#حسن سليفاني# مبدع كردي، من إقليم كردستان العراق، درس الأدب الإنكليزي، ويكتب القصة والشعر، باللغتين الكردية والعربية منذ مطلع الثمانينيات، وهو رئيس (#اتحاد أدباء الكرد#) – فرع #دهوك#. وصاحب امتياز مجلة (الكلمة) الأدبية الثقافية الفصلية التي تصدر باللغة الكردية، وقد صدر له العديد من الكتب بالكردية، وترجم بعضها إلى اللغتين العربية والإنكليزية، فضلًا عن أنه ينشر في المجلات والصحف الكردية والعربية، ويمارس الترجمة.
–حسن سليفاني، ككاتب كردي، كيف تنظر إلى الالتزام في الأدب؟
= الأدب هو الوجه الآخر للجمال والحياة والحرية، لكن حينما تكون كرديًا يتجاوز نفوس شعبك الأربعين مليونًا، ولا تملك دولة إلى الآن، وما يزال الآخرون يمنعون الهواء عن علَمك النرجسي، ليرفرف بهدوء بين أعلام الأمم الأخرى، وما تزال رائحة الفوسجين والسيانيد وصنوف الكيمياء الأخرى تفوح من أرضك، ومئات الآلاف قد دفنوا في صحاري قاحلة ومقابر جماعية، وما تزال صرخات البعض في أذنيك؛ حينئذ إن لم أكن ملتزمًا بقضيتي، إن لم أجسد مأساة شعبي وتطلعاته، في ما أكتبُ من أدب؛ فسأكون مقصرًا. هذا لا يعني ابتعادنا من زوايا الجمال والألق والذاتيات المحضة في الأدب.. أنا أعلم أن الأدب يعشق الحرية، ويتفنن في نشر بذور الجمال وشلالات الخيال. الآن، بعد الانتفاضة الباسلة في ربيع 1991 في كردستان العراق، واتساع مديات الحرية، خفّت حدة الالتزام في الأدب إلى حد ما.
–كتاباتك تؤكد وجود تجارب حياتية واسعة عشتها قبل الكتابة، فماذا تقول في ذلك؟
= بلا شك، بعض التجارب التي عشتُها حاولت تدوينها في قالب أدبي فني، مع زيادة في مسحات الخيال والنظر إلى نقطة الانطلاق المرتبطة بالواقع الذي يتمازج مع الفانتازيا. ربما يقرأ أحدهم نصًا لي ويقول: كيف تقمص هذا الكاتب شخصيتي، إنه يكتب عن أدق خلجات حياتي! الكتابة مهما التفت بالمراوغة والطيران والسباحة في سماوات الخيال، لا بدّ لها من أن تتكئ على مساحةٍ ما من الواقع.
التاريخُ ظلمَنا -الكردَ- كثيرًا، وتفننت الحكومات العراقية المتعاقبة، وبعض دول الجوار التي يعيش فيها الكرد، بتشويه صورة الكردي إعلاميًا، وحققت نجاحًا في ذلك، لذا كان علينا نحن -الأدباءَ الكرد- أن نكتب تاريخنا وندونه، ولكن في نصوص أدبية وبمسحة فنية تحافظ على جماليات الأدب، وتبرز الحقائق التي كان يطمسها الآخرون السالبون حقوقَنا.
–هناك على ما يبدو حالة عامة من الركود، على مستويات الشعر والمسرح والسينما والرواية، هل السبب في ذلك ندرة المواهب، أم أن المواهب لم تعد حالة جذابة ومثيرة؟
= الحراك الثقافي والنشر والتواصل مع الآخر، وزوال القيود الحديدية التي فرضت على اللغة الكردية من قبل النظام السابق، ومع الدعم المادي من قبل حكومة إقليم كردستان؛ نشطت ميادين الأدب والفنون، لكننا بحاجة إلى عين ناقدة متخصصة، للكتابة عنها بحيادية تامة، بعيدًا من المجاملات والصراعات الشخصية. ازداد عدد الشعراء –ولا سيّما الشباب- وهم يكثرون من النشر، ونتاجهم بحاجة إلى متابعة نقدية لكيلا يستسهلوا الكتابة. المسرح يعاني كسادًا في ظل المتغيرات الحالية في الميدان الثقافي، ربما ابتعاد الأسماء المرموقة في المسرح وانزواؤها في زوايا أخرى، ساعد في مراوحة المسرح في مكانه، على الرغم من ظهور جيل يعشق المسرح، من خلال معاهد وأكاديمية الفنون الجميلة في كردستان. الاعتماد الرئيس على الأعمال المسرحية العالمية والمترجمة للكردية، وعدم تفعيل النصوص المحلية والمساهمة في إعدادها للمسرح، نقطة سلبية في هذا المجال. السينما الكردية تنشط وتسجل حضورًا لافتًا في المهرجانات السينمائية، لكنها -مع الأسف- بجهود شخصية! مجال السينما بحاجة إلى دعم مالي منظم. مهرجان دهوك الدولي للأفلام خطوة في اتجاه تنشيط السينما الكردستانية. الرواية الكردية تسجل حضورًا جميلًا في الميدان الثقافي الكردستاني، لكنها بحاجة إلى أن يواكبها النقد الموضوعي، حينئذ سيهرب البعض من الميدان، أو ربما سيفكر كثيرًا قبل أن ينشر نصًا يطلق عليه اسم رواية. الميدان الثقافي والفني بحاجة إلى خبرة وتراكم ثقافي، في مجالات المعرفة المتنوعة. مساحات البياض في الميدان الثقافي تتسع الآن بشكل عام، على الرغم من وجود شوائب فيها.
– من الذي يمثل الرأي العام الثقافي حاليًا؛ هل هو الجمهور، أم هم أولئك الصحافيون الذين يشيدون بعمل ويهاجمون آخر؟
= النخبة الثقافية الفاعلة والنشطة هي التي تمثل الرأي العام الثقافي، ولكن نظرًا إلى سيطرة الفضائيات وسطوتها بصورة رئيسية على أذهان المشاهدين، هي الآن تساهم في زحزحة النخبة الثقافية لتحل محلها. الماكينة الإعلامية، بوسائلها المرئية والمسموعة والمقروءة، تلعب دورًا في هذا الشأن، ثورة الاتصالات المذهلة العابرة للقارات لها دور فعال أيضًا.
– بين مجموعتك الأولى “قصائد تحبو” والآن، ما الذي تغير؟ وما الذي يدعوك للكتابة؟
= الكتابة حياة تخلقها أنت، ولكي تعيش ككاتب، فهواؤك المنعش هو الكتابة لا غير، والكتابة هي ربما إكسير الحياة لدى جلجامش، هي رحلة البحث الضمني عن الخلود، الذي هو وهم آخر يدركه الأدباء، ولكنهم يعشقونه أيضًا. منذ “قصائد تحبو” إلى الآن، ما زلتُ أحبو في ميدان الأدب (القصة، الرواية، الشعر)، وربما سأقف ذات يوم على قدمي في دنيا الأدب الشاسعة، هذا ما أحاوله. الذي تغير لديّ هو خوفي المتزايد من الكتابة وعالمها الخلاب وعدم استسهالها، حيث تدرك أن الكتابة مسؤولية وخلق جديد، وليس ترفًا تامًا، وهذا سبب رئيس في كوني مقلًا. الحياة -بما فيها من سحر وجمال ودفء وعذوبة وحب- هي التي تدفعني للكتابة، بالكتابة أخلق عالمي الذي أرنو إليه، وأجدد نفسي باستمرار.
– أنت تكتب بالكردية، وقد ترجمت كتاباتك إلى العديد من اللغات منها العربية والإنكليزية؛ فإلى أي حد أنت راض عن هذه الترجمات؟ وكيف تنظر إلى فعل الترجمة بشكل عام؟
= الترجمة جسر تواصل بين الشعوب والثقافات المختلفة. وعلى الرغم مما يقال عنها بأنها خيانة وقتل للنص الأصلي، وسلب لجمالية اللغة وموسيقاها المنسابة في اللغة الأصلية، فإنها تساهم بجدية في تفعيل الحراك الثقافي العام، ولولاها لظلت الكثير من الثقافات والنصوص مخنوقة في بيئتها ومحيطها الجغرافي الضيق. الترجمة هي التي فتحت آفاقًا شاسعة للتعريف بالثقافات المتنوعة. تنشيط حركة الترجمة ضروري لنا، ولولاها لما حلّقت بعض النصوص الكردية، في مديات أبعد من حدودنا الجغرافية، ولما سمع الآخرون بأسماء الأدباء والمثقفين الكرد، الذين وصلوا إلى الآخر من خلال الترجمة.
نصوصي المترجمة للعربية والإنكليزية لا تخلو من هنَات، لكنها بشكل عام ساهمت في التعريف بي أكثر، ومنحتني جواز حضور معنوي في بعض المحافل الأدبية، وبخاصة العربية منها، وربما لجهدي المتواضع في الترجمة لنصوص أصدقائي الأدباء الكرد في مجالي الشعر والقصة، من خلال كتابي “قصائد من بلاد النرجس” و”قصص من بلاد النرجس” والتعريف بأكثر من 60 قاصًا وشاعرًا كرديًا، ساهم -أيضًا- في حضوري الثقافي في الميدان العربي، وكذلك جهد الناقد الدكتور محمد صابر عبيد، وفريقه النقدي الذي ألقى الأضواء الكاشفة على جهدي في الترجمة من خلال كتابه “سيمياء الخطاب الشعري..” الصادر في الأردن، وكتابه النقدي الثاني عن دار سردم، حول (قصص من بلاد النرجس)، وكذلك الجهد الجميل الذي بذله صديقي الناقد الدكتور خليل شكري هياس في إعداده وتقديمه لكتاب “جماليات النص وتنوع الخطاب” دار تموز- دمشق، وما احتواه من مقالات نقدية تسلط الأضواء على منجزي الأدبي، في مجالات القصة والرواية والشعر.
–من هم شخوص وأبطال كتابات حسن سليفاني؟
= شخوص كتاباتي، أغلبهم من بسطاء الناس، من الواقع المعاش/ المتخيل، المقهورون ومسلوبو الحقوق في الحياة، الباحثون عن الحرية، أنا، أنت، الآخر، المقربون من حولي، شخصيات افتراضية أخلقها، أعجب بها، بعد حين أجدني قد سميت أحد أولادي أو بناتي بتلك الأسماء. الناس العاديون، أحيانًا رموز الطبيعة، وردة، فراشة، وأحيانًا حصان، خفاش ليل، طفل أحرقته الطائرات، بيشمركة، شخوص يبحثون عن واقع أفضل، عن عالم أسمى من عالمنا، عشاق يعلنون الحب، يلعنون قسوة الحياة وتفاهاتها.. وأحيانًا جموع الناس محتشدة كما في (من دفتر الانتفاضة).
–بصفتك رئيس فرع اتحاد الأدباء الكرد في دهوك، ماذا تخبرنا عن الأفكار والمشاريع، سواء المنفذ منها أو غير المنفذ في سبيل الاطلاع على أدب الجوار” العربي، التركي“ وتعريف شعوبه بالأدب الكردي؟
= تواصُل الأدباء الكرد الثقافي مع الأدباء والثقافات الأخرى، ولا سيّما المجاورة، كان أحد الأهداف الثقافية لاتحادنا، لذلك حاولنا بجد أن نمد الجسور الثقافية بيننا، من خلال النشاطات الثقافية المتعددة، ولا سيما (مهرجان دهوك الثقافي) في دوراته الثلاث 2005-2006-2010 والمهرجانات الخاصة بإحياء رموز الثقافة الكردية.. إضافة إلى عقد الملتقيات الخاصة بالنقد الأدبي الكردي، وملتقى الرواية الكردية، ودعوة واستضافة الأدباء الكرد من أجزاء كردستان الأخرى والمقيمين في أوروبا وأميركا وأستراليا، حيث غدت دهوك -متمثلة في اتحاد أدبائها- مركزًا للثقافة الكردية بنشاطاتها الثقافية المتعددة.
نحن نفتخر بأننا نجحنا في مشروعنا الثقافي المعنون ب “من إصدارات اتحاد الأدباء الكرد في دهوك”، وقد بلغت إصداراتنا المطبوعة منذ 2004 إلى الآن 273 كتابًا متنوعًا، لأعضاء اتحادنا والأدباء الكرد في أجزاء كردستان الأخرى.. دعمُنا للأدباء الشباب وتشجيع طباعة نتاجهم الأدبي، من خلال الدعم المادي الذي قدم لأكثر من 200 كتاب بنسب مختلفة، ساهم في دفعهم خطوات إلى الأمام. ومجلة الاتحاد “الكلمة” هي فصلية ثقافية رصينة بالحرفين اللاتيني والعربي، ما زالت تواصل الصدور بانتظام.
في الخريف، سنقيم ملتقًى أدبيًا موسعًا للأدباء الكرد في شمال وغرب كردستان، بالتعاون مع المركز العام لاتحاد الأدباء الكرد، وستقدم فيه البحوث والدراسات النقدية الموسعة وأمسيات للقراءات الشعرية. ونحن مستمرون في تقديم المحاضرات الثقافية الأسبوعية، من خلال المواسم الثقافية للاتحاد واستضافة الشخصيات الثقافية المعروفة الكردية والعربية والأوروبية.[1]
موقع :جيرون