معد فياض
الحوار مع المفكر الاكاديمي العراقي، #عبد الحسين شعبان# ياتي مدججا بالمعلومات والوثائق والتواريخ والاحداث، فهو لا يقتصر على مناقشة الازمات فحسب، بل وتحليلها اعتمادا على خبراته الفكرية والسياسية والاكاديمية، التي تقود الى فك شفرة الازمة ومن ثم يقترح الحلول. ولا غرابة في ذلك فهو مفكر من الجيل الثاني للمجددين العراقيين وغالبا ما يبحث في الازمات العراقية والعربية والدولية. ومنذ سنوات مبكرة من وعيه الفكري.. توجه عبد الحسين شعبان للعمل على موضوع السلم المجتمعي وحقوق الانسان، وقضايا النزاعات والحروب والتّسامح واللاّعنف والتداول االسلمي للسلطة، والاكثر من هذا على حق الشعوب بتقرير مصيرها، وفي مقدمتهم الشعب الكوردي، مؤكدا على أهمية الحوار لحل الاشكالات السياسية، خاصة التي يعيشها العراق منذ عام 2003 وحتى اليوم.
في حواره مع شبكة رووداو، اليوم السبت، 27 -01- 2024، حول أزمة القصف الايراني لاربيل، عاصمة أقليم كوردستان، اكد: أن مثل هذا العمل، ما كان له أن يحصل على سبيل التكرار لولا ضعف الدولة العراقية، فالسيادة العراقية ما تزال ناقصة ومبتورة. مشيرا الى ان :ردود الأفعال لا تنشئ تراكمًا سياسيًا ومعرفيًا ولا تؤسس لدولة، وهذه من صفات الدول الفاشلة، خصوصًا حين ينتشر السلاح خارج نطاق القانون والدولة، ويتفشى الفساد بكلّ أبعاده السياسية والمالية والإدارية، فضلًا عن وجود مرجعيات موازية ومنافسة للدولة أحيانًا باسم الدين أو الطائفة أو العشيرة أو الحزب أو المنطقة أو غيرها.
واضاف المفكر عبد الحسين شعبان قائلا، ان: القانون الدولي المعاصر اتّجه إلى تحريم استخدام القوّة في العلاقات الدولية أو التهديد بها، حسبما نصّ عليه ميثاق الأمم المتحدة. وكان على الحكومة الإيرانية اتباع الوسائل الدبلوماسية والعلاقات الثنائية وحسن الجوار في التصرف مع العراق ومع إقليم كوردستان.
وفيما يلي نص الحوار:
رووداو: كيف تنظرون، ومن باب القانون الدولي، للقصف الإيراني لمدينة أربيل، خاصة وأنه تسبب بقتل 4 مدنيين، بينهم طفلة لم تبلغ السنة الواحدة من عمرها؟ ألا تعتقدون أن هذا القصف المتكرر يعد انتهاكًا للقوانين والمواثيق الدولية؟ علمًا بأن أربيل مدينة آمنة.. باعتقادكم ما هي الأسباب الحقيقية للقصف الإيراني ؟
عبد الحسين شعبان: إن أي تجاوز للحدود الدولية أو قصف مناطق لدولة أخرى، يُعتبر انتهاكًا لقواعد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، والأمر ينطبق على إيران وتركيا والولايات المتحدة، التي تقوم بصورة مستمرة بأنشطة عسكرية وأمنية داخل الأراضي العراقية، بغض النظر عن المبررات والحجج والدوافع.أودّ الإشارة إلى أنه لا يحق لأي دولة القيام بأنشطة عسكرية عبر حدود دولة أخرى ودون موافقتها، كما لا يحق لها، بحجة المصالح الحيوية أو الحرب الاستباقية أو الدفاع الوقائي، القيام بمثل تلك الأعمال التي تُعتبر من تراث الماضي، وقد تجاوز القانون الدولي المعاصر القواعد القديمة للقانون الدولي التقليدي، التي كانت تجيز للدولة الحق في الغزو أنّا شاءت، إذا اعتقدت أن ذلك يحقق مصالحها القومية، أو أن هذه الأخيرة في خطر. لكن القانون الدولي المعاصر اتّجه إلى تحريم استخدام القوّة في العلاقات الدولية أو التهديد بها، حسبما نصّ عليه ميثاق الأمم المتحدة. وكان على الحكومة الإيرانية اتباع الوسائل الدبلوماسية والعلاقات الثنائية وحسن الجوار في التصرف مع العراق ومع إقليم كوردستان، حتى لو افترضنا وجود ما يلحق ضررًا بالأمن الإيراني، سواء بنشاط استخباري خاص أو من خلال وجود عناصر من المعارضة الإيرانية في كوردستان، فكان عليها تقديم هذه المعطيات للدولة العراقية، وعبر القنوات الديبلوماسية والسياسية ومن خلال التعاون والتنسيق، بما يحفظ سيادة البلدين، وليس التصرّف بصورة انفرادية واستقوائية.
رووداو: تدعي إيران بأن المواقع المدنية التي قصفتها في عاصمة أقليم كوردستان، هي مراكز للموساد وتقلق الأمن الإيراني بالرغم من تأكيدات لجان التحقيق بكذب هذه الادعاءات؟
عبد الحسين شعبان: هذه ليست المرّة الأولى التي تقصف إيران إقليم كوردستان تحت هذا المبرر، وعليها تقديم هذه المعلومات والأدلّة إلى الحكومة العراقية، إذا كانت في حوزتها، لكي تتم معالجة الأمر وفقًا للأصول القانونية المتّبعة في العلاقات الدولية، علمًا بأن ذلك يلحق ضررًا، هو الآخر، بالعراق وشعبه، خصوصًا وأن إيران والعراق يرتبطان بعلاقات جيدّة، وبينهما اتفاقيات وتعاون تجاري واقتصادي ومالي، على الرغم من أن إيران تعاني من حصار دولي، فإن العراق يتعامل معها استثناءً، والأمر يحتاج إلى الحكمة وبُعد النظر وعدم التصرّف بطريقة لا تليق بالعلاقات بين البلدين الجارين.
رووداو: القصف الإيراني لأربيل يعد خرقًا من الجانب الإيراني لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 598 لعام 1987، الخاص بوقف إطلاق النار بين العراق وإيران، والذي بموجبه توقفت الحرب العراقية الإيرانية.. ترى ما هي العقوبات المتوقعة من قبل مجلس الأمن؟
عبد الحسين شعبان: حسب معلوماتي، لم تُعرض القضية على مجلس الأمن الدولي أصلًا، ولم يتقدم العراق بشكوى رسمية، ربما كان هناك مذكرة احتجاج، وأعتقد أن مثل هذا العمل، ما كان له أن يحصل على سبيل التكرار لولا ضعف الدولة العراقية، فالسيادة العراقية ما تزال ناقصة ومبتورة إثر مغامرة غزو القوات العراقية للكويت (1990)، وحرب قوات التحالف (1991)، واضطرار النظام العراقي، حينها، القبول بالقرارات الدولية المجحفة الصادرة عن مجلس الأمن الدولي، والتي فرضت عقوبات غليظة على العراق، ما تزال آثارها باقية حتى اليوم، ثم جاء الاحتلال الأمريكي العام 2003، الذي جرح ما تبقّى من سيادة العراق وعوّمها، وهكذا وجدت القوى الإقليمية ضالتها أيضًا بانتهاك هذه السيادة، سواء من جانب إيران، التي اعتبرت العراق الحديقة الخلفية لها، وهو خط الدفاع الأول عنها، وبانهيار الدولة العراقية وحلّ الجيش، كانت الفرصة سانحة لها للقيام بانتهاكات سافرة عديدة، مباشرة وغير مباشرة. وهو ما تفعله القوات التركية أيضًا، التي تقوم بقصف مستمر للأراضي العراقية، بزعم ملاحقة أنصار حزب العمال التركي PKK، ولديها قواعد عسكرية على الأراضي العراقية، وعلى الرغم من مناشدة بغداد بسحب قواتها، إلّا أن أنقرة لم تستجب لنداءاتها واحتجاجاتها، بل لا تعيرها اهتمامًا. كما أن الولايات المتحدة تقوم بقصف مستمر لأراضي ومواقع عراقية، تقول أنها رد على قصف ميليشيات عراقية مقربة من إيران للقواعد العسكرية الأمريكية. وواشنطن أيضًا يمكنها التفاهم مع بغداد لإيجاد حل مناسب، بدلًا من إقدامها، بين الفينة والأخرى، على قصف للأراضي العراقية، وعدم اللجوء إلى الطرق الديبلوماسية، علمًا بأن العراق يرتبط مع واشنطن باتفاقية الإطار الاستراتيجي، منذ نحو عقد ونصف من الزمن. وبغض النظر عن تبعاتها القانونية الخاصة بالسياسة والاقتصاد والعملة والتسليح والنفط والتعليم وغير ذلك من القضايا، فقد كان عليها، وفقًا لبنود تلك الاتفاقية، التعاون مع الحكومة العراقية، بدلًا من اللجوء إلى النشاط العسكري، في حين تزعم أن العسكريين الموجودين في العراق هم لأغراض التدريب والتأهيل للقوات العراقية.
رووداو: تختلف القوى السياسية العراقية اليوم حول موضوع سحب القوات الاميركية من العراق..ما هو رايكم بهذا الموضوع؟
عبد الحسين شعبان: لقد صوّت البرلمان العراقي في 05 -01- 2021 على خروج جميع القوات الأجنبية من العراق، وكان يُفترض أن تواصل الحكومة العراقية هذا المسعى، علمًا بان قرار البرلمان كان بغياب ملفت للتحالف الكوردستاني، وكذلك للغالبية الساحقة من المجموعة السنية السياسية.ولعلّ هذه معضلة أخرى، فالطيف السياسي العراقي لم يتّفق على توصيف وجود القوات الأميركية في العراق، فبين من يعتبرها عدوّة ومحتلّة، ولا بدّ من خروجها أو إخراجها، سواء بالطرق السلمية، كما تميل إلى ذلك الحكومة العراقية، أو بالوسائل العنفية - العسكرية، حسب رأي المجموعات المسلحة، وبين من يعتبرها صديقة وحليفة، وأن وجودها أمر لا غنى عنه، بسبب عدم ثقته واطمئنانه، وهي الظاهرة التي تطبع علاقات القوى السياسية مع بعضها البعض، خصوصًا في ظلّ نظام المحاصصة الطائفية - الإثنية.
رووداو: وما هو الحل باعتقادكم؟
عبد الحسين شعبان: لأن الدولة غير موحّدة الإرادة، ولا تملك وحدة القرار، فإن هذه الأمور ستبقى منفلتة وأقرب إلى الفوضى، ببقاء القوات والقواعد العسكرية الاميركية او غيرها من قوات التحالف الدولي، أو خروجها، إذْ لا بدّ من دراسة جميع الاحتمالات المتوجّبة على إجراء من هذا النوع، وهذا يحتاج إلى حوار وطني شامل للتوصل إلى ما هو مشترك وبالتفاهم، لأن المسألة تتعلّق بمستقبل العراق وعلاقاته مع الولايات المتحدة، فيما يتعلّق بالتسليح، الذي يعتمد نحو 85% منه عليها، ووجود الأموال العراقية في البنوك الأميركية وأسعار النفط التي قد تنحدر بعد انتهاء حرب أوكرانيا وغزة، وهو ما قد يعرّض العراق إلى انهيار شامل في حالة اتخاذ الولايات المتحدة قرارًا بالامتناع عن تحويل الدولار إلى العراق، فقد يتعذّر على الحكومة العراقية دفع الرواتب، ولعلّك تعلم أن نحو 8 ملايين إنسان يعتبرون موظفين على ملاك الدولة، بمن فيهم نحو مليون من القوات المسلّحة، إضافة إلى الحشد الشعبي.
مرجعيات موازية للدولة
رووداو: عل تعتقدون ان القوات الاجنبية تتعامل مع العراق كشريك؟
عبد الحسين شعبان: إذا كان الانسحاب الكبير للقوات الأمريكية قد حصل في نهاية العام 2011، إلّا أن الوجود العسكري الأميركي لم ينته، وتحوّل الاحتلال العسكري إلى احتلال تعاقدي، وذلك في ظل حكومة نوري المالكي، وزاد الأمر وثوقًا خلال فترة احتلال داعش للموصل (2014)، فتم التوقيع على اتفاقية خاصة بوجود القوات الأميركية المحميّة (فترة حكم حيدر العبادي)، والتي منحت حصانة ديبلوماسية، وهي موجودة إلى اليوم تحت هذا العنوان، وتمارس نشاطها العسكري بحريّة ودون أية ضوابط أو مراعاة للحكومة العراقية أو لاتفاقية الإطار الاستراتيجي.
أستطيع القول أن إيران أو تركيا أو الولايات المتحدة لا تتعامل مع العراق كشريك، لأن المشكلة في الجانب العراقي، فهو يفتقد إلى وحدة الإرادة والعمل، ولم يحسم أمره بعد، وليس لديه استراتيجية واضحة وموحّدة، علمًا بأن ردود الأفعال لا تنشئ تراكمًا سياسيًا ومعرفيًا ولا تؤسس لدولة، وهذه من صفات الدول الفاشلة، خصوصًا حين ينتشر السلاح خارج نطاق القانون والدولة، ويتفشى الفساد بكلّ أبعاده السياسية والمالية والإدارية، فضلًا عن وجود مرجعيات موازية ومنافسة للدولة أحيانًا باسم الدين أو الطائفة أو العشيرة أو الحزب أو المنطقة أو غيرها، فثمة معادلة طردية مفادها أنه كلّما ضعفت الدولة حلّت محلّها هذه المرجعيات، التي ينبغي عليها جميها أن تكون تحت مرجعية الدولة، لا فوقها ولا تأكل من جرفها.
رووداو: هل تعتقدون أن الحروب والاعتداءات المسلحة ما زالت حلّا للخلافات بين الدول؟
عبد الحسين شعبان: لا شيء أسوء من الحرب، وكما قيل حوار سنة خير من ساعة حرب، وإذا كان العالم قد ناقش منذ العام 1933 إيجاد تعريف للعدوان، إلّا أنه تمكّن في العام 1974 من الاتفاق على تعريف محدّد، لكن تعريف الإرهاب ظلّ ملتبسًا بسبب تعارض المصالح الدولية، على الرغم من الاتفاق على أكثر من 13 اتفاقية وقرار دولي منذ العام 1963 ولغاية أحداث 11 أيلول / سبتمبر الإرهابية الإجرامية، بقصف برجي التجارة العالمية في العام 2001، ويومها صدرت 3 قرارات دولية من الأمم المتحدة هي: القرار 1368، بعد يوم واحد من الحدث الإرهابي الكبير (12 أيلول / سبتمبر من السنة نفسها)، والقرار 1373 (28 أيلول / سبتمبر من السنة نفسها)، والقرار 1390 (16 -01- 2002). لكنها لم تعرّف الإرهاب، وبعد احتلال داعش للموصل صدرت أربع قرارات دولية، وهي الأخرى لم تتوصّل إلى وضع تعريف مانع جامع للإرهاب، وهذه القرارات هي:
الأول - رقم 2170 وصدر في 15-08- 2014 بشأن التهديدات التي يتعرّض لها السلم والأمن الدوليين نتيجة الأعمال الإرهابية وفيه إدانة للفكر المتطرّف وتنديد بتجنيد المقاتلين الأجانب.
الثاني - رقم 2178 الصادر في 24 -09-2014 وفيه أيضاً إدانة للتطرّف والعنف والإرهاب، ويستعيد القرار 1373.
الثالث - رقم 2185 والذي صدر في 20 نوفمبر (تشرين الثاني) والذي أكّد على دور الشرطة كجزء من عمليات الأمم المتحدة لرفع درجة المهنية لمحاربة التطرّف والإرهاب.
الرابع - رقم 2195 في 19 -12- 2014 حثّ الدول على العمل الجماعي والتصديق على الاتفاقيات الدولية ذات الصلة وشدّد على العلاقة بين مكافحة الإرهاب والتطرّف المقترن بالعنف ومنع تحويل الإرهاب.
أسوق ذلك لأن المقاتلين الأفغان والعرب الأفغان، كانوا يسمّون مجاهدين، لأنهم يواجهون الاتحاد السوفيتي، أما المقاوم الفلسطيني والعربي، الذي يناضل من أجل حقوق شعب فلسطين في الانعتاق والتحرر وحق تقرير المصير، يسمّى إرهابيًا، وتلك مفارقات الوضع الدولي والسلوك غير السوي للقوى الدولية المتنفذة، التي تتعامل بطريقة ازدواجية وانتقائية في المعايير، كما يحدث اليوم في غزّة ، التي تتعرّض إلى حرب إبادة بكلّ معنى الكلمة.
رووداو: باعتقادكم هل تتحمّل المنطقة المزيد من الأزمات المسلحة؟
عبد الحسين شعبان: إن بؤرة التوتّر ومشروع العدوان والحرب المستمرة هي إسرائيل، ولعلّ الصراع العربي - الإسرائيلي هو أطول صراع في المنطقة، فقد مضى عليه أكثر من 75 عامًا وما يزال في تصاعد بسبب المشروع الصهيوني العنصري الإجلائي، وعدم الاعتراف بحقوق الشعب العربي الفلسطيني، ولاسيّما حقه في تقرير المصير. لقد كنت على الدوام متمسكًا بهذا المبدأ القانوني الدولي، والذي أعتبره حجر الزاوية في العلاقات الدولية، وهو ما عبّرت فيه عن موقفي التاريخي إلى جانب الشعب الكوردي، الذي له كامل الحق في تقرير المصير، وفقًا لإرادته الحرّة، وبما يلبي طموحه العادل والمشروع، وأن يعيش بسلام وأمن ورفاه أسوة بالشعوب كافة.
غياب المشروع الوطني
رووداو: هل الصراع الاقليمي في المنطقة لحفظ المصالح ام هو صراع آيدولوجي؟
عبد الحسين شعبان: هناك صراعات إقليمية بسبب تعارض المشاريع القومية في المنطقة، فالمشروع الإيراني هو مشروع قومي آيديولوجي مذهبي، يريد فرض هيمنته، وكذلك المشروع التركي، هو مشروع قومي آيديولوجي مذهبي هو الآخر يريد بسط سيطرته، لكن الخلل هو في غياب مشروع عربي أو مشروع عراقي مستقل يستطيع أن يكبح جماح هذه المشاريع في التمدد عراقيًا أو عربيًا، وبالتالي يمكن أن يقيم علاقات متوازنة بين دول المنطقة وشعوبها وأممها.
رووداو: وأين الكورد من هذا الصراع الاقليمي؟
عبد الحسين شعبان: كنت، قبل عقد ونيّف من الزمن، قد دعوت إلى حوار بين مثقفي الأمم الأربعة: الكرد والفرس والترك والعرب، على أساس المشترك الإنساني والمصالح المشتركة والمنافع المتبادلة، بعيدًا عن التدخل بالشؤون الداخلية أو محاولة فرض الهيمنة أو الاستتباع، مع احترام السيادة وحسن الجوار والعلاقات التاريخية، وأعتقد أن مثل هذا المشروع يحتاج إلى مأسسة وتواصل بتنمية العلاقات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية بين المثقفين بشكل خاص والشعوب المتجاورة والمتلاصقة، وكان سمو الأمير الحسن بن طلال قد تبنّى الفكرة وقاد حوارًا تحت عنوان أعمدة الأمة الأربعة، حضره عدد من الشخصيات التركية والإيرانية والعربية من مختلف الأقطار، وكذلك عدد من الشخصيات الكردية بينهم د. عبد الطيف رشيد، رئيس الجمهورية الحالي. ويمكن تحت هذا العنوان تأسيس مشروع حضاري وثقافي، لاسيّما وإن مثقفين الأمم الأربعة يلتقون على أرضية القيم الإنسانية المشتركة، تلك التي يمكن أن يحتكموا إليها، وإذا كان ثلاثة أمم لديها دولًا، فالأمة الكردية ما تزال محرومة منها، ومن وحدتها المنشودة، مثلها مثل طموح الأمة العربية إلى الوحدة.
رووداو: هل تعتقدون أن التصرف الإيراني هو محاولة لحل الأزمات الإيرانية الداخلية؟
عبد الحسين شعبان: أعتقد أن الحصار بدأ يفعل فعله في إيران، ولعلّنا نستذكر المعاناة العراقية المريرة بسبب الحصار، كما أن روسيا اليوم تعاني منه، فما بالك بإيران. وبالتأكيد فالدول أحيانًا تهرب من المشكلات الداخلية، إلى النزاعات الخارجية، كي تستطيع الحصول على التفاف شعبي، ولعلّ الولايات المتحدة هي الأخرى تشعر بالحرج بسبب تصدّع سمعتها الأخلاقية في الشرق الأوسط وسياسة الكيل بمكيالين، ففي حين تدين الحرب الروسية في أوكرانيا، وتقدّم الدعم المادي والمعنوي لها، فإنها في الوقت نفسه تدعم العدوان الإسرائيلي على غزّة، والأمر يحدث لعدد من الدول الغربية دون أية وخزة للضمير الإنساني.
إن منطقتنا وشعوبنا بحاجة إلى السلام والأمن والتنمية بجميع جوانبها المستدامة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والصحية والتربوية والتعليمية والقانونية والبيئية، وإلى تفاهمات وتسويات تاريخية تضع حدًا للعنف والنزاعات المسلحة، وتتعاون فيما بينها لخير بلدانها، بما يوفّر لها العيش الكريم والأمان والتطلّع إلى مستقبل أفضل. [1]