(تركيا) ..... الى أين؟ (35) – إستراتيجية النضال التحرري الكوردستاني 6. وسائل النضال الكوردستاني
د. مهدي كاكه يي
تميّز النضال الكوردستاني عبر مراحله المختلفة بإتباع النضال المسلح من خلال حرب العصابات في جبال كوردستان، حيث كان الكوردستانيون يلتجئون الى جبالهم المحصّنة في نضالهم من أجل التمتع بحقوقهم على أرضهم التأريخية، كوردستان. كانت الإستراتيجية المتبعة هي إستراتيجية دفاعية و كانت كوردستان الساحة الوحيدة لكافة الحروب التي خاضها الكوردستانيون ضد المحتلين. لهذا السبب تعرضت كوردستان و شعبها لأضرار بشرية و إجتماعية و إقتصادية و بيئية و صحية كبيرة جداً خلال النضال المسلح الذي جرى على أرض كوردستان. هكذا إستمر هذا النضال المسلح الكلاسيكي في القرن الماضي و القرن الحالي، حيث لم يعمل القادة الكوردستانيون على تطوير وسائل نضالهم لمواكبة التطورات الذاتية و الموضوعية للقضية الكوردستانية و التي كانت قد تقود الى تحقيق الهدف الكوردستاني في الحرية و الإستقلال. هكذا جُعِلتْ من كوردستان ساحةً للحروب و الدمار، حيث تحطمت البنية التحتية لها و تشرّد و تسمّم شعبها و تسممت أرضها و هواؤها و مياهها و مزارعها و غاباتها، بينما سكان الدول المحتلة لكوردستان كانوا يعيشون في أمان، بعيدين عن أهوال الحروب و المعارك و كانت مدنها و قراها و مزارعها و مصانعها بعيدةً عن الحروب و لم تتعرض للخراب و الدمار.
ظهور عالمٍ جديد بعد إنهيار الإتحاد السوفيتي و إنتهاء الحرب الباردة و قيام ثورة كبرى في وسائل الإتصالات و تلقّي المعلومات، تجعل الوسائل السلمية الحضارية في النضال وسائل فعالة لتحقيق أهداف الشعوب في الحرية و الإستقلال، حيث تعيش البشرية اليوم في عصر العولمة و عصر تحرر الشعوب و تغيّرت على ضوئها أساليب النضال التحرري و حلّت الأساليب السلمية محل النضال المسلح و ها أن شعوب تونس و مصر وغيرهما أسقطتْ حكوماتها الدكتاتورية عن طريق التظاهرات و الإحتجاجات و العصيان المدني. هكذا فأن التطورات العالمية التي حصلت في الأعوام الأخيرة أوجدت وسائل جديدة للثورة و الدفاع عن النفس التي قد تكون أكثر فعّالية من الإلتجاء الى السلاح و في نفس الوقت فأن الوسائل السلمية هي أقل ضرراً بكثير من الثورات المسلحة.
تُقدّر نفوس كوردستان بحوالي خمسين مليون نسمة و تُقدّر مساحتها بحوالي نصف مليون كيلومتر مربع. لو يتم إستغلال جيد لهذا العدد السكاني الكبير من خلال توعيتهم و تنظيمهم، فأنهم، من خلال النضال السلمي سيتمكنون أن يفرضوا إرادتهم على محتلي كوردستان و على الدول الكبرى و سيكونون قادرين على التحرر من الإستعمار الإستيطاني و الإحتلال و إقامة دولة مستقلة و يصبحون قوةً بشرية و إقتصادية عملاقة في المنطقة، يلعبون دوراً محورياً فيها و يُغيّرون المعادلات و التوازنات الإقليمية القائمة و سياسة و إستراتيجيات القوى العالمية في المنطقة.
يجب وضع إستراتيجية صائبة لتوعية المجتمع الكوردستاني، و خاصةً الشباب، من خلال تعريفهم بالتأريخ العريق لأسلافهم و مساهماتهم الكبيرة في بناء صرح الحضارة الإنسانية و كذلك تعليمهم اللغة الكوردية و تثقيفهم من خلال تزويدهم بالعلوم و المعارف و المعلومات في مختلف المجالات لمساعدتهم في خلق شعبٍ مثقف، مؤهل لتحرير نفسه و بلاده. كما أن إيجاد لغةٍ كوردية موحدة هو من العناصر الأساسية في توحيد الكوردستانيين و جعلهم يتفاعلون مع البعض و يتجانسون في الفكر و الثقافة.
إن تنظيم الكوردستانيين يكون سهلاً عندما يكونون واعين و مشبعّين بالمبادئ الوطنية و يعيش في أعماقهم حُب الوطن و الشعور بالإنتماء لكوردستان و الإستعداد الكامل للدفاع عنها. يتم تنظيم الجماهير الكوردستانية من خلال التنظيمات السياسية و الطلابية و الشبابية و النسوية و المهنية و منظمات المجتمع المدني. إن تنظيم الجماهير الكوردستانية سيُحقق إستقلال كوردستان و حرية شعبها من خلال تنظيم المظاهرات و الإضرابات و إعلان العصيان المدني و الإضراب عن الطعام. على سبيل المثال، قيام عدة ملايين من الكوردستانيين بالإضراب عن الطعام سيهزّ الرأي العام العالمي و يضطر بسببه المجتمع الدولي و الدول الكبرى التدخل لإنقاذ حياة الملايين من الكوردستانيين المضربين عن الطعام و تضغط على الدول المحتلة لكوردستان للإعتراف بحق الشعب الكوردستاني في الحرية و الإستقلال. كما أن الجماهير الكوردستانية المليونية تستطيع إيقاف الحياة في كافة أرجاء كوردستان من خلال الإضراب العام عن العمل و التظاهرات و قطع طرق المواصلات.
كما أن هناك الملايين من الكوردستانيين الذين يعيشون في المدن الكبيرة للدول المحتلة لكوردستان، حيث يُقدّر عدد الكورد الذين يعيشون في إستانبول لوحدها بأكثر من سبعة ملايين نسمة و تعيش عدة ملايين من الكورد في كل من أنقره و إزمير و قونية و مناطق و مدن أخرى في تركيا، بالإضافة الى الملايين من الكورد الذين يعيشون في المدن الكبرى للدول المحتلة الأخرى، مثل مدن طهران و شيراز و بغداد و دمشق و حلب و غيرها. هذه الأعداد المليونية للكورد الذين يعيشون في مدن الدول المحتلة لكوردستان، يمكن أن يلعبوا دوراً حاسماً في شل الحياة في المدن الكبرى في كل من تركيا و إيران و العراق و سوريا من خلال إعلان العصيان المدني و الإضراب عن العمل و الإضراب عن الطعام و تنظيم التظاهرات المليونية و قطع خطوط المواصلات من خلال تكوين عوازل بشرية في الشوارع الرئيسية و الساحات العامة. بهذه الوسائل النضالية في عقر دار المحتلين سيفرض شعب كوردستان إرادته على المحتلين و يجبرهم على الإستسلام و الإعتراف بحق الكوردستانيين في الحرية و الإستقلال.
يعيش في الدول الغربية أكثر من مليون كوردي و هؤلاء يمكنهم أن يلعبوا دوراً كبيراً في النضال الكوردستاني و يكونوا سنداً قوياً لنضال الكوردستانيين في كوردستان و في الدول المحتلة، حيث أنهم يعيشون في دول ديمقراطية تسمح لهم بالقيام بمختلف الفعاليات من إضراب عن الطعام و تنظيم المظاهرات و إيصال الصوت الكوردستاني الى مسامع منظمة الأمم المتحدة و عواصم الدول الكبرى و إقامة الندوات و المهرجانات و الحفلات و المعارض للتعريف بالشعب الكوردستاني و بإحتلال بلده و حرمانه من حق الإستقلال و التمتع بحقه في تقرير مصيره بنفسه كالشعوب الحرة الأخرى في العالم و التعريف بتأريخه و تراثه و فنونه. هكذا فأن الجاليات الكوردستانية في الخارج تستطيع إيصال الصوت الكوردستاني الى الرأي العام العالمي و الأمم المتحدة و حكومات الدول الكبرى و منظمات المجتمع المدني و الشخصيات الدينية في البلدان التي يعيشون فيها و في نفس الوقت يكونون سفراء كوردستان في هذه الدول للتعريف بالشعب الكوردستاني و بحضارته و تراثه و الإستعباد الذي يعاني منه في ظل الإحتلال و إلغاء الهوية و اللغة و التأريخ و التراث.
أود أن أذكر هنا بأنه كان ينبغي على قيادات الأحزاب السياسية الكوردستانية تغيير إستراتيجيتها منذ إنتهاء الحرب الباردة في بداية العقد التاسع من القرن العشرين، أي قبل أكثر من عشرين عاماً و ترك الكفاح المسلح و التركيز على العمل السياسي و توعية و تنظيم الجماهير الكوردستانية و مساعدتها لتعلم اللغة الكوردية و تعريفها بالتأريخ العريق للأمة الكوردية و تأسيس منظمات المجتمع المدني و ترتيب البيت الكوردستاني في شمال كوردستان بشكل خاص و في كوردستان بشكل عام، و من ثم القيام بالنضال السلمي الذي نتحدث عنه لتحقيق نقلة نوعية في النضال الكوردستاني و بالتالي تحرير كوردستان و تحقيق إستقلالها.
تحدثتُ في الحلقة السابقة عن تأسيس الجيش الكوردستاني، حيث يمكن للثوار الكوردستانيين الذين إكتسبوا الخبرة خلال نضالهم المسلح، أن يعملوا كمُدرّبين عسكريين في الجيش الكوردستاني المُقترح لتعليم أفراد الجيش علوم حرب العصابات و النضال في المناطق الريفية في كوردستان بالإضافة الى كثير من الأمور المتعلقة بهذا النوع من الحرب.
هناك نقطة مهمة أخرى أود الحديث عنها هنا وهي تحديد الجهات و القوى و الدول التي يمكن للكوردستانيين أن يتلقوا التأييد و الدعم منها و الجهات و القوى و الدول التي تقف ضد حق شعب كوردستان في التحرر و الإستقلال. في البداية يجب القول بأنه في السياسة ليست هناك صداقات و عداوات، بل مواقف الدول و المنظمات السياسية تحددها مصالحها. على ضوء هذه الحقيقة، فأن الدول المحتلة لكوردستان و المنظمات السياسية العربية و التركية و الفارسية التي تحمل الفكر العنصري، هي القوى التي تقف بوجه تطلعات شعب كوردستان في حريته و إستقلال بلاده و لذلك يجب على القيادات السياسية الكوردستانية عدم الإعتماد على هذه الجهات في النضال الكوردستاني و بأي شكل من الأشكال و تجارب كثير من الثورات الكوردستانية التي حدثت في السابق تظهر أن إنهيارها كانت بسبب إعتمادها على المساعدات المقدمة من قِبل الدول المحتلة لكوردستان. من جهة أخرى، كما ذكرتُ آنفاً بأن السياسة و العلاقات بين الشعوب و الدول هي علاقات مصالح بحتة، فأن الدول الكبرى و الدول الغربية الديمقراطية تتحدد مواقفها من القضية الكوردستانية على ضوء تقاطع أو تلاقي مصالحها مع إستقلال كوردستان، إلا أنه في نفس الوقت فأن الرأي العام في هذه الدول و منظمات المجتمع المدني و الصحافة و الكنيسة تلعب دوراً كبيراً في تحديد سياسات حكومات هذه الدول. لذلك من الممكن الحصول على دعمٍ معنوي و مادي للقضية الكوردستانية من هذه الدول.
في الحقيقة أن مواقف الشعوب و الدول و المنظمات السياسية و حتى منظمات المجتمع المدني في هذه الدول، من إستقلال كوردستان، تعتمد بالدرجة الرئيسية على العامل الذاتي لشعب كوردستان، حيث عندما تكون للكوردستانيين مرجعية سياسية موحدة و دستور ديمقراطي و أحزاب سياسية عصرية و قوة إقتصادية و عسكرية لا يمكن الإستهانة بها، حينئذٍ يستطيع شعب كوردستان فرض إرادته على الآخرين و إثبات وجوده كشعب له الحق في التحرر و الإستقلال. إن العوامل الذاتية الكوردستانية تلعب الدور الرئيس في النضال الكوردستاني لتحقيق أهدافه، بينما العوامل الخارجية هي عوامل ثانوية، حيث أن وحدة الكوردستانيين و قوتهم قادرة على تغيير سياسة و إستراتيجيات الدول الكبرى و الدول المحتلة لكوردستان تجاه القضية الكوردستانية.
mahdi_kakei@hotmail.com
[1]