مير عقراوي
الدكتاتورية ، هي على النقيض تماماً لمباديء العدالة الإجتماعية ، كما هي على النقيض تماماً لقواعد الديمقراطية المعروفة للحكم الصالح ، والحاكم الصالح ، والحكومة الصالحة . فالدكتاتورية تنفي العدالة الإجتماعية والديمقراطية ، كذلك الأخيرة تنفيها ، وهما خطان موازيان لا يلتقيان قط ، إذ بينهما حالة صراع ورفض قطعي وتنافر مذ قديم الأزمنة وحتى اليوم وسيبقى ذلكم الرفض والتعارض والتناقض والصراع قائمٌ بينهما ، وهو صراعٌ أبديٌّ تاريخيٌّ على أقدم إشكالية ومعضلة في التاريخ البشري ، وهي الحكم وشكله وأبعاده وصيغته وكيفيته . عليه فإن إنهاء الدكتاتورية في بلد ما هو مرهون بمدى اليقظة المجتمعية ووعيها بالذي يجري عليها وعلى البلاد ، وبماهية الحكم والحاكم والحكومة ومدى قربها وبعدها من قيم العدالة الإجتماعية ، في المقدمة – بطبيعة الحال – المثقفين الذين يُعوَّلُ عليهم ، وعلى عاتقهم المسؤولية الإجتماعية قبل غيرهم مهام التنوير والتوعية والصحوة المجتمعية .
يقول الدكتور إحسان محمد الحسن في موسوعته لعلم الإجتماع عن الدكتاتورية :[ الدكتاتورية هي إحدى أنظمة الحكم الإستبدادية التي تستند على مبدإ الإستئثار بالحكم المطلق ، هذا الحكم الذي يعتمدعلى إستعمال أساليب القهر والبطش والتنكيل إزاء الشعب ، أو الفئة المحكومة بغية إخضاعها لمشيئة وإرادة السلطة الحاكمة . ] يُنظر كتاب ( موسوعة علم الإجتماع ) لمؤلفه الأستاذ الدكتور إحسان محمد الحسن ، ص 282 .
ثم يضيف الدكتور إحسان محمد الحسن : [ النظام الدكتاتوري قد يترأسه شخص واحد يُدْعى بالدكتاتور ، أو تترأسه أقلية ، أو فئة ، أو زمرة دكتاتورية تحكم المجتمع وفق مشيئتها وإرادتها التي لا تحدُّها أية سلطة أخرى سواءً كانت السلطة قانونية ، أو غير قانونية . ] يُنظر المصدر المذكور والمؤلف والصفحة .
بعدها يذكر الدكتور إحسان محمد الحسن السمات والمواصفات التالية ، حيث يعتبرها أساسية للدكتاتور والنظام الدكتاتوري ، وهي :
[ 1-/ إستحواذ الدكتاتور على السلطة بصورة كاملة ، وآستحواذه على العناصر السكانية للمجتمع ، وتدخله في الأمور الكبيرة والصغيرة على حدٍّ سواء .
2-/ عدم ثقة النظام الدكتاتوري بأبناء المجتمع وتشكيكه بنواياهم وأفعالهم ، وعدم تردده بآستعمال أقسى الأساليب ضدهم .
3-/ إعتقاد الدكتاتور الذي يترأس النظام الدكتاتوري بأنه مصدر الكرامة والعزة والشرف .
4-/ إيمان النظام الدكتاتوري الراسخ بأنه أفضل نظام يستطيع المجتمع إقتفاءه والتقيد بمبادءه وتعاليمه ونصوصه المدونة وغير المدونة .
5-/ يستطيع الدكتاتور رفع أيَّ شخص الى مراكزالقوة والمسؤولية ، وطرد أيَّ شخص من المراكز القيادية التي يحتلها دون وجود مبرر لذلك .
6-/ إعتماد مبدأ المركزية المطلقة في حكم المجتمع وتحديد مستقبله .
7-/ لا يستشير الدكتاتور مساعديه وأعوانه في آتخاذ القرار ، بل يتخذ القرار بنفسه ويتحيز له ، ويكون مستعداً على بذل الغالي والنفيس في وضعه موضع التنفيذ .
8-/ لا يتيح النظام الدكتاتوري للشعب ، أو للفئات المحكومة حق المشاركة في الحكم وآتخذا القرارات التي تحدد مستقبل ومصير المجتمع .
9-/ تكون العلاقات السوشوسيترية في النظام الدكتاتوري على شكل نجمة ، إذ يحتل الدكتاتور مركز النجمة ويحتل الأتباع رؤوسها .
10-/ القرارات التي يتخذها النظام الدكتاتوري تكون حدية ، أي بآتجاه السلب أو الإيجاب ، ولا تكون معتدلة . كما إن تفسير القضايا والأحداث من قبل النظام الدكتاتوري يكون تفسيراً متطرفاً ومتحجراً لا يعرف الإعتدال ولا أنصاف الحلول . ] يُنظر المصدر المذكور والمؤلف ، ص 283
علاوة على ذلك يمكن إضافة الخصائص التالية على الدكتاتور وسلطته الدكتاتورية ، هي :
1-/ توظيف قضايا هامة ، مثل : الدين والمذهب ، القبلية والعشائرية ، القومية والحزبية من قبل الدكتاتور لتعزيز أركان سلطته القائمة على الدكتاتورية والقمعية .
2-/ تأسيس أجهزة أمنية ومخابراتية متنوعة وقوية تنفذ الى داخل المجتمع وترهيبه بها .
3-/ مصادرة الحريات وكَمِّ الأفواه والتضييق على العلماء والمفكرين والمثقفين والكتاب ، كما على الإعلاموالصحافة المستقلة .
4-/ محاولة النظام الدكتاتوري في حَزْبَنة المجتمع لحزبه الحاكم .
5-/ يتوهم الدكتاتور بأنه وأفراد عائلته ، هم المافوق ولهم خصائص ومميزات فريدة من نوعها . كذلك يتوهم بأنه هو وعائلته ، هم الأجدر والأفضل والأعظم والأعلى والأعلم بالسياسة والقيادة والحكم والإدارة . لذلك ينبغي أن تكون الرئاسة والحكم والحكومة تدور دائرياً في العائلة وحصراً بها
وعن بشاعة الحكم والحاكم والحكومة الدكتاتورية يقول الدكتور عمر أحمد قدّور :[ تُعتبر النظم الدكتاتورية أبرز مظاهر الحكم الفرد ، وأبشع أنواع الحكومات عبر كافة العصور لاسيما في عصرنا الحاضر الذي شاعت فيه الحريات وسادت فيه الديمقراطيات ، وآتسع فيه مدى حقوق الإنسان . فلم يعد هناك مجال لهذا النوع من الحكومات الدكتاتورية إلاّ عن طريق القهر والإجبار . ] يُنظر كتاب ( شكل الدولة وأثره في تنظيم مرفق الأمن ) لمؤلفه الدكتور عمر أحمد قدّور ، ص 84
إن كل ماورد ذكره من تعريف وتوصيف لشخص الدكتاتور المستبد ، أو حزبه وسلطته ينطبق حرفياً وتمام الإنطباق على حزب البارزاني ، وعلى شخص مسعود البارزاني ، وعلى العائلة البارزانية بشكل عام ، كما على سلطتهم الحالية في إقليم كردستان / العراق . فهذه العائلة تمتاز بعدة دكتاتوريات في آن واحد وليست دكتاتورية واحدة ، هي :
1-/ الدكتاتورية القبلية .
2-/ الدكتاتورية العائلية .
3-/ الدكتاتورية الشخصانية الفردية .
4-/ الدكتاتورية الحزبية .
5-/ الدكتاتورية السُلْطوية للرئاسة والحكم والحكومة في إقليم كردستان / العراق التي بدأت منذ عام 1992 من القرن العشرين المنصرم ، وذلك بعد الغزو العسكري الإحتلالي للحكومة البعثية العراقية السابقة للكويت وآندحارها العسكري من قبل دول التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في عملية الصحراء خلال حرب الخليج الثانية ، حيث عقبها هاجمت الحكومة البعثية العراقية السابقة إنتفاضة الشعب الكردي في إقليم كردستان / العراق وما تلاها من هجرة مليونية كردية في ظروف مأساوية للغاية ، كما هاجمت إنتفاضة المسلمين الشيعة في جنوب العراق . إذ بسسببها تم وضع وفرض خط العرض 36 عام 1991 من القرن الماضي على إقليم كردستان / العراق بآستثناء كركوك ومناطق أخرى . كذلك شمل الحظر الجوي جنوب العراق لأجل حماية الشيعة أيضاً من الهجمات الإنتقامية للحكومة البعثية العراقية السابقة بسبب الإنتفاضة ضدها .
تأسيساً على ماورد فإنَّ تعثر ، أو بالأحرى الفشل الذريع الذي مُني به الحزب الديمقراطي الكردستاني في تجذير العدالة الإجتماعية والديمقراطية في الحزب المذكور ، وهو حزبهم الذي يسيطرون عليه عائلياً بالكامل ، أو فيما بعد على الحكومة المحلية في إقليم كردستان / العراق يعودُ ويُعلَّلُ الى أفكارهم وطبيعتهم القبلية – العشائرية التي تربوا عليها جيلاً بعد جيل ، وإنهم في تعزيز سلطانهم وظَّفوا القضية الكردية والحزب الذي تأسس بآسم الديمقراطية قبل أربعة وسبعين عاماً والحكومة في الإقليم لصالح سلطتهم القبلية – العشائرية العائلية وحسب .
معلومٌ بداهة إن هذه الأفكار والطبائع والممارسات تتنافى وتتنافر مع قيم العدالة الإجتماعية والديمقراطية التي ينبني حكمها على العدالة الشاملة والمساواة القانونية للمواطنين والشفافية في الحكم والمؤسساتية وآستقلال القضاء وحرية التعبير والرأي والإعلام والصحافة . لهذا فإن العائلة البارزانية لم تتمكن أن تستوعب وتعتقد بالقيم الحضارية المذكورة فتعاملت مع المخالفين والمعارضين لها بالفتك والبطش ، وبالحديد والنار ، وبالإرعاب وبثِّ الذعر ، وبالقتل والإغتيالات بشتى أشكالها وأنواعها ؛ سواءً في إقليم كردستان ، أو في العراق ، أوحتى في الدول الغربية أيضاً ، والقائمة في هذا الصدد تطول وتستطيل لمزيد من الأسى والأسف الشديد .
إن ما يشهده إقليم كردستان / العراق منذ أيام عديدة من غليان داخلي شعبي ما هو إلاّ وصول الدكتاتورية البارزانية الى أعلى مراحلها ، والى الذروة في الطغيان والإستبداد والإستعلاء إذن ، كما يبدو فإن الشعب الكردي في إقليم كردستان / العراق قد صحا من غفوته التي طالت ، بخاصة في مناطق بهدينان في الإقليم ، وبحسب الأخبار المتواترة فإن القوات الأمنية لسلطة البارزاني تصدت لهم بكل عنف وقمع وآعتقلت المئات منهم ، من بينهم ثلاثة صحفيين ، ومازل الغيان الشعبي قائماً ضد الدكتاتورية البارزانية في الإقليم ، حيث الفريدة من نمطها .[1]