=KTML_Bold=إعلان دمشق والمسألة الكوردية=KTML_End=
#بير رستم#
منذ البيان التأسيسي ونحن كغيرنا من السوريين نتتبع ما يصدر ويكتب عن هذا الحراك السياسي الذي عرف ب”إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي” وقد كنا، وعلى طول المسار، على بعد خطوة من أن نبدي برأينا أسوة بغيرنا من المهتمين بالشأن السوري، ولكن ومن خلال الإطلاع على الكثير من الآراء والسجالات التي أبدوها الزملاء والأصدقاء بخصوص الموضوع وحيثياتها، فإننا تروينا قليلاً وقلنا إن الذي كنا نود أن نقوله قد قيل أو على الأقل قد قيل جله. كانت تلك من جهة، أما الأسباب الأخرى والتي دفعتنا إلى التأجيل والتروي في التعليق على الإعلان ومبادئها؛ فهي أن نعطي الإعلان فرصة لكي تعبر عن وجهة نظرها ومن ثم تقوم بتطوير برامجها وأيضاً آليات عملها وأساليبها بين الفئات والمكونات السورية المختلفة، كونه حالة توافقية مستجدة على الساحة السياسية السورية وبالتالي ولربما يتم تلافي تلك “الأخطاء” التي وقعت فيها الإعلان.
ولكن وبعد الإطلاع عن قرب على آليات عمل لجان “إعلان دمشق” وما تدور بين أطرافها من نقاش، وقبل ذلك؛ هذه الهيكلية التنظيمية للإعلان والتوافقات القائمة بينهم وحجم كل طرف سياسي وتمثيله في الإعلان وأخيراً وليس آخراً؛ تلك العقلية التي يتعاطون بها مع القضايا المصيرية وأساليب التعاطي مع الآخر (كطرف سياسي حزبي أو مستقل) وممارسة العنجهية من قبل بعض الأطراف على غيرها أو على الأقل محاولتهم بأن يكونوا أوصياء وأولي الأمر لهم، وبالتالي تنفيخ “أريشهم الديوكية” واعتبار مناصبهم الحزبية على أنها تخولهم قيادة حركاتهم السياسية والتباهي بهذه المسألة مثل طفل ركب له شارب اصطناعي ومن ثم صدق نفسه أنه قد أصبح رجلاً بين ليلةٍ وضحاها – هكذا تصرف أحد “ممثلي” الحركة الكوردية وللأسف معنا واعتبرنا إننا لسنا من مقامه الحزبي ولذلك لا يجوز أن يقعد معنا؛ مع العلم أن هذا الشخص وعندما يقال بأن هناك كاتب عربي ولو من الدرجة العاشرة فإنه يركض ويحاول أن يأخذ بجانبه صورة، وهذه وكما أكدنا في مقالاتنا السابقة نابعة من عقدة النقص لدينا نحن الكورد عموماً – و.. وغيرها الكثير من القضايا، جعلتنا نعود إلى ما قد أصبحنا على خطوات منها.
وهكذا عدنا إلى “رأس الينبوع”، إلى البيان التأسيسي، حيث يكمن بداية الخلل. وهكذا فإن قراءتنا هذه ما هي إلا مساهمة منا في استبيان بعض نقاط الخلل وخاصة فيما يتعلق منها بالمسألة والقضية الكوردية؛ كونها تعتبر واحدة من القضايا الأساسية في الحالة التوافقية لأطراف “إعلان دمشق”، هذا من جانب ومن الجانب الآخر؛ كون الشارع الكوردي يمتلك وعياً سياسياً وأداةً (أدوات) تنظيمياً أكثر قدرةً على الحركة والتأثير.
إن أولى فقرات أسس ومبادئ البيان تؤكد على الحالة التوافقية، حيث يأتي في سياق نص البيان ما يلي: “فقد اجتمعت إرادتهم؛ (إرادة المنضوين تحت إعلان دمشق والتوضيح من عندنا) بالتوافق على الأسس التالية: إقامة النظام الوطني الديمقراطي هو المدخل الأساس في مشروع التغيير والإصلاح السياسي . ويجب أن يكون سلمياً ومتدرجاً ومبنياً على التوافق ، وقائماً على الحوار والاعتراف بالآخر”. ويتم التأكيد على هذا المبدأ الأساس في اتخاذ القرارات المصيرية وذلك من خلال آخر وثيقة صدرت عن الإعلان والتي جاءت تحت عنوان “هيكلية إعلان دمشق وآلية عملها” وذلك عندما تؤكد على أنه “يجري اعتماد التوافق في اتخاذ القرارات، خاصة فيما يتعلق بالقضايا الأساسية والموقف السياسي”.
إننا وقفنا عند هذه المسألة وبنوع من الحرص والتأكيد عليه كوننا نتفق مع الإخوة الذين وقعوا على الإعلان بأنه يتعذر في ظروف كالتي تعيشها البلاد؛ من تغييب للديمقراطية وعدم تمأسُس المجتمع وفي ظل قوانين الطوارئ والأحكام العرفية وهيمنة الأجهزة الأمنية على كل مفاصل الحياة في المجتمع السوري و.. فإنه يتعذر بل يستحيل إجراء انتخابات واستفتاءات ليكون هناك تمثيل حقيقي لمكونات المجتمع السوري وبالتالي طرح المسائل والقضايا على ذاك المجلس – في حالتنا إعلان دمشق – لكي تبت فيها وتعرضها على التصويت، وهكذا فلا بد من التوافق بين الأطراف والكتل.
والمبدأ الأساس الآخر والذي يدور في فلك المبدأ الأول أو يجاوره في عملية البناء السياسي الجديد والقائم على المفاهيم المدنية والديمقراطية والمساواة في الحقوق والواجبات، هو ما يعلن عنه بالصياغة التالية: “نبذ الفكر الشمولي والقطع مع جميع المشاريع الإقصائية والوصائية والاستئصالية ، تحت أي ذريعة كانت تاريخية أو واقعية ، ونبذ العنف في ممارسة العمل السياسي ، والعمل على منعه وتجنبه بأي شكل ومن أي طرف كان”. ولكن ومن خلال التوقيع على مبادئ الإعلان – وخاصة من الجانب الكوردي – هل تم إيفاء هذين المبدأين حقهم. سوف نحاول أن نجيب عن تساؤلنا الأخير من خلال عدة نقاط نطرحها في مقالنا هذا والتي تمت صياغتها؛ أي صياغة تلك النقاط في الإعلان، بنوع من الحرفنة والذكاء والحنكة السياسية، ولن نقول المكر والدهاء والمناورة السياسية، وذلك من قبل الطرف العربي وعلى حساب القضية والجغرافية الكوردية في هذا الجزء من كوردستان.
إن أولى هذه النقاط والتي تم دسها “كالسم في الدسم” وبحنكة سياسية مرنة وأيضاً كجس نبض للطرف الكوردي؛ ما جاء من خلال المبدأ الأساس الثالث والذي يؤكد على أن: “الإسلام الذي هو دين الأكثرية وعقيدتها بمقاصده السامية وقيمه العليا وشريعته السمحاء يعتبر المكون الثقافي الأبرز في حياة الأمة والشعب . تشكلت حضارتنا العربية في إطار أفكاره وقيمه وأخلاقه ، وبالتفاعل مع الثقافات التاريخية الوطنية الأخرى في مجتمعنا، ومن خلال الاعتدال والتسامح والتفاعل المشترك ، بعيداً عن التعصب والعنف والإقصاء . مع الحرص الشديد على احترام عقائد الآخرين وثقافتهم وخصوصيتهم أياً كانت انتماءاتهم الدينية والمذهبية والفكرية، والانفتاح على الثقافات الجديدة والمعاصرة”.
نلاحظ بداية التأكيد على الهوية العربية لسوريا وذلك من خلال مفهوم “حضارتنا العربية”؛ أي أن الحضارة السورية هي حضارة عربية “بالمطلق” – على الأقل الآنية منها – وإن العبارة التالية والتي تتحدث عن تفاعل الثقافات لا يعني بحال من الأحوال بأن هناك تضمين لتعدد الثقافات والأعراق في سوريا؛ حيث يأتي في آخر الفقرة ما يؤكد ما ذهبنا إليه وذلك عندما يتم الحديث عن “الخصوصية” ومسألة الانتماء، فيتم التأكيد على الانتماءات التالية: “الدينية والمذهبية والفكرية” ومن دون التذكير بالانتماء العرقي – الأثني، متجاوزاً الحقيقة الكوردية كمكون وانتماء عرقي، بل إنه (أي الشعب الكوردي) يعتبر ثان مكون اجتماعي من بعد العرب في جغرافية سوريا.
وهكذا يكُرس أولى حالات الاختراق في البيان التأسيسي للإعلان وبالتالي سحب البساط من تحت أقدام الممثل الكوردي، مع العلم ومن خلال الحديث عن الدولة الحديثة “دولة المواطنة”، يطرح مسألة الإثنية وذلك عندما يتم تناول المكونات الاجتماعية في سوريا؛ حيث يؤكد البيان على أن: “بناء دولة حديثة ، يقوم نظامها السياسي على عقد اجتماعي جديد . ينتج عنه دستور ديمقراطي عصري يجعل المواطنة معياراً للانتماء ، ويعتمد التعددية وتداول السلطة سلمياً وسيادة القانون في دولة يتمتع جميع مواطنيها بذات الحقوق والواجبات، بصرف النظر عن الجنس أو الدين أو الإثنية أو الطائفة أو العشيرة، ويمنع عودة الاستبداد بأشكال جديدة”. ولكن هذا الطرح لا يرتقي إلى مستوى مفهوم “شعب”، بل هو يبقى في إطار مواطن يعيش داخل الحضارة العربية؛ “حضارتنا العربية” ولكن من انتماء أثني – عرقي مختلف، كما هو حال الجاليات المهاجرة والتي تعيش داخل جغرافية الآخر كحال الكورد في أوروبا.
وما يؤكد تحليلنا السابق، هو ما يورد في الفقرة التالية والتي تتحدث عن مكونات الشعب السوري وضرورة التوجه إليه، فيقول البيان: يجب “التوجه إلى جميع مكونات الشعب السوري ، إلى جميع تياراته الفكرية وطبقاته الاجتماعية وأحزابه السياسية وفعالياته الثقافية والاقتصادية والاجتماعية ، وإفساح المجال أمامها للتعبير عن رؤاها ومصالحها وتطلعاتها ، وتمكينها من المشاركة بحرية في عملية التغيير”. وهكذا نلاحظ بأن هناك مرة أخرى تغييباً للعرق والإثنية، ولا يمكن أن يفهم هذا التغييب المتكرر للحالة الإثنية كمكون اجتماعي وجيوسياسي– من قبلنا – إلا تعمداً ونوع من الإصرار على تغييب القضية الكوردية على أنها قضية أرض وشعب، وحصرها في مفهوم حقوق المواطنة فقط أي من دون أبعاد جيوسياسية وها هي الفقرة التالية من الإعلان تؤكد ذلك: “ضمان حرية الأفراد والجماعات والأقليات القومية في التعبير عن نفسها، والمحافظة على دورها وحقوقها الثقافية واللغوية، واحترام الدولة لتلك الحقوق ورعايتها، في إطار الدستور وتحت سقف القانون”. أي أن حقوق الكورد لا يتعدى المسائل الثقافية واللغوية وهي أدنى من أي برنامج سياسي للأطراف الكوردية والتي لا تتوحد على أساس أن هناك “اختلافات” في البرامج، بينما هم يتجمعون تحت سقف برنامج؛ “إعلان دمشق” والذي هو أوطأ من جميع الأسقف التي تطرحها أحزاب الحركة السياسية الكوردية.
ولكن ولكي نكون منصفين وموضوعيين، فإن الفقرة التالية والتي تتعلق بالجانب الكوردي وبشكل مباشر ومن حيث الصياغة الدلالية الظاهرية تنسف كل ما ذهبنا إليه – قلنا من الناحية الظاهرية والنظرية – أي على مستوى السطح والتلاعب باللغة والمصطلحات فقط، وحتى لا نبقى في التهويمات والادعاءات فإننا سنعود إلى جسد النص؛ نص الإعلان ونقتبس تلك الفقرة التي تبحث في إيجاد حل “عادل” للقضية الكوردية، حيث تقول: “إيجاد حل ديمقراطي عادل للقضية الكردية في سورية. بما يضمن المساواة التامة للمواطنين الأكراد السوريين مع بقية المواطنين من حيث حقوق الجنسية والثقافة وتعلم اللغة القومية وبقية الحقوق الدستورية والسياسية والاجتماعية والقانونية، على قاعدة وحدة سورية أرضاً وشعباً . ولابد من إعادة الجنسية وحقوق المواطنة للذين حرموا منها ، وتسوية هذا الملف كلياً”.
صحيح إن الإعلان يسمي الحالة الكوردية على أنها “قضية” ويجب إيجاد حل عادل وديمقراطي لها، ولكن على أساس أنها قضية مواطنة و”مواطنين أكراد” لا أكثر وبالتالي يجب حل قضاياهم أسوة “مع بقية المواطنين من حيث حقوق الجنسية والثقافة وتعلم اللغة القومية وبقية الحقوق الدستورية والسياسية والاجتماعية والقانونية، على قاعدة وحدة سورية أرضاً وشعباً..”. وهكذا وبالضربة القاضية نكون قد خسرنا “المعركة” وعلى المسألة الكوردية “الرحمة والسلام”. حيث أن هذه “الحقوق الدستورية والسياسية والاجتماعية والقانونية” والواردة في نص الفقرة تندرج هي الأخرى ضمن مفاهيم “المواطنية” وليس على أساس أن هناك تمايز عرقي – أثني وبالتالي تكون لديك قضية جيوسياسية تناور على بعض المطالب هنا وهناك.
وأخيراً نقول ولمن يشكك في تحليلنا ورؤيتنا هذه فإننا سنورد الفقرة التالية والتي توضح هذه المسألة من دون لبس؛ حيث يأتي في نص الإعلان ما يلي: “التأكيد على انتماء سورية إلى المنظومة العربية، وإقامة أوسع علاقات التعاون معها، وتوثيق الروابط الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية التي تؤدي بالأمة إلى طريق التوحد”. أي إنه على الأطراف المنضوية تحت “إعلان دمشق” بما فيه الطرف /الأطراف الكوردية أن يعملوا من أجل وحدة الأمة، وبالتأكيد يعنون بها الأمة العربية وليس الكوردية وهكذا يمكن أن نقول.. شاباش للأطراف الكوردية المشاركة من الجبهة والتحالف.
جندريس-2006
[1]