الفكر الوطني الكوردستاني (3)
د. مهدي كاكه يي
يؤمن الفكر الوطني الكوردستاني بأن شعب كوردستان شعب واحد و أن بلاده، كوردستان، مُغتصَبة و مجزأة و مقسمة بين عدة دول و أنه يجب تحريرها وتوحيد كافة أجزائها، لجمع شمل شعب كوردستان في كيان سياسي ديمقراطي موحد. كما يؤمن بأن شعب كوردستان يتألف من مكونات قومية وإثنية ودينية ومذهبية متعددة وهذه المكونات تتمتع بحقوق متساوية وتُنيط بها واجبات متكافئة. كما أن الفكر الوطني الكوردستاني يتبنّى العلمانية والديمقراطية والعدالة الإجتماعية. حاملو الفكر الوطني الكوردستاني يُشكّلون الغالبية المطلقة من شعب كوردستان، حيث أظهر الإستفتاء غير الرسمي الذي جرى في جنوب كوردستان في بداية عام 2005، بأن 98% من المواطنين الكوردستانيين يريدون إستقلال كوردستان.
يرفع حاملو الفكر الوطني الكوردستاني شعار (إستقلال كوردستان) الذي يُخرِج النضال الكوردستاني من كونها قضايا داخلية للدول المُغتصِبة لكوردستان الى قضية وطن مُغتصَب وشعب مُستعمَر، يناضل من أجل تحرير نفسه ووطنه وبذلك تصبح قضية دولية. عندئذٍ يكون الشعب مستعداً للتضحية بأرواح الكوردستانيين وبأموالهم في سبيل حريته وإستقلال بلاده.
إن شعار (إستقلال كوردستان) هو شعار إستراتيجي، وليس شعاراً آنياً أو وقتياً وتحقيقه غير محدد بوقتٍ معيّن أو بفترة زمنية معينة، بل أن تحقيقه يتم خلال فترة زمنية مفتوحة و في الوقت المُتاح له. لذلك فأنّه قد يتم تحقيق إستقلال كوردستان وتوحيدها بعد عدة سنوات أو بعد عشرات أو مئات السنين. المهم هو رفع هذا الشعار كهدف إستراتيجي والعمل على توفير الظروف الملائمة للوصول إليه.
كما أن هذا الشعار غير مقيّد بالظروف الذاتية الكوردستانية والإقليمية والدولية الحالية، بل أنه يتم العمل على إستثمار تغيير الظروف الذاتية إيجاباً لتغيير المعادلات الإقليمية والدولية لِصالح إستقلال ووحدة كوردستان. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فأن الظروف الإقليمية والدولية هي ظروف غير ثابتة، بل تتغير بإستمرار نتيجة التغيرات السياسية والإقتصادية والإجتماعية لدول المنطقة ودول العالم.
التاريخ يُخبرنا عن إمبراطوريات ودول تهاوت وإختفت وإمبراطوريات ودولٍ جديدة تظهر وتحل محلها وهذه العملية مستمرة بلا إنقطاع. من هنا فأن الموقع الجيوسياسي لكوردستان والمواقف الحالية للدول الكبرى والدول الإقليمية من إستقلال كوردستان، لا يمكن جعلها تبريراً للقبول بإغتصاب كوردستان وتجزئتها، حيث أن مواقف هذه الدول في تغيير مستمر وأنه بتحرير كامل تراب كوردستان، ستطلّ كوردستان على البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود والخليج الفارسي.
على النقيض من الفكر الوطني الكوردستاني، هناك فكر إستسلامي وإنهزامي، يحمله بشكل خاص السياسيون الكورد و قسم من المتثقفين والكُتّاب الكورد. هؤلاء يوافقون ضمنياً على أن شعب كوردستان هو جزء من الشعوب المحتلة لكوردستان و تابعاً لها و أن الأقاليم الكورستانية هي أجزاء لا تتجزأ من الدول المحتلة لكوردستان، أي أن أرض كورستان هي أرض تابعة لكل من (تركيا) و إيران و العراق و سوريا. هؤلاء الداعون الى تكريس إحتلال كوردستان، يعتبرون أنفسهم من مواطني تلك الدول و التي تعني أنهم يقرّون و يعترفون بواقع تجزئة كوردستان و يقبلون الواقع التقسيمي لها، و عليه فأنهم ينطلقون في أفكارهم و أعمالهم و ممارساتهم و طروحاتهم من منطلق القبول بالأمر الواقع، أي بقاء كوردستان بلداً محتلاً و مقسّماً، يفتقد شعبه الى هوية يُعرّف بها نفسه للعالم و لِتبقى الشعوب المحتلة لوطنه، تهيمن عليه و تسلبه هويته و لغته و تأريخه و تراثه و حريته و ثرواته.
موقف هؤلاء الإستسلاميين الإنهزاميين ناتج عن تأثرهم بِثقافة الشعوب المُغتصِبة لِكوردستان وإصابتهم بحالة اليأس والإحباط من تحرير كوردستان وتوحيدها، حيث أن الشريحة الكوردية المتعلمة هي أكثر الشرائح الكوردية تأثراً بِثقافة المحتلين نتيجة تلقينهم بها في المدارس والمعاهد والجامعات وعن طريق وسائل الإعلام المختلفة، كما أنها الشريحة الأكثر تذبذباً للحفاظ على مصالحها وإمتيازاتها.
قسم من هؤلاء متأثرون بالفكر الأممي والفكر الإسلامي، حيث أنه من خلال رفع شعار الإخوة الأممية والإسلامية المضللة من قِبل مُغتصبي كوردستان، يتم إستغلال هؤلاء، لِيستمر المحتلون الإستيطانيون في إذلال شعب كوردستان وإحتلال وطنه ونهب ثرواته. هكذا يساهم هؤلاء في ترسيخ الإحتلال وترويض الشعب للعيش في ظل العبودية والتبعية.
إن الشخصية الكوردية هي شخصية تبعية بشكل عام بسبب تسلط الشعوب الفارسية و العربية و التركية على الشعب الكوردي لفترة طويلة، حيث أنها خلال هذه الفترة، هيمنت ثقافات تلك الشعوب على الثقافة الكوردية، لذلك نرى الكوردي يكون تابعاّ للعربي أو الفارسي أو التركي، وهذا ناتج عن التراكمات التأريخية المكوّنة لشخصيته و ثقافته. علينا أن نبدأ بِخلق شخصية كوردية مستقلة، تثق بنفسها و تعتز بِوطنها وقوميتها و تأريخها و لغتها و ثقافتها و تراثها و تتخلص من آثار ثقافات الشعوب المحتلة لكوردستان. ظهور مثل هذه الشخصية قد يحتاج الى جيل أو جيلين و الى جهود تربوية و ثقافية و إعلامية كبيرة.
لا شك أن الكُتّاب و المتعلمين و السياسيين الكورد، الداعين ضمنياً الى تكريس إحتلال كوردستان، وذلك بالترويج لفكرة إندماج الشعب الكوردي، كل في إقليمه، مع الشعوب التركية و الفارسية و العربية المحتلة لكوردستان و فرض واقع التجزئة و التشتت على الشعب الكوردي، يلعبون دوراً سلبياً خطيراً ضد المصالح الوطنية الكوردستانية. دور هؤلاء هو أخطر بكثير من النتائج الكارثية لعمليات الأنفال و الإبادة الجماعية التي تعرض لها شعب كوردستان و لا يزال يتعرض لأهوالها لأن الخطاب الإستسلامي الذي يحمله هؤلاء، يعمل على زرع روح الإستسلام في نفوس شعب كوردستان و القبول بواقع الإحتلال و التجزئة و إستمرارية عمليات التعريب و التتريك و التفريس للشعب الكوردي و لأرضه. إن نتائج محاولة هؤلاء في تدجين شعب كوردستان و تلقينه بأفكار إنهزامية و تقسيمية و إبعاده عن الفكر الوطني التحرري، هي تهديد خطير لوجود و مستقبل هذا الشعب المكافح الشامخ لأن تربية و غرس روح اليأس و الإستسلام في نفوس الأجيال الكوردية بقبول و ترسيخ واقع الإحتلال و التقسيم، تؤدي الى هزيمة شعب كوردستان بدون إبداء أية مقاومة أو أيّ رفض لواقعه المأساوي.
[1]