عروبة جميل محمد
الاسواق
تعد الاسواق الموصلية المكان الامثل لنشاط المدينة التجاري ، وكانت بداياتها بالقرب من جامع المدينة الكبير ، وذلك قبل دخول العثمانيين إلى المدينة ، وبقدر ما توسعت المدينة عمرانيا ، وازداد عدد السكان فقد انتشرت الاسواق في مناطق اخرى إبان الحكم العثماني ، حيث كانت تتمركز في المناطق القريبة من نهر دجلة ، وهي منطقة باب الجسر والميدان والقلعة .
وشهدت اسواق مدينة #الموصل# توسعا واضحا في فترة الحكم العثماني وذلك نتيجة لنمو اقتصاديات المدينة من النواحي التجارية سواء على مستوى التجارة الداخلية الوافدة من اطراف الموصل أو على مستوى التجارة الخارجية ، وخصوصا مع مدينة حلب السورية.
ويمكن تحديد ثلاثة انواع من الاسواق التي كانت سائدة في مدينة الموصل ، فالنوع الاول يمكن تسميته بالاسواق الدولية التي نشط فيها كبار تجار (الجملة) سواء فيما يتعلق باستيراد المواد والسلع من الدول المجاورة إلى العراق أو تصدير بضائع ومنتجات الموصل إلى الخارج . والنوع الثاني هي الاسواق التي يمكن ان يطلق عليها تسمية الاسواق الاقليمية والتي يقصد بها النشاط التجاري للسلع أو البضائع ما بين الموصل والمناطق الريفية المحيطة بها . اما النوع الثالث فهو ما يعرف بالاسواق المحلية التي تتكون من المحلات والدكاكين التجارية .
واعطى الرحالة الاوربيون انطباعاتهم عن اسواق مدينة الموصل ، ومنهم الرحالة فينشنسو الفرنسي قائلا : وقد مررت اكثر من مرة باسواق المدينة ، فاخذ مني العجب من الاسعار البخسة التي تطلب لمختلف البضائع ، وقد اشتريت اشياء كثيرة ، فالشاة الواحدة تباع بأربعة شاهيات التي تعادل اربع قطع يولية رومانية . وقد أعطونا حملا كبيرا من الفواكه بدرهم واحد أي باقجة واحدة لا غير … اما ابقار الموصل ، فهي من جنس جيد جدا ، ولا يزيد سعر البقرة عن قطعتين عن ابو شلبي وتساوي القطعة الواحدة من ابو شلبي Talevo واحد لا غير . اما الخيول فحدث ولا حرج ، فهي من مختلف الاجناس ، فهناك الخيول الفارسية والتركية ، والخيول العربية الاصيلة . لقد رأيت اعدادا كبيرة جيدة تباع باربعة قروش أو خمسة .
ان المعلومات التي وردت على لسان الرحالة توضح ان اقتصاديات الموصل آنذاك اتصفت بالتطور النسبي من حيث وفرة الامكانيات الغذائية والحاجات الضرورية ، ولكن ينبغي الأخذ بنظر الاعتبار في الوقت نفسه ان الرحالة الفرنسي لم يعطنا تصورا عن القدرة الشرائية لاهالي الموصل في ذلك الوقت ، ولكنه في كل الاحوال اشار إلى معلومات مهمة في مجال اسواق الموصل .
اما الرحالة الانكليزي بكنغهام فقد وصف اسواق الموصل بقوله اما الاسواق فانها وان لم تكن مثل اسواق القاهرة في جمالها الا انها تتميز عنها بشيء واحد هو كثرتها ، ووفرة ما فيها من الحاجات والضروريات التي تأتيها من المناطق الجبلية ، على ان هذه الاسواق مفتوحة ومغطاة بسقوف رديئة بصفة عامة ، وغير متناسقة مما يشاهد امثاله في هذا النوع من المدن الشرقية . ولا توجد سوى سوق واحدة تباع فيها السلع الغالية ، وهي افضل الاسواق في بنائها وتصميمها وهي تخص على الدوام باصناف عديدة من السلع الثمينة مما تنتجه اوربا والهند .
ان انطباع بكنغهام يعبر عن تصوره للاسواق التي شاهدها في اماكن اخرى مثل اسواق القاهرة ، ولذلك اذا تأملنا كلامه ، فانه يلتقي مع الرحالة الفرنسي فنيشنسو في نقطة جوهرية وهي وفرة السلع والبضائع التي تشكل حاجات فعلية لاهالي المدينة .
اما الرحالة الانكليزي جون آشر ، فقد زار مدينة الموصل في سنة 1864 ، ووصفها قائلا : الاسواق واسعة ، ولكنها رديئة ومحرومة من العناية اللازمة ، ومزدحمة في اغلب الاحيان ، يلتقي فيها الاكراد والاعراب للتعامل ومبادلة السلع والمنتجات . واصحاب الدكاكين اغلبهم مسيحيون ومعظمهم من الارمن الذين يبدو في قابلياتهم ومقدرتهم في شؤون التجارة واغلب السلع في الاسواق ، الاصباغ والاقمشة القطنية ، بجانب الاطعمة التي يحتاجها السكان وفيها الكثير من مصنوعات مانجستر شيغلد . واستكمالا لانطباعات الرحالة الاجانب لمدينة الموصل فقد اوضح الرحالة الانكليزي بدج حال اسواق الموصل التي شاهدها في سنة 1888م بقوله السوق بناية عالية نسبيا ، وهي ناشطة التجارة الا ما استورد من مانجستر ومنسوجات حديثة جيئة بها من مدينة حلب وعبثا حاولت العثور على القماش المعروف بالموسلين الذي انبثق اسمه من مدينة الموصل ، واشتهر في الشرق كله بسبب لونه اللطيف ، ونعومة ملمسه . ان كل ما عرض عليه كان من صنع انكلترا ، وقد لف حوله الواح
انكليزية ، غلف بورق انكليزي وطبعت عليه اسماء صناعية من الانكليز .
ان الانطباعات التي وصف بها الرحالة الاسواق الموصلية اشارت إلى معلومات اقتصادية ، ويبدو ان هناك مهمة اخرى حرص الرحالة على تحقيقها وهي توفير معلومات تفصيلية عن النشاط الاقتصادي في مدينة الموصل واذا ما علمنا ان ان الاقتصاد يعد احد الاسباب المهمة في حياة اهالي الموصل الاجتماعية كما هي الحال في غيرها من المدن الاخرى ، الا ان ذلك يشير إلى ان اولئك الرحالة كان لديهم هدف توفير تلك المعلومات الاقتصادية للحكومة البريطانية قبل دخولها مدينة الموصل ، لان ذلك يعني ان دخولهم سيكون عن سابق معرفة لاوضاع المدينة العامة وفي مقدمتها الاحوال الاقتصادية مما يسهل عليهم عملية السيطرة على المدينة .
ولعل من اهم الاسواق التي كانت رائجة في الموصل :
سوق الصرافين :
تعد الصيرفة مفتاح التعامل التجاري في المدينة ، والصيرفة بمثابة المضاربة النقدية لتحديد اسعار تبادل العملات ، وهذا يؤدي إلى التأثير في اسعار المواد الغذائية ، ويقع سوق الصرافين في المنطقة القريبة من باب الجسر المطل على نهر دجلة وكان بمثابة البنك الذي لم يكن موجودا كنظام مصرفي حتى اواخر القرن التاسع عشر .
وتتم عملية التعامل في مجال الصيرفة بالليرة العثمانية الذهبية التي كانت تساوي (12- اثنا عشر روبية) مطروحة منها (آنة أو انتين) ، فضلا عن تعامل الصيارفة بالعملة العثمانية الفضية وكانت تعرف بالمجيدي ، الا ان اساس التعامل الصيرفي كان بالذهب لأنه من المعادن النفيسة والمقبولة في تبادل العملات قياسا به ، وفي هذا الصدد فان الصيرفي كان يتقاضى ربحا يتراوح ما بين نصف آنة على صرف الليرة الواحدة . وفضلا عن ذلك فان الصيارفة كانوا يتعاملون مع تجار الاقمشة وتجار الاغنام بنظام الفاتورة التي تعوض عن تسليم العملة بشكل مباشر معتمدين في ذلك على الثقة ما بين الصيارفة والتجار.
سوق الخبازين
عمل سوق الخبازين على وفق احكام نظام الخبازين العثماني الصادر في 13 ربيع الآخر (1287ﮪ/1871م) ، ويقع السوق بالقرب من سوق السراجين المؤدي طريقه إلى جامع حسين باشا الجليلي ، اما فيما يتعلق بطريقة وعمل الخبازين فانهم كانوا يعتمدون على شراء الحنطة من اسواقها والتي تعرف لدى اهالي الموصل باسم العلاوي ، وتتم عملية طحنها في مكائن الطحن التي غالبا ما تكون اهلية وموزعة على العديد من محلات الموصل ، والتي تعرف موصليا ب (المدارات) ، ومنها مدار محلة جامع خزام ، ومدار محلة الشيخ ابو العلا، ومدار الجامع الكبير .
سوق الصوافين :
تعود اوليات انشاء هذا السوق إلى نهاية القرن التاسع عشر ، اذ كانت المنطقة التي اقيم عليها السوق في سنة 1848 خالية من العمران ، ولذلك فقد شيدت بلدية الموصل التي كان يرأسها آنذاك السيد يونس بكر الجليلي 1878-1882م اول بناء فيها . وفي اثر ذلك شيدت الدكاكين ، فضلا عن بناء مقهى فوقها يعرف لدى اهالي الموصل بمقهى الصوافة . وتمتعت الموصل بسمعة تجارية ممتازة نتيجة لنوعية الاصواف التي يتاجر بها الموصليون على النطاق العالمي ، اذ كانت اصواف الموصل في مقدمة الاصواف التي لقيت ثناء من شركات الدول الاخرى ، اذ نشط في هذا المجال التجاري التاجر مصطفى الصابونجي وعبد الباقي حمو القدو ونعمان الدباغ وعزيز بيثون . ولا بد من الاشارة إلى ان السيد عثمان الصواف في النصف الثاني من القرن التاسع عشر من ابرز تجار الصوف في المدينة ، وعمل في ذلك الوقت على تطوير تجارة الصوف على مستوى التصدير وعلى مستوى توسيع مجالات سوق الصوافين الذي امتد إلى خارج سور مدينة الموصل .
وتجري عملية تجارة الاصواف بحساب وحدة الوزن (المن / والحقة الموصلية) اذ كان السوق ينشط تجاريا في نهاية فصل الربيع من كل سنة وذلك بسبب وجود اهل القرى والارياف الذين كانوا يجلبون اصواف اغنامهم لبيعها إلى تجار الموصل .
سوق الحنطة :
ويعرف عند اهالي الموصل ب (علوة الحنطة) ، ويقع هذا السوق بالقرب من باب الجسر القديم ، وقد عمد ايوب بك الجليلي في سنة (1314ﮪ/1897م) على تشييد سوق الحنطة على انقاض قيصرية قديمة كانت قائمة في ذلك الموضع . وقوام نشاط هذا السوق يعتمد على بيع وشراء الحبوب (الحنطة والشعير) ، ويعرف تجار الحبوب عند اهالي الموصل ب (العلاف) ، الذي يعتمد في انجاز عمله على عدد من الاشخاص لمساعدته ، ومنهم الوزانون الذين كانوا يقومون بوزن الحبوب ، والحمالون . وفي خضم تزايد النشاط التجاري للعلافين في مدينة الموصل فقد توسع نشاطهم بالانتقال إلى خان حمو القدو الواقع في باب الطوب ، اذ كانت تورد انواع متعددة من الحبوب ومنها الالمانية والتركية وصابر بيك ، اذ يقوم بشرائها التجار الوافدون من المنطقة الشمالية ، فضلا عن بيع كميات كبيرة منها لاهالي الموصل لتحضيرها مؤونة لموسم الشتاء اذ يستحضر من الحنطة البرغل والنيعمي وغيرها من الاشتقاقات الغذائية التي تعد حيوية ومهمة لاهالي الموصل .
سوق الخيل :
يقع سوق الخيل في المنطقة القريبة من محلة جوبة البقارة ، والتي كانت وقفا على جامع عثمان دلباس والمشهور لدى اهالي الموصل باسم جامع (باب الطوب) ، وذلك حسب الوقفية المؤرخة في اوائل رمضان (1243ﮪ/1827م) . فقد خصص هذا السوق منذ عشرينيات القرن التاسع عشر لتجارة الماشية على نحو عام ، وفي عام 1884 قامت بلدية الموصل بتوسيع السوق ، اذ شيدت حوله ابواب عدة إلى سنة 1904 حيث استكملت البلدية اقامة (23– ثلاثة وعشرين) دكاناً اضافية واصبح السوق خاصا ببيع الخيول والبغال والحمير وشرائها .
وقد نشط سوق الخيل تجاريا ، اذ كانت الدواب تجلب من مناطق عدة فعلى سبيل التمثيل كان التاجر علوان حسين يأتي بالخيول ويبيعها للعثمانيين بسعر (5) ليرات ذهبية للحصان الواحد . ويدل هذا على جذور تجارة الخيول في فترة الحكم العثماني في مدينة الموصل .
المحلات
المحلة الموصلية مجموعة بيوت متباينة في مساحتها وفي طرز عمرانها ملتصقة مع بعضها البعض من خلال جدران المشتركة بين البيوت ، وعموما فان تلك الجدران تتباين من ناحبة ارتفاعها وانخفاضها على وفق تصميم البناء . ويطلق الموصليون على المحلة بلهجتهم العامية تسمية (عَوجي) ، التي كانت في اغلب الاحيان ضيقة العرض ما بين متر إلى ثلاثة امتار ، وفي حالات اخرى قد تكون نهاية المحلة مغلقة بحيث تشكل مجموعة بيوت مستديرة التصميم ولا يؤدي طرفها الاخر إلى طريق يخرج منها ، وتعرف هذه باللهجة الموصلية (عوجي ما تطلع) . وفضلا عن ذلك تمتد ازقة اوسع مساحة من مثيلتها الموجودة بين البيوت اذ يبلغ عرض الزقاق من (3-4) متر ، والهدف من ذلك افساح المجال للعربات وغيرها التي تعد من احتياجات اهالي المحلات في جلب المواد الاساسية من الاثاث ومواد البناء وغيرها . اما فيما يتعلق بتصريف مياه البيوت ، فانها تصرف عن طريق ساقية صغيرة(تحفر بالقرب من باب الدار حيث تصب المياه في ساقية كبيرة تتوسط بيوت المحلة ، وتتجمع مياه المحلة في هذه الساقية الكبيرة التي تصب في اقرب وادي أو منخفض يأخذها إلى نهر دجلة .
وتنتشر مجموعة من الدكاكين بالقرب من المحلات وذلك لتوفير الاحتياجات المنزلية، حيث يشاهد افران الخبز ، ودكاكين القصابين ، ودكاكين بيع الخضار ، في الاعم الاغلب كان البيع يتم بالآجل وذلك بان يثبت البائع البضائع والسلع تباع لشخص ما وذلك لمعرفة البائع ببيت الشاري ، كل ذلك يسجل في دفتر خاص حتى يتم تسديد الدين كاملا في موعد يتفق عليه بين البائع والشاري ، ولذلك نلاحظ وجود اعداد من البيوت تتبضع من دكان واحد وهذه الظاهرة تسمى في اللهجة الموصلية المعميل ، ويشير ذلك إلى الثقة المتبادلة بين البائع والشاري على السواء .
وبناء على ما تقدم ، يمكن القول ان محلات الموصل وازقتها اتصفت بكونها على جانب من الدقة في التنسيق ما بين ابناء المحلة الواحدة بحيث لا يؤدي التصميم إلى الحاق الضرر بالطرف الاخر ، ومن هنا لاحظنا ان التدرج ببناء المحلات كان حسب استحداث بيوت جديدة وادى ذلك إلى ظهور انحناءات واضحة في تصميم الازقة والطرق بين المحلات فظهرت كانها ازقة عشوائية .
ومن ابرز المحلات في الموصل القديمة :
1.محلة الجصاصين ، وتعرف الآن بمحلة الخاتونية .
2.محلة القلعة ، وتعرف حاليا بمحلة عبدو خوب .
3.محلة درب دراج ، وتعرف الآن بمحلة جامع الكبير .
4.محلة جهار سوق ، وتعرف حاليا بمحلة شهر سوق .
5.محلة باب القصابين القديمة ، حيث انهارت معظم معالمها العمرانية وتم تشييد سوق باب الطوب مكانها .
6.محلة جبهة النهر ، وتسمى في الوقت الحالي بمحلة راس الكور أو الشهوان .
7.محلة ايشك صويان ، وتعرف الان الطبالين.
8.محلة باب العراق ، وتعرف الان بمحلة باب الجديد .
9.محلة المشاهدة ، والتي ما زالت تحتفظ باسمها إلى الوقت الراهن .
10.محلة مار اشعيا ، التي تعرف الآن عند اهالي الموصل بمحلة النصارى .
11.محلة اليهود ، وهي في الحقيقة لم تكن ملكهم ، وانما سكنوها كونهم طارئين على
المدينة ، فهم ليسوا من ابناء المدينة وليس لهم الحق القانوني بامتلاك الارض التي سميت تجاوزا بمحلة اليهود ، اذ ان اسم المحلة الحقيقي محلة الاحمدية.
وتشكل الازقة مظهرا يتبع التصميم العمراني للمحلات الموصلية فهي في كل الاحوال عبارة عن طرق لاهل المحلة الواحدة ومنه يتفرع الطريق إلى طريق آخر في محلة اخرى في وهكذا تلتقي طرق المحلات مع بعضها لتشكل الزقاق ، حيث يفضي الزقاق إلى الفناء الموجود امام المحلات الذي يعد مكانا مناسبا في تلك الفترة لالتقاء الرجال والتشاور فيما يتعلق بامور المحلة ، فضلا عن كونها مكانا لاقامة الفعاليات الاجتماعية كالافراح وختان الاطفال والاحتفال بالاعياد الدينية .
واذا نظرنا إلى نمط الزقاق الموصلي ، نلاحظ انه مستوحى من الطبيعة العمرانية للمدن العربية الاسلامية ، ويظهر ذلك مدى التزام اهالي الموصل بهذا الجانب وربطه بالشخصية الموصلية المحافظة .
وحرص الولاة العثمانيون في مدينة الموصل على تطبيق آداب الطريق وذلك مراعاة للاحكام الشرعية والاخلاقية ، وهنا نلاحظ حرص الولاة على مكافحة ظاهرة المتسولين المعروفين لدى اهل الموصل بلهجة العامية باسم (المكيدي) . وفضلا عن ذلك كافح الولاة العثمانيون كل ظاهرة تتنافى مع الاحكام الشرعية من خلال اعلان العقوبات الشديدة بحق من يتجاوز تلك التشريعات .
الشوارع :
من الصعوبة اثبات تنظيم هندسي دقيق لشوراع مدينة الموصل في فترة الحكم
العثماني ، وذلك لان عموم الشوارع في المدينة تبعت اتجاهات المسار العمراني ومن هنا يمكن وصفها بالشوارع عشوائية الانشاء ، ولكنها بنفس الوقت كانت على جانب من الاهمية في امتداداتها بحيث تكون ملائمة في تطوير المتطلبات المناخية من ارتفاع درجات الحرارة في الصيف وانخفاضها في الشتاء من خلال احتضان المحلات الموصلية لشوارعها بنسق معماري جعل من الشوارع طرقا تسهل حركة السكان بعيدا عن تأثيرات الاتربة والرمال .
وقد أسهم الموصليون في تحديث شوارع المدينة ، فحينما تأسست بلدية الموصل في سنة 1869م ، شرعت بالاهتمام بالجوانب العمرانية للمدينة ومنها الشوارع ، حيث فتحت الشوارع وعملت على اكسائها وتنظيمها بواسطة غرس الاشجار في بعض الطرق الرئيسة ، وقد ادى وجهاء المدينة دورا طيبا في هذا المجال ، فعندما تولى حسن زيور العمري رئاسة البلدية ابان الفترة (1887-1892م) ، شرع بفتح شارع باب البيض الممتد إلى دائرة الولاية، فضلا على تشجيره في كلا جانبيه ، ورصف الحجارة المكسرة على أرصفته لتسهيل عبور المارة . اما رئيس بلدية الموصل سيد سعيد قاسم آل سعرتي الذي كان رئيسا للبلدية للفترة (1898-1902م) ، فقد عمل على فتح شارع القشلة الذي يربط المنطقة الواقعة حاليا في شارع العدالة وصولا إلى محاكم الموصل ، وفضلا عن ذلك فقد انشأ قناطر على جانبي الطريق بهدف حماية المواطنين من امطار الشتاء وحر الصيف . كما قام بنشر المصابيح على جانبي الطريق بشكل فوانيس تضاء بالنفط الابيض على الجدران . اما رئيس بلدية الموصل امين المفتي ما بين عامي (1913-1918م) ، فقد عمل على فتح شارع نينوى الرئيس في سنة 1914 الممتد من رأس الجسر القديم باتجاه ما يعرف الان بمنطقة راسُ الجادة ، ولكن الحرب العالمية الاولى حالت دون انجازه ، استئنف العمل فيه حتى عام 1918 .
وفي عام 1914 عمل الوالي العثماني سليمان نظيف على انجاز شارع النجفي ، وفي نهاية الحكم العثماني لمدينة الموصل افتتح شارع النبي جرجيس الذي تتخلله وحدات سكنية عدة ، الا ان العمل توقف به إلى منطقة (راس الكور) ، وتجدر الاشارة إلى ان هذا الشارع يعرف سابقا بسوق الشعارين .
كانت شوارع الموصل موضع اهتمام الرحالة الاجانب الذين قصدوا المدينة واعطوا انطباعات عن شوارعها ، ومن ذلك انطباع الرحالة بكنغهام الذي وصفها بقوله والمظهر العام للمدينة تافه لا اهمية له ، فالشوارع ضيقة غير معبدة واستقامتها ليست منتظمة ولا توجد في المدينة - مع استثناء واحد - اسواق جميلة ومساجد وقصور ، مما يتوقع المرء ان يجده في مدينة لها مثل هذه السمعة.
ان قراءة رأي بكنغهام للمدينة عموما وشوارعها خصوصا ينبع من تصوراته من مواصفات المدينة التي يجب ان تكون متطورة عمرانيا بشكل هندسي دقيق ، وربما يعود بكنغهام في تصوراته إلى التطور العمراني في بعض المدن الاوربية قياساً .[1]