$الخطاب العربي والقضية الكوردية (2)$
#بير رستم#
وأيضاً ينشر الأستاذ نضال نعيسة مقال له في نشرة كلنا شركاء يوم 03-03-2006 وذلك تحت عنوان “الحراك المذهبي والسنيّة والشيعيّة السياسية”، ومع إننا نتفق معه في غالبية ما يطرحه من أفكار وقناعات حول المواطنة والدولة الحديثة، إلا أننا نختلف وإياه في بعض المسائل ومنها ما يتطرق فيه إلى بوادر حرب أهلية في المنطقة وتحديداً في الجوار العراقي فيكتب: “كنا ننتظر جميعا محرضات، ومحفزات، وحراكاً علمانيًا وليبرالياً ديمقراطياً، لكن يبدو، وبكل أسف، فإذ بنا نفاجئ بأن السنية والشيعية السياسية وملحقاتها التفتيتية، وباقي التصنيفات العرقية والمذهبية الأخرى، قد تصبح هويات جديدة في هذه المنطقة الحاملة لكل أسباب التشرذم والتفتيت والانقسام، في ظل المشاريع الديمقراطية التي تحوم، كالبوم والغربان، فوق المنطقة، ويصبح الولاء للطائفة، والمذهب، والعشيرة، والفخذ بعد أن كان سابقا للدول، والجغرافيا، والأوطان، ولا سيما بعد كل ذاك الصخب الطائفي الدموي المقيت الذي شهدناه في العراق، ما لم يتصدى لهذا العقلاء. وقد تنتقل بعد ذلك عدوى الحمى الطائفية وتنتشر في عموم المنطقة، التي لا تقبل أي “هزل” أو “مزاح” من هذا القبيل وتكتنز كل أسباب الانفجار، بعد أن كرستها، وأذكتها ممارسات سلطوية فاجرة شنعاء في كل مكان”.
إننا لا نعلم لما يوصف “المشاريع الديمقراطية بالبوم والغربان التي تحوم فوق المنطقة” فكما نعرف الأستاذ نضال ومن خلال كتاباته إنه أحد دعاة الديموقراطية وحقوق الإنسان؛ ألئن هذا المشروع يرتبط “بالتدخل” الأمريكي في المنطقة وبالتالي أصبحت عنده مرفوضة وشبيهة بالبوم والغربان – و”رب الكعبة” هذه ستكون كارثة حقيقية لكل الفكر الإنساني الحر وتدفعنا إلى الانزواء في مغاراتنا الحرائية؛ من “غار حراء” – هذه من ناحية أما من الناحية الأخرى، فهو يدعي بأن الولاء سابقاً كان ” للدول، والجغرافيا، والأوطان” وليس ” للطائفة، والمذهب، والعشيرة، والفخذ”، ولا ندري سابقاً هذه تعود إلى متى، هل هي لزمن صدام حسين وطغيانه وجبروت أجهزته الأمنية والتي كانت تركع البشر والحجر لصنم الدولة الوحيد؛ الرئيس المفدى، أم هي لأزمنة ما يعرف بالاستعمار؛ إن كان العثماني أم الأوربي، أم لزمن الخلفاء – الراشدين منهم وغير الراشدين- وحروب “الردة” والمذاهب وسيادة أحد الإثنيات والأعراق وهم الأخوة العرب على باقي الشعوب والأمم وجعلهم ذميين وموالي لا يحق لهم ما يحق للمسلم العربي. وهكذا كان الأفضل أن يبين الغايات بطريقة أكثر صراحة ووضوحاً، لا أن يلتف حول قضايا فكرية لا تحتاج إلى هذا القدر من الغموض والإلتباس.
وأيضاً ما يؤخذ على الأستاذ نضال نعيسة إنه يرفض كل الهويات الأخرى من عرقية ومذهبية؛ فها هو يكتب: ” .. وبكل أسف، فإذ بنا نفاجئ بأن السنية والشيعية السياسية وملحقاتها التفتيتية، وباقي التصنيفات العرقية والمذهبية الأخرى، قد تصبح هويات جديدة في هذه المنطقة” وبالتالي فهو يجعلها بمرتبة الجريمة السياسية لمن يطالب بها وذلك عندما يقول: “ومن هنا، أيضا، تبرز الحاجة وعلى الصعيد الدستوري والسياسي لاعتماد دساتير علمانية تجرّم أي خطاب إثني، وطائفي، ومذهبي، أوتمييز عنصري وخطاب تعبوي وتحريضي”. إننا لا نعلم متى كانت الخصوصيات العرقية والمذهبية منافية وناهية لتشكيل دولة المواطنة وهو الذي يؤتي بالتجربة الأوربية كشاهد ومثال على هذه الحالة وذلك عندما يقول: “ولقد عانت الكثير من الدول، والشعوب، والحضارات، من أنواع كثيرة من الصدام، والتنافر، والعداء، والحروب الدينية، والطائفية الطاحنة، ولا يزال بعضها مستعرا وتحت الرماد، في بلاد يعتقد أنها وصلت قمة الحضارة والرفاهية، كما هو الحال في بريطانيا العظمى الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، بين “الكاثوليك والبروتستانت “، ولكن، وبشكل عبثي، وبعد كل جولة من العنف والصدام، يعود الجميع لطاولة المفاوضات. ومخطئ وواهم كل من يعتقد بقدرته على تغيير طبيعة الناس والانتماء، وتطويع ميولهم ورغباتهم وتكوينهم، وكل الحركات السابقة في التاريخ، التي حاولت السير في هذا الاتجاه، انتهت وولت مهزومة، وإلى غير رجعة كالفاشية، والنازية، والشيوعية بوجهها الدموي القمعي والاستبدادي حالك السواد”.
إذاً فنحن متفقان على أنه لا يمكن لنا أن نلغي هذه الخصوصيات والتي تؤكد هوياتنا؛ فالواحد منا يحمل أكثر من هوية وخصوصية، فأنا بهوية علمانية كوردية سورية وهناك من هو بهوية كوردية مسلمة شيعية وأنت ولربما بهوية عربية مسلمة سنية لاذقانية – قلنا ربما ولم نؤكد – وبالتالي فهناك هويات متعددة للواحد منا وهي تميزنا عن الآخر وإن كل المحاولات والتي صبت في هذا الاتجاه من “فاشية ونازية وشيوعية” – كما نوهت أنت – كانت مآلها الهزيمة والاندحار؛ وبالتالي ليس أمامنا إلا أن نحترم هذه الخصوصيات، بل ونؤكد عليها مع احترام خصوصيات وهويات الآخرين وحقهم بالوجود وممارسة جميع حقوقهم والتي أقرتها مجموع البنود والمواثيق الدولية والتي وقعت عليها جميع الدول بما فيها بلداننا، وذلك ضمن دولة القانون والمؤسسات الدستورية وليس من خلال قانون السيد والعبد وممالك الطغيان وجمهوريات الخوف.
ونقول أخيراً أنه ليس التأكيد على هذه الهويات والخصوصيات هي التي تدفع بمنطقتنا إلى حافة الهاوية، وليست هي ” الحاملة لكل أسباب التشرذم والتفتيت والانقسام” في المنطقة، بل تلك العقلية الإقصائية، الإلغائية والتي تجد في الآخر المغاير تهديداً لوجوده ولذلك فيدفعه إلى إحدى الخيارين التاليين؛ إما الاستلاب والذوبان داخل “كانتوته” الثقافية الفكرية والسياسية المذهبية أو شن الحرب عليه وإفنائه وإلغائه من الوجود وفي الحالتين يكون مصير الآخر هو العدم والنفي. وهذه تذكرنا ب”مأساة إبليس” وطرده من الجنة؛ فإما الخضوع لإرادة الآخر أو عليك اللعنة ومصيرك الطرد من الجنة – الوطن. فهذه العقلية الإقصائية هي التي ستدفع بمنطقتنا إلى كارثة التفتيت إن لم ننتبه لها ونعالجها وكما قلنا مراراً من خلال دولة المؤسسات والقانون.
جندريس-2006
[1]