تأريخ تقسيم كوردستان في العصر الحديث
د. مهدي كاكه يي
قبل معركة جالديران التي حدثت بين الإمبراطورية الصفوية والعثمانية، كانت كوردستان مقسمة الى إمارات كوردية مستقلة ضمن الإمبراطورية الصفوية، على سبيل المثال كانت إمارة أردلان الكوردستانية تمتد من مدينة أصفهان الى مدينة الموصل ودام حكمها لمدة 700 سنة (1169 - 1869 ميلادية). عند نشوب معركة جالديران بين الإمبراطوريتَين العثمانية و الصفوية في سنة 1514 وإنتصار العثمانيين في هذه الحرب، تمّ تقسيم كوردستان لأول مرة، حيث تم إحتلال قسم منها من قِبل العثمانيين والقسم الآخر إحتله الصفويون. في 17 مايس سنة 1639، تمّ تثبيت ذلك التقسيم نهائياً بموجب معاهدة قصر شيرين (زهاب) التي أُبرمت بين الإمبراطوريتين المذكورتَين1.
كان للكورد دوراً حاسماً في إنتصار الدولة العثمانية على الدولة الصفوية، حيث تحالف معظم الأمراء الكورد مع العثمانيين. لعِب العامل الطائفي دوراً بارزاً في التحالف الكوردي – العثماني، حيث أن أكثرية الكورد والأتراك ينتمون الى المذهب السُنّي، بينما الصفويون كانوا يعتنقون المذهب الشيعي. من الجدير بالذكر أن حُكّام الإمبراطورية الصفوية كانوا كورداً، حيث كان نادر شاه كوردياً و أنّ الصفويين كانوا ينتمون الى عائلة كوردية من شيوخ الدراويش و لم يكونوا فرساً2، إلا أن حُكّام الإمبراطورية الصفوية خدموا الفرس ولم يعملوا لِصالح شعبهم الكوردي.
بعد إنتهاء الحرب العالمية الأولى وزوال الإمبراطورية العثمانية، تمّ تقسيم كوردستان من جديد بموجب إتفاقية سايكس – بيكو، فتمّ ضمّ القسم الكوردستاني الذي كان تحت حكم الإستعمار العثماني، الى ثلاث كيانات سياسية مصطنعة التي تم تأسيسها في المنطقة، وهي تركيا و العراق و سوريا.
قبل الحرب العالمية الأولى، كانت إيران الحالية يحكمها القاجاريون وكانت الإنتفاضات والتمردات العشائرية قد خلقت فوضى كبيرة فيها ولم تكن للحكومة القاجارية سلطة فعلية في البلاد، بينما كانت بقية منطقة الشرق الأوسط واقعة تحت الحكم العثماني. لذلك لم تكن هناك دول مستقلة في المنطقة، بل كانت المنطقة مقسمة الى ولايات عثمانية، على سبيل المثال، كان العراق الحالي عبارة عن ثلاث ولايات وهي ولاية شهرزور وبغداد والبصرة وكانت ولاية البصرة تضم منطقة القطيف والإحساء الشيعيتَين الغنيتَين بالبترول واللتين تم ضمهما للمملكة العربية السعودية و هما الآن جزء من أراضي هذه المملكة وكانت الكويت أيضاً جزءاً من ولاية البصرة.
بعد الحرب العالمية الأولى أصبح الشيخ محمود الحفيد ملِكاً على جنوب كوردستان، إلا أن الإستعمار البريطاني قام بإحتلال مملكته وضمها للمملكة العراقية التي قام الإنكليز بإستيراد رجل سعودي الى العراق ونصّبوه ملكاً عليه.
العنصريون الأتراك والعرب والفرس يتبجحون بأن كوردستان لم تكن مستقلة في السابق في العصر الحديث ولذلك لا يحق لها الإستقلال، بينما كانت كوردستان جزءاً من الإمبراطورية العثمانية، كغيرها من المناطق وأن العراق الحالي وسوريا وتركيا ولبنان والسعودية والأردن الحالية وغيرها من دول المنطقة، لم يكن لها وجود قبل الحرب العالمية الأولى ككيانات سياسية، حالها حال كوردستان. هكذا بعد إنتهاء الحرب العالمية الأولى ظهرت هذه الدول المصطنعة في المنطقة بحدودها الحالية التي أصبحت الآن حدوداً مقدسة والتي خلالها تمّ ضم الجزء العثماني من كوردستان الى الدول التي تم إصطناعها بموجب إتفاقية سايكس – بيكو الإستعمارية وهي تركيا والعراق وسوريا. حسب قوانين الأمم المتحدة، فأن لكل شعب الحق في تأسيس دولته المستقلة وبذلك يحق لشعب كوردستان أن يحرر وطنه ويؤسس دولة مستقلة على أرضه التأريخية.
المصادر
1. محمد أمين زكي (1948). تاريخ الكورد وكوردستان – تاريخ الدول والإمارات الكردية في العهد الإسلامي. الجزء الثاني، ترجمة: محمد علي عوني، مطبعة السعادة، القاهرة، مصر.
2. جەمال نەبەز (2002). ناسنامه و كێشەی ناسيونالي كورد له چەند سەمينار و كۆرێكي زانستيدا. بڵاوكراوەی بنكەی كوردنامە، لندن، صفحة 106 و 107.
[1]