الآثار الاقتصادية للتحويلات المالية للمهاجرين على اقتصاد كُردستان سوريا
جوان فداء الدين حمو- عضو جمعية الاقتصاديين الكُرد- سوريا
يعتبر مفهوم التحويلات المالية للمهاجرين من الناحية الاقتصادية مفهوماً متشابكاً، بسبب تنوع أشكال التحويلات والقنوات المستعملة، إلا أنَّه يمكن أن نعرّفه بشكل مبسط بأنَّه تحويلات جارية خاصة تضم الأصول المالية من المهاجرين أو العاملين المقيمين خارج الدولة، الذين يقومون بتحويله إلى داخل دولهم الأم بهدف مساعدة اقاربه وذويه، أو إنشاء مشاريع محلية صغيرة.
وقبل الخوض في الحديث عن الآثار الاقتصادية للتحويلات المالية للمهاجرين على اقتصاد كُردستان سوريا لا بد من توضيح الحالة العامة التي يعاني منها الاقتصاد في الظروف الراهنة.
يعاني اقتصاد كُردستان سوريا من اختناقات وفجوات اقتصادية شتى تتمثل أهمها في (انخفاض قيمة الليرة السورية، وصعوبة الاستيراد وانعدامه في بعض الحالات، وارتفاع اسعار الوقود والكهرباء، وبطء عجلة الإنتاج في القطاع الصناعي ذو البنية الضعيفة أصلاً، وغياب الكثير من الاستثمارات الاستراتيجية، وتراجع نشاط القطاع الزراعي، وتراجع مؤشر التنمية البشرية بسبب الهجرة إلى الخارج… الخ).
إنَّ التحويلات المالية للمهاجرين (في كل من كُردستان العراق، وتركيا، ولبنان، والامارات، والدول الاوربية، والامريكيتين) يُنظر إليها على إنَّها إحدى الأدوات الهامة التي تساهم مساهمة إيجابية وفعالة في تنمية اقتصاد كُردستان سوريا، لأنَّها تساهم في سد جزء من المتطلبات والاحتياجات الأساسية للمواطنين الذين يتلقون تحويلات مالية من أبنائهم أو اقربائهم في الخارج.
وهنا لا بد من القول أنَّ حجم تدفقات التحويلات المالية للمهاجرين يفوق حجم تدفقات المعونات الأجنبية وحجم الاستثمار الخاص المباشر في كُردستان سوريا. وطبعاً لا يوجد احصائية دقيقة عن حجم التدفقات المالية للمهاجرين إلى كُردستان سوريا نظراً لكون عملية التحويل هذه تتم من خلال الكثير من شركات الصرافة أو الصاغة أو السماسرة العاديين أو حتى بشكل يدوي من خلال الزيارات.
وبالتالي فأنَّه من أهم الأثار الإيجابية للتدفقات المالية لتحويلات المهاجرين إلى كُردستان سوريا نذكر ما يلي:
1- تحسين ظروف عيش الأسر (الآباء، والأبناء، والأقارب) في سد حاجاتهم اليومية (شراء السلع، والحصول على الخدمات، ودفع الآجار، وشراء الألبسة، والالتزامات الاجتماعية… الخ). وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ جميع أسر المهاجرين عن يتلقون تحويلات مالية فأنَّهم يستهلكون تلك الأموال بنسبة 95% للاستهلاك اليومي ومصاريف الصحة والسكن والالتزامات الاجتماعية، وباقي النسبة 5% يقومون بادخاره لمواجهة الحالات الطارئة.
2- إنَّ استمرار تدفق التحويلات المالية سواء ب: (الدولار، اليورو، الليرة التركية، الدينار العراقي، …الخ) يعني دخول للنقد الأجنبي، وبالتالي تحسين قيمة العملة المحلية (الليرة السورية) نوعاً ما.
3- من الناحية الاقتصادية فأنَّ التحويلات المالية للمهاجرين تساعد على تخفيف مستوى الفقر، كذلك الأمر بالنسبة لاقتصاد كُردستان سوريا لكن بنسب أقل جداً من النسب العادية نظراً للظروف القاسية التي تمر بها المنطقة عامة.
4- قد يتجه التحويلات المالية للمهاجرين إلى أنشطة الاستثمار المتوسطة التأثير على النمو الاقتصادي، مثل اسواق السلع الاستهلاكية وسوق خدمات الاعمال وأسواق الاراضي والعقارات، وبالتالي فأنَّه سيحسن من النمو الاقتصادي في كُردستان سوريا.
5- على مستوى الاقتصاد الكلي فأنَّ التحويلات المالية للمهاجرين تشكل أهمية حيوية بالنسبة لميزان المدفوعات، فتنمية مصادر النقد الأجنبي من المصادر غير المنظورة بصفة خاصة التحويلات المالية للمهاجرين يدعم ميزان المدفوعات في كُردستان سوريا.
وبقدر ما للتحويلات المالية للمهاجرين من آثار إيجابية فأنَّه يحمل في طياتها آثاراً سلبية على اقتصاد كُردستان سوريا ومن هذه الآثار نذكر ما يلي:
1- تشجيع باقي أفراد الأسرة (خاصة فئة الشباب) للهجرة إلى الخارج بغية العمل والاستفادة من فرق العملة بين العملة الأجنبية والعملة المحلية (الليرة السورية). وبالتالي التأثير سلباً على مؤشر التنمية البشرية. حيثُ أنَّه في الكثير من المرات يتم التضحية بالمال الذي يحوله المهاجر في سبيل الترتيب لهجرة أحد أفراد أسرته من الداخل إلى الخارج.
2- من ناحية أخرى فأنَّ التحويلات المالية للمهاجرين تعّود الأسر المتلقية للمال في اتباع أسلوب الالتزام والإيمان بمفهوم البطالة المقنعة طالما أنَّ هناك مال يُدر عليهم من الخارج.
3- إنَّ التحويلات المالية للمهاجرين في الظروف الراهنة توظف معظمها في الاستهلاك اليومي ولا توظف في الاستثمار المنتج وبالتالي فأنَّ ذلك يؤدي إلى تقليل دوره في التنمية.
في النهاية لا بد من أن نذكر أنَّ حجم توفير المهاجرين للمال يتوقف بالأساس على الظروف العامة للحياة في بلد الاستقبال، ودرجة اندماج المهاجر وتبنينه لنمط الاستهلاك السائد، ومدى توفر جو الديمقراطية في الدولة التي يعمل فيها أو يسكنها. وطبيعة العمل الذي يعمله ودخله، ومدى ادخاره للمال، ودرجة الإيثار والتضامن والارتباط بالأسرة في كُردستان سوريا.
كما يمكن للتحويلات المالية للمهاجرين أن تلعب دوراً متزايداً لتدخل محل التدفقات الرأسمالية من الخارج، وبالتالي تساعد في علاج مشكلة الاقتراض من خارج كُردستان سوريا لسد العجز في ميزان المدفوعات، وتعبئة الموارد المالية اللازمة لتمويل احتياجات التنمية واستثمارها، كما يمكن ايضاً أن تلعب التحويلات دوراً متزايداً في دفع الطاقة الادخارية لمجتمع كُردستان سوريا المصدر للعمالة عن طريق رفع الميل الحدي للادخار في الاقتصاد. ولكن على الرغم من أهمية التحويلات في إعادة توازن موازين المدفوعات ورفع الطاقة الادخارية، فأنَّها تعتبر مصدراً غير ثابت ومتقلب الدخل والادخار القوميين، وبالتالي فأنَّ دور هذه التحويلات في تحقيق التنمية يتوقف على الاستراتيجيات الاقتصادية السائدة في كُردستان سوريا.[1]