأربعة ملايين نسمة، بخاصة بعد حملات التهجير التي قام بها الجيش التركي أثناء صراعه مع الكردستاني.
واما الحزب الذي تخوض السلطات التركية الصراع معه كان قد تأسس في 27 -11- 1978 بطريقة سرية على يد عدد من الطلاب الماركسيين الكرد، بينهم عبد الله أوجلان الذي اختير رئيسا للحزب.
ويتبع هذا الحزب عدة أحزاب هي حزب الحياة الحرة الكردستاني في كردستان إيران وحزب الاتحاد الديمقراطي في كردستان السورية وحزب الحل الديمقراطي الكردستاني في كردستان العراق.وقد جرى تصنيف هذا الحزب الذي يعرف اختصارا باسم PPK، على أنه منظمة إرهابية في تركيا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي وتركيا وإيران وسوريا وأستراليا ودول أخرى.
ولا يزال أوجلان، المسجون حاليا في تركيا، يتزعم الحزب وكانت مفاوضات السلام تجري معه في محبسه رغم صدور حكم بالإعدام عليه.
في 2013، تمت المصالحة بين الحكومة التركية وحزب أوجلان الذي دعا إلى سحب مقاتليه من تركيا إلى شمال العراق مقابل تحسين حقوق السكان الكرد في تركيا، إلا أن التطورات في المنطقة يبدو أنها قد غيرت قواعد الاتفاق بشكل غير مباشر.
فالقوات الكردية الموالية لحزب العمال في سوريا تصدت لتنظيم داعش الارهابي الذي هاجم بعض مناطقهم بل وامتدت لتتمكن من السيطرة على مناطق أخرى ليست خاضعة لهم، وهو ما أثار حفيظة الدولة التركية، ومخاوف من نشوء حزام كردي على حدودها الجنوبية يهدد أمنها القومي.
ومع فوز حزب الشعوب الديمقراطي الكردي بنتيجة غير مسبوقة في الانتخابات التركية، صعدت طموحات الكرد كثيرا لتضرب بجذورها في التمثيل السياسي بالدولة التي وقفت لهم بالمرصاد لعدة عقود.
في ورقة بحثية نشرها فريق من الباحثين المتخصصين بالشأن الكردي ونشرها المركز الكردي للدراسات تحت عنوان الاستعداد للأسوأ في الصراع الكردي - التركي جاء فيها:
أعطى وصول حزب العدالة والتنمية للحكم قبل ما يزيد عن عقد من الزمن الأمل، حينما قدّم الحزب نفسه كقوة سياسية لبرالية ديمقراطية متعهداً بكبح جماح الجيش التركي وإدخال البلاد إلى الاتحاد الأوروبي. ولكن أدى انتهاج الحزب سلوكاً أكثر سلطوية.
تحول الاتفاق الذي عرضه أردوغان على الكرد إلى صفقة خاسرة: مساعدته في الحصول على السلطة المطلقة مقابل تأمين درجة معينة من الحرية الثقافية والسياسية بالنسبة لهم.
ولكن بدلاً عن ذلك، اختار السياسي الكردي صلاح الدين ديمرتاش وحزبه، حزب الشعوب الديمقراطية HDP، في سبيل إحقاق الحقوق الكردية، قيادة حملة ليبرالية ضد أردوغان وطموحاته الرئاسية في ربيع عام 2015.
ظهور حزب الشعوب القوي في الانتخابات البرلمانية، منعت العدالة والتنمية مؤقتاً من تشكيل حكومة لوحده.
لا شك ان هذا التحول كان كافيا لكي ينقلب اردوغان على تعهداته وشعاراته الديموقراطية لوأد الصعود الكردي غير المتوقع وغير المحسوب عبر صناديق الاقتراع.
الصوت الكردي واليساري تكفلا بعرقلة احلام اردوغان الشمولية ، كانت حقا صدمة كبيرة لاردوغان وحزبه اذ كيف نال حزب الشعوب الديمقراطي معظم النواب التابعين للمناطق الكردية واليسارية بعدما كان أردوغان يستولي عليها؟.
واقعيا لم يكن حزب الشعوب الديمقراطي مجرد جناح سياسي لحزب العمال الكردستاني ، بل هو ائتلاف يساري واسع الطيف، يضم في جنباته اليساريين الكرد والأتراك، والعلويين ومجموعات من الخضر والليبراليين والناشطات النسويات ومثليي الجنس.
انه يبدو وكأنه حزب مهمشي الجمهورية التركية وليس الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني كما ذكر الكاتب باسم دباغ.
سريعاً تبدّدت معالم السلم الانتهازي التي دغدغ بها اردوغان طموحات الكرد ، جمّد عملية المفاوضات مع الكرد والتي استمرت سنتين ونصف السنة، وأعلن الحرب على حزب العمال الكردستاني بشنّه غارات مكثفة على قواعده في شمال العراق، محدداً عنوان المرحلة بقوله إن المعركة لن تنتهي قبل أن يلقي الكردستاني سلاحه أو يدفنه تحت الأرض.
وفي خضم هذا المشهد الدموي يحضر الاستحقاق الانتخابي، فتخفيض نسبة التأييد للكرد في الوسط الكردي يمكن أن يتحقق عبر ترهيب القاعدة الكردية بالاعتقالات وإراقة الدماء، من جهة، وشد العصب القومي التركي من جهة أخرى.
وعلى هذا الأساس مضى أردوغان في حربه حتى الان عبر عزفه على وتر مكرر مفاده أن حزب العمال الكردستاني يشكل التهديد الارهابي الداخلي الأول للبلاد.
بحسب وثيقة المركز الكردي للدراسات فأنه في العشرين من يوليو 2015 تعرضت مجموعة شبابية كردية لهجوم انتحاري وذلك عندما كانوا يتجهون إلى كوباني للمساعدة في إعادة بناء المدينة. وتبنى تنظيم داعش في نهاية المطاف مسؤولية العملية.
سرعان ما اتهم العديد من الكرد، حزب العدالة والتنمية بالتورط في التفجير الانتحاري سواء عن طريق تدخلها وتورطها المباشر في تدمير كوباني أو على الأقل السماح بحصول التفجير. وفيما قتلت مجموعة كردية شرطيين تركيين في منزلهما انتقاماً للعملية الانتحارية. وبالرغم من أن المجموعة التي نفذت عملية قتل الشرطيين لم يكونوا أعضاء في حزب العمال، إلا أن الحزب لم يدين أو يبعد شبهات العملية عن نفسه.
وكان رد الحكومة التركية على ذلك، تجسد بإطلاق عملية عسكرية كبيرة بهدف الانتقال ضد أهداف ومعاقل حزب العمال داخل تركيا والعراق. وتزامناً مع تصاعد الوضع، حضر كلا الطرفين نفسيهما جيداً، خطابياً على الأقل، ورحبا بالعودة إلى الحرب.
وعلى الرغم من الجدل الكثير حول كيفية وسبب استئناف القتال عام 2015، من السهل رؤية أفعال ومصالح كلا الطرفين التي جعلت العودة إلى الحرب أكثر احتمالاً.
ومنذ ذلك التاريخ واصل نزيف الدم تدفقه وماكنة الخراب راحت تضرب في المدن الكردية وشبهة الانتماء لحزب العمال الكردستاني او حتى شبهة التعاطف معه تودي بصاحبها الى السجن.
غصّت السجون بقيادات سياسية كردية كانت قد فازت في الانتخابات النيابية ومن ابرزهم صلاح الدين ديمرتاش و زميلته في قيادة الحزب فيدان يوكساك داغ والمئات غيرهم فضلا عن النشطاء وحتى المواطنين العاديين.
استخدم اردوغان قانون الطوارئ بشكل تعسفي بكل ما تعنيه الكلمة من معنى ليمضي قدما في الصراع الدامي الذي لا نهاية له والذي انهك الشعب الكردي ومزق الاقلية الكردية واجهز على احلامها في الحياة الحرة الكريمة ليدفع الجميع الى خيار العنف و سياسة الخراب.[1]