ٲ.د. فَرسَت مرعي
الإسلام دين ديناميكي واقعي، يفي بمتطلّبات الدنياوالآخرة معاً، ولكنه – في الوقت نفسه – لا يسمح بالمؤثّراتوالفلسفات الأخرى أن تكون جزءاً من بنيته أو نسيجه. أيبعبارة أخرى: أنه دين يبني مرتكزاته العقدية على الأصالةفحسب، ويبني متغيّراته على الأصالة والمعاصرة معاً. العقيدة والأحكام والأخلاق فيه ثابتة ثبات الجبالالشامخات، والفقه والمعاملات فيه متغيّرة بتغيّر الزمانوالمكان، ومع ذلك فإنه يرفض رفضاً قاطعاً إجراء عملياتتغيير جذرية أو راديكالية تمسّ جوهره، كما حدث لأديانأخرى سماوية وأرضية. هذه الميزة أو الخاصيّة، أكسبتهمرونة طيلة تاريخه، الذي يمتدّ لأكثر من ألف وأربعمائة عام. فلا عجب أن تنادت أصوات نشاز من بين أتباعه، بإحداثتغيير في هذا السياق، ليشمل تغيير القاعدة الكلية الآنفةالذكر.. ولكنه كان على الدوام يلاقي معارضة صلبة، لأنه لوحدث تغيير بنيوي فيه، على غرار بعض الأديان الأخرى،السماوية وغير السماوية، التي أصبحت إلى حد ما تلفيقية،لأصبح ديناً بالاسم فقط؛ جوهره يحوي شذرات من الوحي،ممزوج بالفلسفة والأفكار الأخرى.
ويستند المانعون للاحتفال بالنوروز لهذا العيد الى الحديث الذي رواه الصحابي أنس بن مالك (رضي الله عنه)قال:“قدم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – المدينة ولهم يومانيلعبون فيهما، فقال (ما هذان اليومان؟) قالوا (كنّا نلعبفيهما في الجاهلية)، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما: يوم الأضحى، ويومالفطر“. (رواه أبو داود وأحمد والنسائي، وصحَّحه الألبانيفي السلسلة الصحيح).
ولم يحدد العلماء تحديد هذين العيدين، إلا أن جاء السيد محمود شكري الآلوسي (1856 – 1924م) هو أحد علماءأهل السنة في العراق ومن المتمسكين بمنهج السلف، قال ما نصه:
“ أنهما النيروز والمهرجان، وإنما بدلاً لأنه ما من عيدٍ في الناس إلا وسبب وجوده تنويه بشعائر دين أو موافقة أئمة مذهب أو شىء مما يضاهي ذلك فخشي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أن تركهم وعاداتهم أن يكون هناك تنويه بشعائر الجاهلية أو ترويج لسنة أسلافهم فأبدلهما بيومين فيهما تنويه بشعائر الملة الحنيفة…” ينظر: (محمود شكري الالوسي، بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب، ج1، ص364 – 365).
أما الاثار التي ترجع إلى عهد الخلفاء الراشدين والصحابةحولها فحواها: “وبالإسناد إلى محمد بن سيرين قال: (أتيعلي (رضي الله عنه) بهدية النيروز. فقال: ما هذه؟ قالوا ياأمير المؤمنين هذا يوم النيروز. قال فاصنعوا كل يوم نيروزاً. قال أبو أسامة: كره رضي الله عنه أن يقول: نيروزاً“. (ابنتيمية: إقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم،ج1، ص458).
وترد الرواية في مصنفات الشيعة الإمامية بهذا الخصوص: ومنها ما رواه الشيخ الصدوق ( المتوفى سنة381ﮪ/991م) في كتاب (من لا يحضره الفقيه) مرسلا: “وَأُتِيَ عَلِيٌّ ( عليه السلام) بِهَدِيَّةِ النَّيْرُوزِ، فَقَالَ عليه السلام: مَا هَذَا؟ قَالُوا يَاأَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ الْيَوْمُ النَّيْرُوزُ، فَقَالَ عليه السلام: اصْنَعُوا لَنَاكُلَّ يَوْمٍ نَيْرُوزاً“. وفي رواية أخرى قال:” نیروونا كلُّ یوم“. وفي رواية أخرى عن (دعائم الإسلام): ” انَّهُ أُهْدِيَ إِلَيْهِفَالُوذَجٌ، فَقَالَ – عليه السلام -: مَا هَذَا؟ قَالُوا: يَوْمُ نَيْرُوزٍ. فقال – عليه السلام -: فَنَيْرِزُوا إِنْ قَدَرْتُمْ كُلَّ يَوْمٍ. يَعْنِيتَهَادَوْا وَتَوَاصَلُوا فِي اللَّهِ“. ينظر: (الشيخ الصدوق: من لايحضره الفقيه، ج3، ص300؛ أبن حيون، دعائم الاسلام).
وأما قول شيخ الاسلام ابن تيمية (المتوفى سنة728ﮪ/1328م) بخصوص كره الخليفة الراشد الرابع عليبن أبي طالب لموافقتهم في لفظ عيد النيروز الذي ينفردونبه، فكيف يوافقهم في العمل. يبدو أن محقق الكتاب أشارإلى هذه النقطة في الهامش في معرض التعليق بقوله: لقدذكر المحدث البيهقي(المتوفى سنة458ﮪ/1066م) في سننهالكبرى تحت لفظ فيروز، ربما كره الإمام علي أن يقولنيروزاً – حسب تعليل أبي أسامة – فقال: فيروزاً.
ومن المعلوم أن لفظة فيروز ترد في اللغتين الكردية والفارسية بمعني مبارك، أي أنت عندما تبارك لشيء ماتقول له باللغة الكردية (بيروزبت – مبارك عليك)، فضلاً انبعض الملوك الفرس وبعض الشخصيات الفارسية والكرديةجاء إسمها بلفظة (پيروز)، وعندما يحاول النحاة العربتعريب كلمة (پيروز) فإنهم يغيرون الپاء الفارسية المثلثة إلىالفاء. فتتحول كلمة پيروز إلى فيروز.
ومن جانب آخر يذكر ابن تيمية روايتين: الاولى عن عبد اللهبن عمرو (ابن العاص) قال: “من بنى ببلاد الأعاجم، فصنعنيروزهم ومهرجانهم وتشبه فيهم حتى يموت وهو كذلك،حشر معهم يوم القيامة“( ابن تيمية: إقتضاء الصراطالمستقيم ،ج1، ص457). والثانية عن عبد الله بن عمر بنالخطاب جاء فيها: “من بنى ببلادهم، وصنع نيروزهمومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت حشر معهم“. (ابن تيمية: إقتضاء الصراط المستقيم ج1، ص459).
أما الذهبي (المتوفى سنة 748ﮪ/1348م)، فقد كان أقل تشدداً حينما قال في رسالته (التمسك بالسنن والتحذيرمن البدع): “أما مشابهة الذِّمة في الميلاد، والخميس،والنيروز، فبدعة وحشة. فإن فَعلها المسلم تديُّنًا فجاهل،يزجر وُيعَلَّم، وإن فعلها حُبًّا وابتهاجًا بأعيادهم فمذمومأيضًا، وإنْ فعلها عادةً ولعبًا، وإرضاءً لعياله، وجبرًا لأطفالهفهذا محل نظر، وإنما الأعمال بالنيَّات، والجاهل يُعذرويبين له برفق، والله أعلم” . نقلًا عن (مجلة الجامعةالإسلامية، المدينة المنورة، العدد: 103-104.
والسؤال الذي يتبادل إلى الذهن: لماذا قبل الإمام علي هذهالهدية وقالوا اصنعوا كل يوما نيروزاً أو فيروزاً إذا صح قولالتصحيف، لأنه لو أراد المنع أو حرّمه لكان قد قال قولاً يفيالمطلوب بصورة لا لبس فيه. وهذا ما حاول الباحثوالاكاديمي السعودي (سفر الحوالي) في كتابه جاهداًالتأكيد على حرمة الإحتفال بالنيروز والمهرجان واعتبار ذلكمن الكبائر المحرمة، وكل واحدة من هذه الأمور منكر بعينه.(سفر الحوالي، حكم الإحتفال بأعياد الكفار، ص13).
ومن جانب آخر فقد كانت هناك عادة دفع الضريبة من قبلالشعوب الخاضعة للدولة الفارسية الساسانية في عيديالنوروز والمهرجان، ولما جاء الإسلام ألغى هذه الضريبةباعتبارها غير شرعية، ولم يتم أخذها في خلافة الراشدالثاني عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) الذي حدث في عهده المعارك الفاصلة بين المسلمين والفرس الساسانيين في : القادسية، وجلولاء، ونهاوند (= فتح الفتوح) والتي أسفرت عن سقوط العاصمة الفارسية طيسفون وانهيار الدولة الساسانية، التي انتهت رسمياً عام651م بمقتل الملك الفارسي يزدجرد الثالث على يد طحان فارسي. ولكن يبدوأن بعض الولاة المسلمين في عهد الخليفة الراشد الثالثعثمان بن عفان( رضي الله عنه) أخذ هدايا النوروزوالمهرجان وهم كل من: الوليد بن عقبة بن معيط، وسعيد بنالعاص، فلما تناه الخبر إلى الخليفة الراشد عثمان بنعفان كتب إليهما ينهاهما عن ذلك. (الصولي: أدب الكتابة،القاهرة 1922، ص220). أما في عصر الخليفة الراشدالرابع علي بن أبي طالب فقد أخذ واليه على أصفهان(عمرو بن سلمة) هدايا النوروز مع الخراج. (الأصفهاني،كتاب ذكر أخبار أصفهان، ج1 ص72).
ولما تولى معاوية بن أبي سفيان الخلافة في سنة41ﮪ/661 م جعل هدايا النوروز والمهرجان ضريبة إلزاميةوطلب من أهل سواد الكوفة دفعها، فبلغت قيمة الهداياخمسين ألف درهم، كما كتب معاوية إلى عامله على البصرةعبد الرحمن بن أبي بكره أن يحمل إليه هدايا النوروزوالمهرجان، فبلغت عشرة آلاف درهم. (اليعقوبي: تاريخاليعقوبي، ج2 ص218).
وأثناء ثورة الصحابي عبدالله بن الزبير بن العوام ضدالدولة الأٌموية، فقد بلغت هدايا النوروز والمهرجان حواليعشرين ألف درهم، ويرجع السبب في قلتها إلىالإضطرابات والفوضى التي عمّت منطقة الكوفة بسببالفتنة الثانية (64 – 73ﮪ). ينظر:(الصولي: أدب الكتابة،ص219). وفي عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروانأظهر الحجاج بن يوسف الثقفي حرصاً شديداً على جبايةالأموال للدولة الأموية لمكافحة الحركات المعارضة، فأعاداستلام هدايا النوروز والمهرجان مع الضرائب وبلغت قيمتهاحوالي أربعين ألف درهم. (المصدر نفسه، ص219). وعندماتولى الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز (99-101ﮪ) مقاليد الحكم أبطل رسوم وهدايا النوروز والمهرجان.
وفي العصر العباسي أعيدت هدايا ورسوم النوروزوالمهرجان من جديد، سيما وأن أغلب وزراء العباسيين كانوامن الفرس، لذا فلا عجب أن حاولوا إحياء مظاهر أسلافهمالقدماء، يقول أبو ريحان البيروني: ” في عهد هارونالرشيد تجمع مُلاّك الأراضي مرة أخرى، وطلبوا من يحيىبن خالد بن برمك أن يؤخر عيد النيروز ما يقرب منالشهرين.(كان التقليد القديم يقضي بأن تحتسب الأيامالكبيسة، فلما أبطل هذا التقليد بصورة تجعل القوميحتفلون بعيد النيروز قبل جني المحصول. وكان هذا يضربالمزارعين إذ كان لزاماً عليهم عند ذاك أن يدفعوا الضرائبالمفروضة عليهم…”. ينظر: (إدوارد براون: تاريخ الأدب فيإيران، ج1، ص59 هامش 5). وأراد يحيى البرمكي أن ينفذما أرادوا، لكن خصومه تناقلوا الأقاويل حول هذا الأمر،وقالوا إن يحيى موالٍ للدين الزرادشتي، ونتيجة لهذا كفخالد عن هذا العمل ولم يعقب، وبقي الحال على ما كانعليه. (الآثار الباقية عن القرون الخالية، ص37). ويذكرالطبري(المتوفى سنة310ﮪ/ 922م) في كتابه تاريخ الرسلوالملوك أن: ” الخليفة العباسي المتوكل في يوم نوروزوالسماجة (= التمثيل الهزلي) بين يديه وهم يقلدون الناسويظهرون في أصوات مضحكة“.
وفي التاريخ المعاصر يذكر السيد مكرم الطالباني(1922– ؟) وهو شخصية كردية كان قيادياً في الحزب الشيوعي العراقي وكان وزيراً للري في الحكومة العراقية عام 1973، قال في تقديمه لكتاب الدكتور حسين قاسم العزيز(المفصل في نشأة نوروز الذهنية الابداعية، الصفحة10،” بأن الافكار المتشددة التي كان السيد سامي شوكتيبثها في جريدة “البعث القومي“، بالاضافة الى عرقلةاجازة اقامة هذه المهرجانات في قاعة الملك فيصل– قاعةالشعب، فضلاً عن حركات بعض رجال الدين لاصدارفتاوي بتحريم الاحتفال بهذه المناسبة، بحجة ان نوروز هوعيد المجوس، وهو مناهض للدين الاسلامي. ولكن الدكتورحسين قاسم العزيز قد أورد في أحد مؤلفاته، تمجيد كباررجال الدين المتصوفين لهذا العيد في قصائدهم التصوفية(المرجع السابق، ص10).
ويستطرد السيد مكرم الطالباني قائلاً:” تقرر في عام1947م اقامة احتفال جماهيري ضخم بعيد النوروز فيأربيل… فتحرك بعض رجال الدين لأصدار فتاوي بتحريمهوحث شرائح متأخرة في المجتمع لمنع هذه الاحتفالاتبحجة، ان نوروز هو عيد غير إسلامي، لاسيما وأن إشعالالنيران يشير الى مجوسيته، بينما أمتنع الآخرون عنأصدار أو تأييد مثل هذه الفتاوي، وخوفا من حدوثاصطدامات قد لا تكون نتائجه في صالح الحكومة،أضطرت الى السماح لاقامة هذا الاحتفال في ساحةمطارأربيل …، جرى الاحتفال بتلاوة ماتيسر من آياتالذكر الحكيم، ثم تلتها كلمات الاحزاب والمنظماتالاجتماعية. وعندما خرجت المواكب الدينية، وهي تحملالدفوف والسيوف والعصي للتصدي للمحتفلين عند عودتهمللمدينة، تحول الاجتماع الى مظاهرة ترفع شعارات معاديةللاستعمار والرجعية، فتفرقت مواكب الدراويش، ولم يحدثمايكدر الامن، ولكن عندما أعلنت الاحكام العرفية فيالعراق عام 1948 انتقاماً للحركة الديمقراطية تحت ستار((حماية مؤخرة الجيش الذاهب لتحرير فلسطين منالصهيونية))، أحالت الحكومة مجموعات من المحتقلين بعيد“نوروز” الى المحاكم العرفية بتهمة الاخلال بالأمن. وكانالسيد مكرم الطالباني محامياً آنذاك في كركوك حيث جرتالمحاكمة، وأثناء محاكمة القائمين باحتفال نوروز في أربيل،ذلك الاحتفال الذي جرى في مطار أربيل وبموافقةالسلطات هناك وحضره عشرات الألوف من الناس، سالرئيس المحكمة العسكري أحد المتهمين وهو الملا عبد الواحدعن العمل الذي قام به في الاحتفال، فقال: “اني قرأتعشرة من القرآن الكريم“، استغرب الحكام من كلام المتهم،التهمة هي الاخلال بالأمن والاحتفال بعيد مجوسيمناهض للدين الاسلامي، ومتهم أُتهم بقراءة القرآن الكريم. برأت المحكمة ساحة المتهمين لعدم وجود جريمة معاقبعليها قانوناً…” (المرجع السابق، ص11 – 12).
وفي السياق نفسه ففي 27 أيار/مايس 1979م نشر الكاتبالكوردي العراقي (آزاد عبدالحميد) مقالة في مجلة (التربيةالإسلامية) البغدادية، في عددها الثاني عشر، السنةالحادية عشر، بعنوان: (عيد نوروز.. بدعة محدثة)، ذكر فيهاأن الاحتفال بهذه المناسبة هو بمثابة إحياء للدين المجوسي،والكورد قد تخلّصوا من المجوسية إلى غير رجعة عندماوصلهم الإسلام الحنيف. وقد تصدّى له الكاتب اليساريإبراهيم باجلان (1920 – 2001م) بمقال نشر في جريدة(العراق)، بعددها (1022) في 9/7/1979، موسوماً ب(نوروز بين الحقائق والأباطيل)، مبيّناً بأن السيد (آزاد): “قد طرح جملة آراء وأفكار بعيدة عن روح نوروز وجوهره،فبدءأً من العنوان الذي يجرح مشاعر أبناء شعبنا الكوردي،ينبغي أن نعلم بأن مثل هذه الآراء تعطي مردوداً عكسياً،حيث يعتبر نوروز مفخرة من مفاخره القومية، ومأثرةتاريخية بوجه الظلم والطغيان“.
وقد أوضح (إبراهيم باجلان) بأن (النوروز) عيد قومي، “ ولايتعارض مع أعيادنا الوطنية والدينية، بل يلتقي مع المباديءالخيّرة في معاداة الشر والظلم ومناصرة المظلومين، بعكسما يذكره بعض علماء الدين الإسلامي من أدلّة شرعيةوفقهية بأن مناسبة الاحتفال ب(نوروز) يمثّل طقوساًمجوسية قديمة، لأن الكورد يوقدون النيران فياحتفالاتهم“. والمجوس – كما هو معلوم – يعتبرون عبدةالنار، وفق الإسلام والمسيحية.
وكان من أبرز المنتقدين أيضاً الدكتور حسين قاسمالعزيز(1922- 1996م)، وهو أكاديمي كوردي شيعي، ذاميول ماركسية حصل على شهادة الدكتوراه من الاتحاد السوفيتي، نشر بحثاً حول تاريخ النوروز عند الكورد، فيمجلة (المجمع العلمي العراقي– الهيئة الكوردية)، العددالسابع، التي كانت تصدر في بغداد سنة 1981م، بعنوان( نوروزيات)، حاول فيها الإيحاء بأن عدداً لا بأس به منالخلفاء المسلمين كانوا يحتفلون بالنوروز، ويتقبّلون الهدايامن رعاياهم بهذه المناسبة.
ولا يزال هذا الجدل قائماً بين الاتجاه المحافظ الذي يتبنى أطروحات مدرسة أهل الحديث والمدرسة الحنبلية والتيتحاول تحريم المناسبة بحجة مشابهة الكفار، فضلاً عنالربط بين الاحتفال بالنوروز واحياء شعائر المجوسية، وخاصةً وأن اليوم الاول من النوروز هو عيد الديانة المجوسية تحديداً، وبين الاتجاه الآخر الذي يضم سياسيين ومثقفين وأساتذة الجامعة وغيرهم من المثقفين، فضلاً عنعلماء دين كرد وغيرهم من المدرسة الاشعرية ومن منتسبي الطرق الصوفية بشتى طرقهم: كالشيخ عبدالكريم المدرس(1905 – 2005م)، والدكتور مصطفى الزلمي(1924 – 2016م) وآخرون الذين أفتوا بأن النوروزعيد ربيعي ومناسبة وطنية لا تضاد الاسلام، وهي كانت موجودة قبل الاسلام وبعده، وإنها تعيد الى الاذهان الصراع الذي كان جاريا بين الظلم والتحرر، وأن النار التي يتم اشعالها فوق قمم الجبال تشير الى المقاومة والتصدي للظلم، وليس الى النار التي يقدسها المجوس.
وتجدر الاشارة هنا الى فتاوى المجلس الأوربي للبحوثوالإفتاء للمقيمين في بلاد الغرب، وفتاوى كل من الأستاذالدكتورعبد الستار فتح الله سعيد أستاذ التفسير وعلومالقرآن بجامعة الأزهر، و الاستاذ الدكتوريوسفالقرضاوي، والأستاذ الدكتور محمد السيد دسوقي أستاذالشريعة بجامعة قطر،– حول الأعياد الوطنية والاجتماعية–، مثل: عيد الاستقلال، أو الوحدة، أو الطفولة والأمومةونحو ذلك، فليس هناك أي حرج على المسلم أن يهنئ بها،بل يشارك فيها، … على أن يجتنب المحرمات التي قد تقعفي تلك المناسبات.[1]