$شهادات: رأي المناضل الشيوعي السوري الراحل مراد يوسف (1928- 2008) حول القضية الكردية$
مراد يوسف
مجلة الحوار – العدد /81/ – السنة 30-07-2023م
هذه الشهادة مقتبسة من مذكرات وأوراق المناضل الشيوعي السوري الراحل مراد يوسف، الذي عُرِفَ لدى الوسط الشيوعي والعمالي والوطني في سوريا بجرأته وصراحته في مسيرته النضالية والحزبية.
الراحل مراد يوسف من مواليد عام 1928 في القنيطرة التي كانت مركز منطقة الجولان آنذاك؛ شركسيُّ الأصل، ويعتزُ بثقافته وأصوله. نشأ في أسرة كادحة وانتسب للحركة الشيوعية مبكراً. وبقي وفيّاً لقناعاته وقربه من الطبقات الشعبية والكادحة. ولعلّ من أبرز مراحل حياته الحزبية كان قيادته لفصيل شيوعيّ انشقّ عن الحزب الشيوعي الأم (بزعامة خالد بكداش) في الثمانينات عُرِف بعد 1980 باسم “الحزب الشيوعي السوري – منظمات القاعدة” واختصاراً ” منظمات القاعدة“. وحينها بنى علاقات مع بعض أطراف الحركة السياسية الكردية في سوريا.
تقتبس ” الحوار” هذه الشهادة لشخصية وطنية سورية لما وجدنا فيها من رأي جديّ ومتقدم عن القضية الكردية قياساً بالمواقف التي كانت يتبناها الحزب الشيوعي السوري الرسمي، وحتى عن بعض المواقف المعارضة للسلطة. وننتهز الفرصة لتذكير القرّاء بشخصية وطنيّة سورية ناضلت من أجل المساواة بين كل السوريين وحقوقهم المشروعة، والإقرار بخصوصية القومية الكردية ضمن الوطنية السورية، وكذلك خصوصية الكرد كشعب في المنطقة بشكل عام.
“الحوار“
=====
“اكتسبت مطالب الشعب الكردي تأييداً عالمياً واسعاً، لأنه شعب متميز يملك مقوماته في الأرض واللغة والتراث الثقافي، وهذه الحقيقة بحاجة إلى نضالات ومتابعة لدحض المواقف الشوفينية، التي تنفي وتُنكر وجود قضية قومية كردية وشعب كردي متمايز عن الشعوب الأخرى، التي يعيش معها في تركيا وإيران والعراق وسورية، وتعمل هذه الأوساط المعادية لحقوق الشعوب لصهر الشعب الكردي.
والقوى الثورية الوطنية كلها في هذه البلدان مطالبة بالاعتراف بالحقوق القومية للشعب الكردي، وبالنضال من أجل ممارسته لحقوقه المشروعة، ولا يبرر كون الشعب الكردي يعيش مع شعوب أخرى (تركية، أو عربية، أو فارسية…) إنكار الحقوق القومية لهذا الشعب، كما لا تبرر وحدة الدين، التي تجمعه مع هذه الشعوب، هذا الإنكار”.
ويتحدّث مراد عن الحركة القومية الكردية بصفتها حركة تاريخية موضوعية، لأنها حركة شعب عريق مناضل في سبيل حقوقه العادلة والمشروعة، فيقول:
” ظهرت الحركة الكردية في القرن الحادي عشر على شكل حركات إقطاعية متمايزة، ونمت في ظل سيطرة الإمبراطوريتين الفارسية ثم العثمانية على المنطقة، ومن خلال النزاعات التي كانت ناشبة بينهما، وظهرت تاريخياً عدد من الإمارات الإقطاعية الكردية، التي تمتّعت بنوع من الاستقلال الذاتي. وقد برزت هذه الحركة إلى الوجود كحركة قومية متبلورة مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، بالارتباط مع تفسُّخ العلاقات الإقطاعية القبلية القائمة على الزراعة والرعي، ونشوء بدايات العلاقات الرأسمالية في المجتمعات الكردية في المنطقة.
وتأثرت هذه الحركة في البداية بأفكار القومية البورجوازية الغربية، ثم بالحركتين القوميتين العربية والتركية، ونمت في النضال ضد الظلم والاضطهاد، الذي كانت تمثله السيطرة العثمانية، وترعرعت في خضمّ الصراع ضد الإقطاعية الكردية، التي ارتبطت امتيازاتها مع الإمبراطورية العثمانية. وفيما بعد، عشية وغداة الحرب العالمية الثانية، تأثرت الحركة القومية الكردية بالحركات الثورية، ولا سيما ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى.
ومما يعقّد قضية الشعب الكردي، أنه موزع أو مقسّم بين كيانات وحدود دولية، مثبّتة ويعترف بها المجتمع الدولي، وبالتالي فإن الحركة القومية الكردية مجزأة حسب هذا الواقع. ووضع هذا ضرورة التوفيق بين الأهداف الوطنية في كل بلد وبين الأهداف القومية الكردية في مقدمة المعادلات الصعبة، التي ينبغي على الحركات القومية الكردية في كل بلد من هذه البلدان أن تحلّها بشكل صحيح.
فالقضية الأساسية، التي تواجه نضال الشعب الكردي الآن، وفي كل بلد من البلدان التي تضم داخل حدودها جزءاً من كردستان وشعبها، هي قضية النضال المشترك مع الشعب أو الشعوب التي يعيش وإياها ضمن إطار الدولة المعنية ، العرب أو الأتراك أو الشعوب الإيرانية … وغيرهم، والنضال المشترك من أجل تحقيق التحرر الناجز والديمقراطية والتقدم الاجتماعي، الأمر الذي يخلق الأساس اللازم لحل القضية الكردية حلاً عادلاً على قاعدة الاعتراف بحق الشعب الكردي في تقرير مصيره بنفسه”، ثم يكتب في خاطرة له في بداية العقد الأول من القرن الحالي قائلاً :
” نود أن نقول للوطنيين والتقدميين الأكراد، نحن معكم أيها الأخوة والرفاق في عدد هام من المطالب الحيوية والمشروعة، الإنسانية والدستورية، التي تناضلون من أجلها: حق المواطنة الكاملة للمواطنين الأكراد السوريين والمساواة في الحقوق والواجبات. في وضع حدٍّ حاسم للتمييز الذي يحصل في عدد من الميادين. في الهوية والعمل والتنقل والانتماء إلى هذا أو ذاك من الأحزاب والفصائل ذات الخط الوطني والديمقراطي والتقدمي، سواء كانت تنظيمات كردية سورية أو عربية سورية. نحن معكم في بعث ثقافتكم القومية وفنونكم الشعبية ومعرفة لغتكم الأم إلى جانب اللغة العربية. نحن معكم في وضع هدف نضالي لممارسة شكل من الحقوق الإدارية في مناطق تجمع الجماهير الكردية…في حق الدراسة والتعلم والتشغيل واستلام المسؤوليات، على اختلافها، حسب الكفاءات والجدارة. نحن معكم في نضالكم بأساليب ديمقراطية دستورية مع أشقاءكم الأكراد في البلدان الأخرى، انطلاقاً من الانتماء الوطني السوري، وباتجاه يخدم الانتماء الوطني بالدرجة الأولى، وهو أمر لا يتناقض، بل يتفق، مع الروابط بين الأكراد في مختلف مناطق تواجدهم. ويخدم هذا أيضاً إيجاد وتوطيد أفضل العلاقات المتساوية والقائمة على المنفعة المتبادلة بين البلدان المتواجدين فيها، بما يخدم نضال هذه البلدان ضد الإمبريالية والصهيونية ومن أجل انتشار الديمقراطية في كل منها. لكننا لسنا معكم في إضعاف الروابط الوطنية والالتزامات الوطنية والديمقراطية والتقدمية، نتيجة نزعة قومية ضيقة.
إن التقارب بين أجزاء كردستان، وتطوير ذلك نحو إقامة كردستان موحدة ليس جريمة، ولكنه أمر بعيد يكمن في غياهب المستقبل، ويتوقف وجوده، أو عدمه، على درجة تطور النضال الوطني في المستقبل، وانتشار الديمقراطية والتقدم الاجتماعي في البلدان، التي تقع فيها أجزاء كردستان، وعلى تطور علاقات الانسجام بين تلك البلدان. في تركيا جزء من كردستان، وهي دولة أطلسية، وفيها حكم ديكتاتوري عسكري. العراق فيه أيضاً جزء من كردستان، وفيها حكم ديكتاتوري شوفيني، ويجب العمل كي تستقل هذه البلدان عن الإمبريالية وعن السوق الرأسمالية، وتوطد استقلالها، وتشق طريقها التطوري الديمقراطي، وتسير نحو الاشتراكية. وبقدر ما يتحقق ذلك في كل من هذه البلدان، تسير مسألة العلاقات الكردية بين الأجزاء نحو الأفضل. إن وجود شكل من العلاقة الاتحادية بين أجزاء كردستان يتوقف، بالدرجة الأولى، على التطور المستقل لكل هاته البلدان أولاً، وعلى مستوى العلاقات التي يمكن أن تنشأ بين الأنظمة الحاكمة فيها. فمجال النضال الأساسي، من الناحيتين الوطنية والقومية الكردية، هو المجال الوطني. منه يجب أن ينطلق نضالكم، وفيه تصب التضحيات. لذا تكون المهمة الأساس، على المستوى الوطني السوري، الكفاح في سبيل حماية وتوطيد استقلال سورية، وحماية مكتسبات شعبها من الأخطار الإمبريالية والصهيونية المحدقة، وفي سبيل تطورها الديمقراطي ”
* (تناول مراد يوسف القضية الكردية في مناسبات عديدة، وتعرض هذه الفقرة المعدّة من قبل شقيق مراد تلخيصاً لبعض الأفكار المجموعة في بعض دفاتره بخط يده.
+++++
المصدر: كتاب بعنوان: مراد يوسف، تاريخ نضال من مفكرة وطن. من إعداد: معن دانيال داود. حوار وأرشفة: خالد نعمة. صادر عام 2018)
[1]