#صباح كنجي#
من خلال تتبعي لما كتبَ عن بدايات انتشار الفكر الماركسي في العراق لحد اليوم ، وجدتُ أن غالبية الكتاب والمؤرخين الذين تناولوا الموضوع قد أكدوا على هذه البدايات من خلال الحلقات الماركسية الأولى التي اشترك فيها يوسف سلمان يوسف فهد وشقيقه داود ، حسين الرحال وشقيقته آمنة ، عبد القادر إسماعيل وشقيقه يوسف أبناء عم الرحال ، وزكي خيري وعاصم فليح والخياط الآشوري المهاجر من العمادية إلى جيورجيا بطرس فاسيلي بيوتر فاسيلي ، و الأرمني أرسين كيدور ومحمد سليم فتاح وحسين جميل وعبد الفتاح إبراهيم وزكريا الياس دوكا وغالي زويد من البصرة وعبد الحميد الخطيب .. الذين أسهب المؤرخ حنا بطاطو في شرحه التفصيلي لأدوارهم من خلال تتبعه لأولى خطواتهم.
كذلك أورَدتْ المصادر ذاتها وأسهبت في تعداد الأماكن والمؤسسات التي ساهمت في نشر الفكر الماركسي ابتداءً من .. نادي التضامن وجمعية مكافحة الاستعمار في بغداد ، ومسجد الحيدرخانة ونادي الشبيبة في البصرة ، التي انبثق منها لاحقاً جمعية الأحرار التي تطورت إلى الحزب اللاديني ، ومكتبة مكنزي وحي باب الشيخ والناصرية كمدينة هيأت بحكم وجود فهد فيها الإمكانية لمركزة العمل وتنسيقه من اجل زرع بذور الشيوعية في العراق.
لا بل هناك دور فعّال في نشر الفكر الماركسي في العراق من خلال مؤثرات وفعاليات أممية غير عراقية في مقدمتها .. الدور الفاعل للقنصل السوفيتي في المحمرة وعدد من المثقفين والسياسيين في بيروت ودمشق وفلسطين بالإضافة إلى برلين في ألمانيا التي شهدت ولادة منظمة سبارتاكوس ومتاريس شوارع برلين مطالبة بحكومة عمالية وما أعقبها من تفاعلات نشرتها جريدة الحرية (دي فرايهات) ساهمت في تشكيل الوعي الطبقي للرحال الذي كان حينها طالباً في برلين يتلقى دروسه ومعها أولى مفاهيمه الماركسية من نقاشات يجريها مع أقرانه من الطلبة الألمان ..
جميع هذه المصادر أغفلت قناة مهمة أخرى لم تتطرق أو تشير إليها ولو مرة واحدة .. اقصد بها قناة رجال الدين الأيزيديين الذين كانوا ينتقلون بين العراق ومجموعة دول روسيا القيصرية أرمينيا وأذربيجان و تركمانستان وجورجيا في آسيا الصغرى ، عبر إيران وتركيا من خلال التجوال المنتظم بين سلسلة القرى الأيزيدية وهم ينتقلون مصطحبين معهم السنجق من قرية إلى أخرى في تقليد ديني يتكرر في سنة يستغرق أربعة اشهر ذهاباً وإياباً ..
هذه الحركة التي أكدها ووثقها المؤرخ والكاتب صديق الدملوجي في كتابه المعنون .. اليزيدية .. (جرت العادة منذ القديم أن يرسل أمير الشيخان كل سنة سنجقاً إلى اليزيدية القاطنين في بلاد الروس لجمع نذورهم وخيراتهم. وآخر سنجق أرسله كان قبل نشوب الحرب العالمية الأولى بزمن قليل ، واختفت معالم هذا السنجق وطمس خبر القوالين الذين ذهبوا به خلال سني الحرب وبعدها ، وأخذت الظنون تحوم حول ذهابهم ضحية الويلات التي أولدتها الحرب وانقطع منهم حبل الرجاء ونسي خبرهم)1.
تؤكد الوقائع التاريخية ذهاب وسفر القوالين من بحزاني وبعشيقة إلى مناطق الأيزيدية في تلك البلدان .. من بين الرحلات العديدة للقوالين يمكن الحديث عن رحلة عام 1913 ، وذهاب القوال حسين مع مجموعة من زملائه إلى تلك القرى التي أسفرت ملابسات وتعقيدات الحرب الكونية عن بقائهم في روسيا بين قرى الايزيدية لمدة 17 عاماً لا يعرف شيئاً عنهم ، إلا ما وردَ تلميحاً لوجودهم في رواية (وجاءَ الربيع) ل حاجي جندي .. ( بالإضافة إلى ذلك فقد اجتاح نبأ حول قدوم القوالين إلى ديفور . وذات مرة طار على وجه السرعة الى قرية فيهرم وعلى حصان أسود رسول من طرفهم وأسمه حسين. أوقف حصانه في وسط القرية وأعلن بأن خدم الإله القوالين على وشك القدوم إلى ديفور. وأنهم يحملون معهم السنجق. ثم اختفى الرسول ) 2 ..
مما دفع الأمير سعيد بك الذي كان يعتقد أنهم مازالوا على قيد الحياة للبحث عنهم .. (في عام 1927 أرسل قواليَنْ من قرية بحزاني إلى جهة أيرفان للبحث عنهم ، ولكن هذين القوالين أيضاً ذهبا ولم يرد منهما خبر. وبعد أن انصرفت الأفكار عن هذه البعثة ولم يعد احد يذكرها ، وردَ إلى الأمير كتاب من القوال حسين بن القوال آدو من أيرفان يعلمه أنه ورفاقه على قيد الحياة عدا شخصين منهم ، وأن القوالين اللذين أرسلهما أخيراً للبحث عنهم التحقا بهم إلا أن حكومة الروس السوفيتية قد حجزت عليهم ولم تدعهم يخرجون من بلادها ، وطلب من الأمير اتخاذ وسيلة لأجل إرجاعهم إلى محلهم. فراجع الأمير رجال السلطة من الانكليز في العراق وطلب إليهم التوسط لدى حكومة الروس بالأمر فأجابوه ، وبعد مخابرات دامت نحو سنة وافق الروس على إخراجهم من بلادهم واركبوهم باخرة تجارية وأرسلوهم إلى جزر بريطانيا ومن هناك جاؤوا إلى العراق وقد مضى عليهم خمسة عشر سنة)3 ..
عاد القوال حسين ليروي للناس ورجال الدين تفاصيل معاناتهم في الحرب العالمية الأولى ونتائج المتغيرات الهامة لثورة أكتوبر التي اشترك جيل من الثوريين الأيزيديين بفاعلية في الأعداد والمساهمة فيها ، وثقت جزءً من تفاصيله الرواية التسجيلية الراعي الكردي ل عرب شميلوف ..
(اقبل عيد الأول من أيارعيد العمال فاستعدت المنظمة البلشفية السرية التي انتمي إليها ، وهيأت لهذا اليوم عدته ، كنا قد عزمنا على إقامة مهرجان أو تجمع ندعو إليه العمال والجنود لنشرح لهم المبادئ البلشفية والأسباب التي تجعل الحكومة المؤقتة أن ترفض إرساء دعائم السلام وإنهاء حالة الحرب .. كان من أهدافنا وقف الحرب ودعوة الجنود إلى التمرد .. وكان واجبي الحزبي يقضي بأن أنشر بين الناس تعاليم الشيوعية وأوزع بياناتها ومنشوراتها السرية .. وكان الزيّ الكردي الذي أتسربل به خير مموه ، فما كان لأحد أن يرتاب أو يشك بأمري بحال من الأحوال .. فبالكوفية وال(شال وشابك) كنت قادراً على دخول أي مكان وأن أندس بين كل الفئات والتقي في زحمة المدينة هنا وهناك بالرفاق وأزودهم المنشورات .. في النهار كنت متفرغاً لعملي ، وفي الليل كان لي شأن آخر .. ذات مرة كنت خارجاً من المخيم وقد حشوت جيوبي بالمناشير ومشيت بحذر وحيطة كمن يحمل على ظهره عبوات ناسفة يخشى أن تتفجر به، وإذا بي التقي بزميلي الألماني شنايدر فتابعت سيري ثم ما لبثت أن التقيت به ثانية في أحد المنعطفات ، كنت قد ظننت أني فارقته وخيل لي آنذاك أن لقائي به كان بمحض الصدفة ولكن تكرر لقائي به في أزقة أخرى. كان يحدق في كلما هممت أن أغيب عن أنظاره وكأنه يحميني من أعين الرقباء ..
وقفت له وابتسمت فقال ضاحكاً وهو يلتفت ذات اليمين وذات الشمال:
أذاهب أنت؟
أجل إني ذاهب فمالي أراك متسكعاً هنا وهناك؟
انك تراني كذلك .. خذني معك أرجوك؟
قال ذلك بحماس يشوبه الألم ، نظرت إلى عيونه ملياً وقلت : إلى أين؟
إلى حيث أنت ذاهب.
ولماذا؟
أحب أن آتي معك إني أعرف ..
ماذا تعرف ؟ قل .. ضحك شنايدر قائلاً : لا تخشى شيئاً ولا تكتم عني أسرارك.
مم أخاف ؟ فقال هامساً أني أعرف واعرف منذ زمن طويل ، ثم ربت على جيوبي المحشوة بالأوراق وأردف : أجل يا شمو .. اذهب رابط الجأش وأنا هنا ثم تابع سيره بهدوء وهو يصفر دون مبالاة. فتبعته وأمسكت به قائلاً : شنايدر أأخبرت بذلك أحداً؟
أمعتوه أنت ؟ أيستطيع المرء أن يفضي بمثل هذه الأمور إلى كائن من كان؟) 4
وبحكم تواجد القوال حسين ومجموعته هناك ومواكبتهم للأحداث والتطورات الجديدة ، ساعدهُ في ذلك إلمامه بالعديد من اللغات التي أتقنها وتعلمها .. إذ يؤكد معاصروه انهُ كان يجيد الأرمينية والروسية والشركسية عند عودته للعراق عام 1929 إضافة إلى العربية والكردية ، تعرفوا على الفكر الشيوعي واختلطوا بالعديد من الشيوعيين وتأثروا بهم ، مما جعل هذه العودة التى ساهمت السيدة ميان خاتون في بترتيبها بعد أن اتصلت بالمندوب السامي البريطاني وعدد من السفراء وطلبت منهم الاتصال بالحكومة السوفيتية لترتيب أمر إعادة القوالين المتواجدين في الاتحاد السوفييتي ، ليعودَ عبر لندن اثنان منهم إلى بحزاني نزلا في بيت الكوجك سنجو الشخصية المتنفذة والمعتبرة آنذاك بين الايزيديين ..
كانت عودة القواليَن محملة بأفكار ومعطيات جديدة ناجمة عن معرفة وإدراك عميق لأوضاع دول الاتحاد السوفيتي وسياسة الشيوعيين وطبيعة تعاملهم مع الأيزيديين وبقية الشعوب وينقل عن ذلك معاصروه:
انهُ بدأ يتحدث للناس عن سياسة البولشفيك في الدفاع عن حقوق العمال والفلاحين الكادحين المنخرطين في صفوف المجالس المشكلة في المدن والقرى وتعاملهم المنفتح مع الايزيديين ، فدخلت مصطلحات ومفاهيم جديدة في لغة التداول اليومي توصف طبيعة الصراع الاجتماعي بين الإيزيدية ، وهو في جوهره صراع بين الفلاحين الكادحين وأطراف من بيت المير الأقرب إلى الإقطاعيين بالوصف الطبقي التقليدي .. حيث انقسمت أطراف الصراع إلى بلجويك و منجويك في استعارة تشبيهيه لما جرى من صراع في روسيا بين البولشفيك و المنشفيك ..
لقب بالمنجويك بالإضافة إلى عائلة المير التي كانت تمر بمرحلة صراعات داخلية حادة في اعقاب مقتل الأمير علي بك في قصره عام 1913، وتفاعلاتها التي قسمت العائلة الى فريقين متضادين، عدد من القوالين الملتفين حولهم في المقدمة منهم القوال سفو وأقربائه من عائلة القوال حسن وعدد من شيوخ العشائر التابعين لعائلة المير ..
أما البلجويك الذين التفوا حول القوال حسين العائد من الاتحاد السوفيتي الذي لقِبَ بقوالي صور/سور أي الأحمر و المتضامنين معه من أهالي بحزاني في مقدمتهم القوال باسو ابتداء من وصوله واستقباله الجماهيري الذي يؤكده الفقير حجي .. انه يتذكر يوم عودة القوال حسين والاحتفالات التي رافقت قدومه عام 1929 بعد 15 عاماً من مغادرته، وسمعَ منهُ لأول مرة أسماء لينين وستالين مشفوعة باهتمامهم بالأيزيدية .. مع أخبار القوالين الذين بقوا هناك ووفاة القوال حسن زيري في جمهورية أرمينيا ..
في كتاب.. الإيزيدية.. ينقل الدملوجي من خلال حوار مطول.. بعنوان ملاقاة مع القوال حسين بن القوال آدو الباعذري .. (قصدتُ مرقد الشيخ عدي يوم 13 -06- 1930 بغية الملاقاة مع القوال حسين والوقوف منه على يزيدية تلك البلاد فوجدته رجلا في مقتبل العمر يحسن التكلم بالتركية والروسية وشيئاً قليلاً من الأرمينية و الجركسية ، قد هذبه الاغتراب وأوسع في عقله. وبعد أن أفهمته الغاية التي أتيت إلى المرقد المبارك من اجلها أجابني انه سوف لا يدخر وسعاً في إيقافي على كل ما أروم الإطلاع عليه .. ثم أخذت القي عليه الأسئلة ..
س: كم كانت مدة إقامتكم في بلاد السوفييت؟
ج: خمس عشرة سنة
س: هل واصلتم المير بأخباركم طيلة هذه المدة؟
ج: نعم إننا لم نذخر وسعاً في مواصلته بأخبارنا منذ اليوم الذي وطأت أقدامنا هاتيك البلاد.
س: كم كان عدد القوالين الذين كانوا معك بهذه الرحلة ، وهل عدتم جميعاً أم تخلف احد منكم؟
ج: كنا سبعة قوالين : خليل بن القوال خدر ، و رشو بن القوال مراد ، و الياس بن القوال برو ، وحجي بن القوال علين وحسين بن القوال مادو وخادمكم أنا. وقد مات القوال علي بن القوال رشو والقوال حسين. ولما انقطعت أخبارنا عن أمير الشيخان ، أرسل القوال حسن بن القوال خدر والقوال رشو بن القوال حجي (كلاهما من قرية بحزاني) للبحث عنان وجاءا واجتمعا بنا.
س: كيف كانت حالتكم هناك؟
ج: حسنة جداً ولم نلاقي ضيقاً إلا في العامين الأخيرين.
س: أين كان محل إقامتكم؟
ج: لم نبق مجتمعين في محل واحد ، بل اختار كل واحد منا المحل الذي طابت له الإقامة. وكان محل إقامتي قرية كروانسرا في ولاية الكساندرابول.
س: ما هي المناطق التي يسكنها اليزيدية هناك؟
ج: هي تفليس ، أريفان ، الكساندرا بول ، باكو ، باطوم
س: الم تعارض حكومة السوفييت اليزيدية في أمورهم الدينية وعبادتهم؟
ج: لم يكن تدخل السوفييت في الأمور الدينية كما تسمعونه بل لكل فرد من أفراد الشعب الحرية التامة في أن يتمتع بعقيدته ودينه فإذا كنتم سمعتم بمعارضتهم في تشييد المعابد الدينية وبمعارضتهم لرجال الدين فذلك صحيح ، إلا أنهم لم يقصدوا بذلك مناهضة الأديان والقضاء عليها بل توجيه الناس إلى الأعمال المثمرة وتخليصهم من الكسل و العطالة وان لا ينصرفوا إلى الدين وحده ويكونوا عضواً عاطلا في المجتمع.
س:هل ترون أن يزيدية تلك البلاد سيعصْون بالنواجذ على ديانتهم ، أم ينقادون لمجرى التطور الذي حصل في حالة الشعوب التي يضمها النظام السوفيتي ويتساهلون فيها؟
ج: لا أستطيع أن ابدي لكم رأياً صحيحاً ، إلا أن الذي أعرفه أن التعصب الديني الذي نجده في بلادنا لا اثر له هناك.
س: هل يمكنكم أن تصوروا لي حالة اليزيدي الدينية والاجتماعية في تلك البلاد؟
ج: يؤسفني أن أقول لكم أن رجال الدين الذين هم في تلك البلاد ليس لهم ما لرجال الدين عندنا من قيمة مادية أو أدبية ، فوظائفهم محدودة ولا سبيل إلى ممارستها والشعب اليزيدي لا يقدم لهم النذور والخيرات التي فرضتها الشريعة واليزيدي يتمتع بعين الحقوق التي يتمتع بها غيره من ذوي الأديان السائرة ، وليس على رأسه سيد يشاركه في محصول سعيه ، ومعيشته راقية جداً والمرأة اليزيدية تتمتع بحريتها الكاملة وتلبس ما يروق لها من الألبسة الحريرية ذات الألوان الزاهية ، والتعليم إجباري ويندر أن تجد بين ناشئتهم الجديدة من لا يحسن القراءة والكتابة.
س: من هم الذين يوجدون من رجال الدين في تلك البلاد وكيف وجدوا فيها؟
ج: يوجد كثير من الشيوخ والبيرة وبيت واحد من البسميرية .. أما كيف وجد هؤلاء هناك فذلك لا أعلمه ولكن لا جدال في إنهم هاجروا من ناحية الشيخان منذ عهد بعيد .. والبيت الوحيد من البسميرية بيت آلي بك وكبيرهم الآن يوسف بك الذي قلدته حكومة الروس السوفيتية مناصب في الدولة ويسكنون مدينة الكساندرابول.
س: هل صحيح أن حكومة السوفييت أخرجت السنجق من أيديكم؟
ج: كلا وقد احتفظنا به إلى حين رجوعنا إلى بلادنا .)5
يمكن التأكيد أن الحركة التي انطلقت مع عودة القوال حسين من بحزاني ولدت نشاطاً سياسياً محتدماً بين الإيزيديين وقسمتهم إلى البلجويك والمنجويك إعْتبرَتْ تمرداً وتطاولاً على مؤسسة المير، قد اقتربت من نشوء الحزب في تنظيمها وانضوى فيها شخصيات مهمة عرف منهم .. سيدو حمو ومال الله دومان وعلي جرواني من جروانه ، ومن باقسري القديمة رفو باقسري ، وبير علي مام رشي ، ومراد الدوغاتي ..
ولعب دوراً مهماً في دعم الحركة وتشجيعها عائلة البابا شيخ بالذات الشخصيتين البارزتين فيها اسماعيل و حجي الأخير كان منافساً قوياً لبيت المير أخذ يوسع من نشاطه وقام بزيارة شخصيات تقدمية في بغداد و أربيل والموصل عرف منهم كامل قزانجي و الجادر ومهاجر كوردي من تركيا .. ساعده أيضاً وسهل مهمة حركته للتعرف على من كان يسعى اليهم وجود الشيخ هسن برقي في كمب الأرمن بعد نقله من البحرية إلى الشرطة في بغداد. وتوجت نشاطات الحركة بحجز السنجق مع القوالين في سنجار من قبل البلجويك بتوجيه ودعم من شيخ خلف ودخيل سيدو وبتنسيق ودعم غير معلن من اسماعيل بك المختلف مع ابناء عمومته من عائلة المير ، ولم يمتثل السنجاريون لأوامر المير سعيد بك لغاية وفاته عام 1946 ..
كذلك اصطف شيوخ شيخ بكر مع البلجويك ورفضوا ممارسات بيت المير وتجاوزاتهم على حقوق الفلاحين .. وفي الشيخان لعب بير مامكو وصديقه التقدمي والشيوعي لاحقاً علي الجمل6 دوراً مهماً في دعم توجهات مجموعة البلجويك من بدايتها ..
في الوقت الذي تعمق الانقسام بين الإيزيديين كطرفين متصارعين اطلق عيه دوشق دوبنداي .. هبت عوائل النجفي والعمري وكشموله الإقطاعية في الموصل لدعم عائلة المير مع بقية المعاضدين لها بين الايزيديين وفي مقدمتهم قاسو بارو و سيدو آغا من ختارة والقوال سفو صديق المير سعيد بك و مجيور شيخكة الذين ساهموا في تنصيب تحسين بك لاحقاً كأمير للإيزيدية رغم صغر سنه وسعوا لفرض بابا شيخ موالي لهم من شيخكة على الايزيدية ليكون بديلا لمن لا يؤتمن لميوله الفكرية وتوجهاته الاجتماعية في الحقبة اللاحقة المحتدمة لتلك الأحداث المهمة .. ويؤكد المعمرون من الذين عاصروا الأحداث أن عائلة المير فقدت السيطرة على الأيزيدية بشكل كبير ولم يكن لها تأثير إلا في بعض مناطق الكند والقائدية وسميل، وانعكست هذه التطورات على وضع الأمارة وأدت الى تقارب جناح يتزعمه حسين بك وسيدو بك من البلجويك وطالبوا بانتزاع سلطة المير سعيد بك وكادت ان تصل محاولاتهم لاستخدام السلاح لتحقيق هذه الغاية بعد ان التف عدد من المسلحين حول حسين وسيدو بك في قرية محمودة التي تحولت لمقر لهم يستقطب المزيد من المؤيدين..
في سنة 1969 أرسل حيدر نزام رسالة إلى القسم الكردي في إذاعة يرفان وطلب إعطاء الرسالة إلى شخص إيزيدي يدعى كرمي زيان يعمل في المحطة كمذيع ليوصلها بدوره لأبيه طبيب الأسنان .. الذي كتب رداً باللغة العربية وأرسله للسيد حيدر يؤكد فيها :.. أن القوال حسين كان عندهم .. ويطلب إرسال الرسالة لهُ وقد اخبر القوال مالو عائلة المير بهذا الطلب .. ولم يمانع المير من تواصل المراسلة .. وهكذا أرسل القوال آدو بن القوال حسين رسالة إلى إذاعة يرفان وتلقى جواباً عليها .. ويمكن الاستفسار من أحفاده إن كانوا يحتفظون بها للمزيد من المعلومات ..
نستطيع التأكيد على أن انتشار الأفكار الماركسية وشعبية الشيوعيين بين الأيزيدية تمتدُ إلى تلك الأيام ، التي سبقت تكوين الحزب الشيوعي العراقي والحلقات الماركسية الأولى ، هذا ما يفسر سرعة تلقي العشرات من الأيزيديين وانتسابهم للخلايا الشيوعية مع أول اتصال أو فرصة التقاء بين الشيوعيين والطلبة الأيزيديين ، ممن وصلوا إلى بغداد والموصل وكركوك حيث تشكلت بواكير الخلايا الشيوعية بين الإيزيدية من جيل طلبة دار المعلمين الريفية وبقية المؤسسات التعليمية ، كان في مقدمتهم الشيخ حسين ومال الله ديوالي و الياس خلو وجمعة كنجي وشيخ صبري وحسن ديوالي وسليمان أفندي وخدر حجي مادو والعشرات من جيل المعلمين .. وقد ساهم عدد من الطلبة الشيوعيين في مؤتمر السباع الخالد الذي انبثق عنه أول تنظيم طلابي مهني باسم اتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية ..
كذلك توجد معلومات عن وجود صلة لعدد من الشيوعيين الأيزيديين منهم الفلاح جمعة الذي يعرف شعبياً بمعه في صفوف إحدى خلايا التنظيم الشيوعي في الموصل من عام 1943 .. وأيضاً بات في حكم المؤكد انتساب البابا شيخ لحزب هيوا / الأمل ولا نعرف هل كان من المؤسسين له أم لا ؟ .
أما عن رعيل الشيوعيين الأوائل الذين يمكن التطرق إلى بدايات عملهم السياسي فيمكن الحديث عن أسماء.. البير حيدر مجيور وشيخ زندين من الشيخان وعزام وجوزل في سنجار وشيخ عبو في باعذرة والفقير خدر من بوزان وإسماعيل كجل وعلي خليل أبو ماجد من دوغات وعلي بفري من فايدة وكثيرون غيرهم .. هؤلاء هم الجيل اللاحق لحركة البلجويك بين الايزيدية التي تشكلت قبل تأسيس الحزب الشيوعي العراقي مع عودة القوال حسين من الاتحاد السوفيتي إلى بحزاني عام 1929 وما اعقبها من تطورات لم ينتبه اليها المؤرخون ..
الهوامش ..
1 صديق الدملوجي .. اليزيدية .. ص 310
2 حاجي جندي رواية وجاء الربيع ص 244 دمشق مطابع دار الحافظ 1993 ترجمة اسماعيل حصاف
3 الدملوجي .. اليزيدية .. ص310
4 عرب شمو .. الراعي الكردي..ترجمة توفيق الحسيني مراجعة وتقديم عزيز داود.. تنضيد دار الكتاب العربي دمشق 1988 .. مطبعة الصباح ..
5 الدملوجي نفس المصدر
6 من الضروري الإشارة الى أن علي الجمل رغم دوره المهم في هذا المجال لم يكن يزيدياً بل صديقاً لهم عاش معهم بحكم تواجده في الشيخان وأصبح من أشهر الشيوعيين فيما بعد..
7 القوال القولين هم رجال الدين المرافقين للسنجق ممن يحفظون الأدب الشفاهي الأيزيدي ويرددونه في المناسبات الدينية على انغام الناي ونقر الدفوف المقدسة ..
8 السنجق الطاوس هو البيرق الذي يرمز لطاووس الملائكة ينقل من قبل القوالين في المناسبات الدينية وينطلق من بحزاني في رحلة تشمل قرى ومدن الايزيدية في العراق وسوريا وتركيا وبلدان اسيا الصغرى التي يتواجد فيها الايزيديون..
9 بحزاني قرية في سفح الجبل الممتد في شعاب المقلوب تبعد عن الموصل 15 كيلومتراً تابعة لناحية بعشيقة وتتداخل معها وهي مركز تواجد القوالين الذين يتوارثون الأدب الشفاهي الديني للايزيدية.. وهي مركز حضري قديم يمتهن سكانها زراعة الزيتون وصنع الصابون فيها المئات من معامل النسيج اليدوي المانيفاكتورة.. برز فيها جيل من الشيوعيين المنظمين في صفوف الحزب الشيوعي العراقي من بداية الأربعينات..
المصادر:
1 حنا بطاطو كتاب العراق
2 صديق الدملوجي كتاب اليزيدية
3 أحاديث مباشرة مع الدكتور جمال عبد الله سليمان وسالم القوال وعيشة القوال وبدل فقير حجي ومحمود خضر وسعيد دوغات..
4 وثائق المؤتمر الأول للحزب الشيوعي العراقي
5 كتاب مذكرات إسماعيل جول بك
6 وجاء الربيع حاجي جندو
7 اعداد من الثقافة الجديدة
8 كتابات زكي خيري ومذكراته
9 الراعي الكردي عرب شميلوف.[1]