الفكر الوطني الكوردستاني (2)
د. مهدي كاكه يي
يمكن تعريف القومية بأنها مجتمع طبيعي من البشر ترتبط أفراده مع البعض بوحدة الأرض والأصل، والعادات واللغة من جراء الإشتراك في الحياة و في الشعور الإجتماعي. أما الشعب فيمكن تعريفه بأنه مجموعة من البشر تعيش على أراضي معينة و لهم عاداتهم وتقاليدهم الخاصة بهم. ليس شرطاً أن تكون للقومية وطناً خاصاً بها، بل قد تشاركها قوميات أخرى، حيث أن هناك قوميات كثيرة ليست شعوباً، أي أنها لا تمتلك وطناً خاصاً بها، بينما الشعب له وطن خاص به يعيش فيه. الشعب قد يتألف من قومية واحدة أو عدة قوميات. هكذا فأن القومية قد لا تمتلك أرضاً محددة تعيش عليها، بينما الشعب له أرض معينة يعيش عليها. على سبيل المثال، شعب كوردستان مؤلّف من عدة قوميات ويعيش في وطنه كوردستان، بينما التركمان قومية تعيش مع القوميات الكوردستانية الأخرى في كوردستان، إلا أنهم ليسوا شعباً. لذلك فأن مصطلح الوطني الكوردستاني مرتبط بِكوردستان كَوطن وبِشعب كوردستان بمختلف قومياته، بينما يرتبط مصطلح القومي الكوردي بالقومية الكوردية فقط وليست له صلة بالقوميات الكوردستانية الأخرى.
من هنا نرى بأن الفكر الوطني الكوردستاني هو فكر شامل، مادته هي كوردستان كَوطن وشعب كوردستان بِمختلف قومياته، بينما الفكر القومي الكوردي هو فكر، مادته القومية الكوردية ويهمل القوميات الكوردستانية غير الكوردية. هذا يعني بأن مجال عمل الفكر الوطني الكوردستاني هو الفضاء الكوردستاني الواسع، بينما ينحصر مجال عمل الفكر القومي الكوردي في الفضاء الكوردي، أي في جزءٍ من الفضاء الكوردستاني.
هكذا يُحدِث الفكر الوطني الكوردستاني نقلة نوعية للقضية الكوردستانية، فيجعلها قضية كوردستانية بدلاً من قضية كوردية، وقضية شعبٍ بدلاً من قضية قومية، وقضية شعبٍ مستعمَر ووطن مغتصَب بدلاً من قضية قومية مضطهَدة، قضية شعبٍ يناضل من أجل حريته وإستقلال وتوحيد وطنه بدلاً من قضية قومية تناضل من أجل حقوقها القومية.
مع ظهور العولمة والأفكار الديمقراطية والإعتراف بِحقوق الإنسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها والمساواة بين مختلف القوميات العائشة ضمن كيان سياسي واحد، فأنّ الفكر القومي الكوردي بِدوره أصبح بِحاجة الى تطوير لِيتفاعل مع المفاهيم والقيم الإنسانية الجديدة ليستطيع مواكبة العصر، وإلا سيكون مصيره الفشل والإنهيار.
يجب إستدراك حقيقة مهمة وهي أنه الى جانب الكورد، تعيش في كوردستان قوميات أخرى، مثل الآشوريين والسريان والكلدان والتركمان والعرب والشركس وغيرهم. المنتمون لهذه القوميات، هم مواطنون كوردستانيون و أن جميع مواطني كوردستان، بِغض النظر عن قومياتهم، هم متساوون في الحقوق والواجبات ويجب الحفاظ على هوياتهم القومية ولغاتهم وتراثهم وتطويرها. على سبيل المثال، في معظم الدول الغربية، يتم منح الجنسية للشخص الأجنبي بعد إقامته لعدة سنوات هناك، إلا أنه بالنسبة لكوردستان، فأن الوضع يختلف، حيث أن كوردستان لا تزال مُغتصَبة ومُقسّمة، لذلك فأن المواطنين الأصلاء الذين يعيشون في كوردستان منذ عشرات السنين، هم مواطنون كوردستانيون. يُستثنى من المواطنة الكوردستانية العرب والفرس والأتراك المستوطنون في كوردستان، الذين جلبتهم الحكومات العراقية والسورية والتركية والإيرانية الى كوردستان لِغرض تعريب وتتريك وتفريس كوردستان على التوالي.
لا يمكن للأمة الكوردية العريقة التي تعيش تحت الإحتلال الإستيطاني منذ زمن طويل، خلاله تتعرض هويتها ولغتها وثقافتها وتراثها وتاريخها للإنكار والإلغاء والتزييف والتحريف والتشويش والسرقة، أن تحذو الفكر العنصري العربي والتركي والفارسي بِنُكران هويات ولغات وتاريخ وتراث القوميات الكوردستانية غير الكوردية. من هنا يبرز الفكر الوطني الكوردستاني ويتصدى لهذه المسألة الهامة التي تخص شعب كوردستان والذي يٌعطي مدلولاً شاملاً، يرى شعب كوردستان شعباً ذا قوميات متعددة ويعترف بِكافة القوميات والأديان والمذاهب الكوردستانية ويساوي بينها ويناضل من أجل حريته وإستقلال بلاده، بينما الفكر القومي الكوردي يضع القومية الكوردية لوحدها، بأديانها ومذاهبها المختلفة، موضع إهتمامه وتهمل القوميات الكوردستانية الأخرى. الفكر الوطني الكوردستاني يربط شعب كوردستان، بِمختلف قومياته بالوطن الكوردستاني ويخرج من النطاق الضيق المقتصر على القومية الكوردية الى الفضاء الكوردستاني الواسع، كَوطن وأرض وشعب متعدد القوميات والأديان والمذاهب والمعتقدات وبذلك يخلق مجتمعاً كوردستانياً متجانساً، ذا أهداف واحدة وثقافة ثرية مشتركة ومصير واحد ومصالح مشتركة، التي يعجز الفكر القومي عن تحقيقها.
[1]