كاميران كريم احمد
عزيزي القارئ، عذرا لانني عدلت قليلا في التزامي بكتابة الجزء الثاني من هذا المقال والذي اردت فيه ان اضع شيئا من الحلول وهي جملة من الاقتراحات والافكار التي اراها مناسبة لاخراج الشيوعي الكوردستاني من ازمته، وهذه تشمل المواضيع التي طرحتها في الجزء الاول كالهوية والفكر والعمل الجماهيري والتثقيف والاعلام والبناء الداخلي والاساليب القيادية وغيرها. واجد نفسي ملزما نظرا لبعض التطورات ان اكتب هذا الجزء للتسهيل على المتابع ووضعه في صورة الصراع حول الاصلاح. اعتذاري مرة اخرى.
في البدء كان العدم (الاصلاح كموضوعة وليس كموضوع)
انبرى كثيرون للمشاركة في الحوار الدائر حول مسالة الاصلاح يحدوهم امل في تحقيقه او على الاقل المساهمة في دق مسمار او حتى دبوس في نعش القديم المتهرئ وبناء شيء جديد ربما لا يعرفون ماهيته (ولا انا)، وبعض منهم تعرض بشكل شخصي الى الصراع الذي يدور بين القديم والجديد، مع اننا جميعنا قدماء، ولم يدر بخلد احد منا ان نتصارع سياسيا او فكريا في شأن هو اغرب من الخيال لدى معظمنا: هل ستبقى راية الشيوعية خفاقة؟ ولذلك اعود واكرر ان المسألة ليست شخصية (مع ان عوامل ذاتية كثيرة كانت عنصرا حاسما في ما الت اليه مشاكل الشيوعي الكوردستاني) بل هي مسألة وجود او عدم، اذن فهي موضوعة وليست موضوعا، وهي اكبر بكثير من حدود الحوار الذي جرى وما زال ومنذ عشرين عاما (وليس منذ شهر او شهرين كما يحلو للبعض ان يردد وكأنه بدأ هو بالذات الكتابة حول الموضوع ومن منطلق اناني ذاتي كان احد اكبر اسباب اخفاقنا جميعا ان لم يكن اهمها)، اقول ان الحوار انطلق منذ البدايات، وهو من سنن الوجود اذ اغلبنا يعلم (الا الذين لا يفقهون) مقولة من اين بدأ الوجود والكون وما شاكل، وتملؤني السخرية من الذين يحاولون لي عنق هذا السؤال الازلي العظيم وتحويله الى سؤال تافه: البيض من الدجاج ام العكس؟! وفي هذا خطورة كبيرة وانحراف عن المبدأ السامي الاصيل للحوار وجر المحاورين نحو معارك جانبية لا تغني ان لم اقل سوف تستنزف الطاقات والوقت وذلك ما يريده بل ويخطط له الخصوم ان كانوا من الداخل او من الخارج.
سفينة نوح بعلم احمر (الحوار سفينتنا)
ان عبور حاجز الذات مهم جدا للوصول الى النتائج المرجوة من الحوار، وتأهيل هذا الحوار لكي يعبر بنا الى بر الامان ولكي تستطيع سفينة نوح ان تحمل اكبر عدد ممكن، او جميع الذين يرغبون في وصولها سالمة يرفرف عليها علم احمر بالذات وليس اصفر او اخضر او بجميع الوان الطيف (لا سمح الله)، والسماح لكل الاراء ان تتصارع، وفتح ابواب النقاش البناء وعقد الندوات وتنشيط الاعلام بهذا الاتجاه والتركيز في الهيئات الحزبية بجميع مستوياتها على موضوعة الاصلاح و(السماح!) لجميع الرفاق المبعدين او المجمدين او حتى المطرودين (!) من مناصري واصدقاء الشيوعي الكوردستاني وكذلك وبالاخص البيشمركة وعوائل الشهداء والكوادر ذوي الخبرة والتجربة، لكي يعبروا عن ارائهم في هذه الموضوعة، ودون احتكار او تعال مفرط في التعامل مع الناس ودون حجب لاي رأي مهما كان، وفتح ابواب مقرات الحزب وامكاناته الاخرى لتعزيز الثقة وللتواصل بين الفرقاء، بل وحتى التوجه نحو الاخرين في الحراك اليساري والماركسي والعلماني بروح ديمقراطية للمساهمة في مناقشة هذه الموضوعة التي ليست تخص الشيوعيين فقط بل الجميع وربما تكون مبادرة للم الشمل وفاتحة لنقاش اوسع في المجتمع وعلى جميع المستويات، كل ذلك مهم في رأيي ولم لا ونحن لا ننفك ونقول ان الشيوعيين اساس والاساس يقع عليه العب الاكبر في جميع البناء؟ أو ليس من ديدننا ان نكون ديمقراطيين؟ أو ليس من حق الجميع وخاصة المخلصين ان يكون لهم صوت؟
المصحف مرة اخرى؟!
حينما تكون مأزوما لا تؤزم الاخرين معك، وليس من يغرق ويتعلق ب(القشة) يستطيع النجاة مهما حاول. ان الاستعلاء المزيف فوق الظواهر هو خواء بائس بكل ما للمفردة من معنى. ان الذين لا يستطيعون الذهاب مع السفينة فليتفضلوا لاخلائها لانهم ليسوا أهلين لركوبها ناهيك عن قيادتها. وربما يحاول البعض استعمال قميص عثمان او اشهار المصاحف في وجه المنادين بالاصلاح والتغيير، والمصاحف هنا هي تلك الوسائل المخزية في التعامل مع الناس كالتهديد او قطع الارزاق (وقديما قالوا ان قطع الاعناق اهون من قطع الارزاق) او العزل التنظيمي او التشهير او التسقيط او غيرها الكثير الكثير من المفردات والاساليب التي خبرها معظمنا من السلطات او من الخصوم السياسيين، فما بالك بقيادة الشيوعي الكوردستاني التي ردت على المنادين بالاصلاح بهذه الاساليب التي لا طائل تحتها ولا تأتي بنتيجة لأن الاصلاح لا راد له ولا مفر من نتائجه، والرعب يجعل من المتورطين في هذه الاساليب يهربون الى امام او انهم يضعون رؤوسهم في الرمال كما النعام الافريقي عسى ان تهدأ العاصفة ويمر وقت لا غير فتعود مياههم هم الى مجاريها وكأن شيئا لم يكن، متناسين ان المخلصين لم يهابوا ولم يتهادنوا في ما مضى وقدموا الغالي في سبيل ما امنوا به وما رسموه من طريق لانفسهم ولم ولن تثنيهم هذه الاساليب مهما قست عليهم او طال امدها. اقول، ان التمسك بقضية او مهمة ما تحتم على الجميع دون استثناء التعاطي الايجابي مع التزاماته وقبول نتائجه وبيان ما لدى الجميع من حجج وافكار واقتراحات وغيرها مما يساعد على بناء جو الثقة بين المتحاورين للوصول الى نتائج ملموسة عملية وواقعية تسهم في ولا تعرقل المهمة - القضية. اما ان تحتكر قيادة الشيوعي الكوردستاني (الحرص!) لوحدها متذرعة بالاساليب التنظيمية او النظام الداخلي (احد اهم المشكلات في موضوعة الاصلاح) وكذلك اتهام المنادين بالاصلاح بالتهور والتسرع والخروج على الشرعية بل وحتى التخوين، فان ذلك لا يعطي مؤشرا ايجابيا حول هذا الحرص (ان وجد) ولا يقدم او يؤخر في دوران عجلة الاصلاح سوى انها محاولات فاشلة لوضع (شخاط) فيها، ولكن هيهات لانها تحركت وبوثوق ووراءها منادون مصممون وحريصون ربما اكثر مما يتصوره حتى الخصوم السياسيون.
لم الخوف والرعب؟ وهل يخاف المبلل من المطر؟
ان ما يعطي هذه المرحلة خصوصيتها هو ان المنادين بالاصلاح يرون ان انقاذ الشيوعي الكوردستاني من الموت السريري أجل وأسمى من مجرد تصليح (برغي) هنا او خلع مسمار هناك، وربما يفوت الكثيرين حقيقة ان الاصلاح هو غير التصليح. ولذلك التف ويلتف مئات من المخلصين حول هذا الهدف يوميا. وتجد معي ايها القارئ الكريم في طيات ما تقع عليه عيناك من عشرات المقالات او الاراء ان بناء حزب ذي هوية حقيقية واهداف واضحة وفكر وسياسة واستراتيجيا وتكتيك وحياة تنظيمية سليمة وقيادة مقتدرة على متطلبات المرحلة، هو ما يشغل بال المنادين بالاصلاح لا غير ولا يجب ان يتصور احد ان المناصب او المنافع الوقتية الزائلة تهم احدا سوى المعرقلين وهم قلة ومنهم من يعرقل لمصلحة شخصية او لقناعات غير مثمرة وغير واقعية (دوغما) واحيانا تجد من هم على النقيض من عملية الاصلاح لسبب بسيط هو الخوف من المستقبل ولا يرون ان الانهيار قد وقع بالفعل.
فهل ينبغي ان يصبر الشيوعيون لحين انجلاء الازمة؟ وكيف تنجلي وهي بهم وفيهم؟ وهل يتوقع من خيرة المناضلين ان يتفرجوا او يكونوا حياديين امام وقائع لا تنكر؟ وكيف يرضى شيوعي لنفسه ان يتهم بانه ترك الكادحين والفقراء والمهمشين لقمة سائغة امام جشع الاغنياء والطامعين والفاسدين؟ وهل يقبل من ضحى هو او قريب او رفيق له على درب النضال لكي يتربح من لا ضمير له، وان تتم عملية بيع رخيصة للرصيد التاريخي لحزبه في سوق السياسة والمصالح و(التحالفات)؟ وكيف نرد الجميل لعوائل الشهداء وللامهات المضحيات والاطفال اليتامى ونحن نرهن هويتنا ونضيع بوصلتنا ونسكت صاغرين يوميا امام حقيقة ان جلادا - جحشا واحدا اخذ من السلطة ومن العملية السياسية المشوهة التي كنا جزءا منها، اخذ ويأخذ في يوم واحد من النعم ما لم يأخذه ولمدة عشرين عاما الوف والوف المضحين والمناضلين؟
ألم تروا كيف تم ذلك؟
اقول، كفى للذين يعصبون اعينهم او يسدون اذانهم او يصمتون بل يحاولون تكميم افواه الاخرين معهم. وهل يريدون المزيد من الوقائع لكي يقتنعوا بصواب نهج الاصلاح؟ ام ستتم عملية الاصلاح من دونهم وهم انذاك مسؤولون لوحدهم امام رفاقهم والتاريخ. ان من المسؤولية الاخلاقية والتاريخية لجميع الشيوعيين داخل وخارج التنظيم في الوطن وفي المنافي ان يحددوا موقفهم بوضوح، وليس معذورا من يجد نفسه مكبلا بالتزام مهما كان ان يعلن حياده او صمته تجاه الازمة وتجاه ما يجري من عملية شاقة للاصلاح والتغيير، وهل أجل الشهيد الشيوعي تضحيته لأنه كان ملتزما عائلته او ليأخذ معاشه في نهاية الشهر؟ ان المنادين بالاصلاح ليسوا شرذمة او كتلة ولم يكونوا قبلا، بل يملؤهم فخر كبير انهم ليسوا وحدهم بل يجدون في التضامن الحقيقي مع اهدافهم من مجاميع كبيرة جدا في التنظيم وفي خارجه ولدى اصدقائهم ومؤازريهم، بل حتى من قوى وشخصيات في الحراك اليساري، يجدون ان قضية الشيوعية لن تموت وان موضوعة الاصلاح تأخذ مداها البعيد وسرعان ما يجد المعرقلون او الصامتون انفسهم محاصرين بتبعات ما خططوا له وما لم يدركوه، واقول ان الجميع بلا استثناء مسؤول اليوم قبل الغد اولا امام ضميره ان كان شيوعيا حقيقيا وتاليا امام رفاقه ثم امام التاريخ.
لقد سقت هذه الوقائع وانا على يقين ان المخلصين لن يترددوا في فهمها وكلنا نأمل ان تنقشع الغشاوة في الاعين وان الجميع ماضون في درب واحد وان التعاطي الايجابي سوف يكون هوعين العقل لان للجميع المصلحة والقناعة والارادة في انجاح الاصلاح وانجلاء الازمة.[1]