الفكر الوطني الكوردستاني (4)
د. مهدي كاكه يي
إن مساحة كوردستان تنكمش مع مرور الوقت بسبب زحف الأقوام التركية و العربية و الفارسية عليها و إحتلالها و الإستيلاء عليها والإستيطان فيها، حيث أن كوردستان التاريخية تشمل العراق الحالي و إقليم غرب كوردستان الحالي و قسم من دول الخليج الفارسي و أجزاء كبيرة من كلٍ من إيران وبلاد الأناضول (تركيا)، إلا أن كوردستان فقدت مساحات كبيرة والتي تُقدر بأضعاف المساحة الحالية لكوردستان و اليوم يكافح الكوردسانيون جاهدين من أجل تأمين إنضمام محافظة كركوك و مناطق أخرى تابعة لمحافظتي الموصل و ديالى الى إقليم جنوب كوردستان و يتأملون أن يصوّت أهالي هذه المناطق لصالح إنضمامها للإقليم.
كما أن عشرات الملايين من الكورد تم تعريبهم و تتريكهم و تفريسهم خلال القرون الماضية، حيث أن معظم المستعربين الشيعة و الفرس و الملايين من المستتركين الذين نراهم اليوم، ينحدرون من أصول كوردية، فقدوا هويتهم و لغتهم الكوردية و تراثهم الكوردي وشعورهم القومي والوطني بمرور الوقت، نتيجة إفتقار الكورد لدولة تجمعهم و تحافظ على وجودهم و هويتهم و لغتهم و تراثهم و تحميهم من التعريب والتفريس والتتريك. أذكر هذه الحقائق المُرّة و المأساوية لتبيان مدى خطورة الخطاب الكوردي الذي يُكرّس واقع إحتلال كوردستان، على الوجود الكوردي كشعب و هوية و ثقافة و تراث و تأريخ و جغرافية.
في الوقت الحاضر، ترفع الغالبية العظمى من الأحزاب السياسية الكوردستانية شعارات كلها تلتقي في تكريس إغتصاب كوردستان والإعتراف ضمنياً بتجزئة كوردستان وتبعية كل جزء منها للدولة التي تغتصبه وكون شعب كوردستان جزءاً من شعوب الدول المُغتصِبة لِكوردستان. ترفع هذه الأحزاب شعارات مثل الحكم الذاتي والفيدرالية والإدارة الذاتية والتي كلها قبول بإغتصاب كوردستان وتجزئتها وجعلها قضية داخلية للدول المُغتصِبة لِكوردستان. هذه الشعارات لها آثار سلبية كبيرة على حركة التحرر الوطنية الكوردستانية.
رفع الأحزاب السياسية الكوردية شعارات اللامركزية و الحكم الذاتي و الفدرالية والإدارة الذاتية، يجعل القضية الكوردستانية قضية داخلية للدول المُغتصِبة لكوردستان و هذا إعتراف صريح بشرعية إغتصاب كوردستان وتجزأتها وهذا الأمر خيانة عظمى تجاه شعب كوردستان ويجب محاكمة القائمين بهذه الجريمة الوطنية الكبرى. من جهة أخرى فأن هذه الشعارات تروّض شعب كوردستان على القبول بإغتصاب كوردستان وقبول تقسيمها ومن جهة أخرى تُقسّم شعب كوردستان من خلال إلتفافه حول شعارات مختلفة وكذلك تُشتّت النضال الكوردستاني بجعلها نضالاً محلياً يُجرى في كل إقليم كوردستاني بمعزل عن الأقاليم الأخرى.
لذلك من المفروض أن تهتم التنظيمات السياسية التي لا ترفع شعار إستقلال كوردستان، بالمسائل السورية و الإيرانية و التركية و العراقية، حيث أن هذه التنظيمات هي تنظيمات محلية في الكيانات السياسية التي تغتصب كوردستان وأن تشمل برامج هذه الأحزاب أهدافاً تعني بشئون الدولة المُصطَنعة التي تعمل فيها، مع التركيز على الحقوق الكوردية والعمل على تحقيقها مثل الحكم الذاتي أو الإدارة الذاتية و غيرهما.
بما أن الأحزاب الكوردية التي لا ترفع شعار إستقلال كوردستان هي أحزاب محلية في الدول المُغتصِبة لكوردستان، تابعة لهذه الدول، فأنّ هذه الأحزاب ضمنياً تعتبر (الكورد) قومية وليسوا شعباً، لأن الشعب له وطن يعيش فيه و له الحق أن يؤسس دولة مستقلة خاصة به، بينما هذه الأحزاب، من خلال عدم نضالها في سبيل تحقيق إستقلال كوردستان، فأنها تعتبر كوردستان أجزاءً من الدول المُغتصِبة لكوردستان وتعمل ضمنياً على ترسيخ إحتلال كوردستان وتجزئتها. هذا يعني أيضاً بأن هذه الأحزاب هي أحزاب كوردية و ليست كوردستانية، حيث أنها تُمثّل (القومية الكوردية) و لا تُمثّل (شعب كوردستان) بمختلف مكوناتها، الذي يعيش على أرض كوردستان. هذه الأحزاب تحمل الفكر القومي و تُجرى نشاطاتها ضمن حدود الدول المُغتصِبة لِكوردستان.
نظراً الى أن الأحزاب الكوردية الإنهزامية والمستسلمة لواقع إغتصاب كوردستان وتجزئتها، يقتصر عملها ضمن الدول المُغتصِبة لكوردستان، فأنها تُشتّت النضال الكوردستاني، حيث تفصل الأقاليم الكوردستانية عن بعضها وتقزم القضية الكوردستانية وتجعلها قضايا داخلية للدول المُغتصِبة لكوردستان و تجعل نضال كل إقليم بِمعزل عن نضال الأقاليم الأخرى. بِكلام آخر أن هذه الأحزاب تُشتّت النضال الكوردستاني وتمنعه أن يكون نضالاً كوردستانياً شاملاً، يشمل كافة الأقاليم الكوردستانية، بحيث يكون النضال الكوردستاني موحّداً، ذا إستراتيجية موحدة و يهدف الى تحرير شعب كوردستان و إستقلال كوردستان.
[1]