حسين جمو
1- حقوق الإنسان و القضية الكردية .
تتضمن مشكلة حقوق الإنسان في تركيا عدة قضايا لا بد من حسمها بمعايير ديمقراطية مستندة إلى النظام الحقوقي الأوروبي, مثل قضية الحجاب , وتعذيب المعتقلين , و نظام السجون(f). إلا أن القضية التي تنال الجزء الأكبر من مشكلة حقوق الإنسان هي ما يتعلق منها بالأكراد.
يصل عدد سكان تركيا إلى 71مليون نسمة حسب تقرير الأمم المتحدة في 2003.و بسبب غياب إحصاء رسمي للأكراد و تداخل مصالح دولية و إقليمية في هذه القضية فإن هناك تفاوت في تقدير نسبة الأكراد في تركيا , فالقمع الممارس على الأكراد يدفعهم إلى المبالغة في نسبتهم و تدفع الأطراف الأخرى إلى المبالغة في تقليل نسبتهم , ولكنها بين 19%(1) على أقل تقدير , و 24%لدى المصادر الكردية .(من 14إلى 18 مليون ) و يشكلون الغالبية العظمى في ولايات الجنوب الشرقي .
ومنذ عام 1999 تشهد المنطقة سلاماً و هدوءاً نسبياً بعد اعتقال عبدا لله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني (pkk) وإعلان الحزب عن حل نفسه وتحوله من الكفاح المسلح إلى النضال السلمي . وذلك بعد أن ذهب ضحية الثورة التي بدأت في عام 1984أكثر من 35ألف شخص . ولأن مناطق الثورة كانت محظورة على الإعلاميين , فإن شهادات الأهالي و بعض العائدين من الثورةتؤكد تدمير الكثيرمن القرى في مناطق الثورة.
وحتى الآن لا تعترف تركيا إلا بوجود قومية واحدة هي القومية التركية . وقد جاء دستور عام 1961حول مشكلة الإنقسام العرقي بالقول إن كل مواطن في الدولة التركية هو تركي
و المسوؤلون الأتراك لا يقرون أن المشكلة الكردية هي سبب الإضطرابات التي تحدث في المنطقة الكردية هناك مشكلة إرهاب داخل تركيا فقط كما يقول سليمان ديميريل.(2)
و ينظر الساسة الأتراك إلى اهتمام أوروبا بالقضية الكردية على انه ذريعة للتدخل في الشؤون الداخلية التركية , وما زالوا يأخذون برأي أتاتورك من أنه إذا لم يرغب الأكراد في أن يكونوا طعماً فعليهم أن يعقدوا التحالف معنا .(3)
ومنذ 3آب 2002بدأت تركيا تتعامل مع القضية الكردية بعقلية أكثر انفتاحاً بإقرار البرلمان على العديد من الإصلاحات التي تأتي أهميتها كفاتحة للإصلاحات في هذا الخصوص كاعتراف بالحقوق الثقافية ولو بشكل محدود , وحق إنشاء المعاهد و المدارس و إصدار مطبوعات باللغة الكردية و إلغاء عقوبة الإعدام , و رفع حالة الطوارئ المفروضة منذ عام 1979على أربع ولايات فقط في الجنوب الشرقي ....وهذه الإصلاحات تدخل ضمن المعايير التي لا بد منها للانضمام إلى الإتحاد الأوروبي .
وتعد فترة رئاسة حزب العدالة و التنمية (AKP) حاسمة و نادرة للقيام بإصلاحات دستورية كبيرة و ذلك استناداً إلى عدة عوامل :
• هذه هي المرة الأولى التي يتمكن فيها حزب بمفرده من تشكيل حكومة بحصوله على ثلثي مقاعد البرلمان (363) مقعداً , وذلك منذ الفوز الكبير الذي حققه تورغوت أوزال عام1987,و بالتالي تم التخلص من الشريك الحكومي المعارض ,الذي كان سمة الحكومات الائتلافية منذ وفاة أوزال .
• إدراك أنقرة بعد الحرب على العراق أنها باتت تفقد ذلك الوزن الإستراتيجي لدى الولايات المتحدة , وظهور الأكراد كحلفاء أقوياء للولايات المتحدة في العراق .مما أدى إلى وقوع أحداث وضعت كلاً من الولايات المتحدة و تركيا في المواجهة , مثل اعتقال عدد من القوات الخاصة التركية في كردستان العراق , وقصف القوات الأمريكية لبلدة تل عفر التركمانية في العراق . و بالتالي لم تعد واشنطن معنية كالسابق بإرضاء تركيا من خلال الضغط على حلفائها الأوروبيين لتسهيل انضمامها , مما يفرض على أنقرة التقدم بخطوات جادة في الإصلاحات حسب معايير كوبنهاغن .
• سعي تركيا إلى الحصول على إعادة التوظيف الإستراتيجي لدى الولايات المتحدة , من خلال الدور القيادي الذي تسعى إليه في مشروع الشرق الأوسط الكبير , ومثل هذا الدور لا يتلاءم مع دولة لديها مشكلة في الديمقراطية .
• استغلال فترة صمت السلاح منذ عام 1999, و التخلص من تكاليف الحل العسكري التي كانت تشغل 30% من القوات المسلحة التركية و تستهلك قسماً كبيراً من الموازنة العامة(4).وفي نفس الوقت تحاول تركيا نزع الطابع السياسي العرقي عن الحركة الكردية عبر إبرازها على شكل (حقوق ثقافية و تعليمية ).من جهتهم يحاول الأكراد سحب ورقة محاربة الإرهاب التي تشن تركيا تحت غطائها حملاتها العسكرية ضد المسلحين و بغطاء شرعي من الولايات المتحدة ,وتصل هذه الحملات إلى داخل الأراضي العراقية ,مما يضر بفرص النجاح لأكراد العراق أيضاً .
•مخاوف أنقرة من مغبة استخدام واشنطن للورقة الكردية في تركيا و خاصة بعد تردد أنباء عن وجود اتصالات بين واشنطن و مجموعات كردية كردية منشقة عن حزب مؤتمر الشعب(pkk) سابقاً , وبالتالي ستسعى أنقرة إلى طرح المزيد من القوانين في محاولة لاستمالة الأكراد و قطع الطريق عليهم في أي محاولة للاتصال بواشنطن بشكل جماعي , مما يعني أنها تراهن على انشقاق حزب مؤتمر الشعب kongra gel وهو ما وقع فعلاً .
و بالرغم من انفراج الموقف نسبياً إلا أن تقرير منظمة العفو الدولية عامي 2003-2004 تحتوي الكثير من الانتقادات و الشواهد التي تؤكد أن النظام الأمني و الإداري في تركيا لن تسمح بسهولة بتطبيق الإصلاحات .
وهذا التباطوء في تطبيق الإصلاحات وعدم الالتزام التركي بوقف إطلاق النار دفعت قوات حماية الشعب HPG الجناح العسكري لمؤتمر الشعب ,إلى الإعلان عن التخلي عن وقف إطلاق النار مجددا في 2أيلول 2004.
و يعلق محمد متينار المتحدث باسم حزب الديمقراطية من أجل الشعب حول العائق الأمني :كلما تحدثنا قالوا لنا الأمن , و بسبب هذا الأمن تأخرت مسيرتنا نحو الديمقراطية, كيف تستطيع أن توفر الأمن ؟ من خلال ثقة الدولة بمواطنيها و عدم اتهامه بالنزعة إلى الانفصال أولاً ,و ثقة المواطن بدولة تعامله دون تمييز ثانياً.(5)
أين يقف الإتحاد الأوروبي؟
في جلسات البرلمان الأوروبي الموحد في شباط 1999أشار إلى أن القضية الكردية هي قضية دولية لها تأثير على الدول الأوروبية.لكن هناك ما يخلط اليقين بالشك لكل من الأكراد و الأتراك بالنسبة لحقيقة الموقف الأوروبي :
ففي الوقت الذي يساند فيه الإتحاد الأوروبي القضية الكردية في جلساته الرسمية ,إلا أنها ترفض مساعدة القوى و الأحزاب القائمة على المطالبة بالحقوق الكردية , فقد أدرجت حزب مؤتمر الشعب ضمن قائمة المنظمات الإرهابية رغم التحول الجذري لهذا الحزب منذ المؤتمر الذي عقده في أيار 2004, وفي وقت يعد فيه الأكراد في أشد الحاجة للنشاط السياسي لهذا الحزب أمام المجتمع الدولي.
وهذا الموقف الأوروبي الذي لم يتغير قبل توقف الحرب و بعدها يدفع تركيا إلى مواصلة حربها ضد بعض المسلحين الذين التزموا بوقف إطلاق النار . و كانت النتيجة سقوط إعلان وقف إطلاق النار و عودة القتال من جديد , و يقول مراد قريلان المسؤول الأول في قوات حماية الشعب (HPG) : إننا في موضع الدفاع المشروع , لقد أوقفنا إطلاق النار ومن جانب واحد مدة خمس سنوات , رفضها الأتراك تماماً .لقد قام الجيش التركي وعلى مدار الخمس سنوات الأخيرة بمهاجمة مواقعنا أكثر من 700 مرة أسفرت هذه الهجمات عن استشهاد 500 مقاتل من مقاتلينا(6)
إن عدم اقتناع أوروبا بأن (PKK) قد تغير تماماً هو إجهاض لمبادرة الحزب حل نفسه ومبادرته للسلام . و يصف مسؤولون أكراد إدراج الإتحاد الأوروبي PKK و الأحزاب المتصلة بها ضمن المنظمات الإرهابية بأنها محاولة ل فرض لوزان ثانية على الأكراد.
و بالرغم من أن المؤسسات المدنية الأوروبية تعالج القضية الكردية انطلاقاً من مبادئ حقوق الإنسان إلا أنه على الصعيد الرسمي فقد دخلت أوروبا في أربعين محاولة في سبيل حل القضية الفلسطينية , فلماذا لم تدخل في محاولة واحدة لأجل حل القضية الكردية ؟ (7)
ويحظى انضمام تركيا إلى الإتحاد الأوروبي بأهمية كبيرة لدى أكراد تركيا , فمن جهة تدفع الأتراك إلى الإسراع في الحل , ومن جهةً أخرى تعطي إمكانية طرح القضية الكردية في مجالس الإتحاد الأوروبي وتدويل القضية فيها. وهذا ما دعا إليه عبد الله أوجلان من سجنه في كانون الأول 1999 إلى قبول عضوية تركيا في الإتحاد الأوروبي , لأن من شأن ذلك تحسين وضع حقوق الإنسان في تركيا .
و بالرغم من ذلك فالأكراد لا يعولون كثيراً على الإتحاد الأوروبي ,و منذ إعلان وقف إطلاق النار يحاول الأكراد الدخول في حوار مباشر مع الحكومة التركية ,حتى أنهم ما لبثوا يعلنون بأنهم لا يبحثون عن الحل و التحرر لدى الإتحاد الأوروبي و لدى الولايات المتحدة الأمريكية بل يبحثون عن الخلاص في الديمقراطية .
إن تمسك الإتحاد الأوروبي بإجراء تركيا بإصلاحات في مجالات أخرى ( مثل قانون العقوبات الذي يجرم الزاني ) , وعدم إصرارها بنفس القدر بتغيير السياسة التركية الذي يجرم شعباً بكامله إذا طالب بحقوقه كافية بإقناع الأكراد أن الإتحاد الأوروبي يريد الاحتفاظ بالورقة الكردية كوسيلة تعرقل بها انضمام تركيا بعد استهلاك القضية القبرصية بهذا الشأن .
ومثل هذا التصور دعا عبد الله حجاب المسؤول في حزب مؤتمر الشعب إلى مناشدة الجهات الدولية و عدم المتاجرة بالقضية الكردية.
وعدم وجود موقف أوروبي واضح من تركيا أولاً و الأكراد ثانياً , بالإضافة إلى سكون أوروبا إلى الهاجس الديني بخصوص تركيا , وتركيزها على الأقليات الدينية الذين يشكلون أقل من 1% من سكان تركيا أكثر من الأقليات العرقية الكبرى ..كل ذلك أدى إلى ظهور بوادر تحول لدى القائمين على السياسة الكردية مترافقة مع التغيرات التي يشهدها الشرق الأوسط , وظهور هوة واسعة بين الإستراتيجية الأمريكية و الثوابت التركية في المنطقة ,فقد دعا زبير أيدار زعيم حزب مؤتمر الشعب KONGRA GEL في تموز 2004 الولايات المتحدة لحض أنقرة على إجراء الحوار مع أكراد تركيا . (8)
وتشير المعطيات الحالية إلى وجود اتصالا ت بين واشنطن و مؤتمر الشعب .وما يدعم ذلك هو الانشقاق الداخلي الذي حدث في صفوف KONGRA GEL و الذي ظهر فيه اتجاه العودة إلى السلاح الذي يقوده عثمان أوجلان مع قوات حماية الشعب , والذي يؤيد فيه الاتصال بواشنطن و الاستفادة من التناقضات التركية الأمريكية.
في ظل هذه التطورات بات من المحتم أن الإتحاد الأوروبي لم يعد قادراً على استخدام الورقة الكردية فقط لعرقلة تركيا ,بل ينتظر منها أن تضغط باتجاه حل شامل للقضية الكردية ,فلها مسؤولية أخلاقية و تاريخية تجاه الأكراد في الشرق الأوسط . وإذا لم تقم الجهات المسؤولة بإيفاء ما عليها فإن الأكراد ربما سيصبحون مصدراً للمآسي في القرن الواحد و العشرين.
المصادر:
1. :كردستان ودوامة الحرب, دار الحكمة, لندن , الطبعة الأولى2002,عن ديفيد مكداول,ص22
2. مقابلة في قناة الجزيرة, 4-4-1999
3. عبد الله أوجلان : لقاء مع محاميه في أيار 2002
4. سليمان المدني : تركيا اليهودية , دار الأنوار , بيروت , الطبعة الثانية 1998 ,ص211
5. مقابلة في قناة الجزيرة في 14-3-2003
6. طارق حمو, موقع حزب الإتحاد الديمقراطي (pyd) على الإنترنت
7. عبد الله أوجلان ..مرجع سابق
8. صحيفة المستقبل , بيروت , تموز 2004 , العدد 1633.[1]