الدكتور ميرزا دنايي
#الايزيدية# شعب مهدد بالإنقراض، حيث المعطيات الدولية والإقليمية والمحلية لا تبشر بالخير، كما أن العوامل الذاتية تعقد المشكلة وتضاعف المأساة من كل الجوانب، وبما أن العراق وكوردستان مقبلان على تغييرات جذرية وقدرنا أن نعيش في مناطق متنازع عليها، فمن حق كل واحد منا أن يضع كل الأطراف في الميزان، خاصة بعد فشل المشاريع القومية والوطنية والسياسية بكل أنواعها.
لهذا إسمحوا لي أن أشارككم بالمقارنات التي تشغل تفكيري منذ ثلاثة أعوام، وتحديدًا بعد الثالث من آب 2014، لذلك أطلب من القراء مسح كل ما قلته وكتبته قبل الثالث من آب، فأنا لستُ كما كنت ولا أنتم كما كنتم في السابق.
الإبادة وتداعياتها على الصعيد العراقي
- الجيش العراقي إنهار وإنهزم في كل مكان وترك أحدث الأسلحة الفتاكة بأيدي داعش بقرار من القائد العام للقوات المسلحة.
- انقلب السنة (عرب وتركمان قاطبة عدا الشمر وبعض أكراد المنطقة) من جيران الإيزيديين وبايعوا تنظيم الدولة الاسلامية وساهموا في الفتك بالايزدييين وقتلهم وسبي نسائهم وأطفالهم، بينما الشيعة هبوا إلى نصرتهم مجتمعًا ورجال دين وسياسيين.
- الإيزيدية منذ 1400 سنة يعتبرون كفار وأنجاس لدى الغالبية المتدينة ولم يكن لهم حساب في أية معادلة عراقية.
- سنجار محور استراتيجي لوصول الخط الشيعي العراقي السوري اللبناني، ولهذا فالوجود الإيراني (الشيعي) العسكري السياسي في جنوب سنجار واقع غير قابل للتفاوض لأنه ردع للمطامع التركية التي قد تستغل التركمان، يعني عملية رسم جديد لحدود النفوذ.
- في ملف المخطوفين، لم تعمل الحكومة العراقية أي شيئ من أجل التحرير عسكريا، ولم تقدم أي عون لعوائل الضحايا من أجل تحريرهم أو شراءهم.
- في ملف الإعتراف بالجينوسايد، مجلس الوزراء أصدر بيان الإعتراف بالإبادة بشكل شامل لكل المكونات، لكن البرلمان لم يفعل أي شي، ولا حتى جلسة خاصة لدراسة الإعتراف، والحكومة ترفض أن تنضم لنظام روما وبالتالي تمنع تحريك الملف دوليا.
الإبادة وتداعياتها على صعيد إقليم كورستان
- القوات التابعة للأحزاب الكوردستانية الحاكمة في سنجار تخاذلت وإنهزمت من سنجار وتركت الإيزيديين فريسة بأيدي داعش.
- هب الكورد السنة من سكنة كوردستان الى إيواء النازحين، وانتشرت قوافل الخيرين بشكل خاص من زاخو ودهوك وعمادية ترابط على الحدود لإستقبال الجموع بالأكل والماء والدموع، كما قاموا بفتح بيوتهم وجوامعهم ومدارسهم وهياكل بناياتهم للنازحين.
- منذ إعتناق الكرد للدين الإسلامي تعتبر الغالبية المتدينة منهم أن الإيزيديين كفار وأنجاس ولا تشتري من أجبان الإيزيديين في الأسواق.
- سنجار موقع استراتيجي للقيادة الكوردستانية، لأنها العمق التفاوضي بين الكورد وتركيا حول مسألة العمال الكوردستاني، لما لها من أهمية استراتيجية لروج آفا حيث توصل بين المنطقتين، وبالتالي ممكن أن تكون سبب نجاح أو فشل تلك التجربة.
- في ملف المخطوفين، لم تعمل حكومة الإقليم أية خطوة عسكرية للتحرير، ولكن تشكل مكتب مساعدة المخطوفين من رئيس الوزراء لدفع بعض الأموال من أجل التحرير.
- في ملف الإعتراف بالجينوسايد، مجلس الوزراء شكل هيئة عليا للإعتراف بالجينوسايد، ولكنها شبه مشلولة في كثير من الجوانب ولا تعمل وفق الضوابط الدولية، حيث قام ممثل الحكومة بزيارة لاهاي مرة واحدة لمعرفة كيفية تحريك الدعوى دوليا، وتم إهمال كافة المقابر الجماعية.
بالعودة مرة أخرى إلى العراق من ناحية الحقوق
- في ملف الحقوق والحياة المدنية، لا شئ، حيث عشرات الإيزيديين قتلوا في بغداد والجنوب دون أن يتحرك ساكنًا، فقط لأن سبب القتل كونهم عمال في محلات او نوادي المشروب ومن الطبقة المسحوقة حيث كانوا يركضون خلف قوت رزقهم، كما أن نصف واردات التجار الإيزيديين في جيوب مسؤولي الميليشيات والشرطة وبعض قادة الجيش.
- في ملف المسؤولية، لا يوجد، حيث لم تهتم الحكومة العراقية مطلقًا بملف الإيزيدية، فالمنصب الوحيد هو مستشار رئيس الجمهورية لشؤون الايزيدية الذي استحدثه مام جلال، ليتم لاحقًا إلغاءه.
- في ملف الكوتا والتمثيل النيابي، مقعد يتيم، رغم أنني رفعت دعوى قضائية عام 2010 وطالبت بزيادته الى خمسة مقاعد، وكسبت الدعوى ولكن تم إهمال القرار في انتخابات 2014.
أما كوردستان من ناحية الحقوق
- في ملف الحقوق والحياة المدنية، تمشي الأمور فقط حينما تنتمي إلى الحزب الحاكم أو تكون قريب من أحد من ذوي السلطة، ولكن ليس للإيزيدية أي اعتبار من كبيرهم إلى صغيرهم دون شهادة غفران محررة من جهة أمنية معينة، وحتى هؤلاء ومهما كبروا من وزير إلى ساعي بريد، يعيش في معادلة غير متكافئة إذا دخل في أي حالة نزاع مع شخص آخر حيث يخسر المعادلة.
- في ملف المسؤولية، كل المسؤولين الذين يحبون أو يحترمون الإيزيدية يتم إبعادهم عن هذا الملف، ومن يتعاطى مع ملف الإيزيدية هو من يكره الإيزيديين ويعتبرهم كفار ويستنكف أكل زادهم.
- في ملف الكوتا والتمثيل النيابي، لا تعترف الأحزاب الكوردستانية بحق الإيزيديين في الكوتا، وذلك لأن الكوتا في كوردستان تمنح على أساس قومي وتهمل الخصوصيات الدينية.
المشتركات والتقاطعات (العراق)
- الجنسية العراقية والوطن، رغم عدم وجود فلسفة حقيقية للمواطنة في العراق، وكانت المواطنة دومًا تقاس منذ تأسيس الدولة العراقية بمدى إنتماء الفرد للسلطة والحزب الحاكم.
- لا توجد مشتركات دم ولا أصول إيزيدية مرتبطة مع العرب، عدا بعض من كانوا يدعون انهم أمويون، حيث أنه مشكوك في نسبهم تاريخيًا.
- الإيزيديون المنتمون إلى التيارات الوطنية ليس لهم وجود، عدا بعض ممن ناضلوا مع الحزب الشيوعي.
المشتركات والتقاطعات (كوردستان)
- اللغة والأرض والتاريخ المشترك، أغلب الكورد كانوا إيزيديين في فترة من فترات التاريخ رغم عدم إعتراف المتدينين بذلك، ولا توجد عشيرة إيزيدية لا ترتبط بصلة دم بإحدى العشائر الكوردية المسلمة.
- العشائرية والتخلف والإنشقاق في البيت الكوردي كما هو في البيت الايزيدي.
- التشرذم في أحزاب يكون الانتماء إليها خالي من الفكر العقائدي، وأغلبها على أساس مصلحي او عائلي او عشائري.
العوامل الخارجية واللوبي (العراق)
- لا تتأثر السياسة العراقية منذ عشرات السنين بأي شكل من الأشكال بالمؤثرات الخارجية والتقارير الدولية في حالات التجاوزات وإنتهاكات حقوق الانسان، وتتصرف السلطات العراقية بإهمال واللامبالاة تجاه أي انتقاد يأتي من الخارج، لهذا لن يكون هناك تأثير للوبي الإيزيدي وأصدقائهم ونشاطات الجالية في الخارج فيما يخص هذه الملفات الحيوية على مستوى الدولة العراقية.
العوامل الخارجية واللوبي (كوردستان)
- تتأثر الحكومة والأحزاب الكوردستانية على الأقل لحد الآن، بشكل فاعل مع الإنتقادات الدولية والمؤثرات الخارجية في ملف إنتهاكات حقوق الانسان، وتتجاوب السلطة ولو بشكل ظاهر، وهناك هيئات متخصصة لمتابعة التقارير الدولية من جانب الحكومة والأحزاب، لهذا يمكن أن تلعب الجالية الإيزيدية واللوبي الإيزيدي وأصدقائهم في أوروبا وأمريكا دورًا فاعلًا في تهيئة أجواء أفضل للإيزيديين في كوردستان، والتأثير على القرارات بشكل ملحوظ مستقبلًا
المستقبل (العراق)
- العوامل التي تشجع على انهيار الدولة العراقية أكثر بكثير من عوامل الوحدة وعودة الوئام الوطني، والعراق بحاجة إلى ثلاثة أجيال من أجل أن يلملم جراحه.
- في حالة انقسام العراق، يصبح الإيزيديين تحت رحمة العرب السنة، الذين يرفضون لحد الآن الإعتراف ولو بشكل يسير بجرائم داعش ضد الإيزيدين، والكثير منهم لا يزال يعتبر داعش صنيعة أمريكية إسرائيلية صفوية، وبالتالي يحيل جرائم داعش على هؤلاء ويخلي نفسه من المسؤولية.
- التقارب والتضامن والتعاطف الإيزيدي الشيعي رغم أهميته لا يستطيع في المستقبل أن يحمي المصالح الايزيدية بسبب بعد المسافة، وهناك احتماليات أن يكون الإيزيديين مجرد ورقة تفاوض وضغط بين السنة والشيعة مستقبلًا، يستطيع كل الأطراف التضحية بهم بسهولة لعدم وجود مقومات إيزيدية ثابتة في الحسبان.
المستقبل (كوردستان)
- رغم التعقيدات الدولية التي قد تكون دموية وتنبئ بحروب قادمة لا محالة، لكن إحتماليات الإنفصال عن العراق واردة جدا وهي مسألة التوقيت والظروف الإقليمية.
- في حالة الانفصال، إن لم تكن كافة مناطق الإيزيدية ضمن الإقليم فهو سوف يضعف الوجود الإيزيدي ويزيله في كل مكان، فلا إيزيدية العراق سينالون حقوقهم ولا إيزيدية كوردستان، بذلك سيستمر التغيير الديموغرافي في مناطق الإيزيدية، ولن يبقى في كوردستان سوى معبد لالش لتسجيل فيديو كليبات عن التعايش السلمي الوهمي.
- عدم توحيد الصف الإيزيدي تحت خيمة كوردستان، يعني إبتلاع كافة حقوقهم السياسية والدينية والإجتماعية، وسوف تستمر السلطات الحاكمة أيا كانت، بتفريخ نخبة من الفاسدين المفسدين من بين الإيزيديين وإختيارهم لكي يكونوا واجهة تنفذ أجندات السلطة بين المواطنين المغلوبين على أمرهم.
الخلاصة والخيار الصعب
كل مواطن أيزيدي بلغ سن الرشد عليه أن يشارك بحر إرادته في تقرير مصيره ومصير أحفاده بين:
الخيار الاول (العراق العربي السني الشيعي): العيش المشترك وبدء بعملية المصالحة الوطنية الفورية دون شروط مع العرب السنة الذين قاموا بسبي نسائه وأطفاله وشردوا مئات الآلاف من شعبه، عليه أن لا يطالب بإعتراف بهذه الإبادة ويستر نفسه ضمن قوقعة المواطنة.
ولكن سوف يعترف العراق فورًا بالقومية الايزيدية كقومية مستقلة إلى جانب العرب والتركمان، وفي نفس الوقت يفترض أن تبقى الديانة الايزيدية من أهل ذمة يتوجب عليهم الخضوع لدولة دينها الرسمي الإسلام، وعليه أن يتقبل أن التيارات الدينية الإسلامية، سواء كانت شيعية أو سنية، سوف تستمر بحكم العراق لمدة 25 سنة قادمة، حتى لو تبدلت الوجوه والأسماء.
بالتالي عليه ان يتعايش مع صراع سني شيعي، ويتأقلم معه، وعليه أن لا ينسى إن بقي في العراق أنه يجب أن يتنازل عن معبد لالش، وحوالي 75 الف نسمة من الإيزيديين الذين سوف يقعون ضمن إطار الدولة المجاورة، فسيحتاج الى فيزا للعبور مستقبلًا.
الخيار الثاني (كوردستان المدنية السنية المختلطة): العيش المشترك مع نظام جديد غير واضح المعالم في دولة طور التكوين قد تصبح جوهرة ديمقراطية في الشرق، وقد تصبح دكتاتورية كلاسيكية شرقية، وعليه أن يصارع وقائع مرة تستمر سنين طويلة مثل أن الكثيرين لا يزالون يستنكفون ان يأكلوا من لبنه وحليبه، أن لا ينسى من الفترة والأخرى حدوث قضايا مثل سيمون من جهلة القرى المجاورة الذين يبتغون دخول الجنة من بين افخاذ النساء.
وبالتالي لن تكون حياته سهلة وسلسة، ولن تكون جنة حاضرة على طبق من ذهب، بل عليه أن يتحالف مع النخبة الليبرالية والعلمانية من أحزاب وتيارات وشخصيات مدنية، من أجل بناء وطن علماني يراعي حقوق الإنسان ومن أجل تحسين ظروفه ورفع الغبن عنه ووقف الإضطهاد والتهميش.
في نفس الوقت أمامه معركة طويلة لإزاحة شلة فاسدة من داخل مجتمعه من كافة شرائح المجتمع والمتسلقين من الإنتهازيين والطبالين، ويتصالح مع نفسه ويبحث في داخله عن طاقات شابة مخلصة تستطيع أن تستكمل المشوار في بناء وطن جديد للجميع تتحقق فيه المساواة.[1]