الظروف الذاتية الكوردستانية
د. مهدي كاكه يي
تفاعل الظروف الذاتية والموضوعية يخلق الواقع، حيث أنّ كليهما تؤثّران على بعضهما البعض وتتأثران بالبعض. طالما يتحكم الإنسان بالظروف الذاتية، فأنه من خلال تغييره للظروف الذاتية، يستطيع تغيير الظروف الموضوعية لِصالحه. هكذا بالنسبة الى الظروف الذاتية الكوردستانية، فأنّ شعب كوردستان يجب أن يقوم بتغيير الظروف الموضوعية (الظروف الدولية والإقليمية) إيجابياً عن طريق تطوير وتحسين ظروفه الذاتية، حيث أن تغيير الظروف الذاتية هو السبيل الوحيد المُتاح أمامه لتغيير الظروف الإقليمية والدولية لِصالح القضية الكوردستانية.
لا يزال المجتمع الكوردستاني هو مجتمع زراعي عشائري متخلف، تلعب التقاليد والعادات الموروثة والدين والمذهب، دوراً رئيسياً في حياة أفراده. كما أن الغالبية العظمى من التنظيمات السياسية الكوردستانية متأثرة بالأفكار الشمولية والدكتاتورية والأنظمة البوليسية للدول المُغتصِبة لكوردستان ولذلك تسود فيها تألية وعظمة زعمائها والدكتاتورية وتوريث الزعامة والرئاسة والتشبث بها طالما الرئيس في الحياة وتنفرد العائلة والعشيرة في الإستحواذ على هذه التنظيمات السياسية. لذلك لا تستطيع هذه الأحزاب السياسية أن تُجدد وتطوّر نفسها من خلال الإعتماد على مقاييس الكفاءة والخبرة والوطنية والنزاهة في إختيار قادتها وكوادرها وأعضائها. لهذه الأسباب فأن الغالبية العظمى من الأحزاب هي عبارة عن تنظيمات متخلفة هرِمة، عاجزة عن مواكبة التغيرات الفكرية والسياسية والإقتصادية الجارية في الدول المُغتصِبة لكوردستان و في منطقة الشرق الأوسط والعالم وعليه فهي غير مؤهلة لقيادة شعب كوردستان.
بسبب تخلّف التنظيمات السياسية الكوردستانية التي هي نِتاج المجتمع الكوردستاني المتخلف، فأننا نرى تفشّي ظاهرة التصارع والتشتت والتحالف مع مُغتصِبي كوردستان والفساد الإداري والمالي والترهّل وتوريث القيادات والهيمنة العائلية والعشائرية وتألية القادة، سائدة فيها. من خلال معرفة المرحلة الإجتماعية التي يمر بها شعب كوردستان، يمكن رسم صورة حقيقية لِواقعه.
في إقليم جنوب كوردستان، هناك إدارة متصارعة فاسدة فاشلة، حيث مضت على حُكمها أكثر من 23 سنة، دون أن تعمل على بناء البُنية التحتية للإقليم وتحقيق الأمن الغذائي وتوفير مصادر الطاقة وبناء جيش مهني موحد وسن دستور عصري وبناء إدارة مؤسساتية يسودها القانون والنظام وخلق نظام ديمقراطي، يحترم إرادة الشعب ويؤمن بالتناوب السلمي للسلطة وهذه كلها من مقومات الأمن الوطني الكوردستاني. لم تُبادر هذه الإدارة الى إيجاد مرجعية سياسية كوردستانية تقود شعب كوردستان ولم تُقدم المساعدة والدعم المطلوبَين لإقليم غرب كوردستان الذي هو منطقة إستراتيجية مُهمة، تُشكّل منفذاً بحرياً لكوردستان. بعد هذه المدة الطويلة من الحكم، فأن حكومة الإقليم عاجزة عن دفع رواتب الپيشمەرگە الذين يُضحون بأرواحهم في سبيل الوطن وكذلك الموظفين والعمال وعاجزة عن توفير الماء والكهرباء والعلاج للشعب، حيث أن العيادات الطبية الأهلية أصبحت تجارة مُربِحة، يقوم الأغنياء بِعلاج أنفسهم فيها، بينما الفقراء لا مال لديهم فيموتون بسبب الأمراض، أما المستشفيات الحكومية فهي عبارة عن بنايات وديكورات لا نفع لها. بسبب هذه الظروف الصعبة، يهجر الشباب الإقليم، مواجهين الأهوال والموت في طريقهم الى أوروبا لكي يؤمّنون حياتهم وعيشهم بكرامة.
هنا أود أن أتحدث عن مسألة تقديم رئيس جامعة جيهان الدكتور شيرزاد طالباني إستقالته من منصبه مؤخراً بسبب مطالبته من قِبل وزير التعليم العالي والبحث العلمي لإقليم جنوب كوردستان وأحد قادة الپيشمەرگە بالسماح لأحد الطلاب بإداء الإمتحانات رغم أنه مفصول من الجامعة بسبب غياباته، حيث أنه ترك دراسته وأصبح پيشمەرگە. كما أن هناك قرار في الإقليم بإضافة 3 درجات الى معدل درجات الطالبة أو الطالب الذي قدمت أسرته شهيداً أو أن أحد أفراد أسرته پيشمەرگە. كيف يمكن بناء الإقليم عندما يتم الإستهتار بالعلم والمعرفة؟ الپيشمەرگە يستلم راتباً شهرياً واحداً كل ثلاث أشهر وعائلته تعاني من الفقر والجوع والمرض، بينما بإسمه يتم إنتهاك وتدمير العلم والمعرفة! لا يمكن تسييس العلم بأي شكل من الأشكال. هذا مثال بسيط على الجهل واللامسئولية اللذان يُخيّمان على القائمين بإدارة الإقليم.
في شمال كوردستان، كان حزب العمال الكوردستاني يناضل من أجل إستقلال كوردستان، إلا أنه تخلى عنه في السنين الأخيرة وأخذ ينادي بالأمة الديمقراطية التي هي سابقة لأوانه ولا يمكن نجاحها حتى على المدى البعيد بسبب تخلف مجتمعات الشرق الأوسط والتراكمات الثقافية والتاريخية فيها. هذا التغيّر في شعار الحزب يُسبب ضرراً كبيراً للحركة التحررية الكوردستانية ونأمل أن تُعيد قيادة وكوادر وأعضاء الحزب النظر في هذه المسألة الهامة. كما أن النضال الكوردستاني في هذا الإقليم يحتاج الى تعبئة الجماهير بشكل أكبر ونقل الحرب الى المدن التركية الكبرى، حيث يعيش أكثر من 4 ملايين كوردي في مدينة إسطنبول لوحدها وعدم الإكتفاء بِجعل شمال كوردستان لوحده مكاناً للنشاطات الكوردستانية وساحةً للحرب والمعارك والقتل والخراب والدمار.
في غرب كوردستان، يواجه السكان حرباً ضروسة ضد إرهابيي داعش ويتعرضون للمؤامرات التركية التي تهدف الى حرمان الكوردستانيين في هذا الإقليم من حقهم في تقرير مصيرهم. الإقليم بحاجة الى توحيد كافة القوى الكوردستانية فيه لمواجهة الأخطار الجسيمة التي يتعرض لها. كما أنه بسبب ضراوة الحرب وقسوتها، فأن الكثير من كورد الإقليم بدأوا يهجرونه وهذه الهجرة تُعرّض الأمن الوطني الكوردستاني في الإقليم للخطر، حيث أنها تؤدي الى إنخفاض نفوس الكورد وقد يصبحون أقلية فيه. لابد من معالجة هذا الأمر قدر الإمكان، وخاصة بعد أن قررت الدول الأوروبية قبول الملايين من السوريين، فأنه من المتوقع جداً أن تزداد بشكل كبير أعداد الكورد الذين يهجرون الإقليم ولابد من مواجهة هذا الخطر.
الأحزاب الكوردستانية في إقليم شرق كوردستان، أيضاً مشتتة والى حد ما خاملة، بينما تستطيع هذه الأحزاب إنتهاز الفرصة من التهديد الذي تُشكّله إيران للمصالح الغربية في المنطقة بتوحيد قواها وإثبات وجودها لتكون مؤهلة للتحالف مع الغرب والحصول على المساعدات والدعم منه لتحقيق الأهداف الكوردستانية.
[1]