في تاريخنا الفن والأدب
هركول كوجر
«الفن إبداع معنوي، تجديد وإنشاء، بناء وانبعاث…. خلق وروعة وجمال. الفن معرفة لا نهاية له، تنوير إلهي وكشف للأسرار، حل لفك رموز الحقيقة » الإنسان كائن اجتماعي في حالة البحث والتعمق المستمر طوال حياته. عندما ارتبط الفكر بالكد )العمل الهادف( وحتى قبل ذلك وحتى يومنا هذا، الحياة المعنوية أو الجانب المعنوي للحياة له أهمية بقدر الجانب المادي منه. لأن الإنسان كان دائماً يحتاج إلى قوة روحية تساعده في تقوية صموده المعنوي أمام المصاعب. ولهذا السبب دخل الإنسان في أعماقه من خلال الخيال المكثف وطار في آفاق روحه لكي يبحث عن الأجوبة حول نفسه وحول محيطه. وهكذا استطاع الغوص في عالمه الداخلي دون أن يفقد بوصلته وبدون يأس وانهيار.
في البداية رأى الإنسان نفسه ضعيفاً أمام قوى الطبيعة، لذا لجأ إلى روحه )عالمه الداخلي( بحثاً عن قوة تساعده في الصمود أمام قوى الطبيعة الجبارة. بعد هذه المرحلة، بحث أو فتش عن طرق الحل للمصاعب التي واجهته بسبب التناقضات والمشاكل التي ظهرت في حياة المجتمع والتي سببت له أزمات لا حدود لها!
ظاهرة الفن في جميع الأزمنة تشكلت أو ظهرت على بنية هذا البحث والتفتيش المتغير للإنسان وجاءت كنتيجة لهذا الجهد الإنساني المعنوي الهادف إلى خلق ميدان يتنفس فيه الإنسان المتأزم من شدة التناقضات الاجتماعية والكوارث الطبيعية. إذا،ً الإنسان رأى نفسه منجذباً نحو الفن بسبب ضعفه أمام المصاعب الطبيعية والاجتماعية )من القوى الطبيعية والقوى الاجتماعية المتحكمة بحياته( ومحاولته في معرفة روحه وعالمه الداخلي الذي لجأ إليه بحثاً عن طريق للحل. ويمكن القول بأن الفن كظاهرة معنوية روحية وجمالية نشأ وتطور على هذا الأساس الإنساني والتاريخي. ويقول المفكر ع . أ في إحدى مقابلاته ما يلي حول هذا الموضوع: «بسبب عدم تمكن الإنسان من حل تقربه أمام الطبيعة عن طريق العلم والسياسة بشكل تام، وعدم الاشباع أو إغناء روحه بالأدوات المادية، اتجه نحو شكل آخر من الإغناء، أي اتجه أو انجر نحو الفن ». وكما يقول المفكر الألماني فيشر بصدد هذه المسألة: «من أجل أن يتمكن الإنسان تذليل المصاعب وكوارث الطبيعة، اكتشف الفن .»
الفرد والمجتمع هما في حالة تغيير مستمر كظواهر اجتماعية حيّة لا ثبات في وضعها أبداً! عندما ينتقلون من مرحلة إلى أخرى من التطور فأن الفن أيضاً يرافقهم ويشترك معهم في هذا التغيير والتطور وكما لعب دور الموجه والمساعد في هذه المعملية. لذا فأن نوعية الفن في هذا التحول الاجتماعي هي الظاهرة التي تغيرت وغيرت في نفس الوقت. في هذه الحالة يقوم الفن بتنوير الطريق أمام الإنسان ويوجهه ويلعب دور حيوي في تغيير نمط حياته نحو الأفضل. يقول
أ. كاموس »E.CAMUS« ما يلي في هذا المجال: «لو كان العلم في حالة من التنوير والوضوح لما ظهر الفن ». إذا يؤكد كاموس بأن «الفن يلعب دوراً ذا أهمية كبرى في عملية تنوير وتوضيح الظواهر في عالمنا .»
هذه الظاهرة المرتبطة بحياة الفرد والمجتمع بهذه الدرجة العميقة من الارتباط الحيوي، تفسيرها وتعريفها من الناحية الفلسفية والاجتماعية والمصطلحية سوف يفيد موضوعنا كثيراً.
الفن كمصطلح يعني الخلق والإبداع. الخلق يعني إيجاد شيء جديد مميز أو مختلف عن المألوف، وكما يعني إعطاء الروح لشيء ما. والإبداع أيضاً قريب من الخلق، لأن الإبداع يعني القيام بخلق شيء له قيمة جمالية واجتماعية إنسانية، وكل شيء بديع، جميل وجذاب وقريب من عواطف الإنسان وروحه. إذا الفن هو عمل بناء وتجديدي. أما من الناحية الفلسفية والاجتماعية، يمكن تعريف الفن من هاتين الناحيتين بمعاني متعددة أو اعطاء تعاريف متعددة لها، لأن «الفن هو عملية الخلق والإبداع عن الإنسان » كما ذكرنا أعلاه، ولهذا فأن الفن هو الحياة بذاتها. بهذا المعنى فأن الفن هو لغة التاريخ. الفن هو التجديد والتنوير والحب والتكثيف في ظاهرة الخيال والفكر هو القراءة والفهم والنجاح. الفن هو ترميز الخيال والفكر بأسلوب جمالي، لأنه قراءة جدية للحياة وفهم عميق لها وانتصار لا رجعة فيها على كل ما هو شيء! وبنفس الوقت هو تحليل لدقائق الأمور وتوضيح مكثف لتعقيداتها. لذا الفن هو نظرة عميقة جداً إلى الحياة الإنسانية بكل تفاصيلها. «الفن يشبه النهر، لأن النهر ينبع من المنبع )المصدر( ويجري بحرية ثم يصب في البحر، الفن أيضاً ينبع من الإنسان، يظهر إلى الوجود بحرية ويتحول إلى قيمة للمجتمع كله، لذا له صفة كونية .»
هكذا إذا نرى بأن الفن هو حياة الإنسان بعينها. ويرى تمثيله أو تجسيده في الظواهر الحاصلة في البيئة الطبيعية والحياة الاجتماعية والتأثير الذي تتركه هذه الظواهر في عالم الإنسان الروحي الداخلي.
حيث يتحول هذا التأثير أو الانعكاس )الفكري العاطفي( إلى نتاجات فنية بيد الإنسان نفسه، هذا التأثير المباشر يتحول إلى صوت موزون جميل ودقات موسيقية منظمة وحديث مؤثر وكتابة لها قواعد معينة ومنظر خلاب وجميل وهيكل حي أو إلى حركة لها معاني جمالية وفنية. هكذا يرى الفن تجسيده في الإنتاج الجمالي المعنوي للإنسان. وما عدا هذا كله، فأن الفن يرى تجسيده في الأفكار والخيالات والمقترحات الهادفة إلى تصوير مستقبل ما للإنسان. إذاً الفن هو ممارسة الحياة بشكل دقيق وذو معنى وفهم الطبيعة والمجتمع والإحساس بها. يقول المفكر ع. أ ما يلي بهذا الصدد: «إنني أدخل في الهيجان برائحة التراب وبضباب يحمل المطر وبصوت العصافير وظهور قوس قزح وبضربات البرق والرعد ». أي أن الذي لا يتأثر بكل هذه الظواهر لا يستطيع أن يبدع في الفن، لأنه يفقد الهيجان والعاطفة والإحساس العميق بالطبيعة والإنسان والمجتمع.
لاشك أن الإنسانية ترى حقيقتها العارية وجوانبها المعقدة وغير المعروفة في مواضع الفن. بهذا المعنى، الفن هو مرآة حقيقية تعكس حياة الإنسان. يمكن أن نشعر بما يدور في أعماق الإنسان من أحاسيس ومشاعر من خلال فروع الفن المتعددة فالرسم والسينما والمسرح والموسيقى والغناء الشعبي التراثي كلها نتاجات معبرة عن أحاسيس الإنسان وأشواقه وبحاره الداخلية العميقة.
وكما أن الفن يرى تجسيده الكتابي في الأدب بكل فروعه. ولذا، فالأدب هو فن الكتابة الجميلة المبدعة، وهو )أي الأدب( أوسع مجال في الفن الكتابي. والأدب كمصطلح قريب إلى الفن بشكل كبير جداً ويكاد لا ينفصل عنه. ومن حيث التعريف لا يوجد فروق جوهرية فيما بين الأدب والفن. والمصطلحين يستعملان معاً.
حيث نرى في أغلب الحالات هاتين الكلمتين إلى جانب بعضهما البعض. ولكن كما هو معروف، الأدب يمتاز بالاسلوب الكتابي للفن على الأغلب. أما من الناحية الإنسانية، كلاهما يحاولان إعطاء جوهر جديد وشكل جديد لحياة الناس بينما يختلفان بعض الشيء في أسلوب التعبير فقط. فالفن كما هو معروف يعطي الأهمية لما هو مسموع بالأذن ومشاهدة بالعين )الغناء، الرسم…(، بينما الأدب )على الرغم من اسلوبه الكتابي في التعبير( يعطي الأهمية لجميع أجهزة الحواس عند الإنسان.
الأدب بشكل عام هو «ربط الكتابة والحديث بموازين وقواعد معينة أو إيصال الكتابة والحديث إلى مستوى تتمتع فيه بالموازين والقواعد ». ولكن كل نتاج كتابي له قواعد وموازين معينة لا يعني أنه نتاج أدبي! النتاج الأدبي يتمتع بالرموز والتشبيهات والتصويرات المؤثرة، ضمن سياق كتابي أو كلامي منظم وفي إطار مرتبط ببعضه البعض بشكل كلي. مثل هذا النتاج دون شك له صبغة وصفة أدبية تامة. وكل هذا يرى تجسيده في الأعمال الروائية والقصصية والشعرية والنثرية والخطابية إلى جانب نتاجات مثل المذكرات واليوميات والتجارب الأدبية والرسائل والملاحم والسيناريوهات )السينمائية والمسرحية( وما شابه ذلك من أعمال. أما أهم عمل أدبي في يومنا )عصرنا الحالي( يرى تجسيده على الأكثر في الرواية. لأن الرواية هي عمل واسع ومفصل أكثر من الأعمال الأدبية الأخرى.
الأدب كمصطلح من الناحية المعنوية يشتق منها مفاهيم مثل التربية والتقيد بالجميل في مسألة التصرف والتعامل اليومي، أي التصرف بلباقة وتهذيب وبمعايير اخلاقية حسنة. إذا من الوهلة الأولى نرى بأن هذا المصطلح له علاقة كبيرة بحياة الإنسان الطبيعية والاجتماعية. معروف لدى مجتمعاتنا الشرقية، إذا قام أحد ما بتصرف غير مألوف لدى الجميع، يتهمونه ب «قلة الأدب والتربية .»
ولكن هذا المصطلح له استعمال أوسع من هذا بكثير، فإلى جانب تربية الإنسان، هناك تربية الجسد وتربية العواطف والأحاسيس وحتى هناك تربية القلم والكتابة أيضاً. طبعاً كلمة التربية لا تعني فقط الوصول إلى الجميل والتمسك بما هو أفضل وأجود. وبشكل مختصر ومفيد يمكن القول بأن التربية )الأدب( تعني الوصول إلى الموازيين في كل شيء، واعطاء النكهة الجمالية لكل شيء هام. مثلاً الذي يريد أن يصل إلى مستوى الإنتاج الأدبي، لا بد أن يتمتع بعواطف وأحاسيس مؤثرة وبمشاهدة جمالية غير عادية وبعيون نافذة تستطيع رؤية ماهو موجود وراء الستار. بدون هذه المميزات كيف يمكن كتابة شعر مؤثر أو رواية أدبية؟
كما أن الفنان السينمائي لا يستطيع أن يقوم بدوره بشكل جيد، دون أن يعطي توجيهاً تربوياً لحركته وصوته وملامحه المتعددة أثناء التمثيل. والمغني أيضاً مجبر على ترويض صوته وتربيته بشكل جيد حتى يصل إلى مستوى صوت فني له نكهة جمالية معينة ومؤثرة.
إذا الفن والأدب يستندان إلى ظاهرة واحدة هي التربية )الترويض(. إن الهدف من هذا كله دون شك، هو إغناء حياة الإنسان أي جعل الفرد يعيش بسلام مع نفسه ومحيطه، وكما يتصرف مع الطبيعة على أساس إنساني بعيد عن الأنانية والهمجية. الغاية الأسمى للفن والأدب هي الإنسان نفسه. فعندما يصل الإنسان إلى مستوى يستطيع فيه فتح علاقة ناضجة ومتوازنة وصحيحة مع أخيه الإنسان وبنفس الوقت يستطيع فيه أن يتعامل مع الأشجار والأزهار والعصافير بأسلوب راقي ومهذب، فأنه حقاً سوف يتمكن من العيش مع نفسه )مع عالمه الداخلي( أيضاً بسلام ووئام.
كلمة الأدب أيضاً لها أساس تاريخي. هذه الكلمة أقدم بكثير مما يتصوره البعض حسب إطلاع المفكرين وملاحظاتهم. فهي بالأصل كلمة سومرية وقد انتقلت إلى الاكاديين ومنهم إلى البابليين والآشوريين وبعد ذلك وصلت إلى يومنا هذا. هذه الكلمة تأتي من كلمة أدوبا، أدوبا هي اسم مدينة سومرية لها أهمية خاصة في مرحلة الدولة السومرية ) 4000 3500 ق م ( فقد كانت أدوبا مركزا أكاديمياً لدراسة الأدب السومري )الأساطير، الحكايات، حكايات الآلهة…( وتدوينها هناك على اللوحات.
لذا جاءت كلمة الأدب من هذه المدينة التي امتازت بتدوين نتاجات الإنسان على اللوحات لأول مرة في تاريخ الإنسانية.
ومع مرور الزمن تحولت كلمة «أدوبا » إلى الأدب. ومعروف بأن الرهبان السومريين، الذين كانوا يقومون بعملية التدوين هذه في أكاديمية أدوبا المركزية، كانوا يتمتعون بثقافة مزدوجة، نصفها آرية ونصفها الآخر سامية بالإضافة إلى ثقافتهم المحلية الأصلية.
العلاقة بين الأدب والسياسة، الفن والأدب مرتبطة بالسياسة بعلاقة متينة على الدوام. ولم تتطورا بشكل مستقل عن السياسة في أي وقت كان. ودخلتا في خدمة السياسة بشكل أو آخر في كل الأزمنة تقريباً. «وخاصة عندما لم يتمكن الإنسان أن يحلل موقفه بشكل علمي تماماً تجاه الطبيعة والسياسة، وأيضاً عندما لم يفلح في اشباع روحه بالماديات، دخل في البحث عن شكل مختلف من الإشباع أي دخل في مجال الفن » )ع . أ حول الفن والأدب(.
الأفكار والايديولوجيات تحاول إلقاء الضوء على مصالح المجتمعات أو الطبقات في مراحل معينة وهي تمثل مصالحها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية العامة. بينما الفن والأدب تعبر عن معنوياتها وروحها الثقافية ونفسيتها وعالمها الداخلي. فالفن والأدب يلعبان دور العامل المساعد للفكر والايديولوجيات والسياسات الناتجة عنها. لأنهما يقويان المعنويات والإرادة والحالة الروحية للمجتمع. لأن الإنسان عندما يواجه العقبات ولا يرى لها حلولاً فكرية وايديولوجية سياسية فأنه يدق باب الفن والأدب ويبحث عن الحلول في هذا المجال.
دون شك مثلما يؤثر الفن والأدب على الأيديولوجيات والسياسة، فأن الأيديولوجيات والسياسة أيضاً تؤثران على الفن والأدب ويتركان بصماتهما على الأثنين معاً. لم يشهد التاريخ فناً وأدباً لم يتأثر بالفكر والسياسة، كما لم يشهد في نفس الوقت فكراً أو سياسة غير متأثرتين بالفن أو الأدب. الفن والأدب يفتحان الطريق أمام انتشار الفكر والايديولوجيات بطرق وأساليب سهلة وسريعة.
في العهود الأولى من تاريخ نشوء الدولة والمجتمع الطبقي، كانت النتاجات الأدبية تشكل نفس الوقت الاطار الأيديولوجي والفكري للنظام الحاكم في تلك المرحلة. الميثولوجية «الأسطورة » الكتابية الأولى في التاريخ الإنساني هي ملحمة كلكامش السومرية. وهي تعبر عن نشوء نظام الدولة والطبقة والمدينة لأول مرة في تاريخ البشرية.
«الاسطورة السومرية تشكل البنية الأساسية للهوية الأيديولوجية للمجتمعات الطبقية في جميع مراحلها، هذه الاسطورة هي المصدر الذي لا يجف ولا ينتهي لجميع الكتب المقدسة والتي تلعب دورها كمصدر في تطوير الفلسفة والأدب ». )ع . أ حول الأدب والفن( على الرغم من هذا التداخل الكثيف بين الايديولوجيات والفن )طبعاً الأدب أيضاً(، علينا أن نذكر الفروقات بينهما ونميزها عن بعضهما البعض. الفكر والايديولوجيات والسياسة متعلقة على الأكثر بذهن الإنسان وعقله، وتخاطب العقل والذهن والمنطق.
بينما الفن يخاطب عواطف الإنسان وأحاسيسه وعالمه الداخلي. الإنسان الايديولوجي أو السياسي مجبر على أن ينظر إلى التطورات من ناحية علمية موضوعية ومنطقية. بينما الفنان أو الأديب مجبر على أن ينظر إلى التطورات من الناحية العاطفية الرومانسية إلى جانب النظرة الموضوعية الواقعية، ولكن كلاهما ينظران إلى الحياة بعمق ودقة فائقة.
الأدب أو الفن يأخذ مجراه على الأكثر في المراحل الساخنة أو المراحل التي تحصل فيها الصراعات )العنيف أو السياسي( بين القوى الاجتماعية والسياسية المختلفة. أي عندما يدخل ديناميك )محرك( التطور الاجتماعي في حركة ساخنة وسريعة، يفتح الطريق أمام تطور الأدب والفن أيضاً بنفس الدرجة من السخونة والسرعة. هناك مسألة أخرى يجب الإشارة عليها، في كل انفجار اجتماعي يأخذ الفن أو الأدب مجراه بعد الانفجار أو خلال مرحلة الانفجار نفسها، ولكن في كل انفجار اجتماعي سياسي تنتصر بعض الفئات أو الطبقات أو الجماعات الاجتماعية والسياسية على الأغلب بينما تنهزم بعض القوى الأخرى ونتيجة ذلك تطبع القوة المنتصرة المرحلة والتطورات الحاصلة بطابعها ورؤيتها السياسية الفكرية والثقافية. لذا تطبع هذه القوى النتاج الفني والأدبي أيضاً بطابعها. وعلى هذا الأساس يمكن القول بسهولة، أن لكل طبقة أو قوة اجتماعية نظرتها الخاصة بها في مجال الفن والأدب، أي لكل ايديولوجيا أو فكرة سياسية نظرة وأسلوب خاص بها.
النتاج الأدبي والفني كما ذكرنا أعلاه، يظهر بشكل مكثف في مراحل انتقال المجتمع من تشكيلة اجتماعية معينة إلى تشكيلة اجتماعية أخرى. وبسبب الميزة الإبداعية والتجديدية للأدب والفن، تنتقد السياسية القديمة المعيقة للتطور وتقف إلى جانب التغيير بشكل عام وتخدم سياسات القوى الاجتماعية الجديدة. في مراحل ظهور النظام العبودي تطور الأدب والفن حسب خصوصيات المرحلة الجديدة من تاريخ البشرية، لذا ظهرت آثار فنية في مصر القديمة واليونان ومزوبوتاميا وروما وما زالت هذه النتاجات الفنية تشكل عجائب الدنيا في هذه المرحلة. في مصر هيكل أبو الهول والإلهة ايزيس وهيكل أبو سنبل )هيكل رعمسيس الثاني( وفي أكروبول أثينا هيكل الإلهة أثينا والإله بوسيدون وفي مزبوتاميا هياكل الإلهة عشتار والإله ماردوخ ….. الخ. كل هذه التماثيل الفنية تلفت أنظار الإنسانية بحيرة وإعجاب في يومنا هذا. إلى جانب ذلك هناك النتاج الأدبي الأول في مزوبوتاميا على شكل أساطير مثل كلكامش وعشتار والتي تحوي الجانب الروحي والعاطفي والمعنوي والذهني والخيالي للبشرية وبشكل يُضرب له المثل في أيامنا. وكما أن البشرية خلفت ورائها نتاجات فنية وأدبية راقية وقيمة في مرحلة التطور نحو النظام الرأسمالي في عصر النهضة الأوربية )مثل الآثار الفنية لليونارد دافنشي ورفائيل( وعصر التنوير الأوربي فيما بعد وكما حصل نفس التطور في مرحلة تهيئة روسيا للثورة الاشتراكية وخصوصاً في مجال الرواية الأدبية والشعر والمسرح.[1]